إلى المخدوعين بـ"يوم القدس العالمي"
هيثم الكسواني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
المقدمة
تتقاطر الفتن على الأمة من كل حدب وصوب، فالشهوات والشبهات والدعوات إلى البدع والأهواء أحاطت بنا إحاطة السوار بالمعصم، وليس من قبيل المبالغة القول إن ما يُسمى بـ (يوم القدس العالمي) الذي دعا إليه مؤسس الجمهورية الإيرانية الخميني في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك من كل عام هو من الفتن التي وقع فيها الكثير من المسلمين في زماننا.
وهنا قد يتساءل البعض: وما المشكلة في تخصيص يومٍ للقدس، يتذكر فيه المسلمون هذه المدينة المقدسة المحتلة والمسجد الأقصى الأسير، ومعهما قضية فلسطين التي طواها أو يكاد يطويها النسيان وسط كمّ كبير من القضايا والأزمات والصراعات التي لفّت الأمة الإسلامية برمّتها؟
ونجيب: إن القضية ليست بهذه البساطة، ليست في تذكير الناس بالقدس وفلسطين، أو شحذ همم المسلمين لنصرتهما وتحريرهما من دنس الاحتلال، بل في استغلال القدس وفلسطين والمسجد الأقصى من قِبل إيران والشيعة لتحقيق مآرب مذهبية وسياسية، والنفاذ إلى المجتمعات الإسلامية وإيجاد موطئ قدم ونشر التشيع فيها، وإثارة الخلافات والاضطرابات في البلدان من خلال هذه المناسبة السنوية، وهذا هو لبّ الكتاب، وهذه هي خلاصة هذا البحث الذي نقدمه للقارئ الكريم.
وطيلة العقود الماضية شكّلت قضية فلسطين "رافعة" لكل مَن يريد أن يظهر ويرتفع من الأشخاص والحركات والأنظمة والدول، ليست إيران أوّلها، ولن تكون آخرها، فإن لفلسطين رمزية كبيرة، وقيمة دينية وسياسية لا تقدّر بثمن، ففي عاصمتها يقع المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين، وثاني مسجد وضع في الأرض، والمبارَك حوله، ومسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وثالث المساجد التي تُشدّ إليها الرحال، وأحد المساجد التي يضاعَف فيها أجر الصلاة.
وفلسطين كلها - ومن ضمنها القدس والمسجد الأقصى - واقعة تحت احتلال يهودي بغيض يُمعن في إذلال الفلسطينيين، وحرمانهم من جميع حقوقهم، ومحاصرتهم في مدنهم وقراهم، ومصادرة أراضيهم ومياههم، وهدم منازلهم، والاعتداء على مقدساتهم، التي هي مقدسات المسلمين جميعًا، ممّا يجعل الطريق ممهدة للتدخل في هذه القضية واستغلالها كورقة للمساومة ولتحقيق مصالح سياسية.
ومما يُحزن ويؤلم أن الكثيرين ممن رفعوا شعارات نصرة المسجد الأقصى والقدس وفلسطين، وأطلقوا على بعض مؤسساتهم وميليشياتهم اسم "القدس"، هم ممّن أذاقوا الشعب الفلسطيني الويلات، وارتكبوا بحقّه المجازر والاعتداءات داخل فلسطين وخارجها، وتآمروا على قضيته.
نتناول في هذا الكتاب جانبًا من حياة الخميني، صاحب الدعوة إلى يوم القدس، وشيئًا من ممارساته وسياسته، ونشأة فكرة يوم القدس، ونتعرض لها بالنقد بالتحليل، ثم نورد بالتفصيل الأسباب التي تدفعنا لرفض هذا اليوم، ومنها حقيقة المعتقد الشيعي في المسجد الأقصى وفلسطين، وما صرّحوا به هم أنفسهم من اتخاذ فلسطين مطيّة لتحقيق أهدافهم، وبسبب ما ارتكبه الشيعة من مذابح بحق الشعب الفلسطيني الذي يدّعون نصرته، وغير ذلك من الأسباب التي يجدها القارئ في ثنايا الكتاب.
أسأل الله في ختام هذه المقدمة أن ينفع بهذا الكتاب ويجعله خالصًا لوجهه الكريم وأن يجزي القائمين على نشره خير الجزاء.
هيثم الكسواني
المبحث الأول:
الخميني حياته وممارساته
وُلد روح الله مصطفى الخميني في بلدة (خُمين) بمحافظة أصفهان في إيران سنة 1320هـ / 1902م، وفيها بدأ دراسته الدينية، ثم انتقل إلى مدينة أراك حيث درس على يد عبد الكريم اليزدي الحائري، وعندما انتقل هذا الأخير إلى مدينة قُم انتقل الخميني معه، وصار يدرس في حوزتها. وإضافة إلى الدروس الدينية كان للخميني اهتمام بالفلسفة والرياضيات والتصوف.
وفي سنة 1964م، تم اعتقال الخميني بسبب نشاطه المعادي لشاه إيران، محمد رضا بهلوي، ونفيه في بادئ الأمر إلى تركيا التي مكث فيها أحد عشر شهرا، فالعراق الذي استضافه وعاش فيه قرابة 15 سنة، وتحديدًا في مدينة النجف، ثم إلى فرنسا التي وصلها في 6/10/1978م، وما هي إلاّ أشهر قليلة حتى انهار نظام الشاه، وعاد الخميني إلى إيران قائدًا لثورتها وزعيمًا لجمهوريتها الوليدة التي قامت على أنقاض النظام الملكي، كان ذلك في شهر شباط/ فبراير من العام 1979م.
توفي الخميني في حزيران/ يونيو من عام 1989م، ودُفن بالقرب من مقابر جنة الزهراء (بهشت زهراء)، في جنوب طهران، في المكان الذي أصبح يُسمى فيما بعد "حرم الإمام الخميني"([1]).
وخلال هذه السنوات العشر من حكمه قاد الخميني إيران بالحديد والنار، ومارس حكمًا أسوأ بكثير من نظام الشاه الذي ثار عليه، وصارت مشاهد الإعدامات والاغتيالات الفردية والجماعية لمعارضي نظام حكمه جزءًا من الحياة اليومية في إيران، حتى أن محاكم الثورة بلغت حدًّا في الوحشية والإجرام فاق كل الحدود والتصورات([2])، إضافة إلى قمع جميع المتطلعين إلى الحرية والاستقلال والكرامة من القوميات غير الفارسية كالعرب الأحوازيين والبلوش والتركمان والأكراد وغيرهم.
أما على الصعيد الخارجي، فلم يكن الوضع أحسن حالاً، فمنذ اليوم الأول لانتصار ثورته على الشاه، تبنّى الخميني مبدأ "تصدير الثورة" خارج حدود إيران، مما أدى إلى توتر علاقة إيران مع جيرانها، وفي مقدمتهم العراق الذي خاضت إيران معه حربا امتدت ثماني سنوات (1980 - 1988م) رفض خلالها الخميني كل الوساطات ومساعي الصلح لوقف الحرب، ولم يذعن لوقف إطلاق النار إلا بعد بروز التفوق العراقي، وحينها اعتبر الخميني موافقته على وقف الحرب كمن "تجرّع السم".
وإضافة إلى العراق، امتدت الأطماع والتدخلات لتشمل جزءا كبيرا من العالم، جزء من ذلك تفسّره نظرية "ولاية الفقيه"([3]) التي توجب على جميع الناس الانقياد لمرشد الثورة الإيرانية! باعتباره وليًّا لأمر المسلمين([4]).
وتحْت شعارات تصدير الثورة ودعم المقاومة وحماية المستضعفين([5]) ومحاربة المستكبرين والعملاء والمنافقين أعطى الخميني لنفسه الحق بالتدخل بشؤون الدول الأخرى، لا سيّما دول الجوار ودول الخليج العربي، ونصّب نفسه حاميًا وإمامًا لجميع الشيعة في العالم، أيًّا كانت جنسياتهم.
ولم تكن فلسطين بمنأى عن التدخل الخميني، وتدخل أتباعه مِن بَعده، رغم أنها بلد سني، لا وجود للشيعة فيه، لكن لفلسطين رمزية كبيرة، وقيمة دينية وسياسية لا تقدّر بثمن، كما أشرنا في مقدمة هذا الكتاب.
المبحث الثاني:
يوم القدس الفكرة والنشأة
"إنني أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم لتكريس يوم الجمعة الأخيرة من هذا الشهر الفضيل من شهر رمضان المبارك ليكون يوم القدس، وإعلان التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين.
