بادرت الإدارة الأميركية الإثنين باتخاذ عقوبة أشد قسوة وتأثيراً، وذات انعكاسات مستقبلية متوقعة تهدد إيران بالانكماش عسكرياً، وذلك بإدراج “الحرس الثوري” الإيراني على لائحة المنظمات الإرهابية، في قرار أميركي صارم، يأتي بعد تصعيد العقوبات، التي ظهرت نتائجها القاسية على الأوضاع في إيران أسرع مما كان متوقعاً. وبالذات على المستويات الاقتصادية، مما أحرج النظام الإيراني ودفع رموزه إلى إطلاق تصريحات وتهديدات انفعالية كالعادة، ترافقت مع فشل النظام في مواجهة كارثة الفيضانات والسيول التي أغرقت معظم المدن والمحافظات الإيرانية، وأظهرت هشاشة البنية التحتية وعجز المؤسسات الرسمية عن إغاثة وإنقاذ المتضررين، نتيجة لحشد إيران كافة مواردها لأغراض عسكرية وقتالية خارج حدودها.
العقوبة الجديدة المتمثلة بتصنيف “الحرس الثوري” منظمة إرهابية تعد الحدث الأقسى، وتمثل ضربة موجعة لطهران. وعملياً تطال هذه العقوبة الدولة العميقة وذراعها في إيران، الذي يجسده “الحرس الثوري”، باعتباره القوة العسكرية والاقتصادية والعقائدية، والذراع الذي يحاول النظام الإيراني من خلاله إيجاد جسور إنقاذ وهراوات عنف وقوات للتدخل الداخلي والخارجي.
وتفتح العقوبة الجديدة ملف “الحرس الثوري”، باعتباره القوة التي تحمي النظام الإيراني. وهو كيان يزاوج بين التشدد في خدمة أسس وقواعد الثورة الإيرانية المتطرفة، وبين أداء مهام متنوعة، تتخذ أشكالاً عسكرية وتجارية واقتصادية، وصولاً إلى التصنيع العسكري، الذي يستهلك أموال الإيرانيين ويستنزف مواردهم، لتلبية رغبات وأوهام تتصل بطموحات مجموعة رجال الدين، الذين يستفيدون من نظام الدولة الدينية في إيران منذ أربعة عقود.
“الحرس الثوري” مسؤول عن البرنامج النووي الإيراني، وعن برنامج تطوير الصواريخ البالستية. ومسؤول أيضاً عن العمليات العسكرية التي تنفذها إيران خارج حدودها. لذلك فإن اعتباره منظمة إرهابية يمثل ضربة موجعة لإيران في الداخل والخارج.
قبل الصفعة الجديدة، كانت إيران تراهن على حوار طويل مع الأوروبيين لإيجاد قناة مالية بديلة لتمرير احتياجات النظام المالية في ظل العقوبات الأميركية، وبدلاً من حسم التفاوض مع الغرب، جاء إعلان الولايات المتحدة الأميركية ضم “الحرس الثوري” إلى المنظمات الإرهابية. وعلى خلفية هذا القرار قال الرئيس الأميريكي ترامب موضحاً أبرز دوافع القرار أن “الحرس الثوري” هو أداة الحكومة الرئيسية لتوجيه وتنفيذ حملتها الإرهابية العالمية”، وأن “التصنيف يوضح بجلاء مخاطر الدخول في معاملات مالية مع "الحرس الثوري" أو تقديم الدعم له، إذا تعاملت ماليا مع "الحرس الثوري" فإنك بذلك تمول الإرهاب”. وكان النظام الإيراني يعول بشدة على حماس "الحرس الثوري" لتوفير بدائل كفيلة بمواجهة آثار العقوبات الأميركية، وقام بالفعل بأداء أدوار اقتصادية في محاولة لتجاوز صدمة العقوبات، لكن الحرس نفسه دخل خانة العقوبات، ووفقاً للقرار الأميركي لن يكون التعامل المالي مع هذه القوة الإيرانية قانونياً.
ومن المرجح أن يشكل القرار أيضاً صدمة لقادة الميليشيات العراقية، الذين يعتمدون بشدة على "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري"، ويتحركون عسكرياً تحت إشرافه. وعندما تتضح نتائج إدراج الحرس الثوري على قوائم المنظمات الإرهابية، يتوقع كذلك أن تتخفف القيادة العراقية من ضغوط المجموعات العسكرية الشيعية التي يحركها "الحرس الثوري"، والتي فرضت على حكومة بغداد إطلاق التزامات برفض العقوبات الأميركية ضد إيران.
وعلى خلفية القرار الأميركي، سوف ينكشف الخاسرون والمتضررون من معاقبة "الحرس الثوري" تباعاً، لأن خريطة نفوذه الخارجي مرتبطة بالنقاط الساخنة في المنطقة، وتحديداً التي تشهد فقاعات طائفية ومذهبية معادية للسلام والاستقرار والتعايش في دول كاليمن وسوريا ولبنان والعراق.
من جهة أخرى تخسر إيران الكثير بعد تصنيف "الحرس الثوري" كمنظمة إرهابية، وتفتقد عملياً لأداة التحايل والفساد الداخلي والحروب الخارجية. لأن "الحرس الثوري" كان يقوم بمهام متعددة، بعيداً عن الجيش الإيراني النظامي الذي جرى إضعافه وتهميشه، وظل "الحرس الثوري" يبني دولته السرية التي توسعت مالياً وعسكرياً على حساب المؤسسات الإيرانية الشكلية التي تظهر في الواجهة، وكان الإيرانيون يعتقدون أنها معنية بخدمتهم، فإذا بـ"الحرس الثوري" يستأثر بمصير إيران ويمثل تهديداً للأمن الإقليمي، كما يقدم إثباتات على تورط إيران في حروب وأزمات تحرص طهران على أن تبقى مشتعلة.
صحيح أن بعض التحليلات تتجه إلى القول إن قرار ترامب بمعاقبة "الحرس الثوري" الإيراني مجرد ورقة انتخابية، وخطوة لدعم نتنياهو في الانتخابات "الإسرائيلية". لكن مقدار الصراخ والهلع في إيران عقب صدور القرار الأميركي، يكشف عن الدور الحيوي الذي كان يقوم به "الحرس الثوري"، وأنه يمثل إلى جانب دوره العسكري القوة الاقتصادية الاحتياطية لإيران. وتصنيفه كمنظمة إرهابية يحرم إيران من ذراعها ويصيبه بالشلل.
المصدر : مركز المزماة للدراسات والبحوث
4/8/1440
9/4/2019