العرب وإيران – حرب الفضائيات

بواسطة أ.د فكري سليم قراءة 816

 

العرب وإيران – حرب الفضائيات

 أ.د فكري سليم

التاريخ: 28/8/1431 الموافق 09-08-2010

 

في الجزء الأول من هذا المقال سلطنا الضوء على ما قامت به إيران من جهد لتنفيذ أجندتها في المنطقة عن طريق دعمها فضائياتها الناطقة باللغة العربية أو تلك التي تدعمها مادياً أو معنوياً وتملكها أطراف محسوبة على الجانب العربي.

وفي هذا الجزء نسلط الضوء على الفضائيات العربية التي من المفترض أن تهتم بالقضايا العربية و تقف إلى جانب الحق العربي؛ فلو عدنا إلى فترة ما قبل غزو العراق فسنجد أن العرب انخدعوا بشعارات أمريكية روجت لضرورة جلب الديمقراطية إلى العراقيين بعد تغيير نظام الحكم في العراق ونزع أسلحة الدمار الشامل منه لتنعم المنطقة بهدوء واستقرار، بل راحت فضائيات عربية تروج للشعارات الأمريكية، وهنا التقت إيران والغرب وحكومات عربية حول هدف واحد وهو إزاحة النظام في العراق، والعرب لا يعلمون بالاتصالات السرية بين إيران وأمريكا إلى أن وقعت الكارثة فاحتُل العراق وانهار السد الشرقي، وإذ بالعراق يتحول إلى خراب ودمار وفوضى ودماء وفتن وانقسام وفرق للموت وميليشيات دموية تقتل على الهوية، وحرس ثوري يلعب دوراً مدمراً، وتواجد إيراني مكثف كاد أن ينزع العراق من محيطه العربي، عندئذ أدرك العرب أنهم هم الخاسر الأكبر في هذه اللعبة وبأنهم (خرجوا من المولد بلا حمص) كما يقول المثل المصري.

وبدأ الحديث عن الهلال الشيعي ومخاطر الدور الإيراني في المنطقة، وأصبح هذا الموضوع يناقش على شاشات بعض الفضائيات العربية التي كانت تدعو أحد الضيوف مناصراً لسياسة إيران وفكرها، وضيفاً آخر مدافعاً عن القضايا العربية، وعندما كان الحديث ينجر إلى الجانب المذهبي كان مقدم البرنامج وضيفه العربي الذي يحمل الفكر الإيراني يعترضان بحجة أنه لا ينبغي التطرق إلى هذا الجانب، رغم أن اللعبة السياسية الإيرانية قائمة في أساسها على المذهب، أضف إلى هذا أنه قلما سُمح بتناول الأفكار المذهبية التي كانت تروجها وسائل الإعلام الإيرانية أو المدعومة إيرانياً، خشية من اشتعال الفتن، والواقع أن ذلك كان هروباً لإنقاذ الفكر الإيراني المذهبي من القوط، حيث إن مناقشة هذا الفكر كان يسبب الحرج لحامله ويفضح أصحابه، كما أدت حساسية الموضوع إلى جعل تناول القضايا المذهبية في هذه الفضائيات من المحظورات بينما الفضائيات المذهبية الإيرانية تزداد يوماً بعد يوم.

ومن هنا حاول البعض إنشاء فضائيات خاصة لعلها تسهم في كبح جماح دور الإعلام الإيراني المتزايد في المنطقة، فظهرت فضائيات تخاطب إيران بنفس الأسلوب والنهج الإيراني الذي يلعب على الوتر الديني واشتعلت المعارك الإعلامية التي قد يقبلها البعض ويرفضها البعض الآخر، إلا أن بعض الفضائيات المناهضة للتوجه الإيراني في المنطقة العربية، لم تستطع الصمود إما بسبب العجز المادي وإما بسبب عدم دعم الحكومات العربية لها بل ومحاربتها من قبل مثقفين عرب وقفوا لها بالمرصاد متهمين إياها بإثارة الفتن؛ والحقيقة أنها فضائيات كانت تسبب حرجاً لإيران وتكشف عن صورتها الخفية، وربما رافقت عمل هذه الفضائيات عاطفة قد يرى البعض أن تخرج عن إطار المهنية، إلا أنها كانت تمتلك من الأسانيد والحجج القوية ما يجعلها تحظى بمصداقية لدى المشاهد العربي.

أما ما يقوله هؤلاء المثقفون من أنها قنوات تثير الفتن فنقول لهم: متى لعبت الحكومات أو الشعوب العربية على عنصر المذهب حتى مع اشتداد الخلافات بينها؟ ألم تلاحظوا بأنه لم يكن هناك حديث عن التشيع أو التسنن إلا بعد نماء الدور الإيراني في المنطقة، وانتشار ثقافة اللعن والسب على ألسنة دعاة يحملون فكر الثورة (الإسلامية)؟ إن هذه الفضائيات العربية التي تتصدى لهذا الفكر المُفرِّق، والتي تحارَب من داخل البلاد العربية ومن خارجها لا تتسبب في إثارة الفتن بل تتصدى لفكر مزق وحدة الأمة، وهي عندما تطرح قضاياها إنما تأتي بما يقوله الطائفيون وما يكتبونه، ثم تعرضه وتناقشه، ونظراً لأن ما يقوله أولئك الطائفيون لا تقبله الطبيعة السوية للبشر فإنه يجد الاستهجان والرفض بل والإعراض عن الشعارات التي تُطلَق من إيران مكسوة بطابع إسلامي، وهذا ما أقلق الحكومة الإيرانية وجعلها تسعى بشتى الطرق لإسكات صوت هذه الفضائيات التي لا تجد الدعم المطلوب من الحكومات أو رؤؤس الأموال العربية، في الوقت الذي تُدعم فيه فضائيات المنوعات والأفلام والمسلسلات والرقص واللهو.

ولم يقف الأمر عند محاربة هذه الفضائيات التي تتصدى للسياسات الإيرانية في المنطقة، بل نجد في الصحافة المكتوبة من يدافع عن إيران بشراسة ويجعل من نفسه خط دفاع أمامي عن سياساتها ليكتمل بذلك هيكل الأسطول الإعلامي المخصص لهذا الغرض.

وأختم هذا المقال بموقف له علاقة بموضوعنا أسوقه هنا فعله يطرح قضية للنقاش حول الدور الإيراني في الإعلام العربي، وذلك الموقف هو ما حدث لصحفي مصري كتب مقالاً لينشره في صحيفة مصرية مستقلة، وجه فيه نقداً إلى مرشد الثورة السيد علي خامنئي، وتم رفض المقال بناء على توصيات رئيس التحرير الذي يعتبر انتقاد إيران خطاً أحمراً، مما جعل الصحفي يعجب لعجزه على نقد خامنئي في هذه الصحيفة التي تنتقد الجميع بل وتنتقد حتى رئيس الجمهورية!. فهل يمكن القول بأن الإعلام الإيراني بشكل عام قد ربح المعركة بعد اختراق إيران للعديد من مؤسسات الإعلام العربي؟


 

 



مقالات ذات صلة