القصة الكاملة للعرض الإيراني السري 1/3

بواسطة علي حسين باكير قراءة 1944

القصة الكاملة للعرض الإيراني السري 1/3

 

بقلم: علي حسين باكير

 

تتسارع الأحداث والتطورات في منطقة الخليج العربي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في الآونة الأخيرة, وينذر التصعيد المتسارع بين الطرفين، بوقوع حرب كارثية لا تبقي ولا تذر.

وعلى الرغم من أن معظم السيناريوهات والكتاب يتحدثون بإسهاب مطلق عن الخيار العسكري، ويشيرون إلى هذا الاحتمال بنسبة كبيرة, إلا أن هناك من يرى أن الهدف من التصعيد الثنائي الحاصل حاليا، هو فتح باب للتفاوض الدبلوماسي المباشر بين إيران وأميركا، وإن كان لكل منهما شروطه التي يريدها من الآخر قبل الجلوس إلى طاولة الحوار.

الولايات المتحدة تريد أن تفرض هذا الخيار عبر التهديد بقوتها العسكرية الضخمة, في حين تقوم إيران باستخدام أوراقها "النووية" والإقليمية "في لبنان والعراق وفلسطين وعدد آخر من الساحات"، من أجل جر أميركا للتفاوض وفق شروطها.

وبين هذا وذاك، تصل المنطقة إلى ما نراه اليوم. من هذا المنطلق, نعرض في هذا التقرير المسهب القصة الكاملة للمساومات الإيرانية-الأميركية منذ العام 2001م، مرورا بالعرض الإيراني السري الذي تقدمت به إيران في العام 2003م إلى الولايات المتحدة للتفاوض عليه، والذي يجري الحديث عن إعادة إحيائه حاليا، مقابل الخدمات "الجليلة" التي أدتها لأميركا في احتلال أفغانستان والعراق, وكيف قاد الرفض الأميركي في مناقشة العرض إلى تطور النزاع بين الطرفين، واستعانة إيران بالملف النووي وحزب الله، كورقة للضغط لجر أميركا للموافقة على مناقشة العرض, وكيف سعت واشنطن إلى تجريد إيران من أوراقها قبل طرح الموضوع للنقاش, وصولا إلى التطورات والأحداث التي تجري اليوم على ارض الواقع.

* إدارة بوش الجديدة وبداية الحكاية:

عندما استلمت الإدارة الأميركية الحالية مقاليد السلطة بعد انتهاء فترة "الرئيس بيل كلينتون", كانت هناك مجموعتان تتصارعان لرسم سياسة محددة تجاه إيران. لقد كان ريتشارد أرميتاج، وكيل وزارة الخارجية الأميركية، والمقرب جدا من وزير الخارجية كولن باول، بطل المجموعة التي تريد فتح قنوات دبلوماسية وحوارية مع طهران.

أقام ارميتاج في إيران لعدة أشهر في العام 1975م، بصفته عضوا في فريق وزارة الدفاع الأميركية، مهمته عرقلة أو كبح جماح شراء الشاه لكمَ هائل من الأسلحة، خوفا من تضخم قدراته العسكرية, وقد كان أرميتاج منذ تلك اللحظة مهتما جدا بإيران, وقام خلال توليه منصب وكيل وزارة الخارجية، باستقدام "ريتشارد هاس"، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، وذلك من أجل رسم سياسة جديدة تجاه إيران.

عمل "هاس" لأربع سنوات في فريق الأمن القومي لإدارة الرئيس بوش، رئيسا لقسم الشؤون الخارجية في منطقة الشرق الأدنى وجنوب آسيا, سعى خلالها ومنذ صيف العام 2001م، إلى استكشاف إمكانية الانخراط مع إيران دبلوماسيا عبر تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وفق قانون العقوبات الليبي - الإيراني كخطوة أولى. لكن وبينما كان هذا الفريق يمهد الطريق لخط دبلوماسي مع إيران, حصلت هجمات 11 سبتمبر 2001م، الأمر الذي غير مفهوم الانخراط الأميركي مع إيران كليا.

* 11 سبتمبر وغزو أفغانستان: بوابة الاتصال الإيراني مع أميركا

بعد الهجوم الكبير، الذي شنته تنظيم القاعدة مباشرة, اجتمع المحلل في وكالة المخابرات المركزية "السي أي ايه"، والخبير في شؤون مكافحة الإرهاب، فلاينت ليفيرت، ترافقه مجموعة عمل صغيرة مع وزير الخارجية كولن باول, حيث تم اقتراح فتح قنوات مع الدول الداعمة للإرهاب، والتي لن يكون باستطاعتها في هذه اللحظة أن تظهر الجانب السلبي لها، لأن الولايات المتحدة ستخوض حربا عالمية ضد الإرهاب بشرعية كاملة من الأمم المتحدة.