لسنوات عديدة، قمتُ بتحذير المسلمين من الخطر الذي تشكله إسرائيل الغاصبة، والتي اليوم تكثّف هجماتها الوحشية ضد الإخوة والأخوات الفلسطينيين، والتي هي، في جنوب لبنان على وجه الخصوص، مستمرة في قصف منازل الفلسطينيين على أمل سحق النضال الفلسطيني. وأطلب من جميع المسلمين في العالم والحكومات الإسلامية العمل معا لقطع يد هذه الغاصبة ومؤيديها.
وإنني أدعو جميع المسلمين في العالم لتحديد واختيار الجمعة الأخيرة في شهر رمضان الكريم - الذي هو في حد ذاته فترة محددة يمكن أيضًا أن يكون العامل المحدد لمصير الشعب الفلسطيني - وتسميتها بيوم القدس العالمي وذلك خلال حفل يدل على تضامن المسلمين في جميع أنحاء العالم، تعلن تأييدها للحقوق المشروعة للشعب المسلم. أسأل الله العلي القدير أن ينصر المسلمين على الكافرين".
بهذه الكلمات أنشأ المرجع الشيعي الإيراني ومؤسس الجمهورية الإيرانية روح الله الخميني مناسبةً سنويةً في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك تُسمّى يوم القدس العالمي (روز جهاني قدس)، وقد جاء الإعلان عنها في شهر رمضان من العام 1399هـ (أغسطس/ آب 1979م)، كان ذلك عقب انتصار ثورته على نظام الشاه بأشهر قليلة.
ومنذ ذلك الحين، يشكل يوم القدس العالمي مناسبة هامة لإيران وأتباعها ومناصريها، ففيه تخرج المظاهرات والمسيرات التي تندّد بالاحتلال اليهودي لفلسطين وتعلن الوقوف مع الشعب الفلسطيني، وتدعو لتحرير أرضه، وترفع فيه شعارات "يا قدس قادمون" و"الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل"، وتُلقى فيه الخطب والبيانات، وتُرفع فيه صور الخميني وخليفته علي خامنئي وعدد من قادة الشيعة ومراجعهم في إيران وخارجها، وتحظى هذه المناسبة بتغطية إعلامية كبيرة من وسائل الإعلام الإيرانية والتابعة لإيران، إضافة إلى عدد من وسائل الإعلام الأخرى.
بدايةً؛ لا يمكن إنكار أن الدعوة الإيرانية ليوم القدس قد لاقت أصداء في حينه، أي في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، "حيث كان الخميني في نظر الجماهير العربية وبعد الإطاحة بعرش طاووس إيران الأمريكي محمد رضا بهلوي، هو المنقذ، ووصل الوهم لدى بعض الناس مستويات لا سقف لها"([6]).
وللحُكم على هذه المناسبة وعلى هذا اليوم، فإنه من الضروري النظر للموضوع من عدة زوايا، لا من زاوية واحدة، وقراءة ما يقوله ويكتبه الشيعة أنفسهم عنها في بعض الأحيان:
يشكل الإعلان عن يوم للقدس عملا دعائيا بامتياز لإيران والشيعة، الذين أجادوا دومًا استغلال الدعاية لخدمة أهدافهم، ولنا مثلاً في ادّعاء المظلومية أو ادّعاء الأكثرية من قبل الشيعة في بعض البلدان أكبر الأمثلة على توظيف الدعاية لخدمة الأهداف، وقد أشار إلى شيء من هذا رئيس وزراء إيران الأسبق مير حسين موسوي (المعارِض لاحقا) من أن "جميع الشعارات والمراسم والمناسبات الإسلامية والثورية للنظام كيوم القدس ومعاداة إسرائيل هي مجرد وسائل وأدوات بيد النظام لخدمة مصالحه في الداخل والخارج"([7]).
أجاد الخميني استغلال الدعاية على أكمل وجه لخدمة أهدافه، وكان ذلك في وقت مبكر خلال معارضته لنظام الشاه، فإضافة إلى تأليف الكتب (لا سيّما كتابيه الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه) التي أكد فيها على ضرورة الثورة وقيام الحكم "الإلهي" الذي يمثله الفقهاء، استخدم الخميني سلاحا دعائيا فتّاكا في ذلك الزمن، وهو أشرطة الكاسيت، لدعوة الإيرانيين إلى الثورة وبثّ خطبه النارية "حتى لقد سُمّيت ثورته بثورة الكاسيت"([8]).
ولشدة ما استعمل الخميني من وسائل دعائية قبل الثورة وبعدها، وما حققته من نتائج، صار بالإمكان القول "إن الخميني هو أهم رواد الدعاية الشيعية الحديثة"([9]).
يشكل الاحتفال بيوم القدس مناسبة لتمجيد الخميني من قبل أتباعه وإحياء ذكره وذكر بعض المراجع والزعماء الشيعة الآخرين، حيث يعد تفخيم الزعماء والأئمة المقدّسين عند الشيعة السِّمة الرئيسة للخطاب الديني الشيعي والإيراني "وكان للخميني النصيب الأوفر من تلك القداسة المتوارثة، ولا غرابة في ذلك فالشيعة يعتبرونه نائب الإمام المنتظر"([10]).
يدعو الشيعة –بلا خجل- إلى انتهاج كل ما من شأنه تمكين طائفتهم والرفع من شأن إيران، ومن ذلك كسب تأييد الآخرين لمواقفهم وسياساتهم، بل وحتى عقائدهم، وما مِن شك أن إعلان يوم للقدس يؤدي إلى كسب ولاء قطاعات كثيرة من المسلمين لإيران والشيعة، ويرى الكاتب الشيعي صادق جعفر أن كسب التأييد هو من الاستراتيجيات التمكينية العامة للشيعة، ويشرحه بقوله: "السعي لكسب تأييد الآخرين السياسي والديني والإعلامي والحقوقي لقضايا الشيعة ومواقفهم وأفكارهم وعقائدهم في كل مكان يتواجدون فيه"([11]).
وفي ذات السياق يرى الشيعة أن الإعلام والقوة الناعمة([12]) يُعتبران من أهم الأدوات لكسب تأييد الآخرين لقضاياهم ومطالبهم([13])، وبالتأكيد يمكن اعتبار يوم القدس وما يتم فيه من مسيرات ورفع لصور قادة الشيعة في إطار تسخير الإعلام والقوة الناعمة لخدمة إيران والشيعة.
المبحث الثالث: نموذج لاحتفالات يوم القدس
ما من شك أن ما تخطط له إيران من (يوم القدس العالمي) للترويج للتشيع ولقادتها والنفاذ إلى المجتمعات الإسلامية قد انطلى على عدد من المسلمين السنة الذين انبروا للدفاع عن ذلك اليوم وتمجيد السياسة الإيرانية، وسنعرض في هذه العجالة مثالا واحدا فقط لذلك من خلال أقوال عدد من مسؤولي التنظيمات الفلسطينية، خلال الاحتفال بيوم القدس في العام الماضي (1441هـ / 2020م) في لبنان، حسب ما أورده موقع العهد الإخباري الشيعي، لنرى مقدار النجاح الذي حققته إيران من خلال "يوم القدس".
ممثل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان إحسان عطايا يقول: "إحياء يوم القدس هو إحياء لهذا المشروع المقاوم واستمرار للنهج الذي أطلقه الإمام الخميني الموسوي، والذي كان نهج الجمهورية منذ ما بعد انتصار الثورة".
ووجّه عطايا كلمة لمرشد الثورة الإيرانية علي الخامنئي يقول فيها: "بوركت مقاومتكم، ما زلتم على نهج الخميني الراحل، لا بد بقيادتكم للشعوب الحرة في العالم أن تنتصر.. إن المقاومة الفلسطينية مدينة لكم بالشكر والتقدير على دعمكم الدائم والمستمر لها لتحرير كل فلسطين، وتعزيز قدرات مقاومتها وإنشاء فيلق القدس. إن القدس وفلسطين حاضرة في وجدانكم وعقيدتكم وسلوكياتكم نحو الأمة على عكس الكثير من الدول اللاهثة وراء التطبيع لخَطْب ودّ الصهاينة".
القيادي في حركة حماس إسماعيل رضوان دعا جماهير الأمة العربية والإسلامية لإحياء يوم القدس العالمي بأساليب مناسبة، ... وثمّن جهود الخميني لإحياء فكر وثقافة القدس وفلسطين.
ممثل حركة فتح في لبنان فتحي أبو العردات: "يوم القدس العالمي هو تذكير بأهمية القدس لأن البعض نسيها"، وإن إعلان الخميني يوما للقدس في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان "كان يستشرف المستقبل ويذكّر أن القدس أمانة في أعناقنا جميعا ...".
ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان مروان عبد العال: "لإعلان آية الله الخميني التاريخي ليوم القدس العالمي دلالة كبيرة، هي الوقوف إلى جانب القدس وفلسطين، وهو موجّه للعالم بأَسره باعتباره يوما لنصرة الشعب الفلسطيني وكفاحه وحقه ورفضًا للاستكبار الصهيوني الذي هو سبب مظلومية هذا الشعب".
ويضيف عبد العال: "بكثير من التقدير نرى أن هذا اليوم لا يزال يُعيد كل عام إنتاج القضية الفلسطينية، في ظل تخلي الكثيرين عنها وفي ظل هجمة المطبعين الذين يحاولون نقض الرواية الأصيلة والحق التاريخي الثابت المشروع، وبالتالي لهذا اليوم دلالات عديدة تتبلور وتتضح عاما بعد عام وتؤكد وقوف الجمهورية الإسلامية في إيران إلى جانب الشعب الفلسطيني قولاً وفعلاً"([14]).
المبحث الرابع: لماذا نرفض يوم القدس (الإيراني)؟
أولا: المعتقد الشيعي في المسجد الأقصى وفلسطين
يقوم المعتقد الشيعي على التقليل من شأن القدس وفلسطين والمسجد الأقصى، بل العداء والحقد، ونوجز هذا المعتقد في النقاط الآتية:
يَعتقد الشيعة أن المدن التي تحوي مقامات وأضرحة أئمتهم كالنجف وكربلاء والكوفة ومشهد وقُم هي أفضل الأماكن وأقدسها، ومقدَّمة على غيرها، حتى على مكة والمدينة وبيت المقدس. وقد جزمت بذلك الكثير من أحاديثهم ورواياتهم وأقوال علمائهم، منها ما جاء في تفصيل وسائل الشيعة للحر العاملي ونسبوه زورًا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "مكة حرم الله، والمدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وآله، والكوفة حرمي لا يريدها جبار بحادثة إلاّ قصمه الله"، ومنها ما أورده علاّمتهم المجلسي في بحار الأنوار: "اتخذ الله أرض كربلاء حرمًا آمنًا مباركًا قبل أن يخلق الله أرض الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام، وقدّسها وبارك عليها، فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدسة مباركة، ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة، وأفضل منزل ومسكن يُسكن فيه أولياءه في الجنة"([15]).
يكفّر الشيعة بلدانا وشعوبا بأكملها، كأهل الشام (وبطبيعة الحال أهل فلسطين)، ففي الكافي للكليني عن أبي بكر الحضرمي قال: قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: أهل الشام شرّ أم أهل الروم؟ فقال: إن الروم كفروا ولم يعادونا، وإن أهل الشام كفروا وعادونا"([16]).
أما المسجد الأقصى الذي أجمع المسلمون على مكانه ومكانته، وتعلّقت به أفئدة المؤمنين، فله عند الشيعة شأن آخر! فإن عقولهم لم تتقبل أن يكون للقدس والمسجد الأقصى المكانة والقدسية العالية ما دام فتح بيت المقدس تمّ على يد الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وتم تجديد المسجد الأقصى من قبل الأمويين، ثم تحريره من يد الصليبيين على يد البطل صلاح الدين الأيوبي([17]).
ولأن جميع من ذكرناهم هم من أعداء الشيعة، فقد قلّل الشيعة من شأن الأقصى، بل واخترعوا قولاً عجيبا غريبا، وهو أن المسجد الأقصى الذي أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إليه هو مسجد في السماء الرابعة!
ويلخّص عباس القمي في كتابه "منتهى الآمال" رأي الشيعة في هذه المسألة فيقول: "والمشهور على أن المسجد الأقصى هو بيت المقدس، ولكن يظهر من الأحاديث الكثيرة أن المراد منه هو البيت المعمور الذي يقع في السماء الرابعة وهو أبعد المساجد"([18]).
وقد ألّف أحد علمائهم ومؤرّخيهم المعاصرين، وهو جعفر مرتضى العاملي (1945 – 2019م)، كتابا ضخما بعنوان "الصحيح من سيرة النبي الأعظم" ويقع في 35 جزءا، وأورد فيه أباطيل الشيعة المتعلقة بالمسجد الأقصى وأنه في السماء، وقد كافأت إيران العاملي بأن اختارت كتابه هذا كتاب العام في إيران، وكرّمه الرئيس الإيراني -آنذاك- محمود أحمدي نجاد شخصيًّا([19]).
ثانيا: تصريح الشيعة باتخاذهم فلسطين مطيّة
لا يُخفي الشيعة أنفسهم أنهم يتخذون قضية فلسطين "مطيّة" لتحقيق أهدافهم، وسنقتصر هنا على شيء يسير من التصريحات والمواقف التي يطلقونها ويتخذونها:
تصريح رئيس أركـان القـوات المسـلحة الإيرانيـة الجنـرال حسن فيروز آبـادي أن دعـم بـلاده للقضـية الفلسـطينية مـا هـو إلاّ شـكل مـن أشـكال الاستثمار للحصول على امتيازات إقليمية ودولية. ونقلت مواقع إيرانية رسمية عن فيروز آبادي قوله: "إن دعـم القضـية الفلسـطينية -بالرغم من التكلفة السياسية والدعائية والمالية- لا يشكل أمرا عبثيًّـا، ومكلفـًا لنـا، ولم يُفرض علينا؛ بل إنه يعد ضربا من الاستثمار لتحقيق مصالح إقليمية ودولية لنا".
وقال أيضا: "في واقــع الأمــر إن الجماهــير المظلومــة والمناضــلة الفلسطينية واللبنانية تدافع -من خلال نضالها- عن مصالحنا وأمننا القـوميين أيضـًا، في الوقت الذي لا يتجاوز دعمنا عن إطار الدعم المعنوي لها. وقال: "إن دعمنا لحركات التحرر يدخل في صلب حماية الأمـن القـومي الإيـراني، ويزيد من قوتنا الإقليمية، وهو في سياق ما ننفقـه للحفـاظ عـلى أمننـا القـومي، واتسـاع رقعة قوتنا في المنطقة"([20]).
الحـوار الذي أجرته نشرة "بنجره" مع الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، وتضمن حقائق خطيرة تتعلـق بفلسـطين؛ حيـث ذكر نصر الله بأن بعض علماء الشيعة يعارضون سياساته تجاه فلسطين -البلـد السـني-؛ لكنه قال لهم بأن فلسطين للإمام المهدي! وأننا رفعنا شـأن الشـيعة عـلى أكتـاف القضـية الفلسطينية، ومن خلالها استطعنا أن نقنع العالم بأننا طائفـة مـن المسـلمين، وبهـذا تشـيّع كثير من الناس.
وقال نصر الله إن الناس بدأوا يـدخلون في التشـيع أفواجـا بسـبب أحـداث عالميـة ثلاثة، وهي: الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩م، وانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في عام ٢٠٠٠م، وحرب تموز عام ٢٠٠٦م. وأضاف: "نحن استطعنا أن ندخل بيوت أهل السنة عـلى أكتـاف القضـية الفلسطينية، ونحمل لهم الصحيفة السّجادية([21])، والإمام الحسين (ع)، وأهل البيت (ع)، والإمام الخمينـي، وآيـة الله الخامنـه إي! ومِـن هنـا أصـبحوا يقتربـون إلينـا، ويعتبروننـا إخوة لهم".
وتحــدث نصر الله عــن معارضــة بعــض علــماء الشــيعة لسياســاته نتيجــة جهلهــم بأهدافه، وقال بأن أحد علماء الشيعة في لبنان كان يعارضـه بشـدة، ويؤنبـه عـلى تسـميته لزعيم حركة حماس الراحل أحمد ياسين بـ "الشهيد"، فرأى في المنام الإمـام المهـدي وقـد غضــب عليــه، وقــال لــه بأننــا نــرضى بأســلوب حســن نصر الله (أي أن المهــدي يــرضى بالنفاق باسم التقية في الدين!)، فجاءني الرجل يعتذر، فقلت له: انظر إلى النتـائج؛ فقـد استطعنا أن نسيطر عسكريا على عاصـمة لبنـان مـع كـل الأمـوال الطائلـة التـي توظفهـا السعودية هنا"([22]).
في إشارة صريحة لما تمثله فلسطين حقيقةً بالنسبة لإيران، ذكر الكاتب والباحث الشيعي صادق جعفر أن إيران تمتلك من الناحية السياسية شبكة من العلاقات الإقليمية تشكل مسرحًا لنفوذها السياسي، وذكر من بينها فلسطين([23]).
