غزو إيراني لسوريا يحميه الأسد
مجلة الشراع 22-10-2006
تتكاثر في سماء سوريا، ولا سيما دمشق الشام غيوم القلق والتوتر الشعبي، على خلفية تراكمات شديدة التعقيد والخطورة، وهي تحمل ملامح صراع سياسي بلباس مذهبي، نتيجة سياسة معتمدة يقوم النظام السوري بتنفيذها، وهي تهدف إلى إحداث خلل في التوازنات المذهبية والسياسية القائمة، رغم الخلل القائم أصلاً، بسبب ميراث القمع الذي تركته السنوات الثلاثون الغابرة من حكم عائلة الأسد باسم البعث وباسم الطائفة العلوية وباسم القومية والعروبة..
فشل التغلغل الإيراني خلال حكم حافظ الأسد
خلال حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، ورغم احتفاظه بتحالف استراتيجي مع إيران، إلا انه لم يسمح لأساليب نشر الثورة الإيرانية بالتسلل إلى سوريا، وكان بانتظام وإصرار يلجم التواجد الإيراني، بل انه عمد في مراحل مختلفة إلى إغلاق المعاهد والمؤسسات وحتى المستوصفات، الممولة إيرانياً، وكان حجم الأسد الأب وسطوته وقدرته على إدارة العلاقة مع إيران.. يحول دون فتح أي باب لمناقشة إجراءاته في مواجهة تغلغل المؤسسات الإيرانية في سوريا.
وكان الإيرانيون قد حاولوا الدخول إلى المناطق التي تتواجد فيها الطائفة العلوية، مستغلين ما يعتبرونه تقارباً مذهبياً مع أبنائها، إلا ان الرئيس الأسد الأب، اتخذ سلسلة إجراءات داخل الطائفة العلوية وخارجها لضمان عدم التسلل الإيراني إلى الداخل السوري. ومن الإجراءات التي قام بها الرئيس الراحل أيضاً انه كلف مفتي سوريا السابق المرحوم الشيخ أحمد كفتارو بإنشاء معاهد لتدريس وتحفيظ القرآن الكريم، في كل أرجاء سوريا بما فيها المناطق ذات الكثافة السكانية العلوية، وقد عرفت هذه المعاهد باسم ((معاهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم)) بالإضافة إلى منع البعثات التعليمية الدينية إلى إيران.
متغيرات واختراقات
مع وفاة حافظ الأسد وتولي نجله بشار رئاسة الجمهورية، بدأت هذه التوازنات تتزعزع والتحفظات تتراجع.
فالتغلغل الإيراني في سوريا، واشتداد حملات التشييع في صفوف الشعب السوري، وتجنيس الإيرانيين والعراقيين (الشيعة) ذوي التوجهات الإيرانية، بمنحهم الجنسية السورية من قبل النظام.. وقد تجاوزت أعدادهم المليون حتى الآن، ويقيم معظمهم في منطقة (السيدة زينب) وما حولها من دمشق..!
كما برزت عمليات التزوير الفاضحة للتركيبة الديموغرافية للشعب السوري، ولعل أشدها وضوحاً، تلك الدراسات الوهمية التي نشرتها المخابرات الطائفية السورية، عن أن المجتمع السوري هو مجتمع أقليات، وان أهل السنة العرب لا تتجاوز نسبتهم 45% من مجموع الشعب السوري، وان هؤلاء منقسمون على أنفسهم! في محاولات لتزوير التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا السورية..
كما عمد النظام السوري إلى إحضار ميليشيا خاصة مهمتها الدفاع عن هذا النظام، تضم حوالي ثلاثة آلاف من القوات الإيرانية، بالإضافة إلى بعض التشكيلات من الحرس الثوري الإيراني، المختصين بحرب المدن، وهي تعمل إلى جانب قوات الحرس الجمهوري بقيادة ماهر الأسد.
