مجدي داود
14-5-2012
الحقيقة: في وقت تعيش فيه مصر أجواء غاية في التوتر وعدم الاستقرار، والفوضى الأمنية والسياسية، وضبابية المشهد السياسي، ومآل العملية السياسية، وقرب انتخابات الرئاسة، والأزمة بين البرلمان والمجلس العسكري، وأمور كثيرة غاية في التعقيد تربك المشاهد والمتابع، وفي حدث مفاجئ أُعلن عن افتتاح أول حسينية للشيعة الروافض في مصر السنية، بحضور رجل الدين الشيعي اللبناني "علي الكوراني".
هذه الحسينية التي تم افتتاحها، ليست سوى منزل يملكه شيعي مصري، فهي ليست حسينية رسمية كما هو الحال في العراق ولبنان وإيران، لأن هذا ممنوع في مصر، ولكنهم قاموا بتصوير الافتتاح على هيئة مقطع فيديو، وتم نشره على شبكة الإنترنت والكشف عنه لوسائل الإعلام مع أنه كان من الممكن أن يبقى سرًّا ولا يسمع عنه، ولكنهم أرادوا من وراء ذلك استكشاف رد فعل الشارع المصري والتيار الإسلامي والمؤسسات الدينية الرسمية، التي وإن كان يغلب عليها الطابع الصوفي، إلا أنها ضد الشيعة والتشيع، فإن كان الرد قويًّا فلا يتمادوا في خطواتهم الآن، أما إن كان ضعيفًا، فسيواصلوا خطواتهم وتحركاتهم.
هذا الحدث الجلل، بالغ الخطورة، ومؤشر واضح على بلوغ المد الشيعي مدى غير مسبوق في مصر منذ مئات السنين، ولكن الأهم من ذلك هو توقيت ذلك الحدث، فقد جاء في وقت توترت فيه العلاقة بين مصر والمملكة العربية السعودية، على خلفية قضية الشاب المصري "أحمد الجيزاوي" الذي تم القبض عليه في أحد مطارات السعودية، ويشير بعض النشطاء بأصابع الاتهام إلى بعض أصدقاء الجيزاوي المعروفين بعلاقاتهم الوثيقة مع الشيعة الروافض في إيران وحزبها في لبنان، وقد حاولت إيران اللعب على وتر تلك التوترات، لإطالة وتصعيد التوتر بين البلدين، ولا يخفى على أحد أن النظام الإيراني يحاول أن يزيح السعودية ليحل محلها في مصر، ويقيم علاقات وثيقة مع النظام المصري الجديد، وهو يسعى لذلك منذ الثورة المصرية، التي بدأ المد الشيعي بعدها في التزايد بشكل ملحوظ وأثار تخوفات كثيرة، لدى الشعب المصري السني المحب لآل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بفطرته.
يأتي ذلك أيضًا في وقت يواجه فيه التيار الإسلامي السني في مصر مأزقًا كبيرًا قبيل الانتخابات الرئاسية التي من المقرر أن تجرى الأسبوع القادم، حيث يشن الإعلام المصري الحكومي الرسمي منه والخاص حملة إعلامية كبيرة لتشويه صورة التيار الإسلامي، والترويج إلى فشله وسعيه للسيطرة على البلاد وفرض نفوذهم لتحقيق أطماعهم وأهدافهم الخاصة، والتركيز على الأداء السيئ للبرلمان الذي تسيطر عليه أغلبية إسلامية، في ظل صدام وتنافس على السلطات بين السلطة التشريعية ذات الأغلبية الإسلامية والمجلس العسكري الذي يمثل رأس السلطة التنفيذية، وتوجيه القوى السياسية العلمانية سهامها إلى التيار الإسلامي، وكل هذا أثر سلبًا على شعبية التيار الإسلامي في الشارع المصري، وصار كثير من الناس غير قابل للاستماع إليهم وتصديقهم - للأسف - بسبب الإعلام وبعض الأخطاء التي وقعوا فيها، وهو ما سعى الشيعة لاستغلاله كنقطة ضعف، بحيث يظهرون هم بمظهر الصادقين الذين يحاربهم الإسلاميون ذوو الأطماع والأهداف الخاصة.
وإذا كان المرجع الشيعي علي الكوراني لا يمكنه دخول مصر إلا بموافقة جهاز الأمن الوطني الذي حل محل جهاز أمن الدولة، فإنه يكشف لنا أن الجهة التي سمحت بدخول الكوراني إلى مصر في ذلك التوقيت تحديدًا تهدف هي الأخرى إلى تحقيق مكسبين من وراء تلك الزيارة، الأول يتمثل في تشويه صورة التيار الإسلامي بشكل أكبر، فإن هم اتخذوا موقفًا قويًّا من افتتاح تلك الحسينية وأحدثوا ضجة في الإعلام أو ناقشوا الأمر في البرلمان، فسيتم تصوير الأمر على أنهم يناقشون أمرًا تافهًا، بناء على أيديولوجيتهم الخاصة، ويتغافلون عن مصالح الناس ومتطلباتهم، وأنهم يعادون الحريات الدينية ويقمعونها، وإن تجاهلوها أو اتخذوا منها موقفًا ضعيفًا، فسيتم تصوير الأمر وكأنهم انشغلوا بمكاسبهم السياسية الوهمية حتى الآن، وتخلوا عما كانوا يدعون إليه وينادون به سابقًا.