تصريح محمد باقر خـرازي، أمـين عـام حـزب الله الإيـراني، (الراعي الرئيسي لباقي التنظيمات المماثلـة في المنطقـة) لصـحيفة "عصر إيـران" الذي قال فيه: "ما الفائدة التي جنيناها -أو سوف نجنيها- من دعم الحركات الفلسطينية؟! فإذا أردنا دعم الفلسطينيين يجب أن نكون متيقنين أن فلسطين سـتكون سـائرة عـلى مـذهب أهـل البيت (يعني: شيعية)، وإذا لم تكن على مذهب أهل البيت؛ إذًا ما الفـرق بـين إسرائيـل وفلســطين؟! وإلى متــى تكــون ســفرة الشــعب الإيــراني ممــدودًة للغربــاء؛ فــيما الشــعب الإيراني يتأوّه جوعًا؟([24]).
ثالثا: علماء فلسطين لم يعد ينطلي عليهم التضليل الإيراني
عامًا بعد عام، بل يومًا بعد يوم، يزداد وعي علماء فلسطين وقادتها ومفكّريها بحقيقة المرامي الإيرانية، فقد صرنا نسمع منهم عن خطر التشيع والتدخلات الإيرانية، والمجازر التي ترتكبها هي أو عبر أتباعها، ومتاجرتها بالقضية وبيوم القدس، الأمر الذي يزيدنا يقينًا بمرامي إيران من يوم القدس وقضية فلسطين، وسنشير هنا إلى بعض هذه التصريحات والمواقف الصادرة عن عدد من علماء فلسطين ونخبها:
الشيخ رائد صلاح، القائد الإسلامي المعروف، وصاحب المواقف المشرفة في الدفاع عن المسجد الأقصى وكشف المخططات الصهيونية في القدس: "لا نعترف بيوم القدس العالمي الذي أقرّه أعداء الله. تجتمعون على قتل إخواننا في سوريا وتنافقون بحبّكم للقدس"([25]).
الشيخ الدكتور تيسير رجب التميمي، قاضي قضاة فلسطين سابقاً، وأمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس: "يوم القدس العالمي، يوم ابتدعه الخميني فور اختطافه ثورة الشعب الإيراني ضد نظام الشاه عام 79، لأنه يعرف مدى حساسية قضية القدس وارتباط عواطف المسلمين بها، ... إن قضية القدس المباركة ويوم القدس هي مجرد شعارات براقة يرفعها نظام ولاية الفقيه ليضحك به على السذج من المسلمين وليغطي بها سوءاته ومظالمه بقتل الآلاف من أبناء الشعوب العربية الثائرة في وجه الظلم والقهر والجبروت. القدس هي رمز عزة وكرامة الأمة وشرفها، وهؤلاء ومَنْ وراءهم خارجون عن الأمة ولا يأبهون لعزّتها وكرامتها وشرفها، فجلّ اهتمامهم توطيد دعائم نظامهم الدكتاتوري"([26]).
وناشد الشيخ التميمي في مقاله منظمة التعاون الإسلامي "أن تعلن أن استرداد مدينة القدس المحتلة على هذا النحو من قبل نظام ولاية الفقيه الذي يمارس القتل في كل مكان بإطلاق يوم القدس العالمي على الجمعة الأخيرة من رمضان وبإطلاق اسمها على فيلق القتل والدمار بأنه خدعة وبدعة مرفوضة"([27]).
الدكتور صالح الرقب، القيادي في حركة حماس، ووزير الأوقاف السابق، وأستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة في كلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية في قطاع غزة، ويُعتبر د. الرقب من القيادات الفلسطينية الواعية بالموضوع الشيعي، حيث أصدر عدة مؤلفات تبيّن عقائد الشيعة، منها "اعتقاد الشيعة الاثنا عشرية في المسجد الأقصى عرض ونقض"، "دعوى تفضيل الشِّيعَة أئمتهم على الأنبياء عليهم السلام"، "اعتقادات الشيعة الاثنا عشرية فـي القرآن الكريم والسنة النبوية" "الوشيعة في كشف كفريات وشنائع الشيعة"([28]).
الشيخ أسعد بيوض التميمي، أحد مؤسسي حركة الجهاد الإسلامي، وقبلها حزب التحرير، كان أحد المؤيدين للثورة الخمينية، لكنه سرعان ما افترق عنها وخالفها بعد ما تبيّنت له حقيقتها، كما بيّن ذلك ابنه محمد في أحد مقالاته: "وبفضل الله أن والدي رحمه الله افترق مع هذه الثورة فورًا عندما اكتشف حقيقتها المذهبية القومية المتعصبة، وبأنه كان على خطأ عندما ظن بها خيرًا، فكان من أشد أنصارها، رغم أنه كان سلفي العقيدة، فدار حيث يدور الإسلام، وتم هذا الافتراق بعد جلسة شهدت نقاشاً صريحًا وواضحًا من قبل والدي مع بعض قيادة الثورة، وكيف أن ظنه بهذه الثورة قد خاب، وأن جميع المنطلقات التي انطلق منها في موقفه المؤيد لها قد ثبت فشلها وأنها وهْم وأنه لن يموت إلا على عقيدته السلفية وحبّ أبي بكر وعمر، وكنتُ شاهدًا على هذه الجلسة"([29]).
محمد أسعد بيوض التميمي، الكاتب والمحلل السياسي: "أريد أن أتحدث معكم عن كذبة كبرى تطلقها إيران في آخر جمعة من رمضان وتسمى هذه الكذبة (يوم القدس العالمي) للتغطية على مشروعها المجوسي الصفوي ... الذي يستهدف الإسلام من جذوره لأنهم يريدون بأخذ ثأر القادسية. لم ينسوا ثأر القادسية"([30]).
الكاتبة لمى خاطر: "... يَحدث بعد كل تلك السنوات أن يفقد (يوم القدس العالمي) ألقه واكتراث المسلمين والفلسطينيين به، لأن منشأ فكرته كان إيرانيًا، ولأنه تحول منذ بضع سنوات إلى يوم الكذب والمتاجرة العالمي بالقدس وفلسطين، ... وبرأيي تصنع فصائل المقاومة خيرا إن صمتت عن التصريح في هذا اليوم، واكتفت بمباركة الفعل المباشر في القدس وأكنافها، فهو وحده الذي يمكن المراهنة عليه والافتخار به"([31]).
وهذا الوعي من علماء فلسطين ونخبها بالشيعة وخطرهم وكذبهم ليس وليد اليوم، بل إن التاريخ يحدّثنا عن عدد من علماء فلسطين الذين تصدوا للدولة العبيدية الفاطمية، صاحبة المذهب الشيعي الإسماعيلي، عندما سيطرت على أجزاء واسعة من بلاد المسلمين، منها فلسطين وبلاد الشام، وسعت لنشر مذهبها وعقيدتها المنحرفة.
ويُعتبر الإمام أبو بكر النابلسي، رحمه الله، أحد أبرز هؤلاء العلماء، وصاحب المقولة الشهيرة "لو كان معي عشرة أسهم لرميت الروم بسهمٍ ورميتُ بني عبيد بتسعة"، وبسبب قوله هذا طارده العبيديون زمن خليفتهم المعز، وتمكنوا من القبض عليه في سنة 363هـ، وعذبوه عذابا شديدا وصل إلى سلخه حيّا على يد جزار يهودي([32])!
ومنهم أيضا الشيخ أبو القاسم الواسطي الذي قطع العبيديون لسانه لأنه خالفهم في الأذان وترضّى عن الصحابة، فردّ الله إليه لسانه، ثم أخرجوه من بيت المقدس، فكان يذهب إلى الحج في كل عام، يقول رحمه الله: "وأنا كل سنة أحجّ وأسأل عن القدس لعل تزول دولتهم"([33]).
رابعا: عندما يكتوي الفلسطينيون بنار الشيعة
يشعر المرء باستغراب كبير عندما يقرأ الشعارات الشيعية والإيرانية عن تحرير فلسطين، وهم من أكثر الذين أذاقوا الفلسطينيين الويلات، وارتكبوا بحقهم أبشع المجازر والاعتداءات، وسنشير هنا إلى 3 اعتداءات:
الأول: مذابح حركة أمل الشيعية اللبنانية بحق سكان المخيمات الفلسطينية في لبنان، سنة 1985م، فيما عُرف بحرب المخيمات. ففي ليلة العشرين من مايو/أيار من ذلك العام اقتحمت ميليشيات أمل مخيمي صبرا وشاتيلا، وقامت باعتقال جميع العاملين في مستشفى غزة، ومنعت الهلال والصليب الأحمر وسيارات الأجهزة الطبية من دخول المخيمات وقطعت إمدادات المياه والكهرباء عن المستشفيات الفلسطينية.
