السؤال :
زوَّجت ابنتي لمشرك دون علم ، وقد أنجبت ثلاثة أولاد منه ، فما العمل الآن؟ إن ابنتي موحدة ، وعلى غير طريق زوجها تماماً ، فهل الطلاق خيار جيد أم ماذا ؟ وهل يُلقى على عاتقي شيء من المسؤولية أو الذنب ، حتى وإن كنت غير عالمة بحقيقة الرجل ؟
الجواب :
الحمد لله
لم تبيني لنا أيتها السائلة هذا الذي يفعله هذا الرجل حتى استحق منك الحكم عليه بالشرك ، ولكن على أية حال إن ثبت فعلا كونه مشركا بالله فلا يجوز لمسلمة أن تتزوجه ؛ لأن الله سبحانه أمر المسلمين ألا يزوجوا بناتهم لأهل الشرك ، وبيَّن سبحانه العلة من هذا التحريم وهي أن زواج المسلمة من المشرك يفتح عليها باب الفتنة في الدين والردة عن الإسلام ، فقال سبحانه .
( وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )البقرة/ 221 .
قال البغوي رحمه الله تعالى في تفسيره : "وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ، هَذَا إِجْمَاعٌ : لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تَنْكِحَ الْمُشْرِكَ ، ( وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ ) يعني : المشركين ( يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) أَيْ : إِلَى الْأَعْمَالِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّارِ " .
انتهى من " تفسير البغوي "(1 / 256) .
وقال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره (3 / 72):" قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلا تَنْكِحُوا المشركين ) أَيْ لَا تُزَوِّجُوا الْمُسْلِمَةَ مِنَ الْمُشْرِكِ ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكَ لَا يَطَأُ الْمُؤْمِنَةَ بِوَجْهٍ ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْغَضَاضَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ " انتهى.
وقال سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) الممتحنة/ 10.
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسيره (8 / 93): " وَقَوْلُهُ تعالى : ( لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) : هَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الَّتِي حَرّمَت الْمُسْلِمَاتِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، وَقَدْ كَانَ جَائِزًا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُشْرِكُ الْمُؤْمِنَةَ " انتهى .
وقال الشوكاني في " فتح القدير" (5 / 256):"وَجُمْلَةُ ( لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنْ إِرْجَاعِهِنَّ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَةَ لَا تَحِلُّ لِكَافِرٍ ، وَأَنَّ إِسْلَامَ الْمَرْأَةِ يُوجِبُ فُرْقَتَهَا مِنْ زَوْجِهَا " انتهى .
وقد كان من الواجب عليكم أن تحتاطوا لابنتكم ، وأن تختاروا لها من بين من يتقدمون لها صاحب الدين والخلق ، وتسألوا عن أحواله وتستقصوا عن شؤونه وأخباره ، ولكنكم تهاونتم في ذلك وفرطتم حتى حدث ما حدث ، وتزوجت بهذا المشرك ، حسب قولكم ، وقد وقع هذا الزواج لا شك من حين حصوله باطلا بإجماع المسلمين فالواجب على ابنتك أن تفارق هذا الرجل فورا دون طلاق ؛ لأن الطلاق فرع عن وقوع النكاح صحيحا ، وهذا قد وقع باطلا من أصله .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - : " تزوج رجل بامرأة مسلمة ، ثم ظهر أن الرجل كافر ، فما الحكم ؟
فأجاب : إذا ثبت أن الرجل المذكور حين عقد النكاح كان كافراً ، والمرأة مسلمة : فإن العقد يكون باطلاً ؛ لأنه لا يجوز بإجماع المسلمين نكاح الكافر للمسلمة ؛ لقول الله سبحانه – ( وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ) وقوله - عز وجل – ( فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) الآية " انتهى من " فتاوى إسلامية " ( 3 / 230 ) .
وجاء في قرار " المجمع الفقهي الإسلامي " : " إن تزويج الكافر بالمسلمة : حرام لا يجوز ، باتفاق أهل العلم ، ولا شك في ذلك ؛ لما تقتضيه نصوص الشريعة ... " .
انتهى من " فتاوى إسلامية " ( 3 / 231 ) .
والواجب عليكم أن تتوبوا إلى الله سبحانه وتستغفروه من هذا التفريط ، وتستدركوا ذلك مع ابنتكم.
وهذا كله ، فيما إذا كان مرادكم بهذا الرجل المشرك : أنه تبين لكم كونه على ملة أخرى سوى دين الإسلام ، مثل طوائف البابية ، والبهائية ، والقاديانية ، والبهرة ، ونحو ذلك من الطوائف الخارجة عن ملة الإسلام .
وأما إذا كان مرادكم أنه مسلم ، من حيث أصل ملته ، لكنه يعمل عملا من أعمال المشركين ، التي تخفى على أمثاله من المسلمين ، خاصة في البلاد التي يضعف فيها العلم النبوي ، ويقل فيها ظهور الحجة الرسالية ؛ فمثل هذا يعرف بما جاء به الرسول في مثل ذلك الأمر ، ويبين له دين الله ، وتقام عليه الحجة النبوية ؛ فإن تاب مما هو عليه ، وتركه : فلا حرج في بقاء ابنتكم عنده .
وإن أصر على ما هو عليه : كان الحكم على ما مضى ، من التفريق بينهما .
واعلمي أيتها السائلة أن النكاح في الإسلام لا بد فيه من الولي ، فلا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها ولا أن تزوجها امرأة مثلها ، وقد سبق بيان هذا بالتفصيل في الفتوى رقم : (104852).
والله أعلم .
المصدر : موقع الاسلام سؤال وجواب