وخلال أسابيع قليلة، اتصلت كل من إيران, سورية, ليبيا والسودان بالولايات المتحدة عبر قنوات مختلفة، عارضة مساعدة الولايات المتحدة في القضاء على القاعدة.

وذكر ليفيرت حينها، أن الإيرانيين أبلغوه أنهم يكرهون القاعدة أكثر منهم، وأن لإيران مصلحة وثأر في القضاء عليها, وأن بإمكان طهران أن تساعد الولايات المتحدة عبر القنوات والمصادر المهمة التي تمتلكها في أفغانستان، والتي من الممكن أن تكون مفيدة لها في هذا الموضوع إذا أراد الأميركيون التعاون.

إذ كانت الحكومة الإيرانية من أوائل حكومات العالم التي دانت الهجوم، إن لم تكن أولهم. فقد سارع الرئيس الإيراني محمد خاتمي آنذاك بإدانة هذه التفجيرات بعد ساعات فقط من وقوعها, ولأول مرة منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979م، تم إيقاف شعار "الموت لأميركا" في خطبة الجمعة المركزية في طهران.

وأدان "محسن أرمين"، نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني التفجيرات، واصفًا إياها بالعمل الإجرامي غير المقبول, وقام 165 عضوًا من أعضاء مجلس الشورى، البالغ عدده 290 عضوًا، بالتوقيع على وثيقة أعربوا فيها عن تعاطفهم مع الشعب الأميركي, وطالبوا بحملة دولية لمكافحة الإرهاب, وقد بعث كل من "محمد عطريا نفر", رئيس مجلس مدينة طهران, ومرتضى الويري, رئيس بلدية طهران برسالة إلى عمدة نيويورك, رودولف جولياني، جاء فيها: "لقد استقبلنا الأعمال الإرهابية الأخيرة التي راح ضحيتها الكثير من المواطنين الأبرياء ببالغ الأسى والحزن, ومما لا شك فيه أن هذه الأعمال لا تستهدف مواطني مدينتكم فقط, بل إنها تستهدف كل مواطني العالم, ونحن نيابة عن مواطني مدينة طهران ندين وبشدة هذه الأعمال غير الإنسانية ومرتكبيها, ونقدم خالص مواساتنا لسيادتكم ولمجلس المدينة ولكل مواطني نيويورك الأعزاء, آملين أن يتم استئصال جذور الإرهاب".

لقد كانت تلك اللحظة بداية لفترة مميزة جدا وغير عادية من التعاون الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وإيران. وبينما كانت الولايات المتحدة تستعد للهجوم على أفغانستان, قام مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، "ريان كروكر"، بعقد سلسلة من الاجتماعات السرية مع مسؤولين رسميين إيرانيين في جنيف - سويسرا.

في هذه الاجتماعات، تم التباحث عما تستطيع إيران تقديمه من مساعدة في الهجوم المرتقب على أفغانستان, وقد اقترح الإيرانيون تقديم أربع أنواع من المساعدة، وهي:

1- نشر فرق للبحث والإنقاذ لمساعدة الأميركيين على طول الحدود مع أفغانستان وداخلها إذا اقتضى الأمر.

2- تقديم المساعدات الإنسانية.

3- والأهم من كل هذا، إعطاء الأميركيين معلومات وبيانات وإحداثيات لأهم المواقع التي يجب عليهم قصفها في أفغانستان، كما عرضت على الأميركيين الكثير من النصائح بشأن التفاوض مع المجوعات الاثنية والعرقية الرئيسية في البلاد ومع التوجهات السياسية، بعد الإطاحة بنظام طالبان من خلال خبرتهم الناجمة عن دعم تحالف الشمال ضد حركة طالبان لفترة طويلة.

استمر زخم التقارب الإستراتيجي بين الأميركيين والإيرانيين بالصعود في نوفمبر وديسمبر من العام 2001م. في أوائل ديسمبر, وخلال مؤتمر "بون"، الذي عقد بعد الإطاحة بنظام طالبان لتنصيب حكومة جديدة للبلاد, ضغط الإيرانيون على حلفائهم في تحالف الشمال، لتقليل المطالبة بعدد أكبر من المقاعد, كما حرصت إيران على أن يتضمن الاتفاق الختامي، عبارة محاربة الإرهاب.

