الشعائر الحسينية بين التطبير وضرب السلاسل

بواسطة موسوعة الرشيد قراءة 3511

الشعائر الحسينية بين التطبير وضرب السلاسل

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار , إن من الأمور التي ابتدعها الشيعة في دينهم الجديد ما يعرف بالشعائر الحسينية .

 والتي هي عبارة عن مراسم وطقوس غريبة عن الهدي النبوي وما كان عليه سلفنا الصالح من آل بيت النبوة والصحابة الكرام ومن اتبعهم بإحسان, ثم أطلق عليها لفظ شعائر لإضفاء صبغة إسلامية عليها من خلال استعمال كلمة وردت في القرآن الكريم .

 وكأن الأمر بالألفاظ حتى وإن كانت الأفعال بعيدة كل البعد عن ما يشير إليه اللفظ. وهكذا وبربط عجيب بين الكلمة وموردها في القرآن الحكيم أصبحت الآية { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }(الحج32) تشير عند علمائهم إلى تلك المراسيم والطقوس.

لا نريد هنا التعرض لكل تلك الطقوس والمراسيم، فهي كثيرة ومتنوعة، وباب الابتداع فيها ما يزال مفتوحا ومتروكا للعوام قبل العلماء في ابتكار أشكال جديدة من هذه الطقوس وإضافتها، لكن سنتعرض إلى ممارستين .

 هما الأبعد عن الإسلام العرب حتى زمن الجاهلية ونقصد بذلك ظاهرتي التطبير (ضرب القامات، والسيوف) وضرب الزناجيل (السلاسل)، وذلك لأن مجالس اللطم والنياحة كانت موجودة عند العرب زمن الجاهلية الأولى فلما جاء الإسلام نهى عنها، أما الزناجيل والتطبير فهي ظاهرة لم تعرف لدى العرب وإنما عرفت لدى الشيعة في الجاهلية الآخرة.

التطبير وضرب الزناجيل       

كما قدمنا فإن هاتين الممارستين غريبتان كل الغربة على الدين الإسلام؛ بل وعلى العرب في الجاهلية، فالعرب في الجاهلية عرفوا النياحة واللطم على الخدود وشق الجيوب ، حتى قال شاعرهم:

إذا مت فابكيني بما أنا أهله      وشقي علي الجيب يا ابنة عامر

وقد نهى الإسلام عنها عن عبد الله- يعني ابن مسعود رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من شق الجيوب وضرب الخدود، ودعا بدعوى الجاهلية))(1).

فتركها المسلمون بعد نهي الإسلام عنها، أما غير ذلك فلم يعرف في المجتمعات العربية قبل الإسلام ولا في الإسلام.

وكتب الشيعة الإمامية تحفل بالكثير من الروايات التي تحثهم على البكاء ولطم الخدود وخمشها وإقامة مجالس العزاء، وهم ينسبونها إلى كبار أهل البيت من أمثال جعفر بن محمد(الصادق) وموسى بن جعفر (الكاظم) وغيرهم- ولا نشك أنها موضوعة عليهم لأنه من غير الممكن والمعقول مخالفتهم لهدي جدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم- والشيعة تقبلوها ويحتجون بها لإقامة المجالس واللطم. ولكن هم لا يملكون أي رواية- موضوعة أم غير موضوعة- تشير إلى التطبير أو ضرب الزناجيل(السلاسل) .

وهذا ما صرح به أكابر علمائهم مثل: خاتمي المرشد الحالي للثورة الإسلامية في إيران [ «التطبير» مضافاً إلى أنه لا يعدّ عرفاً من مظاهر الأسى والحزن، وليس له سابقة في عصر الأئمة وما والاه، ولم يرد فيه تأييد من المعصوم بشكل خاص، ولا بشكل عام](2).

والسيستاني المرجع الأعلى عند الشيعة في العراق [لاشك أن تعظيم وفاة ومواليد الأئمة(ع) هي من شعائر الله سبحانه وتعالى.

هناك مصاديق لم يرد عنها وبشأنها شيء في السنة، خلال تعظيم الشعائر، كمصداق التطبير، فلم يرد نص على كونه شعرة من الشعائر الدينية](3).

