العنوان أعلاه ليس مأخوذاً من رسالة دكتوراه أو بحث أكاديمي. ولا نعلم ما إذا كان أحد قد تطرق له من قبل. لكننا نجده موضوعاً خصباً. ويمكن لمن لديه فائض من الوقت أن يبحث فيه، لدراسة الإعلام الإيراني (النازي). وبوسع فريق من الباحثين الاشتغال حول عجائب وغرائب إعلام طهران التي لا تنتهي. إذ ليس الخبر فقط هو ما يتم استخدامه لتوظيفه في بث دعاية إيرانية موجهة، يتم تضمينها بشكل مباشر في السياق.. بل إن هذا الأسلوب العتيق والمستهلك يسري على كل فنون وأنواع المادة الصحفية في أدوات الدعاية الإيرانية، من المقالات، إلى التحقيقات، إلى البرامج الإذاعية والحوارات المتلفزة. وهذا لا يمنع من وجود صحافيين أحرار يحترفون المهنة، ولديهم إدراك ووعي بأن توظيفها بذلك الشكل يثير السخرية، ويكشف عن تهافت النظام الإيراني، وحاجته إلى إسناد عجزه وفشله بدعاية منظمة.
ما يقوم به إعلام إيران ليس جديداً. فقد كانت النازية الألمانية في عهد هتلر تولي أهمية قصوى للدعاية، وقامت بتوظيف الفنون لخدمة النظام النازي. وظل غوبلز وزير الدعاية السياسية في ألمانيا النازية يؤدي عمله، ولم يكن يعلم أنه يؤسس لنهج سوف يستمر من بعده في فترة زمنية لاحقه، على أيدي رجال دين، يحكمون بلداً بالحديد والنار، ويستخدمون التعبئة والتحريض بشكل مكثف.
هذا النوع من الأداء الذي يستهدف الجماهير لكي يغرقها بسيل من الدعاية، والترويج الفج لأفكار وأيديولوجيات متطرفة، لا يزال فاعلاً ويتم تطبيقه في أكثر من بقعة في العالم. لكن ما يقوم به النظام الإيراني من توجيه وبرمجة لوسائل إعلامه يعد أوضح مثال على توظيف الصحافة والنشر بهذه الكيفية، التي تجعل وسائل الإعلام الحديثة تتورط في استغفال عقول الناس، وتراهن على تكرار الأكاذيب، إلى أن تصبح في نظر المتلقي حقائق لا تقبل النقاش.
ومن خلال مطالعة عابرة وسريعة لبعض عناوين الصحف والمواقع الإخبارية الإيرانية، نلاحظ مدى تخلف إعلام طهران، وركوده في مرحلة قديمة جداً تجاوزها الزمن. فأسلوب صياغة الأخبار وانتقاء موضوعاتها، يخضعان لنهج يتصف بالبدائية، كأنه خارج من متحف إعلام النازية والأنظمة الديكتاتورية، التي تركز على صياغة وعي شعوبها باختراع أكاذيب وصناعة أوهام وابتكار أعداء وتخيل انتصارات وهمية.
ومهمة إعلام إيران الأساسية هي رسم صورة وردية لمستقبل نظام الملالي، لكن الجميع يعرف أن تلك الصورة زائفة ومناقضة بشكل مطلق للمؤشرات الواقعية، التي تقول أنه مستقبل مظلم وكئيب للغاية. لأن المقدمات تحدد دائماً مسار النهايات بدقة متناهية.
وبالعودة إلى موضوع الوظيفة الدعائية للخبر في الإعلام الإيراني، نعلم أن وظيفة الخبر الصحفي إجمالاً في كل بلاد العالم، تهدف إلى التعريف بالحدث، من زاوية الإجابة على تلك التساؤلات الشهيرة، التي قد يختلف البعض بشأن ترتيبها، لكنها لا تخرج عن (ماذا، من، متى، أين، لماذا، كيف).
بينما يحتل الجانب التحريضي أهمية وأولوية كبرى لدى الإعلام الإيراني، على مستوى صياغة المحتوى وانتقاء الموضوعات وتحديد الأولويات. فنجد أن المضمون لا يسعى إلى نقل المعلومة فقط، بل إلى توظيف المعطيات ضمن أجندة التعبئة الموجهة للداخل وللحلفاء في الخارج.
على هذه الخلفية يمنح إعلام طهران أولوية لأنشطة رموز النظام الإيراني، حتى وإن كانت تتصل بمناسبات دينية ومحاضرات أو خطبة جمعة. وقد لاحظ المهتمون بمتابعة الإعلام الإيراني، كيف ركزت أخبار زيارة روحاني إلى العراق على تحقيق مكسب دعائي كأولوية قصوى. كما حاولت صحف وأذرع إيران الإعلامية الموجهة للداخل إبراز مدى مقدرة النظام على إيجاد بدائل لمواجهة العقوبات. وجعلت الحديث عن الاتفاقيات الموقعة مع العراق يدور في فلك إعلان تحدي إيران للولايات المتحدة الأميركية.
المصدر : مركز المزماة للدراسات والبحوث
14/3/2019