كذلك تعمل الجهات والمؤسسات الإيرانية على تخريج مجموعات متطرفة من السوريين، عبر استيراد أصحاب هذا الفكر من إيران والعراق ولبنان، لفتح ((الحسينيات)) في جميع أنحاء سوريا لنشر هذه الأفكار.. وقد لوحظ أن النظام يقدم تسهيلات هائلة لمجموعات تعمل على إقامة حزام حول مدينة دمشق، فيما يبدو بوضوح أن هناك موجة متواصلة لشراء المنازل والأراضي في دمشق وأطرافها..
أما الحوزات الإيرانية فعاودت نشاطها بقوة غير مسبوقة، ناشرة فروعها في مختلف المناطق، وهي تقوم بأعمال التدريس من غير حسيب ولا رقيب، لا على المناهج ولا على الأداء.. وقد دخلت في سباق محموم مع المعاهد الشرعية الإسلامية (السنية) لاستقطاب الطلاب الوافدين إلى سوريا، والذين طالما اعتادوا ارتياد هذه المعاهد منذ عقود طويلة.. حيث يقوم الإيرانيون بتقديم مغريات متواصلة لهؤلاء الطلاب، بدءاً من الدراسة المجانية مروراً بالرواتب الشهرية وليس انتهاء بالزواج والدعم في مرحلة ما بعد الدراسة حيث تعمل إدارات الحوزات على تحويل هؤلاء عبر البعثات الدبلوماسية والدينية الإيرانية في دولهم، إلى أدوات تحريك فاعلة في بلدان، مثل ماليزيا وأندونيسيا والهند وباكستان وأفغانستان والبوسنة وغيرها.
اختراق الحدود
منذ تولي بشار الأسد الرئاسة في سوريا، بدأت متغيرات إعلامية ذات دلالة بالظهور عبر شاشات التلفزيون السوري المحلية والفضائية.
فقد استحضر النظام مشايخ من اللون الإيراني لتظهيرهم على حساب الوجوه الإسلامية التي طالما شكلت الوجه ((التقليدي)) طيلة الفترات السابقة.
وقد تطوّر هذا الوضع ليلقي هؤلاء ((القادمون الجدد)) عبر وسائل الإعلام الرسمية دروساً ذات توجهات خلافية، كما حدث قبل حوالي الشهر، عندما أطلّ أحدهم فاتحاً الباب أمام أكثر القضايا إثارة للخلاف السني – الشيعي (مثل الموقف من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم)، ليتبنى موقفاً محدداً ومنحازاً، أدى إلى ردات فعل إسلامية شديدة الخطورة في دمشق خصوصاً، وفي مناطق أخرى تشهد احتكاكات مماثلة مثل حلب وجوارها.
ومن مؤشرات التوسع الإيراني في سوريا، وجود إذاعة تبثّ على الموجة القصيرة جداً ((أف. أم)) تتولى بث المفاهيم العقائدية والسياسية، على غرار الإذاعات التابعة لـ((حزب الله)) في لبنان ولـ((المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق)).
ومما يفاقم هذا الاحتقان، إخضاع دوائر الأوقاف الإسلامية، وخصوصاً في دمشق وحلب لمنظومة فساد تكاد تأتي على هذه المؤسسات العريقة، دون أن يستطيع العلماء التصدي لهذا الواقع المتدهور المرتبط بالإدارة الرسمية المهيمنة.
تجدد الاعتقالات
تكررت في الأخبار منذ بضعة شهور عناوين اعتقالات في محافظة الرقة وتذكر الأسماء دون ذكر الأسباب حتى وضحت القضية اليوم.
فقد ذكر القادمون من داخل سوريا أن كل من يعارض موجة التشييع المذهبي – السياسي التي تقوم بها المؤسسات الإيرانية، والمتواصلة على قدم وساق اليوم في سوريا عامة، وفي محافظة الرقة خاصة.. وكل من ينتقد أو يعارض أو يعبّر عن عدم سروره ورضاه لتشيع بعض المواطنين السوريين الفقراء من القبائل العربية في الرقة، يكون مصيره الاعتقال من قبل وحدات الأمن السورية، ويتهم بأكبر تهمة توجه في سوريا اليوم وهي أنه ((وهابي)) أو تكفيري.