وفي فجر ذلك اليوم، بدأ مخيم صبرا يتعرض للقصف المركّز من قبل عناصر أمل، بمدافع الهاون، والأسلحة المباشرة من عيار 106ملم. وفي صباح اليوم نفسه تعرض مخيم برج البراجنة لقصف عنيف بقذائف الهاون.
وانطلقت حرب أمل المسعورة تحصد الرجال والنساء والأطفال، واستمر حصار أمل للمخيمات قرابة الشهر، لم يَر فيه اللاجئون أشعة الشمس، حيث خرجوا من الملاجئ بعد شهر تزكم أنوفهم رائحة الجثث المتعفنة، وليشاهدوا منازلهم المتهدمة، وكانت حصيلة العدوان كما يلي: 3100 بين قتيل وجريح، وأكثر من 15 ألف مهجر، وحوالي 90% من المنازل تهدّم كليا أو جزئياً([34]).
والذي نريد أن نتطرق إليه هنا ليس فقط المذابح البشعة التي ارتكبتها حركة أمل الشيعية بحق اللاجئين الفلسطينيين العزل في لبنان، بل الموقف الإيراني الرسمي من هذه المذابح وردّة فعل الخميني، صاحب يوم القدس وصاحب الشعارات الرنانة لنصرة الفلسطينيين.
ولندع أحد مؤيدي النظام الإيراني، وهو الكاتب المصري الأستاذ فهمي هويدي، يتحدث عن ذلك الموقف، يقول هويدي: "في يونيـــو ٨٥، وقتـــال (أمـــل) للفلسطينيين في بـيروت كـان قـد بلـغ ذروتـه، وبيـنما تكلــم مختلــف رمــوز النظــام منتظــري، ورفســنجاني، وخامنئي، فإن الإمام التزم الصمت. وقيــل وقتئــذٍ إنــه معتكــف في الأيــام الــعشرة الأخيرة من شهر رمضان، ولمـا انتهـى الصـيام خـرج الإمـــام مـــن اعتكافـــه، وألقـــى خطابــًـا في حســـينية جمران بعد صلاة العيد. وفــيما توقــع الكثــيرون أن يعلــن موقفـًـا تجــاه مــا يجري في لبنـان؛ فـإن الإمـام لم يُشر إلى الموضـوع مـن قريب أو بعيد، وكان جلّ تركيزه في الخطاب على دلالة المظاهرات المؤيـدة للحـرب مـع العراق؛ التي خرجت يوم القدس (آخر جمعة من رمضان)".
ويضيف هويدي: "كنتُ أحد الذين اسـتمعوا إلى خطبـة الإمـام في صـبيحة ذلك اليوم (٢٠ يونيو)، ولم أستطع أن أخفي دهشتي من تجاهله لما يجـري في لبنان، ليس فقط لأن الفلسطينيين هـم ضـحيته؛ ولكـن لأن الجـاني منسـوب إلى الشيعة! ونقلــت انطباعــاتي إلى صــديق خبــير بالسياســة الإيرانيــة؛ فكــان ردّه أن الإمــام لــه حساباته وتوازناته"!!!.
أمــا عــن المرشــد الإيــراني الحــالي عــلي خــامنئي؛ والــذي كــان -آنــذاك- في موقــع الرئاسة، فعلّـق هويـدي عـلى موقفـه تجـاه حـرب المخـيمات بقولـه: "كـان خـامنئي يعـبّر بصدق عن موقف الحكومة والأجهزة الرسمية؛ التي لزمت الصمت طـوال خمسـة أيـام بعد بدء الاعتداء عـلى المخـيمات الفلسـطينية، ثـم بـدأت تتحـدث عـن (وقـف القتـال)، و(تجنب استمرار نزيف الدم) وهو موقف بدا خاضعًا للحسابات أكثر منه ملتزمًا بالمبادئ، إذ كان واضحا الدور السوري في دعـم (أمـل)، فضـلا عـن أن تلـك الأجهـزة وضعت في اعتبارها أن (أمل) هي في النهاية: منظمة شيعية"([35]).
الثاني: المذابح التي ارتكبتها الميليشيات الشيعية العراقية التابعة لإيران كفيلق بدر وجيش المهدي والقوات الحكومية الرسمية بحق المواطنين الفلسطينيين المقيمين في العراق، وعلى الخصوص في مجمع البلديات بالعاصمة بغداد، الذي لا يبعد سوى مسافة 2 كم عن مدينة الثورة (مدينة الصدر) معقل جيش المهدي التابع للتيار الصدري، وأقل من 500 متر عن منطقة الفضيلية ذات النفوذ الشيعي الكبير والمسلّح([36]).
في أعقاب سقوط نظام صدام حسين على يد الولايات المتحدة سنة 2003، سيطر الشيعة على مقاليد الحكم في ذلك البلد، ووجدوا أن الفرصة مواتية لجعل العراق بلدا شيعيا، وأخذوا يرتكبون المجازر بحق أهل السنة -عراقيين وفلسطينيين- ويعملون على تهجيرهم خارج العراق.
ومما ساعد الشيعة على تنفيذ مخططهم ضد الفلسطينيين أنهم طرف ضعيف ومسالم، بل ويشكلون "الحلقة الأضعف"([37]) بين سكان العراق، وبدأ مخطط الاعتداءات الشيعية بحملة تحريض، منها اتهامهم بالإرهاب، وارتباطهم بحزب البعث ونظام صدام حسين، بل والادّعاء بمساعدتهم النظام السابق على قمع الشيعة عام 1991، وأنهم كانوا منعّمين ومترفين على حساب الشيعة والشعب العراقي!!
وعلى الرغم من أن الفلسطينيين في العراق لم يكونوا يشكلون سوى 23000 شخص في عام 2003([38])، إلاّ أنه جرى المبالغة بأعدادهم حتى أوصلوهم إلى مليون شخص كتمهيد لاختلاق خطر اسمه الفلسطينيون في العراق.
ولم يترك شيعة العراق وسيلة إلاّ واتّبعوها لإيذاء "ضيوفهم" الفلسطينيين من خطف واعتقال وتعذيب وقتل وتشريد وقصف للمنازل والأحياء وتحريض وتهجير، وقد وثّق الأستاذ أحمد اليوسف في كتابه "فلسطينيو العراق بين الشتات والموت" تفاصيل مأساة الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في العراق، وذكر ما يندى له الجبين.
هذه المأساة جعلت الأستاذ قاسم محمد، مدير مركز حقوق الإنسان والدراسات الديمقراطية، يعلن أن عدد من قتل من الفلسطينيين في العراق على يد جيش المهدي وفيلق بدر خلال عامي 2006/2007 يفوق عدد قتلاهم على يد اليهود في فلسطين خلال الفترة نفسها([39]).
الثالثة: مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وعلى رأسها مخيم اليرموك، الذي يعتبر أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في العالم، والملقب بعاصمة الشتات الفلسطيني، فإنه لم يسلم من بطش الميليشيات الشيعية والنظام السوري النصيري الموالي لإيران، بحجة محاربة الإرهابيين والتنظيمات المسلحة.
يقع مخيم اليرموك جنوب العاصمة دمشق، وقد تأسس سنة 1957م، وبلغ عدد اللاجئين المسجلين فيه رسميا 112 ألفا، أما مجموع سكانه فاختلفت التقديرات بين 220 – 350 ألفا. أصبح المخيم الآن أثرا بعد عين، وشمل التدمير فيه نسبة 90 %، حيث شكل المخيم وأهله هاجسا للنظام السوري وداعميه الإيرانيين دفعهم للتخلص من الوجود السني فيه، وإحلال الميليشيات الشيعية الوافدة من إيران وباكستان وأفغانستان والعراق مكان سكانه الأصليين.
خامسا: التعاون الإيراني اليهودي
في أحد أيام شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1986م، أفاق العالم على وقع تحقيق صحفي أجرته مجلة الشراع اللبنانية وكشفت فيه الفضيحة التي عرفت فيما بعد بـ "إيران غيت"، حيث كانت إيران تحصل على جزء كبير من سلاحها الذي تستخدمه في حربها ضد العراق، من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وهما المعروفان في إيران باسم "الشيطان الأكبر" و"الشيطان الأصغر".
لم يكشف ذلك التحقيق عن صفقات الأسلحة فقط، بل كشف النفاق الإيراني والتقية الشيعية في أقبح صورها، ففي الوقت الذي كانت إيران تتحدث عن دعم فلسطين ومحاربة "إسرائيل" وداعمتها الولايات المتحدة، كان مسؤولوها يعقدون الصفقات لجلب السلاح من أعداء الأمة لمحاربة العراق، المفترض أنه الجار المسلم لإيران، "ولقد حاولت الزمرة الخمينية الحاكمة إخفاء هذه الفضيحة الكبرى، وحاول الخميني نفسه أن يدخل الميدان وكذّب الخبر مرات وكرات، إلاّ أن الفضيحة كانت أكبر من أن تُخفى"([40]).
