بصمات الشخصية الفارسية على السياسة الإيرانية
جرس إنذار في ساحة الواقع العربي !!!
في ظل بشائر النصر التي يعيش نشوتها أبناء القومية الفارسية اليوم ، وقمة الإحباط الذي تعاني منه الشعوب العربية ، بتحول أطراف خيوط اللعبة الرئيسية إلى أصابع الساسة الإيرانيين ليس في العراق ومنطقة الخليج العربي وحدها ، بل وتفشيها إلى بلدان إسلامية أخرى ، لابد لنا من وقفة جادة للتأمل بالأسباب التي قلبت - على حين غفلة - موازين القوى وجعلت عدو الأمس القريب للأمريكان ، اليد التي تبطش بأبناء العراق وتستنزف مقدراتهم ..
ولعل أولى الإشارات التي نتلقاها من هذا التأمل ، هي أن تلك الحظوة لم تكتسبها إيران بتفوقها العسكري على بلدان المنطقة التي أقبلت وبشغف على التسلح العسكري حتى أصابت ميزانياتها بالعجز والدين .
وكذلك لم تكتسبها لأنها دولة علمانية تحارب الدين وأهله تماشياً مع الأيدلوجيات والأطروحات الغربية ..
وهي لم تكتسبها أيضاً بمد يد السلام وطأطأة رأس الاستسلام لإسرائيل تلبية للإملاءات الأمريكية وإن كان على حساب مشاعر مواطنيها .
لكننا إذا ما تتبعنا السياسة التي انتهجها النظام الإيراني والتي تعكس وبصدق سمات الشخصية الفارسية سنجد أن بصمات تلك الشخصية في دهاليز السياسة هي التي أوصلت إيران إلى ما هي عليه اليوم . بل وستنتقل بها إلى مصاف أكثر سطوة ونفوذ إذا ما ظل العرب ساسة وشعوباً غارقين في سباتهم العميق ...
لذلك نعتقد أن من الأهمية بمكان أن نسلط الضوء على الركائز الشخصية الأساسية التي بنيت عليها دعائم السياسة الإيرانية في تعاملاتها عموماً ومع الأمريكان خصوصاً لعلها تكون جرس إنذار ولو أنه قد جاء متأخراً بعض الشيء ، لما سيؤول إليه حال العرب بعد فترة يصعب تقدير قصرها :
1) دراسة واقع المجتمع الذي تنتقيه مصلحتها ، بتأن وعمق من خلال الاستبطان في كافة التفاصيل ، وتعميق العلاقات مع الفرقاء في أي مجتمع دون أن يعلم كل فريق بعلاقتهم مع نده، والدخول إليهم بهذه المعرفة عبر نقاط الضعف لكل منهم ، وباختصار (تعرف من أين يؤكل عظم الكتف !) .
2) اتخاذ سبيل الحرب غير المباشرة مع العدو ، بضرب العدو بالعدو ، مع الظهور بمظهر الناصح الأمين ثم المنقذ المخلص بعد إيصال الأطراف لنقطة اللاعودة ، عملاً بمبدأ ( أغري عدوّي لقتل عدوّي ، ولكن بخنجري!)
3) الإمعان في الإعلان إعلامياً ورسمياً عن سياسة هي بالأساس مغايرة تماماً لما عليه الحال فعلياً .. وكلما زاد الترويج لتبنيهم موقفاً ما ، فاعلم أن الأمر قد بلغ ذروته في الاتجاه المعاكس .. على سبيل المثال لا الحصر ، رفضهم المطلق لاحتلال العراق قبل عام 9/4/2003 والمبالغة في هذا الرفض إعلامياً بل والتوجه بعبارات سياسية جارحة للدول العربية بزعم أنها لا تفعل شيئا للحؤول دون الحرب . بل أن الأمر تعدى ذلك ليصرح الساسة الإيرانيون بأن إيران لن تقف مكتوفة اليدين إذا ما تعرض العراق للحرب .. وقد انطلى ذلك بالفعل على الشعوب العربية والإسلامية بل حتى الساسة العراقيون آنذاك مما دعاهم للتحالف معهم على استراتيجيات مهمة بل وخطيرة بحسب تصريح أحد القادة العراقيون آنذاك ، لكن الأيام أثبت بعد أشهر قليلة من الحرب أن التنسيق كان على قدم وساق عن طريق بعض العملاء والذي كان الجلبي نجمهم ... وكذا الحال ينطبق على المجلس الأعلى للثورة بقيادة الحكيم ، الذي طالما صرخ عبر منابر إعلامية عديدة برفضه لإسقاط النظام العراقي عن طريق الاحتلال ، بل إنه رفض حضور اجتماعات المعارضة التي كانت تعقد قبل شن الحرب واتهمها بأنها ليست معارضة وطنية لأنها تريد تدمير البلد!! - بحسب تصريح البياتي الذي كان ناطقا آنذاك باسم المجلس . وما أن سقط النظام حتى رأينا قادة هذا المجلس يدخلون آمنين!! إلى العراق ومن إيران مباشرة مع مليشياتهم برفقة الأسلحة والأعتدة والدبابات ! ! وأصبحوا ومنذ ذلك التاريخ الآمر الناهي في العراق وبحماية القوات الأمريكية !!! .
4) دراسة كل الاحتمالات التي قد يؤول إليه مستقبل الدول التي تهتم بأوضاعها ، ومد الجسور مع كل التوقعات المحتملة ، مع إخفاء الإفصاح عن هذه العلاقات لحين وقتها . لأسباب عديدة، منها الضغط بها كورقة لعب حين يتطلب الأمر ..
5) الاعتماد على كافة المستويات الطبقية في مجتمعهم وفي المجتمعات التي تهتم بها . فمثلاً لا تعجز عن تسخير الطبقة المثقفة لترويج سياساتها المزعومة ، ولا تتورع عن التعامل بل واستقطاب الفئات المنحدرة خلقياً وقانونياً لاستخدامهم في تنفيذ مشروعاتها الغير قانونية واللاأخلاقية .
6) بسبب كبت العداء في النفس الفارسية لعدوها ، ومحاولة إظهار الود له وما يستلزمه ذلك من ضغوط كبيرة لإخفاء مشاعر الحقد هذه وعدم تنفيسها مدة طويلة بانتظار ساعة الحسم التي تخطط لها سنوات طويلة دونما كلل ، فإن ذلك كله يساعد على تراكم وتنامي تلك المشاعر الأمر الذي يستوجب تفريغه بانتقام حاد والتلذذ به ولفترة تفوق فترات الكبت حتى مما يحوّل الأمر إلى عادة سلوكية (عادة الانتقام والتلذذ به) واعتقادا تتبناه الذات ..
كانت تلك تعريجات موجزة على الشخصية الفارسية ، نأمل أن تكون جرس إنذار لصناع القرار في دولنا، واضاءات لمثقفينا للانطلاق منها في تفقيه الشعوب العربية بما يدور حولهم، علّهم يساهموا في نبذ عادة الجري وراء طبول الشعارات الرنانة ، والوجه الضاحك دون الالتفات إلى اليد التي تحمل السكين والتي يواريها الظهر.
شروق الجبوري
ashrak67@yahoo.com