علا خطاب
«البنا» كان على صلة بـ«الخميني» وأسس «دار التقريب بين المذاهب الإسلامية»
«العقالي» 15 سنة منتميًا للإخوان وانتهى به المطاف إمامًا للشيعة في مصر
«النفيس» انضم للإخوان أثناء دراسته بكلية الطب وظل عضوًا بها 9 سنوات حتى أعلن تشيعه
الجماعة كانت من أشد المتأثرين بـ"الثورة الإيرانية".. وكانت تقول فى العلن: هناك فارق بين السياسي والديني
قبل تسعة عقود من الآن، وقف حسن البنا أمام الجميع ليقول: "لا فرق بين السنة والشيعة، فديننا واحد، وإلهنا واحد، ورسولنا واحد، وقبلتنا واحدة، وسنتنا واحدة"، رؤية تكشف إلى حد كبير عن موقف الجماعة من الشيعة، فعلى الرغم مما يحمل المذهب الشيعي من آراء تصطدم بالمذهب السني، إلا أنه تجاوز عن ذلك، متجهًا إلى التقارب معها، ليتلاقى في هذا الإطار مع المتبنين للدعوة للتقريب بين السنة والشيعة.
لكن على مدار عقود طويلة، جرت مياه كثيرة في النهر، وتحول الأمر من "التقريب" إلى سلخ عباءة السنة، واعتناق الفكر الشيعي من جانب العديد من قياداتها، حيث نمت جذور التشيع بعمق داخل الجماعة، على أثرها، تحول عدد كبير من المنتمين للجماعة إلى اعتناق الفكر الشيعي، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول الأسباب التي دفعتهم إلى ذلك.
ومن أبرز هؤلاء:
الدمرداش العقالي
عاصر حسن البنا، مؤسس الإخوان، وفي تصريحات صحفية سابقة له، قال إن تجربته مع الإخوان امتدت نحو 15 عامًا قبل تشيعه، وكانت دافعًا إلى تشيعه في عام 1967، ليصبح أحد أهم مراجع الشيعة في مصر.
يعد العقالي، ا"لأب الروحي" للشيعة في مصر، بدأ حياته عضوًا نشطًا في جماعة "الإخوان المسلمين"، ثم تركها وتدرج مهنيًا في مؤسسة القضاء، حتى وصل إلى رئاسة محكمة الاستئناف، وكان متزوجا من الدكتورة آمنة نصير الأستاذة بجامعة الأزهر، عضو "مجالس النواب"، والتي انفصلت عنه بسبب اعتناقه للمذهب الشيعي.
وجاءت واقعة تشيعه وهو في السعودية، وكان عمره في ذلك الوقت 35 عامًا، بعدما تم تحريز كتب للشيعة لديه، والتي قرأها وكانت دافعًا قويًا في التخلي عن المذهب السني، واعتناق الفكر الشيعي، وطالب بضرورة مراجعة موقف المسلمين من الله والنبي والتحرر ومراجعة الأئمة.
أحمد راسم النفيس
يعد الدكتور أحمد راسم النفيس من أبرز مراجع المتشيعين في مصر، وكانت بداية انضمامه لجماعة "الإخوان" في عام 1976 أيام دراسته بكلية الطب، لكونهم الممثلين الوحيدين للإسلاميين، واستمر داعمًا للإخوان وأحد الأعضاء النشطين داخل الجماعة لمدة 9 سنوات، ومن ثم ترك الإخوان، وبعد عام من تركه لهم، بدأ يخوض نقاشات مع شيعة، ومن ثم تحول إلى الفكر الشيعي.
إبراهيم: 40 % من الشيعة إخوان
ومن النماذج الحديثة، محمد إبراهيم، أحد الإخوان بالإسكندرية الذي ظل في الجماعة نحو عشرة أعوام قبل أن ينشق عنها ويتشيع عام 2003. ويقدر إبراهيم أن 40% من شيعة مصر الحاليين كانوا إخوانًا سابقين، ذاكرًا نماذج عديدة لإخوان تشيعوا منهم أحمد راسم النفيس، والدمرداش العقالي، وعماد قنديل، غير أنه أكد أن "الجماعة لم تدعُهم للتشيع، لكن انبهارهم بإيران هو ما دفعهم للبحث حول هذه الدولة ومذهبها الرسمي الذي انبهروا به وأصبحوا من معتنقيه".
عماد قنديل
بعد إتباعه بعض التيارات من ضمنها جماعة "الإخوان المسلمين"، لعدة سنوات، وتنبيه لمبادئها لبعض الوقت، أعلن اعتناقه الفكر الشيعي، وينظر إليه بوصف رائد التشيع في محافظات الدلتا وربما مصر كلها، وهو المتحدث باسم جمعية "أحباب العترة الشيعية".