أما الهدف الثاني فهو يتمثل في إدخال التيار الإسلامي وحشره في معارك جانبية مثل الموقف من زيارة المفتي لمدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى الأسير وغير ذلك، بما يعمق الخلاف داخل الفصائل الإسلامية ذاتية، وتتشتت جهودهم، بدلاً من التركيز على المعركة السياسية مع المجلس العسكري لتسليم السلطة وعودة القوات المسلحة إلى ثكناتها، فعلى الرغم من أن القضايا الجانبية مهمة وخطيرة إلا أنها ليست أهم من انتقال السلطة وبدء مرحلة الاستقرار وإعادة بناء الدولة من جديد.
في ظل هذا الوضع فإن على التيار الإسلامي المصري التصرف بحنكة شديدة، مع افتتاح الحسينية وما قد يتبعها من تصرفات وخطوات للروافض في مصر، يأتي على رأسها إدراك خطورة هذا الأمر، فالأمر لم يعد مجرد إبداء موقف من الشيعة في لبنان أو العراق أو إيران، أهم مبتدعة فقط أم كفار أم... وكل تلك الخلافات الفقهية، كتلك الضجة التي حدثت أثناء حرب لبنان عام 2006، بل إن الأمر جد خطير، يهدد النسيج المجتمعي والأمن القومي المصري، وينشر الفكر الشيعي الرافضي، وهو ما يستوجب تكاتف وتآزر كافة الهيئات الدعوية الإسلامية فيما بينها والوقوف صفًّا واحدًا في وجه تلك الهجمة، كما يجب التواصل مع المؤسسات الدينية الرسمية، وعلى رأسها بالطبع الأزهر ودار الإفتاء والأوقاف، كي يساهموا في التصدي لتلك المؤامرة الشيعية، وقد كان لشيخ الأزهر أحمد الطيب موقف واضح في رفض المد الشيعي وهو ما يبشر بوقوفه في وجه تلك المخططات الرافضية.
أما الأحزاب السياسية الإسلامية فيجب أن تتخذ موقفًا قويًّا تجاه ذلك الأمر، وترسل رسالة قوية إلى كل الأطراف أنها ستقف في وجه تلك المخططات بوضوح وإصرار، وستتخذ كافة الإجراءات اللازمة للتصدي لها، واستدعاء الجهات المسئولة عن دخول الكوراني إلى مصر للمثول أمام أعضاء البرلمان، والتواصل مع مختلف الأطياف السياسية وتنسيق المواقف، حتى يتكون موقف سياسي قوي مجمع عليه ضد المخططات الشيعية، ولكن يجب الحذر من الدخول في خلافات وصراعات مع القوى السياسية الأخرى، أو إعطاء الأمر أهمية أكبر من أولويته في الوقت الراهن فيطغى على الشأن المصري بتعقيداته، ويتحقق من ذلك هدفهم من التوقيت بإشاعة أن الإسلاميين لهم أولوياتهم وأهدافهم الخاصة.
نحتاج في هذه المرحلة إلى التصعيد الإعلامي ضد المد الشيعي، وربما تساعدنا الظروف والأحداث في سوريا والمجازر التي يرتكبها بشار الأسد بمساعدة ميليشيا "حزب الله" والحرس الثوري الإيراني، ضد أهل السنة في سوريا، وقتل النساء والأطفال وهدم البيوت على من فيها وتدمير مدن بأكملها، واغتصاب النساء، وما حدث في العراق من قبل من تآمر مع المحتل، وتسهيل احتلال العراق، وجرائم الميليشيات الشيعية وجيش المهدي ضد أهل السنة، وأخيرًا تآمر حكومة نوري المالكي الشيعية مع إيران ضد السنة، ومطاردة طارق الهاشمي، وجرائم الروافض ضد سنة إيران، واضطهادهم واعتقال علمائهم وقتلهم، واحتلال الأحواز، والجزر الإيرانية الثلاث، كل هذه الجرائم الرافضية ضد السنة، يمكن استغلالها إعلاميًّا بصورة مثلى لتأليب الناس على الشيعة الروافض وإلهاب مشاعرهم ضدهم، ولدينا فضائيات إسلامية عدة، كلها إلا واحدة أو اثنتين لا شأن لها بالسياسة وتهتم بالدعوة فقط، وهذه يمكنها شن تلك الحملة الكبيرة، وكذلك للخطباء من المؤسسة الرسمية أو التيار الإسلامي دور كبير في الوصول إلى قطاع عريض من الشعب والتحذير من المخطط الشيعي، وكذلك للكتَّاب والمفكرين دورهم في تلك الحملة الإعلامية المنشودة.
المصدر: مفكرة الاسلام