وفي موقع سوريا الحرة ليوم الأحد 10/9/2006 أعلن عمار قربي أن السلطات السورية اعتقلت في 23/8/2006 خمسة عشر مواطناً في الرقة على خلفية دينية محظورة، بعضهم من الطلاب والموظفين وذوي الأعمال الحرة.
الرقة: كلية إيرانية
وفي الرقة تركيز على دعوة القبائل العربية إلى التشيع ومعاداة أهل السنة، وإثارة أحقاد تاريخية زرعها أعداء الإسلام بين أبنائه.
وفي الرقة أنشأ الإيرانيون ما يشبه كلية الشريعة يدرس فيها الطلاب الأسس والمبادىء، ثم يرسل النابغون منهم إلى مدينة قُم ليتخرجوا منها دعاة للسياسة الإيرانية.
يشار هنا إلى انه منذ عقدين يعمل حزب ((جمعية المرتضى)) على نشر التشيع بين القبائل العربية البدوية مستغلاً انتشار الجهل عند الكثيرين، وعدم اهتمامهم بتعلم دينهم، مما جعلهم فريسة سهلة لهذا الاختراق.
بعد ((الإخوان)).. الوهابية
الاتهام بالانتماء إلى جماعة دينية محظورة أو تكفيرية أو وهابية، بات موضة جديدة تختلقها وحدات الأمن السورية وتلصقها بكل من يعبّر عن عدم ارتياحه في انتشار وفرض التغيير الديني والفكري والسياسي على المواطنين، تدل على الإصرار لدى الوحدات الأمنية على محاولة السيطرة والتدخل في عقول المواطنين، وحجر التفكير عليهم.
وتركز الوحدات الأمنية على المواطن السوري العائد من العمرة في الديار المقدسة، وتصادر ما يحمل من كتب دينية أحضرها معه من مكة والمدينة، وكثير من المواطنين يحضرها للذكرى أو التبرك بها حسب فهمه، ولا علاقة لهذه الكتب أو لمن يحملها بمقاومة تيار التشيع في سوريا.
وفي الواقع، فإن النشاط الإيراني في أي بقعة انتشر بات يولد ردات فعل مضادة، تتسم في الكثير من الأحيان بالتشدد، نظراً لما تفرضه هذه الممارسات من استعادة للكثير من الهواجس، ونظراً للواقع والصورة المخيفة التي خلفتها السياسة الإيرانية في العراق.
أما إعلان عدم السرور من التشيع، فهذا ليس وهابية ولا صوفية، ومن حق المواطن أن يتكلم ويعبر عن رأيه، ومن حق المجتمع المدني أن يتحرك لسد الثغرات التي تسبب المتاعب في المستقبل، ومن حق المواطن السوي أن يقول: لا داعي ولا حاجة لنشر المذهب الشيعي في سوريا بين أهل السنة.. انشروا هذا المذهب بين غير أهل السنة لعل ذلك يكون مفيداً.. إما أن تبنوا مذهباً شيعياً مواجهاً للمذهب السني ((مذهب الأكثرية المسلمة في سوريا) فهذا يتوقع أن يسبب المزيد من الصراع والعنف الطائفي كما يحدث في العراق اليوم.
اجتياح إيراني لسوري
أكثر من خمسمائة حسينية تبنى في سوريا، وقيل في دمشق فقط، وصار تحول المسلمين السنة في محافظات الرقة وحلب على قدم وساق، ومنح النظام السوري الجنسية السورية لعشرات الألوف من الإيرانيين، في حين يحجبها عن المواطنين الأكراد السوريين منذ أربعين عاماً.