"الثورة الإيرانية" في عيون جماعة "الإخوان"
في تقرير لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، عام 2011، حول علاقة إيران بالإخوان المسلمين، وتأثير المذهب الشيعى على بعض أعضائها، قال: "فى البداية، رحبت جماعة الإخوان المسلمين فى مصر بحذر بـ"الثورة الإيرانية" بقيادة خميني؛ وربما منحت تلك "الثورة" الثقة للإخوان المسلمين بأنهم أيضًا قادرون على قلب نظام الحكم العلمانى فى بلدهم، ولكن بعد قيام متطرف باغتيال الرئيس المصري أنور السادات في عام 1981، اضطرت جماعة الإخوان إلى اتخاذ موقف حذر من الجمهورية الإيرانية، على الأقل في العلن".
"التلمساني" وفكرة التقارب بين السنة والشيعة
لكن فى يناير من عام 1982، أخبر "عمر التلمساني"، المرشد العام لجماعة الإخوان فى ذلك الوقت، صحيفة "المصور" الأسبوعية قائلاً: "إننا دعمنا "الخميني" سياسيًا، لأن شعبًا مظلومًا، قد تمكن من التخلص من حاكم ظالم واستعاد حريته، لكن من وجهة النظر الفقهية، فإن السنة شيء والشيعة شيء آخر".
ومع ذلك، استمرت الجماعة فى انتقاد الخلافات الطائفية بين المسلمين، بحجة أن الوحدة ضرورية من أجل الجهاد ضد الحكام الفاسدين والغرب، وفى عام 1985، كتب "التلمساني" فى صحيفة "الدعوة"، قائلاً: "إن التقارب بين الشيعة والسنة أصبح الآن مهمة عاجلة لأهل الفقه".
وأضاف: "الاتصالات بين جماعة الإخوان المسلمين وعلماء الدين الإيرانيين ليس الهدف منها دفع الشيعة لاعتناق المذهب السني في الإسلام، وإنما الهدف الأساسى من ورائها هو الامتثال لمهمة الإسلام لتلاقى المذاهب الإسلامية إلى أقصى حد ممكن".
وكانت هناك جوانب تعاونت فيها جماعة الإخوان المسلمين مع إيران بشكل أكثر صراحة، فعند انتهاء الحرب الإيرانية-العراقية فى عام 1988، على سبيل المثال، وافق الإيرانيون من جانب واحد، بناء على طلب من أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين "الشيخ محمد الغزالي"، على إطلاق سراح أسرى الحرب المصريين الذين قاتلوا إلى جانب الجيش العراقى ضد إيران.
ودلل المعهد فى تقريره، بعدة مواقف؛ أبرزها زيارة خميني إلى القاهرة ومقابلته حسن البنا، عام 1938، وأثمرت العلاقة بين الجانبين عام 1947 تأسيس "دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بعضوية البنا".
من جانبها، اعترفت الجماعة بهذه العلاقات الممتدة في كتب أبرز قادتها، مثل عضو لجنتها التأسيسية محمود عبدا لحليم في كتابه "الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ".
وفى كتابه المذكور، قال عبدالحليم: "رأى حسن البنا أن الوقت قد حان لتوجيه الدعوة إلى طائفة الشيعة، فمد يده إليهم أن هلموا إلينا فأنتم إخواننا فى الإسلام، وهيا نتعاون معًا على إقامة صرحه واستعادة مجده، وقد وجدت دعوته هذه من الشيعة آذانًا صاغية، إذ أسعدهم أن يسمعوا لأول مرة منذ مئات السنين صوتًا ينضح بالحب ويدعو إلى الأخوة الإسلامية، فقدم إلى مصر شيخ من كبار مشايخهم فى إيران هو الشيخ محمد تقى قمى والتقى بحسن البنا واتضح التفاهم بينهما، وثمرة هذا التفاهم أنشأت فى القاهرة دارًا ترمز إلى هذه المعانى السامية اسمها دار التقريب بين المذاهب الإسلامية.
التقارب بين الإخوان والشيعة
يقول سامح عيد، الباحث في الحركات الإسلامية، إن "الفكر الشيعى متقارب مع الإخوان المسلمين، حتى اختيار حسن البنا للفظ مرشد كان تأثرًا بـ"الثورة الإيرانية" وتجربة "الدولة الإسلامية" في إيران بعد ذلك، كما أن التربية الصوفية فيها جزء من الشيعة".
وأضاف لـ"المصريون"، أنه "على الرغم من ذلك فإن جماعة الإخوان المسلمين فى مصر أساسها أهل سنة، بل المتشددون أيضًا، لكن تدفق الشيعة داخل الجماعة مستحيل".
وتابع: "أسماء مثل ياسر فراويلة وأحمد راسم النفيس وغيرهما لا يشكلون قاعدة عريضة، بل هى حالات استثنائية، فليس معنى أن شخصًا ما كان عضوًا فى "الإخوان المسلمين" أو "الجماعة الإسلامية"، أو حتى "الدعوة السلفية"، واعتنق الفكر الشيعي أن تحمل الجماعة التي ينتمي إليها سبب ذلك، فهي ترتبط بتصرفات فردية ليس أكثر".
