لم يكن اليهود متفقين يوما ما , بل كانت العداوة بين قلوبهم والشتات سمة دائمة حتى لو ظهروا بمظهر المتحدين , فلا تزال قلوبهم تغلي بالفرقة من كل نوع كما وصفها الله سبحانه بقوله " بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ " , وكانت الخلافات بينهم عميقة جدا لانها تبدا من العقيدة التي يؤمنون بها فيختلفون حول تفاصيلها لدرجة تكفير بعضهم البعض , فلا طائفة منهم إلا وتدعي أنها على الحق وأن كل من سواها على الباطل الذي لا يمكن الاجتماع معه.
وكان من أوائل فرقهم تلك الفرقة التي اعتزلت غيرها وسموا بالفريسيين ويقصد بها " المعتزلون أو المنشقون " في حين يحب أصحابها نعت أو تعريف أنفسهم بـ " الربانيين " أو " الأحبار " , ودلت الأبحاث التاريخية واللغوية على أن الفريسية بالعبريّة " فروشيم" التي تعني بالعربيّة " المنفصلين" وورد أيضا في بعض المخطوطات العربيّة القديمة للأناجيل لفظ "المعتزلة" كترجمة للفرّيسيّة.
وبالطبع فان الكذب في هذا الادعاء واضح , فلم يكونوا ربانيين ولا علماء باليهودية الحقيقية إذ أنهم كانوا هم ألد أعداء المسيح عليه السلام وحاولوا مرارا إصدار مرسوم ملكي لقتله صلبا كما كانت لهم محاولات عديدة لقتله قبل المحاولة الأخيرة التي رفعه الله فيها إلى السماء , ولو كانوا حقيقة مؤمنين باليهودية الصحيحة التي جاء بها موسى عليه السلام لكانوا اشد الفرق اليهودية مناصرة ودفاعا عن نبي الله عيسى عليه السلام.
عقائد هذه الطائفة:
1- يؤمنون بجميع أسفار العهد القديم التسعة والثلاثين ويؤمنون أيضا بقدسية كتب أحاديث موسى ويؤمنون كذلك بأسفار التلمود ويعتبرونها كتبا إلهية مع العلم أنهم يروجون أنهم هم الذين ألفوا التلمود , فياللعجب يكتبونها ويعتبرونها مقدسة ويمجدونها كوحي منزل من عند الله , وفي أمثالهم قال الله سبحانه " فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ".
2- يشابهون الفرقة الشيعية في الإسلام في إيمانهم بعصمة الحاخامات ويتعاملون مع كلماتهم ونصائحهم واوامرهم كانها صادرة من الله عز وجل , ويمنحون حاخاماتهم سلطات واسعة عليا ويعتبرون أن خوفهم من الحاخامات هو امتداد للخوف من الله سبحانه عياذا بالله , وبالتالي يحرمون لهم الحلال ويحلون لهم الحرام فلا يخالفهم الاتباع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم الذي كان يتعامل في نصرانيته مع الاحبار بنفس التعامل فيقول عدي بن حاتم رضي الله عنه: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال " يا عدي اطرح عنك هذا الوثن " وسمعته يقرأ في سورة براءة { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } قال أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه " [1] .
3- يؤمنون ببقية من الديانة اليهودية الصحيحة كالبعث والملائكة بخلاف عدد من الفرق الأخرى مثل الصدوقيين الذين ينكرون القيامة والملائكة , ويعيش معظم الفريسيين على الزهد لكنهم حرموا ما احل الله كالزواج مع أنهم يحافظون على طائفتهم عن طريق التبني فقط .
وصفتهم الأناجيل بأنّهم " مراءون متمسّكون بالشكليّات مدقّقون في أصغر الأمور وأتفهها وهذا الإفراط في الشكليات يفقد الشريعة روحها " هكذا بنص وصف النصارى لهم , وعن الفريسيين يقول كتابهم المقدس " الإنجيل " على لسان عيسى عليه السلام " إنّكم تشبهون القبور المجصّصة التي تُرى للناس من خارجه حسنةً، وهي من داخلها مملوءةٌ عظامَ أموات وكلّ نجاسة " [2]
ويقول أيضا : "على كرسيّ موسى جلس الكتبة والفريسيون , فافعلوا ما يقولون لكم واحفظوه , ولكن مثل أفعالهم لا تفعلوا ، لأنهم يقولون ولا يفعلون" [3] , "الويل لكم أيّها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون. فإنّكم تُقفلون ملكوت السماوات" [4]
,"أيّها الحيّات أولاد الأفاعي كيف لكم أن تهربوا من عقاب جهنّم" [5]
وقامت مساجلات ومناقشات كثيرة بين المسيح عليه السلام وبين قادتهم – بحسب ما وردنا من الأناجيل وليس عندنا إقرار أو نفي له - الذين تزعموا الحرب ضده لإثبات أنه ليس بنبي والافتراء عليه وعلى أمه السيدة مريم سيدة نساء العلمين التي براها الله في كتابه فقال " وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ "
ومن عجيب ما ورد ان الذي قام بتدمير النصرانية من داخلها وهو الذي اعلن الوهية المسيح – حاش لله – ودعا الناس إليها هو المسمى ببولس الرسول كان من غلاة الفريسيين ثم دخل في النصرانية ليصير رسولا عند النصارى ويتمكن من تبديل شريعتهم ودعوته للشرك بالله.
وبالمقارنة نرى تشابها واضحا وشديدا بين الفريسيين وبين الفرقة الشيعية التي حاولت هدم الإسلام من داخله, ونرى تشابها بل تطابقا بين بولس الرسول وبين عبد الله بن سبا الذي دعا إلى عصمة الأئمة وتاليه الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
إن التشابه شديد ويحتاج كثير من البحث والتدقيق فيه فالبدايات متشابهة والمسلك متفق والغاية واحدة وهي هدم الدين والتظاهر بالعبادات واستغلال المظهر للادعاء بأنهم وحدهم أهل الهداية لخدعة البسطاء واستمالة الأتباع .
المصدر : مركز التاصيل للدراسات والبحوث
ـــــــــــ
[1] سنن الترمذي(5/278) وقال الشيخ الألباني : حسن
[2] ( انجيل متّى 27:23).
[3] انجيل متى (23: 2-3)
[4] (متى 23: 13-32)
[5] (متى 23: 33)