 وبالرغم من ذلك فإن خطباءهم والقراء في مجالس العزاء يحثونهم ويدفعون العوام منهم إلى القيام بتلك الممارسة ويصورون أن لهم في القيام بها أجرأ عظيما، وبالطبع فإن ما يقوله الملالي هو الذي ينفذ على أرض الواقع بغض النظر عن شرعية تلك الممارسات من عدمها.

علماء الشيعة والتطبير

تتفاوت نظرة علماء الشيعة للتطبير وضرب السلاسل باعتبارها طقس أو شعيرة من الشعائر الحسينية-كما يطلقون عليها-, ففي حين يرى فضل الله تحريمها من الأصل حيث يجيب على سؤال حول حكم هذا العمل فيقول:[ التطبير محرم لما يسببه من الضرر الذي يحرم ارتكابه شرعاً بحق النفس أو الغير ولما يستلزمه من الهتك والتوهين للمذهب] .

ويقول:[ التطبير حرام لكونه من مصاديق الإضرار بالبدن، وهو غير جائز مطلقاً على رأينا سواء أدى إلى التهلكة أو لم يؤد إلى ذلك، وعندئذ فما دام محرماً فلا يمكن جعله من الشعائر الدينية أو الحسينية ولاسيما إذا كان مسيئاً للمذهب أيضاً فسوف تشتد الحرمة وتتأكد](4).

ولكن الكل يعرف نظرة المرجعيات في النجف وقم إلى فضل الله فهم يعتبرونه ضال, وبذلك فإن وزن فتواه هذه غير كبير في الشارع الشيعي.

أما باقي المراجع فجلهم قالوا بجوازه، لذلك تراوحت آراؤهم فيه مابين الإباحة والجواز عند الأمان على الجسم من الضرر الشديد أو الموت، وهم لا يعتبرون ما يحدث من نزف الدم من الظهر عند الضرب بالسلسلة ومن الرأس عند شدخ الرأس بالقامة (السيف) ضررا يمنع من ممارسة هذه الأفعال .

يقول محمد الحسيني الشيرازي توفي في شوال عام 1422هـ (17 ديسمبر عام 2001م) :[ الضرر القليل الذي لا يؤدي إلى القتل أو التلف لا يوجب تغيير الحكم].

وذهب البعض إلى رجحان القيام بها إذا لم تسبب ضررا, وبعضهم نهى عن المنع عنها فقد أفتى عبد الكريم الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم والمتوفى سنة 1300هـ [لا ينبغي لأحد المنع منه-أي التطبير- والصد عنه فإن جميع أنواع التعزية مشروعة ومستحبة].

 وجعلها ضياء الدين العراقي المتوفى عام 1361هـ من أعظم الشعائر الإلهية , ويشترط محمود الحسيني الشاهرودي (1301هـ - 1394هـ) أن يكون الشخص حاذقا في ضرب القامات حتى لا يؤذي نفسه, أما عبد الأعلى السبزواري توفي عام 1414هـ [ إذا كانت هذه الأمور مطابقة للموازين الشرعية فهي صحيحة وأنتم مأجورين عليها] .

وليس ثمة موازين شرعية فإن القوم لا يملكون دليلا أو رواية تدل على حكمها- على اعتبار أنها شعيرة من الشعائر التي يدعون الناس إليها- بل حتى السيستاني الذي نقلنا عنه قوله أن هذه الأفعال ليست شعيرة من الشعائر يجد أنه لا مانع من القيام بها إذا أمن الضرر- ويعني التلف أو الموت-(5) .

وهكذا نرى أن علماء الشيعة اختلفت آراؤهم حول هذه المسألة وهذا دليل ىخر على عدم وجود نص في كتبهم يحدد حكم هذه الممارسات، فمن أي جاءوا بالأجر العظيم عليها، ولماذا كل هذا الإصرار منهم على حث الناس للقيام بها.

علي شريعتي والشعائر الحسينية      

يقول الدكتور علي شريعتي(6) في كتابه (التشيع العلوي والتشيع الصفوي(: [ واستحدث الصفويون منصباً وزارياً جديداً باسم وزير الشعائر الحسينية ، وقد قام هذا الوزير بجلب أول هدايا الغرب لإيران في القرنين السادس عشر والسابع عشر ]  .

