محمود سعيد
لم تكن جريمة حرق الشباب العراقي السني على يد مليشيات الحشد الشيعي هي الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة على ما يبدو، فالمليشيات الطائفية تزداد تعطشا للدماء مع شعورها بقرب انهيار مشروع ولاية الفقيه في المنطقة سواء في سوريا أو اليمن أو حتى العراق.
ولقد كتب على بلاد الرافدين، أن تكون في مرمى “لعبة الأمم” وضحية مؤامرات الشرق والغرب، فمن ناحية توجد نبوءات توراتية تؤكد أن خراب إسرائيل الثاني سيأتي من أرض بابل لذا فلابد من تدميرها ونشر الخراب فيها، ولا يوجد أدل على ذلك من تصريحات الرئيس الفرنسي جاك شيراك بعد غزو العراق، عندما قال أن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أخبره أنه سيغزو العراق لقتال “يأجوج ومأجوج” وحماية إسرائيل !.
وفي الجهة المقابلة، حقد قومي فارسي يريد قتل العرب وإعادة مجد الإمبراطورية الكسروية واحتلال المنطقة بأكملهاـ بحجج واهية وكاذبة منها ما يسمونه الثأر لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
أمام هذا الجنون المزدوج ، تدمر أرض العراق وتقصف، ويدفع أهلها الثمن غاليا، وإن المتأمل لما يجري في المحافظات العراقية ذات الأغلبية السنية من تهجير وتغيير ديموغرافي ممنهج واختراق إيراني عسكري برعاية غربية، لا بد أن يشعر بالخطر العظيم الذي لا يهدد العراق فقط وإنما المشرق العربي بأكمله، فلقد بتنا أيضا أمام “تغريبة عراقية”، وقد وصل عدد النازحين السنة في العراق إلى ثلاثة ملايين وقد شردوا داخل بلادهم ولم يهتم بهم العالم أجمع.
لذا فحوادث حرق الشباب السني في العراق حدثت كثيرا، ولكن الفرق أن هذه المرة تم توثيق الجريمة، ويظهر المقطع مجموعة مسلحة ترتدي الزي العسكري، يضعون شارات مكتوبًا عليها “كتائب الإمام علي” ويتباهون بتعليق شاب في العقد الثاني من عمره، من يديه وقدميه، والنار مشتعلة تحته تشوي ظهره العاري وهو يصرخ، بينما يضحك المقاتلون من حوله رافعين أصابع “النصر والسلام”؛ لينتهي المشهد المأساوي بوفاة الشاب متفحمًا، وقد حاولت مليشيا “الإمام علي” الشيعية التي ارتكبت الجريمة، مسح جميع أخبار معاركها في مدينة الكرمة من موقعها على الانترنت لتتنصل من جريمة حرق الشاب السني، ولكن لن يجدي ذلك فقد تم توثيق الجريمة، وشعارات المليشيا الارهابية كانت ظاهرة بوضوح أثناء حرق الشاب.
غضب إسلامي عارم
أمام هذه الجريمة النكراء، شن الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي هجومًا لاذعًا على الميليشيات الطائفية واستغربوا من صمت الحكومات العربية والدولية، وقد وصلت الغريدات في هاشتاج “#حرق_شاب_سني“،أكثر من 250 ألف تغريدة.
كما استنكر عدد من الأكاديميين والإعلاميين ما أسموه “النفاق” الذي مارسته بعض وسائل الإعلام العربية، التي سلطت الأضواء على جريمة حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة ولكنها لم تسلط الضوء بالقدر نفسه على هذه الجريمة، يقول الأكاديمي فراس الزوبعي “بماذا يختلف حرق هذا عن هذا؟! فتثور الدنيا للأول وتصمت عن الثاني. أليست الجريمة واحدة؟! فقط الجاني مختلف” ويضيف “ليس في حرق شاب سني شيء جديد، فهذا يحدث ويتكرر يوميا لأهل السنة في العراق منذ احتلاله، الجديد هو توفر الكاميرات ووسائل التواصل بيد المليشيات”.
في حين رأى الداعية محمد العريفي أن “ما يلقاه أهلنا بالعراق على يد الميليشيات الطائفية، من حرقٍ، وتشريد، وانتهاك أعراض، وسجن، وقهر، وإهانات… أمرٌ يجب علاجه عاجلاً”، أما الشيخ خالد المصلح، فقد اعتبر أن الأمر سباق محموم في البشاعة والشناعة والإجرام بين مليشيات إيران وبين داعش البغدادي والضحية في الإجرامين أهل السنة في سوريا والعراق”.