جاء ذلك بعد عرض إيراني قدمه د. محسن رضائي، الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، خلال حديثه في فضائية الجزيرة، عندما قال: "إن الخلاص منه ـ أي المستنقع الأفغاني ـ يجب أن يمر عبر إيران, وإذا وصلت أميركا إلى طريق مسدود في أفغانستان، لابد وأن تحصل على طريق للخلاص من هذا الطريق المسدود, فإيران طريق جيد, وإيران يمكن بشتى الطرق أن تحل هذا الطريق, وتخلص المنطقة من الأزمة الحالية, وتنتهي هذه الأزمة".

وقد أشاد المبعوث الخاص الأميركي جيمس دوبنز بالدور الإيراني والتعاون الكامل آنذاك، وكذلك فعل المحلل في وكالة المخبرات المركزية "سي أي ايه"، والخبير في شؤون مكافحة الإرهاب، فلاينت ليفيريت، قائلا: "ما كان لاجتماع ـ بون ـ أن ينجح لولا التعاون الإيراني الكبير, لقد كان لهم فعلا نفوذ كبير على حلفائهم، واقترحوا علينا استثمار هذا النفوذ التابع لهم لصالح التعاون والتنسيق الدائم بين إيران وأميركا".

ونظرا للتعاون الإيراني المنقطع النظير في مرحلة تاريخية حرجة للولايات المتحدة, قام مكتب التخطيط السياسي الأميركي بإعداد تقرير في نهاية نوفمبر، يقترح اغتنام "فرصة حقيقة"، لقيام تعاون كبير بين إيران والولايات المتحدة ضد القاعدة. لقد اقترح التقرير تبادلا للمعلومات وتنسيقا مشتركا على الحدود، خاصة وأن إيران، باستطاعتها تأمين معلومات استخبارية تكتيكية بشكل ممتاز. وقد دعم هذا الاقتراح آنذاك كل من المخابرات المركزية ومنسق مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، وايني داونينغ.

لقد كانت الإستراتيجية، التي تبناها كل من هاس وليفيريت بدعم من ريتشارد أرميتاج وكولن باول، تقتضي استغلال رغبة الدول المدرجة على لائحة الإرهاب في التعاون مع الولايات المتحدة، خاصة سورية وإيران، وذلك من أجل إحداث تغيير جذري في السياسيات معها، واستغلال المفاوضات معها من أجل فتح حوار حول دعمها للمجموعات الإرهابية، للوصول إلى مساومات تقتضي شطبهم من لائحة الدول الداعمة للإرهاب إذا نفذوا ما يطلبه الأميركيون منهم بهذا الشأن.

مع إيران, فإن هذه المحادثات كان يمكن لها أن تتطرق لأمور أخرى، من بينها البرنامج النووي الإيراني.

لقد كان فريق التخطيط السياسي المذكور يعد لجميع الخيارات والمستويات، التي من الممكن إن تُدرج ضمن بنود التفاوض، والمنافع التي يمكن أن تقود إليها مثل هذه المفاوضات مع إيران للطرفين, حيث تتراوح العروض من دعم عضوية إيران في منظمة التجارة العالمية، وصولا إلى إعطائها ضمانات أمنية.

وقد وصف ويلكرسون، رئيس الفريق المساعد لوزير الخارجية الأميركية آنذاك لـ كولن باول، الخطة بأنها اتفاق حقيقي كبير.

تم اعتبار الفترة الممتدة بعد 11 سبتمبر 2001م، من أكثر الفترات الواعدة والايجابية للانفتاح الإيراني على أميركا منذ انقطاع العلاقات بين البلدين في العام 1979م، وقد كشفت إيران فيما بعد عن مدى هذا التعاون بينها وبين أميركا، والخدمات الجليلة التي قدمتها لها في محاول للتقرب من "الشيطان الأكبر", إذ نقلت وسائل الإعلام في 9/2/2002م عن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الرئيس الإيراني السابق; علي أكبر هاشمي رفسنجاني، قوله في يوم 8 فبراير في خطبته بجامعة طهران: "إن القوات الإيرانية قاتلت طالبان, وساهمت في دحرها, وإنه لو لم تُساعد قواتهم في قتال طالبان لغرق الأميركيون في المستنقع الأفغاني...يجب على أميركا أن تعلم أنه لولا الجيش الإيراني الشعبي ما استطاعت أميركا أنْ تُسْقط طالبان".