وقد روى أول رئـيس لإيـران بعد الثورة، أبو الحسـن بنـي صـدر، شيئا من هذه الفضيحة وعن مباركة الخميني لها في مقابلة لقناة الجزيـرة، وحين سئل: "هـل كنـتَ عـلى علـم بوجـود علاقـات معينـة مـع إسرائيـل لأجـل الحصول على السلاح؟ أجاب: في المجلس العسـكري أعلمنـا وزيـر الـدفاع أننـا بصـدد شراء سـلاح مـن إسرائيل، عجبنا كيف يفعل ذلك! قلت: من سمح لك بذلك؟ قال: الإمام الخميني، قلت: هذا مستحيل! قال: أنا لا أجرؤ على عمل ذلك لوحدي.
سارعتُ للقـاء الخمينـي، وسـألته: هـل سـمحت بـذلك؟ قـال: نعـم؛ إن الإسـلام يسمح بذلك، وإن الحرب هي الحرب. صعقت لذلك! صحيح أن الحرب هي الحـرب، ولكننـي أعتقـد أن حربنـا نظيفـة، والجهاد هو أن نقنع الآخرين بوقف الحرب، والتوق إلى السلام، نعم؛ هـذا الـذي يجـب عمله، وليس الـذهاب إلى إسرائيـل وشراء السـلاح منهـا لحـرب العـرب، لا؛ لـن أرضى بذلك أبدًا. حينهــا قــال لي: إنــك ضــد الحــرب، وكــان عليــك أن تقودهــا؛ لأنــك في موقــع الرئاسة"([41]).
وفي ذروة الاعتداءات الإسرائيلية على المخيمات الفلسطينية في لبنان، وارتكاب المجازر تعالت الأصوات التي تطالب إيران والخميني بنصرة الفلسطينيين ومحاربة الدولة اليهودية وأن الوقت قد حان لتنفيذ شيء من الشعارات، لا سيّما وأن الجبهات كانت مفتوحة، أطلق الخميني قولته الشهيرة "لا تلهكم الحرب الصغيرة عن الحرب الكبيرة" لأن محاربة العراق بالنسبة للخميني أهم بكثير من محاربة إسرائيل([42]).
سادسًا: خذلان قضايا المسلمين
للشيعة وإيران مواقف سلبية ومتآمرة من معظم القضايا الإسلامية، وعازفة عن المقاومة، بـل ومحاربـة لهـا، كـما هـو الحـال مـع المقاومـة العراقيـة التي ظلت إيران تصفها بأنها إرهابية وصدّامية وبعثية وداعشية، بدلاً من أن تقدم لها العون ما دامت تقاتل عدوا مشتركا –من المفترض- هو الولايات المتحدة "الشيطان الأكبر".
وإذا نظرنا مِن حولنا نجد أن إيران الخمينية ما تزال تحتـل الأحـواز العربية وتذيق أهلها الويلات، وجـزر الإمـارات الـثلاث، وتطالـب بـين الحـين والآخر بالبحرين، وتهيّج الأقليات الشيعية في الخليج واليمن ضد بلدانها.
وكان لإيران دور كبير في تسهيل احتلال الولايات المتحدة للعراق وأفغانستان حتى صرح أكثر من مسؤول إيراني -كالرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني- بأنه "لولا إيران لما سـقطت أفغانسـتان والعــراق"، أي أنــه لــولا الــدعم الــذي قدمــه الإيرانيــون والشــيعة للولايــات المتحــدة لمــا اســتطاعت احــتلال هــذين البلــدين المســلمين، المجاورين لإيران. وللرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد كلام يفوق ما تفوّه به رفسنجاني عن احتلال العراق وأفغانستان، إذ يقول: "قد وضع الله ثمار احتلال البلدين المجاورين لإيران، وهما العراق وأفغانستان في سلة إيران"([43]).
وطيلة السنوات السابقة لم يُعرف لإيران موقف إيجابي لصالح مسلمي الشيشان ضد روسيا، ولا لصالح قضية كشمير ضد الهند، بل على العكس، عقدت تحالفا مع الهند ضد دولة باكستان المسلمة، وتقف مع أرمينيا المسيحية التي تحتل 20 % من أراضي أذربيجان المسلمة نكاية بتركيا التي تؤيد أذربيجان ضد أرمينيا المعتدية، وتؤيد إيران اليونان المسيحية في صراعها مع تركيا المسلمة، وتعارض التدخل التركي في شمال قبرص الذي جاء حماية للمسلمين من التطهير العرقي والمجازر التي كانت ترتكب ضدهم، كما أنها ترفض أن يكون للمسلمين دولة في قبرص بحجة معارضتها تقسيم هذه الجزيرة"([44]).
وبناء على كل ما ذكرناه وذكره كل دارس ومتابع للسياسة الإيرانية والممارسات الشيعية؛ "فإنـه مـن غـير المفهـوم والمنطقـي أن يعـزف الشـيعة وإيـران عـن دعـم المقاومــة في العــراق، والشيشــان، ومختلــف أنحــاء العــالم، بيــنما يــدعمونها في فلســطين، ولبنان، إذ أن هذا الدعم -أو التظاهر بالدعم- لا بد أن يخفي وراءه أهدافا أخرى"([45]).
سابعًا: إنكار جهاد أهل فلسطين
اعتاد الشيعة على تمجيد حزب الله الشيعي اللبناني، ليت الأمر يقتصر على هذا، بل إنهم غالبا ما ينكرون جهاد أهل فلسطين وتضحياتهم، ولا يرون في الصورة إلاّ أنفسهم أو بعض التنظيمات الفلسطينية المرتبطة بإيران.
وقد ألّف أحد كتابهم كتابا أسماه "أنت الآن في عصر الظهور" تحدّث فيه عن ظهور مهديهم المنتظر في آخر الزمان، وعلامات ذلك الظهور، وجعل المؤلف (فارس فقيه) العلاَمة السادسة الكبرى تقع على أبـواب بيـت المقـدس، بعنــوان: "حــزب يقاتــل عــلى أبــواب بيــت المقــدس، يلقــون عنايــة الإمــام الحجــة قبــل الظهور"، وأورد فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم تقول: "لا تـزال عصـابة مـن أمتـي يقـاتلون على أبواب بيت المقدس وما حولـه، لا يضرهـم خـذلان مـن خـذلهم، ظـاهرين عــلى الحــق إلى أن تقــوم الســاعة (الظهــور)".
ثم أورد رواية عــن صــاحب الأمــر (المهدي المنتظر) أنــه "حــزب يقاتــل عــلى أبــواب بيــت المقدس؛ أنا منهم، وهم مني"، وشرحها بقوله: "تدلّ هـذه الروايـة أن هنـاك حزبـًا يقاتل في سبيل الله، على أطراف بيت المقدس، وتنطبق هذه الرواية على جهاد المجاهدين في المقاومة الإسلامية؛ الذين يقاتلون في جنوب لبنان أقوى قوة طاغوتية في العالم، وهو الكيــان الصــهيوني، واســتطاعوا بعنايــة الإمــام المهــدي! أن يحققــوا الانتصــارات عليــه، ويدحروه عن جنوب لبنان .."([46]).
وفي نفس الإطار يقول صادق جعفر: "قامت المقاومة اللبنانية والمتمثلة في واجهة شيعية هي مقاومة (حزب الله) بسدّ فراغ هائل في البيئة العربية ألا وهو مشروع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا المشروع كاد أن يصبح نسيا منسيا بعد أن تخلّت عنه بصورة مباشرة جميع الأنظمة العربية بما فيها النظام الذي تشكّل داخل فلسطين المحتلة، ولم تبقَ إلاّ مجموعة فلسطينية صغيرة محصورة في غزة تنادي بالمقاومة، فكان الشيعة هم عماد العملية الإحيائية للمقاومة وثقافتها وانتصاراتها بحيث انعكس ذلك على طول العالم العربي وعرضه"([47]).
وفي موضع آخر يقول: "وفي فلسطين تخلّت جميع الدول العربية – ما عدا سوريا حليفة إيران الأولى في المنطقة- عن القضية الفلسطينية وتركوا الفلسطينيين بلا غطاء سياسي أو عسكري أو مالي في العراء وتحت رحمة الحصار الإسرائيلي القاتل ..."([48]).