من جهته علق أحمد بن راشد بن سعيد، قائلاً: “في مسألة “حرق البشر” تفصيل؛ فإذا كان المحروق ممن نحب، فذلك إرهاب وتوحش، وإذا كان ممن نكره كما في هذه الحادثة ، فلا بأس! فهذا هو العالم المتحضر”، وعلّق الداعية سلمان العودة، بالقول: “علي بن أبي طالب والإسلام والإنسانية براء من هؤلاء الفجرة المارقين.. وممن يسوغ لهم.”
أما د. محمد البراك فقال: “ثورة الخميني هي أشأم ثورة في هذا العصر فالحروب الطائفية والنزاعات بين أهل البلد الواحد كلها من ثمرات ثورته المشؤومة”، في حين قال الكاتب خالد العلكمي: “داعش ومليشيات الإرهاب في العراق وجهان لعملة واحدة. الفرق أن السنة يتبرأون من داعش و الشيعة “متصالحون” مع مليشياتهم رسمياً!”.
الهولوكست السني
كما أسلفنا فهذه الجريمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وقدم مركز عراقي مختص في حقوق الإنسان توثيقًا مصورًا لشهادات حول حالات اغتصاب تعرضت لها نساء في منطقة جنوب بغداد على أيدي جنود في الجيش الحكومي وعناصر من ميليشيا “الحشد” الشيعية. وأكد ناشط حقوقي أن القائمين على هذه الأفعال ينفذون أجندة طائفية، تهدف إلى التطهير العرقي والمذهبي في المناطق المحيطة بالعاصمة بغداد.
ووثقت منظمات ناشطة في العراق تعرض 190 مسجدًا للتخريب أو التدمير أو الاعتداء عليها من قبل الميليشيات الشيعية في المناطق الساخنة، ومنها ديالى، وصلاح الدين، والأنبار، وبغداد، ومناطق أخرى؛ في حين تستمر عمليات التهجير القسري والاغتيالات الممنهجة التي تستهدف أهل السنة في البلاد لتغيير ديموغرافية المنطقة، كما يقول السكان.
وكانت صيحفة الجادريان ذكرت في أبريل الماضي، أنه في المناطق التي تقوم فيها الميليشيات الشيعية بمواجهة تنظيم الدولة (مثل بعقوبة)، يقوم عناصرها بعمليات لا تميز بين المدني والمقاتل. وتحدثت تقارير عن عمليات نهب وتخريب قامت بها الميليشيات في مدينة تكريت، التي خرج منها تنظيم الدولة.
أما هيئة علماء المسلمين في العراق، فأكدت أن مليشيات شيعية بعناوين مختلفة، احرقت عددا من الشباب وهم أحياء بينهم اطفال لم يبلغوا الحلم في منطقة (ذراع دجلة) شمال شرق مدينة (الكرمة)، واكدت الهيئة “أن شناعة هذه الجرائم وبشاعتها، لتقف شاخصة ماثلة أمام العالم الذي صنع عراق التوحش والإجرام بقراراته الازدواجية وعينه العوراء التي لا تنصف بشرا ولا تنقذ حالا، ولا تخلّص الإنسان العراقي مما وقع فيه من هوة سحيقة، على مدى (12) سنة من سنوات الاحتلال الأمريكي والإيراني، وتسليمه العراق بأيدي سياسيين فاسدين فاشلين لا يحسنون سياسة شؤونهم اليومية ناهيك عن سياسة بلد مثل العراق، وهي اليوم تغض طرفها وتدير ظهرها عن جرائم ميليشيات الحشد الشعبي ولا تدينه بكلمة أو قرار دولي”.
رفعت إيران ومليشياتها في منطقة عنوان “الحرب على الارهاب”، وفي عرفها أصبح كل سني داعشيا، فأصبحت تحرق المدن والقرى السنية والحجة المعلنة “محاربة الارهاب”، صحيح أن هذه الخدعة انطلت على بعض الحكومات والشعوب العربية لبعض الوقت، ولكن مخطط إيران وأذرعها المليشاوية الاستئصالي في المنطقة بأكملها لم يعد ينطلي على أحد.
وما يعلمه أو قد لا يعلمه من يتآمر على العراق اليوم، وينشر الخراب والدمار والقتل فيه سعيا لتنفيذ النبوءات التوراتية أن تلك النبوءات نفسها تتحدث عن أن العراق أو أرض بابل ستقوم وستكسر من تآمر عليها، وهذا الأمر ينطبق على خرافات “الولي الفقيه”، وإن غدا لناظره قريب.