تبادل الأسرى وتصريحات نجاد.. واللعبة الإيرانية الأمريكية

بواسطة كتبه: محمد الغباشي قراءة 2106

تبادل الأسرى وتصريحات نجاد.. واللعبة الإيرانية الأمريكية

السبت 9 من رجب1429هـ 12-7-2008م

 

الخبر:

وقع الجانبان الصهيوني والشيعي اللبناني متمثلاً في حزب الله، الاثنين، بشكل رسمي على صفقة لتبادل الأسرى، وذلك بحضور الوسيط الألماني الذي يمثل الأمم المتحدة، والذي تم الاتفاق برعايتها.

التعليق:

كتبه: محمد الغباشي

مفكرة الإسلام: بعد أن انكشفت سوءة "حزب الله" الشيعي اللبناني وبانت مخططاته، ونزل إلى الشارع اللبناني بسلاحه ـ الذي كان يتشدق دائمًا بأنه سلاح مقاوِم موجه لصدور الإسرائيليين ـ بعد أن نزل به إلى الشارع اللبناني وأعمل فيه القتل وأعمال الشغب ووجه رصاصاته للسُّنة من اللبنانيين، فكان أن اتسخ حذاء إيران اللامع، والذي كان يضفي عليها وعلى مواقفها بريقًا، فكان لابد من وقفة مع الحزب المدعوم إيرانيًا لمحاولة مسحه وتلميعه من جديد، ولا بأس ببعض الاستفادة للجانبين.

وجاءت صفقة تبادل الأسرى مع الكيان الصهيوني لتؤكد هذا المعنى، وتسير في نسقها المنضبط لتكشف مدى التنسيق والترتيب الأمني بين الجانب الصهيوني والحزب الشيعي، الذي ما انفك تتطور علاقاته بالكيان الصهيوني هو ومصدر تمويله "إيران" يومًا بعد يوم؛ لتكشف زيف ادعائه وتضعه في إطاره الصحيح.

وليست هذه الصفقة هي الأولى من نوعها، وإنما سبقتها مثيلات لها في العقود السابقة؛ ففي العام 2004 بادل الكيان الصهيوني 400 أسير لبناني برجل أعمال صهيوني وجثث ثلاثة من الجنود الصهاينة الذين أسرهم الحزب الإيراني في العام 2000م.

وفي العام الماضي بادلت الدولة العبرية أسيرًا لبنانيًا وجثتين لعنصرين من الحزب الإيراني بجثة أحد المستوطنين الصهاينة، إضافة إلى إمداد إسرائيل بمعلومات عن الطيار الصهيوني رون أراد الذي فقد في لبنان في العام 1986م.  

وفي الشهر الماضي بادلت إسرائيل الأسير نسيم نسر ـ الذي كان يقضي عقوبة بتهمة التجسس لصالح "حزب الله" ـ بأشلاء جنود قضوا حتفهم في الحرب على لبنان في العام 2006.

فهذه إذن ليست أولى تلك الصفقات المشبوهة ولن تكون آخرها التي يتم بها التسويق والترويج لهذا الحزب الشيعي "محرر الأسرى" و"طارد اليهود" من لبنان كما يدعي هو وتسوّق له إيران الأم.

إن الحزب الشيعي ينظر إلى مثل تلك الصفقات من خلال وجهة نظره هو لتحقيق مصالحه الشخصية؛ فكل صفقات الحزب التي تمت تحت إشراف دولي لم تتضمن أسرى فلسطينيين لدى الاحتلال، وإنما كان الاهتمام منصبًا على أسرى الحزب فقط دون النظر إلى من قد يمتد وجودهم في سجون الاحتلال للعقود من السنوات.

بل يصرح ويؤكد أكثر من مرة حسن نصر الله الأمين العام للحزب أن تلك الصفقات لا تتضمن إطلاق أسرى فلسطينيين؛ الأمر الذي أثار استغراب الفصائل الفلسطينية المقاوِمة التي ـ مع الأسف الشديد ـ لا تزال تحسن الظن بالحزب وأمينه العام وتنظر إليهما على أنهما ينتميان إلى جبهتها المقاوِمة.

وفي الوقت الذي تبرم فيه صفقة تبادل الأسرى مع الحزب اللبناني ترفض إسرائيل الاتفاق مع الجانب الفلسطيني وتماطل في الإفراج عن أي من الأسرى الفلسطينيين الذين هم أولى بالإفراج من أسرى الحزب نظرًا لما يلاقونه من أوضاع مزرية بالسجون والمعتقلات الخاصة بهم ولطول مدة اعتقالهم التي قد تصل في بعض الأحيان إلى العقود الأولى منذ الاحتلال.