وحول المد الشيعى مصر، أوضح عيد، أنه لا يعتقد ذلك، لأن "الفكر الشيعى ومحاولات اعتناقه يخضع للمراقبة الأمنية، وعلى الرغم من ذلك إلا أنه لا يمكن اعتباره تنظيمًا أو جماعة، بل هى أقلية ونسبة قليلة جدًا فى مصر، حيث إن هدف معظم معتنقيه سياسى وليس عقائديًا".
وبشأن احتمالية أن يكون هناك تهديد شيعى لمصر، أكد عيد وهو ناشط في صفوف "الإخوان" سابقًا، إن "ذلك ممكن أن يحدث فى حالة تقارب النظام مع إيران، أو حتى تحسين العلاقات معها، وهذا رأيناه إبان حكم الإخوان لمصر، عند استقبال محمد مرسى للرئيس الإيرانى آنذاك، وفتح باب السياحة الدينية أمام الشيعة لزيارة أضرحة أهل البيت، وهو ما تراجع عنه فيما بعد بسبب رفض السلفيين حينها للأمر، لكن فى الوقت الراهن فإن علاقة السلطة الحالية بإيران شبه منعدمة".
الخطر الشيعي بمصر
ويؤيده الرأى خالد الزعفراني، الباحث في الحركات الإسلامية، والناشط الإخواني السابق، إذ قلل من خطر ما يسمى "الخطر الشيعي"، الذى يهدد مصر، قائلًا: "أغلب المتشيعين فى مصر لا يعتنقون المذهب الشيعى عبر القناعة، لكن من خلال إغرائهم بالمال".
وأضاف لـ"المصريون": "المؤسسات الإسلامية المعتدلة فى الدولة العربية كمؤسسة الأزهر يقع على عاتقها دور مهم فى ضبط فكر الشباب وحمايتهم من التطرف".
فراويلة: لا أنتمى لأى فكر أو مذهب.. وأدافع عن الشيعة
بينما نفى ياسر فراويلة، القيادى فى حركة "تمرد الجماعة الإسلامية"، اعتناقه الفكر الشيعي، قائلاً: "أنا لا انتمى إلى أي فكر أو مذهب بل الموضوع كله يتلخص فى أنه يدافع عن المذاهب التى أقرها الأزهر فى مصر، كالإثنا عشرية (الجعفرية) نسبة إلى جعفر الصادق، وهو مذهب شيعة العراق وإيران ولبنان وباكستان، والزيدية وهم شيعة اليمن، والإباضية المنتشرة فى سلطنة عمان والجزائر".
وأضاف لـ"المصريون"، أن "هناك أسماء بارزة كانوا أعضاء فى الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية أعلنوا تشيعهم بشكل علني، كطاهر الهاشمى وأحمد صبيح وأحمد راسم النفيس، وهم يسألون عن ذلك، إلا أنه لا وجود لما يسمى المذهب الشيعى أو السنى فى مصر، فإذا سألت أى مصرى ما مذهبك لن يعلم، فمصر بلد مفتوح أمام الجميع".
واستطرد: "لكن إذا تحدثنا عن الشيعة، فأهل مصر متشبعون بالفكر الشيعى دون أن يدركوا حتى، فكل عقود الزواج المسلمين تتم على المذهب الشيعي وليس السنى كما يعتقد البعض، فمذهب أبوحنيفة، هو أحد المذاهب التى أقرها القادمون الشيعة عند دخولهم مصر، فهو قاضى القضاة الشيعى أبو حنيفة النعمان وليس صاحب المذهب المعروف كما يعتقد البعض، لكن من الأولى لنا أن نقول إن مصر أساسها شيعى وليس سنيًا".
ويقول ياسر فراويلة، إنه كان ينتمى فى بداية حياته إلى "الجماعة الإسلامية"، واستمر عضوا بها لسنوات، "إلا أنه عندما بدأت تعتنق الفكر الآخر أخذنا موقفا ضدها حتى عادوا إلى صوابهم فيما بعد".
وأضاف أنه "لا يوجد ما يسمى المد الشيعى أو الفكر الشيعى فى مصر، ولا يوجد أيضًا أهل سنة، فمصر بلد يرحب بجميع المذاهب، لكن المد الحقيقي هو المد الوهابى والتكفيري، فلم نر على مر السنين مظاهرة شيعية أو تفجيرًا قام به شيعى فى مصر، على العكس تمامًا".
يذكر أن فراويلة كان عضوًا في الجماعة الإسلامية حتى عام 2013 حين انشق ثم أعلن تشيّعه في نهايات عام 2017، مصرحًا بأن "حب آل البيت هو السبب الرئيسي فى قراءته عن المذهب الشيعى واقتناع به، خاصة أنه مذهب معترف به من الأزهر وهو ما يؤكد أنه مذهب إسلامي صحيح".
المصدر : المصريون
10/5/1440
16/1/2019