ونقلت الوكالات فيما بعد في 15 مارس 2002م عن صحيفة "نوروز" الإيرانية، ما أكده نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني الإصلاحي، محسن أرمين، عن "وجود اتصالات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران, وأن هذه الاتصالات لطالما كانت قائمة في السنوات الماضية, وبحسب مصادر سياسية في إيران، تمت مثل هذه "الاتصالات" خلال الأشهر الماضية في عدد من الدول الأوروبية".

لكن حصلت استدارة أميركية فيما بعد عبر المحافظين الجدد في البيت الأبيض. ووفقا للخبير بالشؤون الإيرانية والمؤرخ غارثر بورتر, فقد عرقل المحافظون الجدد هذا الانفتاح، وتبخرت كل خدمات إيران، عندما تم وضعها في لائحة محور الشر، كما أراد الرئيس بوش رغم معارضة مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايز ونائبها ستيفن هادلي لذلك, فيما ساند كل من نائب الرئيس ديك تشيني, ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد واليميني دوغلاس فيث توجهات بوش تجاه إيران".

وفي ذلك الوقت, تم تسريب العديد من الأخبار عن أن إيران تقوم بتهريب عناصر القاعدة المنسحبين من أفغانستان، وتسهيل دخولهم إلى أراضيها. لكن وفقا للمحلل في وكالة المخبرات المركزية "السي أي ايه"، والخبير في شؤون مكافحة الإرهاب فلاينت ليفيريت، والذي التقى مسؤوليين رسميين إيرانيين في جنيف مرات عديدة, فإن الحقيقة كانت أن الإيرانيين قد اتخذوا خطوات كبيرة وتعانوا بشكل فعال مع واشنطن, وأن هذا التسريب عن تعاون إيران مع القاعدة، كان يهدف إلى ضرب الانفتاح الإيراني.

يقول ليفيريت: حتى إن الإدارة الأميركية، طلبت من الإيرانيين آنذاك أن يزيدوا من عدد حراس الحدود على تلك الجبهة لرصد عناصر القاعدة ومواجهتهم في ذلك الوقت, فقامت إيران بالاستجابة فورا لهذا الطلب, بل إنها استجابت أيضا لطلب واشنطن حجز أي شخص من الواردة أسماؤهم على لائحة تم تقديمها للإيرانيين, وطلبت واشنطن من إيران أن تمنع هروب أي من الواردة أسماؤهم في القائمة، والذين من الممكن أن يكونوا قد دخلوا إيران سرا, فقامت إيران بتعميم أسمائهم على الحدود تلبية لطلب واشنطن.

انعكس التراجع الأميركي على الوضع الإيراني, ورأت إيران أنها لم تحصل على شيء مهم مقابل ما قدمته للإدارة الأميركية من خدمات جليلة وكبيرة جدا، ما كان باستطاعة أحد في المنطقة أن يقدمها, فانعكس ذلك بشكل سلبي على القيادة الإيرانية، وأعلن آية الله "علي خامنئي" في مايو من العام 2002م، أن المفاوضات مع الولايات المتحدة أمر عديم الفائدة.

* الفرصة الإيرانية الثانية: مساعدة أميركا في غزو العراق مقابل الحصول على مكاسب إستراتيجية

شكلت الحرب المرتقبة على العراق فرصة أخرى لقيام كل من إيران والولايات المتحدة بفتح قنوات اتصال بينهما. فقد اعتقدت إيران أن الفرصة سانحة لإعادة اختبار الموقف الأميركي، الذي يحتاج إلى إيران بشدة في مثل هذه الظروف, وبالتالي إمكانية كسب صفقة مهمة جدا مع الأميركيين على حساب العراق والمنطقة.

وبالفعل، فقد انقلبت الحسابات الإيرانية بشكل دراماتيكي من جديد، عندما قررت الولايات المتحدة غزو العراق.

ففي أواخر العام 2002م، قام السفير الأميركي في أفغانستان زلماي خليل زاد بعقد اجتماعات مع مسؤولين حكوميين إيرانيين في جينيف ـ سويسرا عبر دبلوماسية الأبواب الخلفية، التي تشتهر إيران بها منذ الثورة الإسلامية, طالبا المساعدة في نقطتين اثنتين مبدئيا:

ـ الأولى، تتمحور حول مساعدة إيران لأي طيار أمريكي تسقط طائرته في الأراضي الإيرانية خلال الهجوم على العراق.