ويتضامن النظام السوري مع إيران ضد عرب الأهواز (مع أنهم شيعة) ولكن الإيرانيين يضطهدونهم، وقد نشرت الصحف خلال الشهر الماضي أن النظام السوري سلم حكومة طهران عدداً من الاهوازيين المعارضين للنظام الإيراني.
أزمة استهداف المعاهد الشرعية
كل هذه التطورات تأتي في ظل إطلاق حملة على التعليم الشرعي الإسلامي في سوريا بدأت منذ قرابة العامين ولا تزال مستمرة، عندما أقدمت وزارة التربية على اتخاذ جملة إجراءات أبرزها قضم إحدى مراحل التعليم من المناهج المعتمدة في الثانويات والمعاهد الشرعية (المرحلة الإعدادية) مقابل إطلاق يد كامل للحوزات والمؤسسات الإيرانية في سوريا، الأمر الذي خلق حالة توتر واسعة النطاق، بلغت ذروة التعبير عنها في البيان الذي أصدرته ((رابطة علماء سوريا))، والذي رغم احتفاظه بالأدبيات السياسية التي تحكم الواقع السوري، مثل التوجه للرئيس السوري من أجل التدخل لوقف قرار وزير التربية إلغاء المرحلة الإعدادية من التدريس في المعاهد الشرعية، إلا انه لم يخف خطورة وتداعيات هذا الإجراء غير المفهوم والذي ليس له ما يبرره إلا البحث عن أسباب الفتنة وإخراجها للعلن وطرحها في الشارع كأزمة ساخنة..
رابطة علماء سوري
وقبل الدخول في تفاصيل البيان، لا بد من التعريف بهذه الرابطة وأهدافها وأهميتها، تعتبر (رابطة علماء سوريا)) الامتداد الديني لرابطة علماء الشام التي تأسست سنة 1938 في مؤتمر جامع انعقد في دمشق وحضره ما يزيد عن المائة من علماء بلاد الشام (سوريا، فلسطين، لبنان والأردن) وكان لها دور في مواجهة المشروع الصهيوني، وفي إرساء الوحدة الوطنية وأسس المواطنة في سوريا ومجمل بلاد الشام.
وقد انعقد الاجتماع التأسيسي للرابطة بحضور وزير الأوقاف السوري الدكتور زياد الدين الأيوبي ومفتي سوريا العام احمد بدر الدين حسون، وشهد حضوراً لافتاً من العلماء حيث تم الاتفاق على برنامج عمل الرابطة، وكان اللقاء التمهيدي الأول قد انعقد في قاعة القدس في مجمع الشيخ احمد كفتارو في 19/4/2006م.
أما أبرز أعضاء رابطة علماء سوريا هم: السيد محمد الفاتح الكتاني، الحافظ الشيخ محيي الدين الكردي، الشيخ محمد كريم راجح (شيخ قراء بلاد الشام)، الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، الدكتور وهبة الزحيلي، الشيخ عبد الرزاق الحلبي، الدكتور محمد محمد الخطيب (وزير الأوقاف الأسبق)، السيد غسان النحاس (عضو مجلس الشعب) والدكتور محمد عبد اللطيف فرفور وغيرهم من علماء سوريا البارزين.
وقد وضعت الرابطة جملة أهداف تسعى لتحقيقها، وهي تبدأ بالمجال الدعوي وصولاً إلى السعي لأخذ دورها على المستوى الوطني، في إشارة واضحة إلى مخاطر الفراغ السياسي الحاصل وضرورة ملئه على مستوى الحالة الإسلامية في سوريا.
الأهداف والغايات
*نشر الدعوة الإسلامية وإبلاغها في كل مكان من خلال وسائل الاتصال المتنوعة المرئية والمسموعة والمقروءة.
*تعليم الناس أحكام دينهم ودنياهم من خلال الفتوى المسؤولة المبنية على فقه الإسلام وفقه الواقع.
