بوتين.. وأسلمة المجتمع التركي دموع في عيون وقحة…

بواسطة داود البصري قراءة 1315
بوتين.. وأسلمة المجتمع التركي دموع في عيون وقحة…
بوتين.. وأسلمة المجتمع التركي دموع في عيون وقحة…

داود البصري

28-11-2015

في هجمة إعلامية مفتقدة للحدود الدنيا من اللياقة تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد حادث إسقاط الدفاع الجوي التركي للطائرة الروسية على الحدود التركية-السورية التي شكلت منعطفا حادا في مسيرة إدارة الصراع في الملف السوري المعقد الذي تحول لمشكلة أممية وشأن عالمي تشترك فيه أطراف عدة!،

 لقد تحدث بوتين بلغة غريبة بعيدة كل البعد عن السياسة والديبلوماسية ومبادئها المعروفة، بل كان حديثا استخباريا متوحشا يعبر عن مفاهيم وأسس تدخل فظيع وغير مقبول في الشأن التركي فقد اتهم بوتين حزب وسياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بكونها سياسة تهدف لاسلمة المجتمع التركي وكأن الشعب التركي كان شعبا بوذيا أو ملحدا قبل أن يأتي أردوغان ليحوله لطريق الإسلام.. تخرصات وتحريضات وأساليب غريبة في التعبير عن خلافات سياسية ومنهجية حادة ليس من بينها بالطبع تحديد حكومة أجنبية لمستقبل وطريق حكومة أخرى وشعب آخر، فهل أن الرئيس الروسي المشغول لأذنه في الدفاع عن النظام السوري وبقية العصابات الطائفية والإيرانية المؤتلفة والمتضامنة معه، لا يعلم بأن تركيا وحتى العقد الثاني من القرن العشرين المنصرم كانت من الدول القائدة للعالم الإسلامي وهي وريثة الامبراطورية العثمانية التي حفرت اسمها في تاريخ القارة الأوروبية منذ سقوط الأندلس وقبله أيضا وحتى أوائل القرن العشرين، ودخلت في معارك وحروب وصلت معها الجيوش العثمانية لأبواب فيينا وهي الدولة التي كانت تمثل تحديا حقيقيا لاطماع الاستعمار الغربي في المنطقة،

فالرئيس أردوغان ليس هو من فرض الإسلام ولا الشخصية ولا الحضارة ولا الاسلمة في المجتمع التركي، بل إنه سليل ذلك المجتمع، وعنصر حداثي في بنائه الجديد، وقائد استطاع من خلال استثمار الحوافز وعناصر القوة الكامنة في المجتمع التركي من تحديث تركيا وبناء نموذج جديد يتجاوز حالات الفوضى العارمة التي دخلتها تركيا منذ خمسينات القرن الماضي وأوضاع الانقلابات العسكرية المتتالية التي بددت كل عناصر القوة التركية وأخرجتها من شخصيتها القيادية في المنطقة بعد أن أضحت تقلد مشية الغراب فلا هي دولة شرقية إسلامية بعد أن تنكر أتاتورك وخلفاؤه لتاريخها الإسلامي، ولا هي دولة غربية يقبل بها المجتمع الغربي الذي عزلها عن المحيط الأوروبي وحولها لمجرد زاوية وركن جنوبي لحلف شمال الأطلسي، لا يعرفونها إلا في المصائب والحروب، تركيا اليوم غير تركيا الأمس، وأردوغان يقود حملة تحول تاريخي وتأصيل وتأكيد للشخصية التركية المسلمة وللدولة الإسلامية القوية التي تعتبر من ركائز الاستقرار في الإقليم المتوتر والفاقد لعنصر القيادة الفاعلة، بوتين وهو يتدخل بشكل عسكري عدواني وقح لا يمارس بلطجة دموية مرفوضة على دماء السوريين فقط، وإنما يمارس قلة الأدب والكذب البواح والصريح ووفق نظرة وعقلية عدوانية استعلائية تحتقر الشعوب الاسلامية ولا تمارس معها إلا سياسة الأرض المحروقة ولعل قمة التناقض في موقف بوتين هو اهداؤه النظام الإيراني خلال زيارته الأخيرة لطهران نسخة نادرة من القرآن الكريم، إلا أنه يعيب على الرئيس أردوغان لمساته لاسلمة الدولة التركية وإعادة الروح لنفحات من الماضي أيام كان للأتراك صولة وجولة وزعامة للعالم الإسلامي، تركيا لا تتدخل في شأن الشعب الروسي ولا الشعوب الأوروبية المجاورة في خياراتها الحضارية والثقافية والسياسية، ولا تحاول كما نعرف فرض نموذج معين عليها، فأهل مكة أدرى بشعابها، وكل شعب له أولوياته وخياراته الحرة أما بوتين في هوجته السورية ودفاعه المريض عن النظام السوري عرش فهو إنما يعبر عن أحقاد تاريخية قيصرية تتجاوز بكثير الخلافات السياسية.

المجازر الإرهابية الروسية التي يديرها القيصر الإرهابي بوتين في الشام تجعل من أحاديثه ووصفاته للشعوب الأخرى مجرد هرطقات رخيصة وتافهة، فلينصح الرفيق بوتين نفسه ويبتعد عن المستنقع السوري، وليتوقف عن استباحة دماء فقراء السوريين إن كان فعلا حريصا على الأمن والسلام الإقليمي والدولي، أما نصائح المجرمين والإرهابيين فليوفروها لأنفسهم…! تركيا بلد وشعب مسلم قبل أن يولد بوتين أو الاتحاد الروسي، وليقرأ التاريخ جيدا…؟

المصدر : السياسة



مقالات ذات صلة