د. نبيل العتوم
يقوم الرئيس الروسي اليوم بزيارة لطهران ، وتعد الزيارة الرسمية الأولى منذ عام 2007, الهدف المعلن من الزيارة هو حضور بوتين لمنتدى الدول المصدرة للغاز الذي يعقد في طهران خلال هذه الفترة, إضافة إلى تثبيت التحالف الاستراتیجي والتنسيق لحسم قضايا ومسائل إستراتيجية مهمة ، خصوصاً ما يتعلق بالتنسيق المحكم لمكافحة الارهاب ، والاتفاق حول التعاطي مع الأزمة السورية وترجمته العملية من خلال منع انهيار النظام بأية وسيلة كانت ، إضافة إلى ترسیخ مقولة أن الشعب السوري هو المعني الأول الذي سیحدد مصیره بنفسه، خاصة وأنه لم یعد للغرب وحلفائه الإقليميين – حسب الزعم الإيراني – أیة مبررات للتدخل في شؤون دولة ذات سیادة مثل سوریا لتفرض علیها تنحي الرئيس الشرعي ، وبالتالی فإن مثل هذا المنطق لا یمکنه الصمود أمام منطق التحالف الروسي الإیراني الذي بات يتعزز ، من خلال المطالبة بالاحتکام إلى الانتخابات الديمقراطية وصنادیق الإقتراع عوضاً عن فرض الحلول من الخارج ، على اعتبار أن روسيا وإيران تعيش وضعاً ديمقراطياً يعتبر المثال والنموذج للآخرين .
في واقع الأمر لعبت موسكو سابقاً دوراً محورياً في مفاوضات النووي الإيراني ، وسهلت عملية التوافق مع الغرب، كما أعلنت موسكو لاحقاً عزمها بيع أنظمة صواريخ متطورة لطهران من طراز إس 300 لتعزيز دفاعاتها الجوية .
الحقيقة التي لا غبار عليها الآن أن العلاقات الإيرانية الروسية تعيش حالة من التقلب المشوبة بالحذر وعدم الوضوح ، ويمكن وصفها بأنها ليست على ما يرام بناء على المعطيات والاشارات التي تصدر من كلا الطرفين، خصوصاً من جانب طهران التي تؤكد أن العلاقات تسير في الاتجاه غير السليم ، على الرغم من التصريحات البروتوكولية المتكررة التي يُطلِقها قادة موسكو وطهران من وصف أن وصف التحالف بين الدولتين بأنه استراتيجي ودائم , وعلى العكس فقد تبين من تعاطي كل من الدولتين مع الأزمة السوريه عمق الخلافات التي تنسف تصريحات الجانبين حول التنسيق والتطابق في وجهات النظر، ويصبح كل مايقال حول هذه العلاقة مشكوك بصحته .
وللتدليل على ذلك . نجد أنه و في ظل تلاحق خسائر القادة العسكريين الإيرانيين ، يخرج علينا أحد المسئولين الإيرانيين السابقين في العاشر من اكتوبر وأثناء لقاء على أحد القنوات الإيرانية ليشير من خلال تصريح ناري إلى خطورة التنبه إلى موضوع استمرار تصفية المستشارين الإيرانيين وقادة حزب الله الميدانيين في سوريا ، معتبراً أن ذلك يتم بشكل منهجي ، وبشكل مخطط ، وعزا ذلك إلى وجود ثغرة أمنية أو مؤامرة خطيرة على إيران من جانب بعض الحلفاء الدوليين في اشارة مبطنة لروسيا ، الأمر الذي يُسهل استهدافهم بهذه الصورة ، وذكر أن المؤسسات الأمنية الإيرانية تقوم بعملية تحقيق واسعة لتتبع خيوط هذه المؤامرة التي تستهدف إيران والمقاومة الاسلامية .