*التواصل مع الجهات العلمية الإسلامية القائمة من مفكرين ودعاة وعاملين للإسلام وفقهاء، لتوحيد الجهود في كل مجالات العمل الإسلامي.
*تقديم الاستلام بصورته الحقيقية المشرقة البعيدة عن الجمود والتطرف..
*تقوية اللحمة الأخوية بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم.
*تنمية العلاقات بين الجماعات الإسلامية على الساحة السورية في الداخل والخارج.
*تأسيس مدارس جديدة للدعاة والأئمة والخطباء وتأمين الدعم المالي لها، وتدريب الخريجين الجدد على الخطابة والدعوة.
*تشكيل لجان لفض النـزاعات وإصلاح ذات البين، وتنشيط الزواج القويم في صفوف الشباب والفتيات وتذليل مصاعبه.
*التفاعل مع الأحداث الجارية على الساحة السورية والتأثير فيها ما أمكن.
*التواصل مع كل قيادات الشعب السوري بكل أطيافه واتجاهاته والعمل معاً على خدمة هذا الشعب، وقد قامت لجنة مؤقتة تدعو إلى هذه الأهداف، واختارت أن يكون الموقع الالكتروني أداة الاتصال بداخل سوريا وخارجها، ويعلن الانضمام للرابطة من خلاله، لتشكل بعدها الهيئة التأسيسية لرابطة علماء سورية على أوسع نطاق، وتختار الهيئة بملء إرادتها قيادتها التنفيذية خلال عام على الأقل، والمائة الأوائل الذين قامت على أكتافهم نواة هذه الرابطة جميعهم جنود لتحقيق هدف الرابطة الأشمل والأوسع من كل علماء الأمة.
بداية القصة – الأزمة
قبل عامين أقدم وزير الأوقاف السوري على إصدار قرار يقضي بإلغاء المرحلة الإعدادية (الابتدائية) من الدراسة في المعاهد الشرعية، مما احدث خللاً في الانتظام التعليمي العام للمعاهد الشرعية، الأمر الذي اعتبره العلماء إشارة انطلاق فعلية للتضييق على المعاهد وبداية قضم العملية التربوية فيها، ويبدو أن العلماء حاولوا في البداية التصدي لهذا الإجراء عبر وسائل تصاعدية، لم تستطع أن تعطي أي نتيجة تذكر، ورغم محاولاتهم إيجاد مسافة بين وزير التربية وبين الرئيس الأسد لإيجاد مخرج لهذه الأزمة، إلا أن العلماء يعرفون تمام المعرفة من يتخذ القرارات التي يشكون منها، وان مثل هذا التوجه في سوريا لا يمكن أن يأخذ طريقه للتنفيذ دون علم مواقع القرار الأولى في النظام السوري، ذي الطابع المركزي، والمتحكم بسائر التفاصيل في الحياة السورية.
بدأ العلماء بيانهم بتوجيه الخطاب إلى الرئيس السوري وتذكيره بضرورة تحمل مسؤولياته في تأمين ((الضمانات اللازمة لتربية النشء في الأمة العربية تربية أخلاقية سليمة تسمو به فوق كيد الكائدين وتعينه على النهوض برسالته في الحياة))، ولفت العلماء إلى أن ((هنالك من يحاول إبراز التآمر على أخلاق هذه الناشئة ودينها، في مظهر التدبير لشأنها والاهتمام بمصالحها، وهي في الحقيقة مؤامرة تحاك خيوطها منذ قرابة عامين)). وتقدم العلماء الموقعون بجملة نقاط أبرزها:
رفض تجفيف روافد المعاهد الشرعية؟!