ذهب وزير الشعائر الحسينية إلى أوروبا الشرقية وكانت تربطها بالدولة الصفوية روابط حميمة يكتنفها الغموض، وأجرى هناك تحقيقات ودراسات واسعة حول المراسم الدينية والطقوس المذهبية والمحافل الاجتماعية المسيحية .

وأساليب إحياء ذكرى شهداء المسيحية والوسائل المتبعة في ذلك حتى أنماط الديكورات التي كانت تزين بها الكنائس في تلك المناسبات، واقتبس تلك المراسيم والطقوس وجاء بها إلى إيران حيث استعان ببعض الملالي لإجراء بعض التعديلات عليها لكي يصلح استخدامها في المناسبات الشيعية .

وبما ينسجم مع الأعراف والتقاليد الوطنية المذهبية في إيران، ما أدى بالتالي إلى ظهور موجة جديدة من الطقوس والمراسم المذهبية لم يعهد لها سابقة في الفلكلور الشعبي الإيراني ولا في الشعائر الدينية الإسلامية .

ومن بين تلك المراسيم النعش الرمزي والضرب بالزنجيل والأقفال والتطبير واستخدام الآلات الموسيقية وأطوار جديدة في قراءة المجالس الحسينية جماعة وفرادى، وهي مظاهر مستوردة من المسيحية بحيث يستطيع كل إنسان مطلع على تلك المراسيم أن يشخّص أن هذه ليست سوى نسخة من تلك !  .

تتضمن مراسم العزاء المسيحي تمثيل حياة شهداء الحركة المسيحية الأوائل وإظهار مظلوميتهم وطريقة قتلهم بواسطة حكام الجور والشرك وقياصرة الروم وقوّاد جيشهم وكذلك التطرق لسيرة الحواريين ومأساة مريم وبيان فضائلها وكراماتها ومعاناتها.

 والأهم من ذلك تجسيد مأساة عيسى المسيح وألوان التعذيب الذي لاقاه سواء من قومه (اليهود) أو من الحكام (القياصرة) ، كل ذلك تحت عنوان (passions ) أي المصائب.

 وهو مصطلح يطلق على مجموع هذه المراسيم التي اقتبسها الصفويون وأدخلوها إلى التاريخ الشيعي لتصبح جزءاً من الهوية الشيعية وتستخدم في تجسيد المصائب التي تعرض لها أهل البيت والزهراء (ع) والإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه.

وهذا شاهد منهم عليهم ، وكلام شريعتي واضح وصريح في أصل هذه الممارسات التي تنتشر اليوم في الشارع الشيعي بكثرة.

كلمة لا بد منها

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، إن حب الرسول- صلى الله عليه وسلم- وآل بيته فرض على كل مسلم، وذلك باتفاق كل المذاهب الإسلامية.

 قال محمد بن الحسين الآجري (تاريخ 360 هجرية) في كتاب (الشريعة):(( واجبٌ على كل مؤمن ومؤمنة محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بنو هاشم: علي بن أبي طالب وولده وذريته ، وفاطمة وولدها وذريتها ، والحسن والحسين وأولادهما وذريتهما ، وجعفر الطيار وولده وذريته ، وحمزة وولده ، والعباس وولده وذريته رضي الله عنهم ، هؤلاء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، واجب على المسلمين محبتهم وإكرامهم واحتمالهم وحسن مداراتهم والصبر عليهم والدعاء لهم )).

 وخاصة حب سبطي الرسول الحسن والحسين- رضي الله عنهما-، وإن إظهار هذا الحب والتعبير عنه بالوسائل والأساليب الشرعية لاشك أنه أمر مستحب ومأجور من يفعله, ولكن ما يحدد شرعية أي عمل هو أمران:

الأول: انه ورد نص في الحث عليه واستحباب فعله. والتطبير وضرب السلاسل لم يرد فيهما أي نص في كتب الشيعة وهذا ما أشرنا إليه في بداية كلامنا نقلا عن أكابرهم الخامنئي والسيستاني.

والثاني: إذا لم يرد نص يفيد النهي عنه فهو يبقى مباحا على الأصل- ما لم يرد نص في فرضيته أو استحبابه-، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أهون من ذلك: عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من حلق وسلق وخرق "(7) .