وفي الثالث من نوفمبر نقلت صحيفة قدس المحسوبة على الحرس الثوري تصريحات مهمة لقائد الحرس الثوري الإيراني “محمد على جعفري” والتي تعكس عمق الأزمة بين طهران وموسكو بشكل لافت ، حيث قال فيها: ” أن روسيا وإن كانت تقف بشكل معلن في خندق واحد مع إيران في سبيل دعم الرئيس بشار الأسد إلا أن موقفها هو خلاف ذلك تماماً،وأن هناك خلاف حاد بين الدولتين فيما يخص مصير الأسد ، وأضاف أن موقف موسكو من المقاومة الإسلامية حتى التي تقاتل في سوريا هو موقف عداء يشوبه القلق ، وهذا أمر ينبغي التوقف عنده بجلاء “. إضافة لذلك أكد قائد القوات البرية الإيرانية العميد أحمد رضا بوردستان على “إن هناك قوى دولية تعتبر نفسها حليفة لطهران تحاول منع وحدة إيران مع كل من العراق وسوريه لتكون تحت راية امام الزمان، وهذا ما لن يتحقق “
في حين بدأت التحليلات الإيرانية تُشير تباعاً إلى أن تخلي بوتين عن شرط بقاء الأسد جاء على أثر وعود غربية بالضغط على أوكرانيا للقيام بتنازلات تمهد لموسكو الحصول على مكاسب سياسية في هذا الملف ، ومقابل وعود غربية باحتفاظ موسكو بقاعدتها العسكرية في ميناء “طرطوس” وكذلك تعزيز احتفاظها بعلاقات اقتصادية قوية مع الدول الخليجية.
ومما يزيد من المخاوف الإيرانية ويعظمها بخصوص موقف موسكو من بشار الأسد أن التدخل العسكري الروسي في سوريا اقتصر على الضربات الجوية فقط ، وترك العمليات القتالية على الأرض لميليشيات الأسد وحزب الله اللذين يتكبدون دون غيرهم الخسائر الفعلية , وهذا يعني بوضوح أن إيران هي تدفع الثمن الباهض وحدها.
الحقيقة الأولى : من الواضح أن التصريحات التي تصدر تباعاً من مسؤلين إيرانيين كبار يعكس عمق الخلافات الروسية الإيرانية التي بدأت تظهر إلى السطح ، خاصة بعد بدء الضربات الروسية في سوريا والتي من المفترض أنها تسير مع السياسة الإيرانية في طريق دعم شخص الأسد، إلا أن ظهور تلك الخلافات يؤكد على هشاشة العلاقة بين روسيا وإيران .
الحقيقة الثانية : التي يمكن استنتاجها من خلال ما سبق أن هناك حالة توتر تعيشها العلاقات بين طهران وموسكو ، وصلت لغاية توجيه الاتهامات للروس بالتآمر على شخص بشار الأسد ، و التلميح لوجود دور روسي ما لتصفية أو تسهيل استهداف القادة العسكريين التابعين لإيران ولحزب الله أيضًا ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وصل لغاية اتهام روسيا بشكل مبطن بمنع تنفيذ مخطط إيران لضم سوريا والعراق تحت عباءة ولي الفقيه ، وهو ما يتعارض مع مصلحة إيران.
أما الحقيقة الثالثة : فإن هناك صفقة سياسية مُزمعة بين روسيا من ناحية وقوى غربية وخليجية من ناحية أخرى سوف تكون بمثابة ضربة موجعة للسياسة الإيرانية التي أرادت هي المساومة ولوحدها على شخص بشار الأسد مع التركيز على بقاء النظام ، خاصَّةً مع الأخذ في الاعتبار أن بوتين قد خطف هذه الورقة من يد إيران ، بحيث باتت روسيا الآن هي اللاعب الأساسي في سوريا, كما أن موسكو في نفس الوقت تُعْتَبَر حتى هذه اللحظات الدولة الأساسية الداعمة لطهران فيما يخص برنامجها النووي، وفي الحصول على أسلحتها الدفاعية .
والسؤال الذي يطرح نفسه في الختام هو: هل سوف تستمر إيران في التمسك بشخص الأسد وتحمل كلف القتال إلى جانبه ، على الرغم من وجود كثير من المتغيرات التي تؤكد على نية بوتين التخلي عن رئيس النظام السوري مقابل صفقة سياسية واقتصادية مدعومة اقليمياً ودولياً ؟ وماذا سيكون عليه موقف إيران من هذه الصفقة . وما هي تداعياتها على مستقبل العلاقات بين موسكو وطهران ؟ .
المصدر : مركز أمية للبحوث والدراسات الإستراتيجية