أولاً: إن من الممكن تنفيذ الهدف الرامي إلى إحداث المرحلة الأساسية بحيث تصبح مكونة من حلقتين الابتدائي والإعدادي، وتدريس مقرراتها كاملة، دون الحاجة إلى حذف المقررات الشرعية التي يكلف بها طلاب المعاهد والثانويات الشرعية من حلقة الإعدادي فيها، وتلك هي الحال في مدارس الشويفات، حيث تدرس فيها مقررات المرحلة الأساسية مضافاً إليها زيادات غير موجودة في مدارس الدولة، ولم يعترض احد على تلك الزيادات ولم تطالب إدارة تلك المدارس بحذفها.. ولكن الخطة المرسومة في وزارة التربية تهدف الى تجفيف روافد الثانويات والمعاهد الشرعية، ثم القضاء عليها، ولأن الطالب اذا تجاوز الحلقة الثانية من المرحلة الأساسية بعيداً عما لا بد منه من المقررات الشرعية الممهدة، فإنه لن يجد ما يدعوه تربوياً ولا ثقافياً إلى التحول إلى الدراسة الشرعية، ولسوف يختار ما هو أمامه من الفرع العلمي أو الأدبي وبذلك يتم القضاء على المعاهد والثانويات الشرعية من حيث هي..
ثانياً: ان تسكين الهياج القائم اليوم في صدور الآباء والأمهات لهذا البلاء الذي فوجئوا به عن طريق الوعد بإحداث معاهد شرعية متوسطة، العوبة لا تنطلي على احد ولا يمكن لها أن تخدر المشاعر أو أن تبرد لظى هذا الهياج، إن المقصد الذي لا بديل عنه ولا تعوض عنه كنوز الدنيا، أن تتوافر لأولاد هذه الأسر في مرحلة المراهقة ضمانات التربية الدينية والسلوك الأخلاقي الأمثل، وإنما ميقات ذلك الحلقة الأولى في منهاج المعاهد والثانويات الشرعية يليها ما يستكملها من الدراسات الشرعية اللازمة في الحلقة الثانية، وإذا زج بالتلامذة في مرحلة المراهقة داخل تيار الضياع الأخلاقي وبين أمواج النـزوات النفسية، فهيهات للمعاهد المتوسطة أن تصلح فساداً أو أن تقوم أي اعوجاج لا سيما إن أخذنا بعين الاعتبار ما يلي:
الموقف من تغلغل النفوذ الإيراني
اضاف بيان ((رابطة علماء سوريا)) محذراً من مخاطر التغلغل السياسي الإيراني:
*ان الحوزات الشيعية ماضية في تجاهل هذا التعميم (الصادر عن وزارة التربية) مصرة على عدم الاستجابة لها ومدارس الشويفات تضيف إلى منهاج المرحلة الأساسية ما تشاءه من الزيادات في الساعات والمقررات والمدارس التبشيرية الأجنبية ماضية في مناهجها الخاصة بها وأساليبها التربوية دون أي معارضة ولا إشكال.
وختم البيان بتساؤل تحذيري: ترى ما هي الحكمة من ان ينـزل هذا البلاء برأس المعاهد والثانويات الشرعية وحدها؟ وان تمضي هذه الخطة في التطبيق على التربية الدينية عموماً ومناهج التعليم الشرعي خصوصاً حتى الاختناق؟ وماذا لو فضحنا الخفايا واستشهدنا بما يعرفه بعض موظفي وزارة التربية من رسم خطة تآمرية مقصودة للإطاحة بدين هذه الامة وثقافتها الإسلامية وتراثها الشرعي؟
ابرز الموقعين على البيان
