محمد السعيدي
21-9-2015
ضمن حوار نافع كان لي مع الدكتور محمد علي البار في إحدى حلقات برنامجي الإذاعي (حوار الحضارات) قال: إنه استمع في الـbbc الإنجليزية إلى لقاء قبل أيام مع بنيامين نتانياهو حول العُدوان الجديد على مرابطي الأقصى، قال فيه: إن الفلسطينيين سوف يتم إجلاؤهم جميعاً إلى غرب العراق وشرق سورية ومناطق أخرى من العالم العربي، وحدد الزمن المقرر لارتكاب هذه الجريمة بأنه بين عامي ٢٠٢٠و٢٠٢٤، واستغرب مُحَدِّثي -الدكتور البار- من كون القناة لم تقم بإعادة بث اللقاء مرة أُخرى، كما أنه لم يستمع إلى أي تعليق رسمي أو غير رسمي على هذا التصريح من أيٍ كان.
هذه الكلمة من رئيس الوزراء الصهيوني لها دلالات جديدة لا يحملها وعِيده الكثير الذي لم نعد نعبأ به من كثرة تكراره، إذ تضمن الحديث عن مشروع لإفراغ فلسطين من أهلها قد تم تحديد زمانه ومكانه، كما تُفِيد بأن كل ما يحدث اليوم من تفاوض حول الدولتين ومستقبل العلاقة بين الشعبين اليهودي والعربي في فلسطين ليس سوى إزجاء وقت أو إلهاء أو سمِّه ما شئت غير كونه يُعبر عن مطلب حقيقي لحُكَمَاء صهيون، وأظن أن ما يحدث في المنطقة اليوم من فوضى عارمة تدخل هي أيضا ضمن الإعداد لهذا المشروع الخطير، فدول المنطقة كلها مشغولة اليوم بالمشروع الفارسي بأذرعته العديدة والتي منها دون شك عندي الإرهاب الداعشي والصفوي معاً، هذا المشروع الذي لا يستطيع من يُراجع تاريخه القصير إلا أن يُذعِن للنظرية التي تنفي وبشدة الوهم القائل بأن هذا المشروع من صناعة ملالي قم وتخطيطهم ودهائهم، وأن من يملي على طهران استراتيجيتها هم نفسهم أولئك الذين يُمْلون على موسكو وواشنطن ويُديرون الصراع في العالم سرا كما كان يقول هنري فورد في كتابه "اليهودي العالمي" ووليم كار في كتابه "أحجار على رقعة الشطرنج" وبول فندلي في كتابه "من يجرؤ على الكلام" وغير هؤلاء من قدماء ومُحْدَثِين ممن نبهوا على المؤامرة العالمية التي يأبى كثير من مثقفينا اليوم الاعتراف بها دون أن يُقَدِّموا ما يبرر رفضَهم قبولَها سوى السخرية ووصف أصحابها بالمسكونين بنظرية المؤامرة.
إن المشروع الفارسي لم يصرِف وحسب هِمَمَ الحكومات العربية ومتخذي القرار فيها عن القضية الفلسطينية، بل صرف حتى شعوب المنطقة وعلماءها وإعلامييها وكتابها، فلم تعد فلسطين في أناشيد أطفالنا وحديث مجالسنا وندوات مثقفينا وبرامجنا الإذاعية والتلفزيونية، إذ حل محلها الخطر الفارسي المحدق والمحيط بدُولنا وعالمنا العربي من كل جهاته.
بل دخل المشروع الفارسي في عُمْق القضية الفلسطينية في محاولة تبدو حتى الآن فاشلة ليكون هو وفي ظل هذا الفراغ العربي اللاعبَ الوحيد بخيوط هذه القضية التي شُغِل أهلُها عنها، ولاحظ عزيزي القارئ أنني أقول حتى الآن، أي أن الفرصة ما زالت متاحة لينجح المشروع الفارسي في احتواء القضية الفلسطينية ومن ثَمَّ إماتتها في الوقت المناسب كي تحيا إسرائيل.
يمر المشروع الفارسي هذه الأيام بفترة انكسار وتعثر شديد في كل مشاريعه، ومع ذلك لا نجد لديهم أي بادرة لمراجعة الحسابات وإعادة وزن النفس وتقييم القوة، وليس هذا في رأيي نِتَاج العناد والصلف والاستكبار الفارسي كما هو رأي آخرين غيري، وإنما لكون القرار الحقيقي ليس بيد ملالي فارس، بل هو بيد القوة الخفية وفق تعبير الباحث الروسي سيبيريدوفتش والتي كان يعني بها حُكَمَاء صهيون الذين اشتكى من سيطرتهم على اتخاذ القرار في بلاده حتى في زمن الأباطرة الروس.
فليس من مصلحة الصهاينة أن تنجح إيران في مشروعها لأنه يعني إيجاد دولة عظمى إلى جوارها، كما أنه ليس من مصلحتهم أيضا أن تتخلى عنه، لأن ذلك يعني عودة الصراع إلى حالته الطبيعية بين الصهاينة والعرب، وهذا ما يتحاشونه.
أعتقد أن محاربة المشروع الفارسي أولوية قد فرضت نفسها علينا على الرغم منا أو نتيجة لتقصيرنا، وفي وقتنا الراهن يجب أن تبقى أولوية، لكن استراتيجيتنا فيها ينبغي أن يطرأ عليها تعديل مهم يتمثل في إحياء رميم فلسطين، أي بعث القضية الفلسطينية، بعد أن أودت بها مخرجات أوسلو، عن طريق نشاط مصاحب لنشاطنا في صد المشروع الفارسي، فقد ثبت لنا بكل الطرق أننا في مواجهة عدوين خَطِرين وانشغالنا بأحدهما يعني تضخم الآخر، ومواجهتنا لكليهما بما يناسب كل واحد منهما مع الاستعانة بالله تعالى تعني إفشال الجميع (وما النصر إلا من عند الله)، لاسيما أن بلادنا من فضل الله عليها وعلى قيادتها الحكيمة ليس بينها وبين الكيان الصهيوني أي التزامات مباشرة أو غير مباشرة تحول دون العمل الجاد في سبيل هذا الإحياء لقضية الأمة الأولى والتي أصبحت أو كادت تكون رميما.
إن مملكة إسرائيل الكبرى والتي طمح إليها حاييم وايزمان منذ مئة عام، تختبئ اليوم تحت عباءة مشروع إيران الكبرى حيث يتهيأ الجزء الشرقي من مملكة إسرائيل لإفراغه من سكانه، إذ بلغ المهاجرون السوريون والعراقيون معاً أكثر من 15 مليونا تفرقوا في جميع البلدان المجاورة ما عدا فلسطين حيث لا يستقبل الصهاينة لاجئا واحدا، ودعاةُ حقوق الإنسان يناشدون كل البلاد حتى البعيدة منها استقبال هؤلاء البائسين، لكنك لا تستمع إلى كلمة واحدة تطالب الكيان الصهيوني أن يفتح حدوده لهم.
إحياء رميم القضية الفلسطينية بات ضرورة حياة، ولم يعد مطلبا دينياً أو إنسانياً أو قومياً وحسب، وقد انحصر العبء اليوم على دول الخليج وحدها وفي مقدمتها بلادنا، وما لم ندرك ذلك ونبدأ العمل في هذا السياق فقد نرى ما حكاه بنيامين نتانياهو حقيقة ماثلة وفي التاريخ الذي قرَّره.. اللهم لطفك.
المصدر: الوطن أون لاين