إياد الدليمي
2012-06-01
المختصر: جلبوه إلى قاعة المؤتمر ليكملوا المسرحية، لم يكونوا يتوقعون منه أكثر من أن يتحدث للإعلام عن جرائمه، عن ذبحه وتفجيراته، عن اعترافاته التي دونوها عليه، غير أنه قلب عليهم الطاولة ولم يكن سوى صرخة في واد ظلام سحيق، قالها وأمام العالم أن ما يجري معه مسرحية، وأن العقيد ضياء عبدالأمير -الذي حاول منعه عن الكلام- انتزع الاعترافات منهم بالقوة، وأنه سوف يعذبهم، ولكن لا يهم المهم أنه أسمع صوته وصرخة الآلاف من العراقيين خلف القضبان، تلك كانت صرخة ليث الدليمي، عضو مجلس محافظة بغداد المنتخب، الذي اعتقلته قوات نوري المالكي، ولفقت له من التهم ما تعجز عن القيام بها قوات دولية.
لم تكن صرخة ليث الدليمي سوى صورة شحيحة لما يجري في سجون ومعتقلات حكومة المنطقة الخضراء، حكومة دولة القانون، حكومة نوري المالكي، فخلف جدران الموت التي تديرها ميلشيات طائفية مقيتة تتزيا بزي القوات الرسمية، الآلاف من الأبرياء، ممن اختطفتهم تلك الميلشيات بأوامر قضائية لا عدالة فيها، ووضعتهم تحت سياطها، لتنتزع منهم ما تريد ومتى تريد وكيف تريد.
في العراق اليوم شعب كامل يقبع تحت سياط جلادين، أقل ما يمكن أن يقال عنهم: إنهم مجرمون، يبرئون المتهم ويتهمون البريء، كما قال رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، وكما قالت تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش، التي تحدثت بعبارات صريحة عن معتقلات سرية يديرها عناصر يتبعون لرئيس الحكومة نوري المالكي، أبرزها معسكر شرف الذي ادعت الحكومة أنها قامت بإغلاقه، وقامت بتمثيلية بدائية عندما أخذت وسائل الإعلام لمعتقل بسيط، كتب عليه بخط رديء «معسكر شرف»
حكومة المالكي كعادتها كذبت تقرير المنظمة الدولية، وقالت: إنه بدوافع سياسية، متناسية أن العراقيين يعرفون أكثر من غيرهم حقيقة إجرامها، وحقيقة ما يجري في وطنهم، رغم كل التعمية المتعمدة من قبل وسائل الإعلام على ما يجري هناك.
من شاهد ليث الدليمي وهو يصرخ أمام شاشات الكاميرا يدرك جيداً حجم الظلم والتعذيب والاضطهاد الذي تعرض له، يعرف جيداً أن هذا الرجل ما خرج من طوره بهذا الشكل إلا لشنيع ما عاشه وشاهده في سجون المالكي.
لقد كان يصرخ بألم، كان يريد أن يقول للعالم، كل العالم، إنهم يقتلوننا يعذبوننا حتى نعترف بما لم نفعل، كان يريد أن يقول نيابة عن آلاف المعتقلين الأبرياء خلف قضبان سجون حكومة المالكي، ممن أصبحوا أرقاماً منسية، ليس لهم من أحد يطالب بهم أن يتعقب آثارهم، فالكل خائف من أن يلف المالكي حبل القضاء حول عنقه كما فعله مع ليث الدليمي ومن بعده نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي.
الغريب أن السيد المالكي -الذي كان دائماً يردد بأن القضاء في العراق مستقل، ولا أحد له سلطة عليه- أمر بعد تلك المشاهد بإعادة التحقيق مع ليث الدليمي.
إنها جانب من فصول مسرحية مأساوية، مسرحية تنفذها جوقة تسعى لتكريس حكم الحزب الواحد أو حتى الشخص الواحد، بعد أن كرست إلى حد بعيد حكم الطائفة الواحدة في بلد متعدد ومتنوع الطوائف.
لقد كرست حكومات ما بعد احتلال العراق، ثقافة الاعتقال والتعذيب والتغييب خلف قضبان سجون مجهولة، وهي بذلك تستعيد سيرة النظام السابق الذي طالما كانت تهاجمه، غير أن الفارق اليوم بينها وبين حكومة البعث أن حكومات ما بعد الاحتلال مرعية من قبل المجتمع الدولي، فلم نسمع أن أميركا أو الاتحاد الأوروبي هاجم يوماً تلك الحكومات، خاصة حكومة المالكي الحالية على ما تفعله من جرائم بحق العراقيين.
لن أقول: إن على العالم المتحضر الحر صاحب القيم الإنسانية الرائعة أن يتدخل لينقذ حياة العراقيين، فلقد أثبت هذا العالم أنه وجه منافق حقير، وليس أثبت ولا أدل على ذلك ما يحصل منذ أكثر من عام في سوريا، ولكن أقول: إن على العراقيين أن يتحركوا، أن يصنعوا ثورتهم وربيعهم، أن يوقفوا هذا الجرم، أن يمنعوا الاستبداد، أن يؤسسوا لدولة المؤسسات، أن يحاربوا قادة الطائفية، سواء أكانوا ساسة أم معممين، بغير ذلك فإن صرخة ليث الدليمي لن تلامس حدود آذان سامعيها، ولن تحول دون أن نشهد المزيد من المعتقلات والمعتقلين.
في السنوات الماضية، وعندما كانت القوات الأميركية تجثم على صدر العراقيين خرجت علينا فضيحة أبوغريب، غير أنها إذا ما قورنت بفضائح التعذيب التي تجري في سجون الحكومة العراقية اليوم فإنها لا تعد شيئاً.
أتذكر ومعي كل العراقيين أننا عندما كنا نسمع أن فلاناً اعتقل فإن أول سؤال يخطر ببالنا، من اعتقله؟ فإذا جاءت الإجابة بأنها القوات الأميركية، نقول: الحمد لله، لأننا سنعرف مكانه، وسنعرف كيف نصل إليه، ونعرف متى يمكن أن يخرج، أما إذا كان الجواب أن القوات العراقية هي من اعتقله، فإننا كنا نسارع في اليوم التالي إلى مشرحة بغداد «الطب العدلي» لنبحث عن جثته.