السيد محمد الفاتح الكتاني، الحافظ الشيخ محيي الدين الكردي، الشيخ محمد كريم راجح (شيخ قراء بلاد الشام)، الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، الدكتور وهبة الزحيلي، الشيخ عبدالرزاق الحلبي، الدكتور محمد محمد الخطيب (وزير الاوقاف الاسبق)، السيد غسان النحاس (عضو مجلس الشعب)، الدكتور محمد عجاج الخطيب، الدكتور مازن المبارك، الشيخ صادق حبنكة، الشيخ محمد ديب الكلاس (الشهير بالشيخ أديب)، الشيخ أسامة عبدالكريم الرفاعي، الشيخ سارية عبدالكريم الرفاعي، الشيخ محمد علي الشقيري، الشيخ صلاح الدين احمد كفتارو، الشيخ محمد زياد الحسني الجزائري، الدكتور محمد راتب النابلسي، الحافظ الشيخ محمد سكر، الحافظ الشيخ شكري اللحفي، الحافظ الشيخ بكري الطرابيشي، الحافظ الشيخ محمد نعيم عرقسوسي، الشيخ أسامة الخاني، الدكتور توفيق محمد سعيد رمضان البوطي، الدكتور عبدالعزيز الخطيب الحسني الجزائري، الداعية الأستاذ احمد معاذ الخطيب الحسني الجزائري، الأستاذ عبدالهادي الطباع، الشيخ حسن وحود، الدكتور محمد عبداللطيف فرفور، الشيخ هاشم العقاد، الاستاذ سعيد الحافظ، الدكتور محمد سامر النص، الأستاذ ضياء الدين خطاب، الشيخ محمد هشام سعيد البرهاني، الشيخ نـزار الخطيب، الشيخ الدكتور مصطفى الخن، الدكتور عماد الدين الرشيد، الأستاذ بديع السيد اللحام، الدكتور بشير العمر.
الأبعاد السياسية لبيان رابطة علماء سوري
توجه العلماء لبشار الأسد في بيانهم رسالة مباشرة للرئيس السوري بأن الجميع يدرك ان مقبض القرار في يديه أولاً وأخيراً، وان المسؤولية تقع عليه في السماح بالتمادي في الانتهاكات التي أشار إليها علماء الشام، وأيضاً في التراخي عن معالجتها، وهي التي باتت مصدر توتر متصاعد منذ قرابة العامين حتى اليوم.
وحدة كلمة العلماء التي برزت من خلال تنوع الموقعين على البيان، إذ نرى في أسماء الموقعين الأربعين كل الاتجاهات الإسلامية من علماء وفقهاء وقراء وأساتذة شريعة ومفكرين إسلاميين.
تصاعد الوعي إزاء الخطوات التي يقوم بها النظام لتغيير صورة سوريا ووجهها الإسلامي تحت ستار التطوير والتوحيد.
توقفت أوساط إسلامية متابعة عند ((أسلوب الصدع بالحق في سلوك الطريق الأمثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بمطالبة الحاكم الذي يمثل السلطة التنفيذية في البلد أن يوقف هذا المنكر)).
- أسس البيان لتوازنات جديدة على الساحة الداخلية في سوريا، رغم أن الموقعين لم يهدفوا إلى الانخراط في أي صراع سياسي، لكن أداء النظام بات يحول كل الملفات والقضايا إلى ملفات مصيرية، ويضاعف خصومه يوماً بعد آخر.. وكان لافتاً في هذا المجال إن الموقعين على البيان هم كبار علماء الشام، ومنهم من لا يمكن تصنيفه في أي إطار من اطر المعارضة، ومن المؤكد أن وصول الوضع إلى خطوط الخطر دفع بهؤلاء العلماء إلى رفع الصوت والتحذير من مخاطر هذه التوجهات..
- من خلال هذه الممارسات لا يستهدف النظام فقد ضرب التعليم الإسلامي بل يهدف إلى إحداث شرخ بين الاتجاهات التي يفسح لها المجال للعمل دون ضوابط (الحوزات خصوصاً) وبين المرجعيات الدينية الإسلامية في سوريا، في إطار إستراتيجية تغذية التناقضات داخل المجتمع السوري، للإبقاء على سيطرته.