ثامنًا: أيّ خيرٍ يُرتجى من الخميني؟
في بداية هذا الكتاب تحدثنا بشيء من الإيجاز عن سلوك الخميني وممارساته، وكي تكتمل الصورة فإننا نعرض شيئا يسيرا من معتقداته، والتي هي انعكاس ومرآة للتشيع، لنخلص إلى أن رجلا بهذا القدر من الانحراف وسوء المعتقد وبغض التوحيد لا يمكن أن يكون فيه خير للقدس وفلسطين.
يوصل الخميني أئمة الشيعة إلى مرتبة الألوهية بقوله: "إن للإمام مقاماً محموداً، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية، تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات الكون"([49]).
يتهم الخميني الأنبياء، ومنهم نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، بالفشل في إقامة العدل، وأن الوحيد الذي سيطبّقه هو مهدي الشيعة المنتظر! كما في قوله: "فكل نبي من الأنبياء إنما جاء لإقامة العدل، وكان هدفه هو تطبيقه في العالم، لكنه لم ينجح، وحتى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم الذي كان قد جاء لإصلاح البشر وتهذيبهم وتطبيق العدالة فإنه هو أيضا لم يوفّق، وإنّ من سينجح بكل معنى الكلمة ويطبّق العدالة في جميع أرجاء العالم هو المهدي المنتظر"([50]).
يطعن في الصحابة ويتهمهم بالكفر والردة، ويصفهم بكل الأوصاف السيئة([51]).
زعم أن دعاء الأصنام والأحجار ليس شركا، وأن طلب الحاجات من الموتى كذلك لا يعد شركا، محتجًّا بأن أرواح الموتى باقية لا تفنى([52]).
تاسعًا: إثارة الفتن والاضطرابات
في الوقت الذي يشكل فيه الاحتفاء الإيراني والشيعي بيوم القدس فرصة لتمجيد الخميني والتشيع وإظهارهما بمظهر الطهر والحرص على فلسطين وتحريرها، فإنه يشكل فرصة للشيعة للطعن بأهل السنة، وإظهارهم بمظهر المتخاذل والخائن.
وجنبًا إلى جنب مع صور الخميني وخامنئي وقيادات الشيعة التي اعتادوا على رفعها وتمجيدها في يوم القدس، أخذ الشيعة يعرضون صورا لبعض قيادات السنة الدينية والسياسية بمظهر مزرٍ مع سيل من الشتائم والسباب ليقولوا للعالم إن الشيعة هم الذين يقاومون وهم الذين ينصرون فلسطين، أما السنة فمتخاذلون متقاعسون!
كذلك شكّل هذا اليوم فرصة لإثارة القلق وزرع الشكوك بين المواطنين وقوات الأمن، والاصطدام بين الطرفين، وإيهام الناس أن من لا يوافق إيران في استغلالها للقدس وفلسطين هو خائن محارب لفلسطين.
بل وصل الأمر إلى استغلال هذا اليوم لامتلاك السلاح وتكوين الميليشيات، فقد نقلت قناة المحمرة الفضائية (18 آب / أغسطس 2012) عن وسائل إعلام إيرانية خبر تأسيس "جيش العوامية" من قبل أتباع إيران في شرقي السعودية وذلك بمناسبة يوم القدس.
خاتمة
على أهل السنة ألاّ يلتفتوا إلى الأبواق الإيرانية التي تحاول أن تبحث لها عن موطئ قدم على أكتاف القضية الفلسطينية، وتتخذ من يوم القدس وغيره سلّما لتنفيذ أجنداتها وتحقيق مصالحها بعيدا عن أي قيم أو مبادئ.
وعليهم أيضا أن يفتخروا بماضيهم وحاضرهم، رغم بعض السلبيات وفترات الضعف، لأنّ أهل السنة دومًا هم أصحاب السبق في حماية المقدسات والدفاع عن الأوطان وإعلاء فريضة الجهاد، وعلى الدوام كانت فلسطين (ومن ضمنها القدس والمسجد الأقصى) حاضرة في وجدانهم، يقدّمون لها الغالي والنفيس دون منّة ودون انتظار مقابل أو تحقيق مصالح وأجندات.
ولنا فيما حدث في القدس في الأيام الماضية عِبرة وعِظة، فقد هبّ أهل القدس وعموم فلسطين لنصرة المسجد الأقصى في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان، عندما دنّسه اليهود وحاولوا إعاقة المسلمين من الوصول إليه وإقامة الصلوات على النحو الذي شرعه الله.
فعَلَ أهل السنة في القدس ذلك دون أن ينتظروا إشارة من أحد، ولا مجيء اليوم الذي قرّره الخميني واستغلّه هو وأتباعه من بعده، بل ليس من المبالغة القول إن أغلب الشباب الأبطال في بيت المقدس لم يسمعوا بالخميني ولا خليفته خامنئي ولا بقية المتاجرين بالقضية الفلسطينية ومحنة الشعب الفلسطيني.
ولعلّ من المفيد في هذا المقام استحضار ما كتبه عبد القاهر البغدادي قبل ألف عام في بيان فضائل أهل السنة، وتميزهم عن غيرهم من أهل البدع وأتباع الفرق، فقال: "اعْلم أنه لا خصلة من الخصال التي تعدّ في المفاخر لأهل الإسلام من المعارف والعلوم، وأنواع الاجتهادات، إلاّ وأهل السنة والجماعة في ميدانها القِدح المُعلى، والسهم الأوفر .."([53]).
وعندما عدّد مآثر أهل السنة في جميع المجالات، ومنها عمارة المساجد على سبيل المثال، عرج البغدادي على الدولة العبيدية الفاطمية، صاحبة المذهب الشيعي الإسماعيلي، والتي كانت أكبر دول الشيعة في زمانه، ليبيّن أن الشيعة ليسوا على شيء، وأن أعمالهم لا قيمة لها في ظل فساد منهجهم، يقول البغدادي: "وأما سعي بعض العبيديين في عمارات فشيء لا يذكر أمام أعمال ملوك السنة على اختلاف الدول، على أنه لا موقع لما كانوا يبنونه مع سوء اعتقادهم، كما قال الله تعالى (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر)([54])، ولا يتسع المقام لسرد ما لأهل السنة من الآثار الفاخرة في الدين والدنيا"([55]).
أما علماء الأمة الإسلامية فعليهم دور كبير، عليهم أن يواصلوا ما بدأه أسلافهم عندما انبرت المجامع الفقهية ودور الإفتاء لبيان انحرافات الخميني والشيعة، وحكمت عليه بالضلال والفساد، وحذّرت من إفساده في الأرض وتلاعبه بقضية فلسطين.
أما الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، فهي مطالبة بالاصطفاف مع مبادئ دينها وقيم شعبها، والابتعاد عن رهن القرار الفلسطيني لهذه الجهة أو تلك، والحذر من المخطط الإيراني الذي يراد فرضه على فلسطين من خلالها.
أهم المراجع
ابن كثير، البداية والنهاية، مؤسسة المعارف ودار ابن حزم، بيروت، 1430هـ، 2009م.
أيمن اليوسف، فلسطينيو العراق بين الشتات والموت، لجنة الدفاع عن عقيدة أهل السنة، فلسطين، (بدون سنة الطبع ورقم الطبعة).
أسامة شحادة وهيثم الكسواني، الموسوعة الشاملة للفرق المعاصرة في العالم، الجزء الثالث (التجمعات الشيعية في بلاد الشام)، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الأولى، 2010م.
د. إسماعيل الشطي، الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة (نسخة إلكترونية)، مكتبة آفاق (الكويت)، دار الأمان (الرباط)، منشورات ضفاف (بيروت)، الطبعة الأولى، 1434هـ، 2013م.
خالد بن أحمد الزهراني، حقيقة التكفير بين أهل السنة والجماعة والشيعة الاثنى عشرية، الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب، الطبعة الثالثة، 1436هـ.
د. خالد بن عبد المحسن التويجري، عقيدة الخميني وأثرها على الشيعة الاثنى عشرية عرض ونقد، الطبعة الثانية، 1437هـ، 2016م.
السيد أبو داود، تصاعد المد الإيراني في العالم العربي، العبيكان للنشر، الرياض، الطبعة الأولى، 1435هـ، 2014م.
صادق جعفر، التمكين الشيعي: استراتيجيات تمكين الشيعة وتعزيز أوضاعهم في العالم، منشورات الرضا، الطبعة الأولى، 1436هـ، 2015م.
د. صالح الرقب وهناء الهرش، اعتقاد الشيعة الاثنا عشرية في المسجد الأقصى عرض ونقض، 1441هـ، 2020م، نسخة إلكترونية منشورة على موقع د. الرقب الرسمي على الشبكة العنكبوتية.
طارق أحمد حجازي، الشيعة والمسجد الأقصى، لجنة الدفاع عن عقيدة أهل السنة – فلسطين (بدون سنة الطبع ورقم الطبعة).