 عن عبد الرحمن بن يزيد وأبي بردة بن أبي موسى قالا أغمي على أبي موسى فأقبلت امرأته تصيح برنة قال ثم أفاق فقال ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني بريء ممن حلق وسلق وخرق(8).

وهذا ما كان من التعبير عن الجزع في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فنهى عنه, فما بالك بضرب الرأس بالسيوف وجلد الظهور بالسلاسل حتى يجري الدم منها.

وحيث انتفت شرعية هذه الأعمال انتفى الأجر على فعلها، ولعل البعض يقول إنها طريقة القوم للتعبير عن حبهم للحسين ومواساته, فنقول إن التعبير عن الحب لا يكون بالابتداع ولكن بالاتباع بالحسنى يقول تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }(آل عمران31 ).

 فهذا التعبير عن حبنا لله يكون باتباعنا لرسوله –صلى الله عليه وسلم-، أ فالحسين أحب إلينا من الله حتى يكون التعبير عن حبنا إياه بأشد من تعبيرنا عن حبنا لله؛ فإن شدة التعبير عن الحب تكون بشدة الحب { وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ }( البقرة165)  .

أفبعد هذا سنستمع إلى دعاة السوء الناعقين بكل بدعة ونخالف ديننا الحنيف

{لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ }(النور12)

_____________________

1. رواه البخاري وابن ماجة والترمذي

2. يمكن قراءة الفتوى بكاملها على الرابط التالي  : 1109http://arabic.irib.ir/Pages/Eslamiyat/EStefta-inc/Detail.asp?id=

3. يمكن قراءة الفتوى على الرابط التالي: http://arabic.irib.ir/pages/Eslamiyat/EStefta-inc/Detail.asp?id=1253

4. يمكن قراءة الفتوى على الرابط التالي: http://arabic.bayynat.org.lb/marjaa/qa.aspx?id=119

5. يمكن الأطلاع على نصوص أكثر الفتاوى المذكورة على الرابط التالي :  http://www.alburhan.com/aashora/Fatawa/index.html 

6. علي شريعتي مفكر إيراني شيعي مشهور. اسمه الكامل: علي محمد تقي شريعتي. ولد قرب مدينة مشهد عام 1933، وتخرج من كلية الآداب بها عام 1955، ليُرشح لبعثة لفرنسا عام 1959 لدراسة علم الأديان وعلم الاجتماع ليحصل على شهادتي دكتوراه في تاريخ الإسلام وعلم الاجتماع.

 انضوى في شبابه في حركة مصدِّق وعمل بالتدريس واعتقل مرتين أثناء دراسته بالكلية، ثم بعد عودته من فرنسا، حيث أسس عام 1969م حسينية الإرشاد لتربية الشباب، وعند إغلاقها عام 1973 اعتقل هو ووالده لمدة عام ونصف. ثم سافر إلى لندن.

 واغتيل عام 1977 قبل الثورة الإيرانية بعامين عن 43 سنة. الرأي السائد أن ذلك تم على يد مخابرات الشاه، وبكل شجاعة وندرة يُصرح الشهيد أن "كل رموز التشيع الموجود في إيران وشعائره، رموز مسيحية ومظاهر مسيحية، أدخلها الصفويون علي يد طلائع الغزو الفكري الغربي، لكي يفصلوا إيران تماما عن الإسلام السني.

 الذي كان مذهب الدولة العثمانية عدوتها التقليدية، كما أن الصفويين قد ارتكبوا ذلك الخطأ الفادح بالتحالف مع الأوروبيين ضد العثمانيين مما أودى بإيران وبالدولة العثمانية معاً"، وينهي بقوله " ولو خرجت كل المظاهر الدخيلة علي التشيع فلن يبقي هناك أي خلاف يذكر بين مذاهب الإسلام".

7. رواه ابن ابي شيبة في مصنفه.

8. رواه البيهقي في سننه وقال عنه: رواه مسلم في الصحيح عن عبد بن حميد وغيره عن جعفر بن عون وأخرجه البخاري من وجه آخر عن أبي بردة, حلق وسلق وخرق: أي حلق شعره وسلق صوته أي رفعه وخرق ثوبه.

 

المصدر: موسوعة الرشيد

 



مقالات ذات صلة