الأسد رفض التجاوب
ورغم كل هذه التوترات التي أثارها قرار وزير التربية في حكومة الرئيس بشار الأسد، إلا أن هذا الواقع الخطر لم يحرك مواقع المسؤولية في النظام لمعالجة المخاطر الناجمة عن استمراره، وقد بلغت تحركات ((رابطة علماء سوريا)) ذروتها في اجتماع عقدته مع الرئيس الأسد وعرضهم المسألة عليه، لكن رده كان سلبياً ولم يتحرك لوقف قرارات وزيره، بل ترك الأمر ليزداد تأزماً وتعقيداً في أوساط العلماء وطلاب العلم الشرعي وأهاليهم.
وحتى ندرك خطورة الموقف لا بد من الإشارة إلى أن شرائح واسعة من أبناء الشعب السوري تستفيد من نظام المعاهد الشرعية الذي يقوم بتدريس المواد العلمية والدينية بشكل متكامل، بحيث يتخرج الطلاب حاملين شهادتين دينية وعلمية في الوقت نفسه، وهذا الإقبال ناجم عن الطبيعة المتدينة للشعب السوري، التي لا ترتبط بالضرورة بأي توجه سياسي، خاصة وان النظام يمنع منذ عقود أي نشاط سياسي إسلامي في الداخل.
هذا المنحى من الأحداث وضعه الكثيرون من المعنيين بالشأن الإسلامي في إطار تصعيد بارد واستدراج للفتن واستقطاب لعوامل التوتر وإطاحة بكل عوامل التهدئة الداخلية، في خطوات تشكل انقلاباً حقيقياً على الواقع العام في سوريا، الذي كان الرئيس الأسد الأب يدرك مخاطر الانقلاب التام عليه، ولذلك فان المتحكمين بمسار القرار والمنحازين لصالح توسيع نفوذ الحوزات الإيرانية، يريدون الانتقام من المعاهد الشرعية، مستندين الى توجهات هذا النظام الذي يبدو انه دخل مرحلة اللعب على كل الأوتار الحامية داخل سوريا وخارجها.
((ثورة)) العلماء ترجع التعليم الشرعي في سوري
إلا أن ارتفاع سخونة الوضع في الداخل السوري، وارتفاع وتيرة الاعتقالات، وتفاقم حدة الصراع بين المواقع الإسلامية السورية وبين المؤسسات الإيرانية، واتساع دائرة الاعتراض على استهداف التعليم الشرعي، دفع بالنظام السوري إلى التراجع عن قرار إلغاء المرحلة الإعدادية من المعاهد الإسلامية، حيث أصدرت السلطات السورية تعليماتها بإعادة السماح بالتسجيل في المدارس والمعاهد الشرعية، في خطوة تلبي الاحتجاجات والمطالب المنادية بالحفاظ على التعليم الشرعي في سوريا والاستمرار فيه حسبما أفادت حركة العدالة والبناء، السورية المعارضة في بيان بثته على موقعها في الشبكة العنكبوتية، مضيفة أن هذا القرار بالسماح بإعادة التسجيل في المعاهد الشرعية يأتي بعد أن كانت وزارة الأوقاف قد أصدرت تعميماً في بداية العطلة الصيفية المنصرمة يقضي بإيقاف التسجيل في المعاهد والمدارس الشرعية في سوريا، وحظي هذا التعميم بردود فعل وتفاعلات كبيرة كان أبرزها توقيع أكثر من 200 عالم سوري على عريضة احتجاج على القرار.
وما يمكن قوله في خلاصة لهذا الملف أن تراجع السلطة السورية يأتي في إطار عجز هذا النظام عن خوض مواجهة بهذه الشمولية مع العلماء ومع الشرائح الأساسية من الشعب السوري، والتجاء هذا النظام إلى اعتماد سياسة الاعتقال المحدود والاستهداف الانتقائي لشخصيات ومجموعات محدودة للتهرب وتجنب ردات الفعل التي قد تنجم عن مواجهة مفتوحة، بوجود وسائل الاتصال وإمكانية تسريب المعلومات والوقائع عبر مختلف وسائل الإعلام.. والتفاعل الإسلامي والحقوقي مع أي حملة لانتهاكات حقوق الإنسان.