ـ أما الثاني، فيتمحور حول الطلب من إيران عدم إدخال أي قوات أو ميليشيات إلى العراق خلال الهجوم.

وقد وافقت إيران على هذين المطلبين، مقابل وعد أولي من قبل زلمان خليل زاد، بأن لا يتم مهاجمة إيران بعد الإطاحة بنظام صدام حسين.

وعلى الرغم من التعاون الإيراني والاستجابة الأميركية, كان هناك شك لدى كل طرف بنوايا الطرف الآخر، وأنه يبيت له. لقد كان هناك اقتناع لدى المسؤولين في مجلس الأمن القومي الإيراني، أن الولايات المتحدة ما إن تنتهي من العراق وتتمركز فيه وتستقر، حتى تبادر إلى الهجوم على إيران.

وقد أكد ذلك تريتا بارسي، المتخصص في السياسة الخارجية الإيرانية في جامعة "جون هوبكنز" للعلاقات الدولية المتقدمة, وقد التقى عددا كبيرا من المسؤولين الإيرانيين، وأجرى معهم عددا من اللقاءات والمقابلات، ومن بينهم رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني ووزير الخارجية الإيرانية أيضا, حيث نقل وجهة نظرهم القائلة: "إذا لم نفعل شيئا الآن, فستكون إيران التالية".

رأى المسؤولون الرسميون الإيرانيون، أن الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأميركية تكمن في تقديم مساعدة أكبر وأهم لها في غزو العراق عبر الاستجابة لما تحتاجه, مقابل ما ستطلبه إيران منها, على أمل أن يؤدي ذلك إلى عقد صفقة متكاملة، تعود بموجبها العلاقات الطبيعية بين البلدين وتنتهي مخاوف الطرفين.

عمل الإيرانيون على استغلال فترة الهجوم الأميركي على العراق من أجل طرح "صفقة" مع الولايات المتحدة، تمهد الطريق أمامهم لتحسين العلاقات والتفاوض لمصلحة إيران.

وبالفعل في بداية عام 2003م، كان الإيرانيون يعتقدون أنهم يمتلكون ثلاث عناصر جديدة، تخولهم دفع وجر أميركا للتفاوض، وهي:

أولا: النفوذ الإيراني الكبير في عراق ما بعد صدام, من خلال الميليشيات والأحزاب السياسية الشيعية والمنظمات الشيعية العسكرية التي تم تدريبها في إيران، والتي عادت إلى العراق لتنخرط في إطار الحكم.

ثانيا: قلق إدارة بوش المتزايد حول البرنامج النووي الإيراني.

ثالثا: رغبة الأميركيين في استجواب عناصر تنظيم القاعدة، الذين قامت إيران باحتجازهم في العام 2002م.

وبينما كان الأميركيون يغزون العراق في ابريل من العام 2003م، كانت إيران تعمل على إعداد "اقتراح" جريء ومتكامل، تتضمن جميع الموضوعات المهمة، لتكون أساسا لعقد "صفقة كبيرة" مع الأميركيين عند التفاوض عليها لحل النزاع الأميركي ـ الإيراني.

قام "صادق خرازي"، سفير إيران في فرنسا آنذاك، وهو قريب وزير الخارجية الإيراني "كمال خرازي"، بصياغة مسودة "وثيقة الاقتراح"، وقد حصلت هذه المسودة على موافقة مباشرة من القادة الإيرانيين، وعلى رأسهم المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية "علي خامنئي".

ومن أجل التأكيد على أن هذه الوثيقة هي اقتراح رسمي جاد من إيران, تم إرفاقها برسالة تبين موافقة المرشد الأعلى للجمهورية شخصيا عليها, وتم تسليمهما إلى السفارة السويسرية في طهران (والتي تلعب دور راعي المصالح الأميركية بعد انقطاع العلاقات الدبلوماسية الثنائية الإيرانية-الأميركية) إلى شخص السفير "تيم غولديمان"، الذي لعب دور الوسيط، وقام بنقلها إلى الإدارة الأميركية.

وقد أكدت المقابلات التي أجراها تريتا بارسي مع مسؤولين رسميين إيرانيين في أغسطس من العام 2004م، موافقة وانخراط المرشد الأعلى علي خامنئي على هذه الوثيقة وقبوله بالصفقة.

(يتبع)



مقالات ذات صلة