د. طه حامد الدليمي، التشيع عقيدة دينية أم عقدة نفسية، الطبعة الثالثة، 1433هـ - 2012م.
عبد القاهر البغدادي، الفرق بين الفرق، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت (بدون سنة الطبع ورقم الطبعة).
فارس فقيه، أنت الآن في عصر الظهور، دار العلم للطباعة والنشر، (بدون سنة الطبع ورقم الطبعة).
معاونية العلاقات الدولية في منظمة الإعلام الإسلامي، دستور الجمهورية الإسلامية في إيران، طهران، الطبعة الثانية، 1413هـ - 1992م.
د. موسى الموسوي، الثورة البائسة، (بدون سنة الطبع ورقم الطبعة).
د. نهال عمر الفاروق، الدعاية الشيعية من سرداب الإمام إلى عرش الفقيه، العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، نوفمبر 2017.
نور الدين الشاهرودي، المرجعية الدينية ومراجع الإمامية، 1416هـ، 1995م.
[1] - نور الدين الشاهرودي، المرجعية الدينية ومراجع الإمامية، ص 148 – 151، والموقع الرسمي للخميني على الشبكة العنكبوتية التابع لمؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، على الرابط:
http://ar.imam-khomeini.ir/ar/n4326/Imam
[2]- انظر على سبيل المثال: د. موسى الموسوي، الثورة البائسة، ادور سابلييه، إيران مستودع البارود.
[3]- نظرية سياسية شيعية حديثة أدّت إلى إفساح المجال لتولي رجال الدين الشيعة الحكم في إيران، وعالجت موضوع غيبة الإمام الثاني عشر (المزعوم) عند الشيعة الإمامية، وكان الخميني هو أولَ من جسّد (ولاية الفقيه) عملياً، حيث نقل صلاحيات المهدي المنتظر إلى فقهاء الشيعة (إليه). وقد وضع الخميني تصوره لهذه النظرية في كتابه "الحكومة الإسلامية" قائلاً: "إذا نجح شخص جدير ومتّصف بصفتي العلم بالقانون وبالعدالة في إقامة الحكومة، وأصبح له ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الولاية بشأن إدارة المجتمع وجبت طاعته على جميع الناس" انظر: هيثم الكسواني، موسوعة مصطلحات الشيعة، الحلقة 27، الراصد نت، على الرابط:
https://alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=5849.
[4] - وللآن عندما يورد الإعلام الإيراني أخبار مرشد الثورة الحالي علي خامنئي يذكر في وصفه "ولي أمر المسلمين"، انظر: الموقع الرسمي لخامنئي على الشبكة العنكبوتية على الرابط: https://www.leader.ir/ar/
[5] - نصّت الفقرة 16 من المادة الثالثة من الدستور الإيراني على أن "تنظيم السياسة الخارجية للبلاد على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين والحماية الكاملة لمستضعفي العالم" ص 29.
[6] - السيد أبو داود، تصاعد المد الإيراني في العالم العربي، ص 349.
[7] - المصدر السابق، ص 350.
[8] - د. نهال الفاروق، الدعاية الشيعية من سرداب الإمام إلى عرش الفقيه، ص 58.
[9] - المصدر السابق، ص 58.
[10]- المصدر السابق، ص 129.
[11] - صادق جعفر، التمكين الشيعي، ص 338.
[12] - (Soft power) مفهوم صاغه جوزيف ناي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، لوصف القدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع. موسوعة ويكيبيديا على الرابط: https://ar.wikipedia.org/wiki
[13] - صادق جعفر، التمكين الشيعي، ص 339 – 340.
[14] - موقع العهد الإخباري، 21/5/2020، على الرابط: https://www.alahednews.com/article.php?id=19671&cid=125
[15] - انظر تفاصيل هذه الروايات وغيرها كثير: طارق حجازي، الشيعة والمسجد الأقصى.
[16] - خالد الزهراني، حقيقة التكفير بين أهل السنة والجماعة والشيعة الاثنى عشرية، ص 80 – 82.
[17] - طارق حجازي، الشيعة والمسجد الأقصى، ص 64، ود. صالح الرقب وهناء الهرش، اعتقاد الشيعة الاثنا عشرية في المسجد الأقصى، ص 50 – 51.
[18] - طارق حجازي، الشيعة والمسجد الأقصى، ص 14، ود. صالح الرقب وهناء الهرش، اعتقاد الشيعة الاثنا عشرية في المسجد الأقصى، ص 9.
[19] - الموقع الرسمي للعاملي على الشبكة العنكبوتية، على الرابط: http://www.mezan.net/sayed_ameli/takrim1.html
[20] - العربية نت، 10/9/2009م، على الرابط:
[21] - كتاب ينسبه الشيعة إلى زين العابدين علي بن الحسين؛ رحمه الله، الذي يعتبرونه إمامهم الرابع.
[22]- مصطفى محمدي، مقال "الوجه الإيراني لحسن نصر الله، مجلة الراصد، العدد 77، نقلا عن موقع (سنّي نيوز) على الرابط:
https://alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=4227
[23] - صادق جعفر، التمكين الشيعي، ص 222.
[24] - خبـاب الحمـد، مقال (المصالح الاستراتيجية الإيرانيـة في دعـم القضـية الفلسـطينية) مجلة الراصد، العدد 58، على الرابط: https://alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=4752
[25] - شبكة قدس الإخبارية، 17/8/2012.
[26] - مقاله: "نظام ولاية الفقيه يغطي جرائم فيلق القدس في سوريا بإحياء يوم القدس العالمي"، أورينت نت، 1/7/2016.
[27] - المقال السابق.
[28] - الموقع الرسمي للدكتور الرقب على الشبكة العنكبوتية، على الرابط: https://www.drsregeb.com/index.php
[29] - مقال "هل الثورة الإيرانية إسلامية أم مذهبية قومية؟"، موقع الحقيقة، على الرابط: http://www.haqeeqa.net/Subject.aspx?id=293
[30] - مقطع مرئي له على موقع يوتيوب بعنوان (كذبة إيران الكبرى يوم القدس العالمي) على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=bYF2vIo3hU4
[31] - صحيفة وطن، 1/7/2016.
[32] - الإمام ابن كثير، البداية والنهاية، ج 4، ص 2369.
[33] - هيثم الكسواني، مقال "علماء فلسطين يقاومون الفاطمية"، مجلة الراصد، العدد 78، على الرابط: https://alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=4172
[34] - هيثم الكسواني، مقال "ميليشيات أمل تقتحم مخيمي صبرا و شاتيلا"، مجلة الراصد، العدد 16، على الرابط: https://alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=5208
[35] - أسامة شحادة وهيثم الكسواني، التجمعات الشيعية في بلاد الشام، ص 198 – 199، نقلا عن كتاب "إيران من الداخل" لفهمي هويدي.
[36] - أحمد اليوسف، فلسطينيو العراق بين الشتات والموت، ص 141.
[37] - المصدر السابق، ص 7.
[38] - المصدر السابق، ص 7 و 147.
[39] - أبو أنس النداوي، مقال "الفلسطينيون في عيون الشيعة" موقع الحقيقة، على الرابط: http://www.paliraq.com/news.aspx?id=9198
[40] - د. موسى الموسوي، الثورة البائسة، ص 122.
[41] - أسامة شحادة، مقال "التعاون الإسرائيلي الإيراني"، مجلة الراصد، العدد 71، على الرابط: https://alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=4380
[42] - د. موسى الموسوي، الثورة البائسة، ص 125، و د. إسماعيل الشطي، الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة، ص 143.
[43] - د. إسماعيل الشطي، الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة، ص 143.
[44] - المصدر السابق، ص 142 – 143.
[45] - أسامة شحادة وهيثم الكسواني، التجمعات الشيعية في بلاد الشام، ص 201.
[46] - فارس فقيه، أنت الآن في عصر الظهور، ص 10.
[47] - صادق جعفر، التمكين الشيعي، ص 289.
[48] - المصدر السابق، ص 232.
[49] - د. خالد التويجري، عقيدة الخميني، ص 78، نقلا عن "الحكومة الإسلامية" للخميني.
[50] - المصدر السابق، ص 89، نقلا عن "مختارات من أحاديث وخطابات الإمام الخميني".
[51] - المصدر السابق، ص 103 – 141.
[52] - المصدر السابق، ص 161، نقلا عن "كشف الأسرار" للخميني.
[53] - عبد القاهر البغدادي، الفرق بين الفرق، ص 362.
[54] - سورة التوبة، الآية 17.
[55] - عبد القاهر البغدادي، الفرق بين الفرق، ص 366.