ومن ناحية أخرى وجهت اللجنة الوطنية الأردنية للأسرى والمفقودين في السجون الإسرائيلية رسالة لحسن نصر الله ناشدته فيها شمول الأسرى الأردنيين في السجون الإسرائيلية ضمن صفقة التبادل، إلا أن الأمر اقتصر ـ كما تم الاتفاق عليه ـ على الأسرى اللبنانيين فقط كما هي العادة.

إيران توجه رسائل متضاربة للعالم:

إن العلاقات الصهيونية الأمريكية الإيرانية ـ والتي تشمل الحزب اللبناني نظرًا لتوجهه الشيعي الشعوبي ـ ضاربة بجذورها في العمق، فهي ليست وليدة اليوم أو الأمس وإنما هي علاقات وطيدة ومقربة منذ سنين طويلة، وقد نقلت الصحف البريطانية جانبًا من هذه العلاقات عندما صرحت بأن إيران توجه رسائل متضاربة للعالم حين تصرح على لسان علي شيرازي ممثل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي في القوات البحرية للحرس الثوري أن "النظام الصهيوني يضغط حاليًا على قادة البيت الأبيض لتحضير هجوم على إيران"، مضيفًا أنهم "إذا ارتكبوا حماقة كهذه سيكون رد إيران الأول إحراق تل أبيب والأسطول الأمريكي في الخليج".

في الوقت ذاته الذي يؤكد فيه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أنه لا يرى أية احتمالات لوقوع حرب بين بلاده والولايات المتّحدة أو "إسرائيل"، ويقول إثر ذلك مؤكدًا: "أود أن أؤكد لكم أنه لن تكون هناك أية حرب في المستقبل... إن الإسرائيليين عندهم نظام مكون من مجموعة سياسية تتسم بالتعقيد فيما بينها، ولكن مآل هذا الكيان في النهاية هو التدمير، وهذا أمر لن يكون على الشعب الإيراني أن يتدخل فيه؛ فهو سيحدث من تلقاء نفسه".

هذه التصريحات التي تسير في اتجاهين متضادين تؤكد أن الحرب المزعومة بين الفريقين هي مجرد حرب كلامية ظاهرية، في حين يتعانق الجانبان في الخفاء ومن وراء الكواليس.

وهذا هو ما أكدته صحيفتا التايمز والجارديان البريطانيتين عندما تحدثتا مثلاً عن زيادة الصادرات فيما بينهما

فتقول صحيفة التايمز: رغم المواجهة المستمرة ـ ظاهريًا ـ منذ عدة سنوات بين واشنطن وطهران وخاصة خلال ولايتي الرئيس الأمريكي بوش، إلا أن حجم الصادرات الأمريكية إلى إيران ارتفع 10 أضعاف خلال عهد بوش.

وهو الأمر الذي أكدته أيضًا صحيفة الجارديان حين قالت: إن قيمة الصادرات الأمريكية إلى إيران بلغت العام الماضي أكثر من 160 مليون دولار، من بينها السجائر وقطع تبديل الطائرات والعطور والفرو ومواد التجميل والآلات الموسيقية.

والأمر الأعجب هنا وهو ما يسبب إحراجًا للإدارة الأمريكية والرئيس بوش مع الدول الأوروبية هو أن واشنطن تمارس ضغوطًا شديدة على حلفائها الأوروبيين لقطع علاقاتها التجارية مع طهران في الوقت الذي تغرق فيه إلى أذنيها معها في علاقة تجارية حميمة.

فقد نقلت صحيفة اعتماد الإيرانية أن ستيوارت لوي مستشار شئون الإرهاب بوزارة المالية الأمريكية قدم تقريرًا في مايو الماضي أمام لجنة من يهود أمريكا يطالب فيه بمقاطعة إيران اقتصاديًا ومصرفيًا، ولم يكتفِ لوي بذلك، بل طاف معظم أنحاء العالم شرقًا وغربًا، شمالاً وجنوبًا، وعقد لقاءات مع شركات كبيرة وصغيرة عالمية ومارس ضغوطًا سياسية واقتصادية على دول كثيرة لتصدر قرارات مقاطعة مالية وبنكية تؤدي إلى وقف التجارة الإيرانية الخارجية.

ولم يكن هذا التحرك هو الوحيد الذي اتخذه لوي إزاء هذه القضية، وإنما سبق له أن دعا منتصف العام الماضي إلى إصدار قرار بتحريم التعامل مع البنوك الإيرانية.

هذه المطالبات والتحركات الحكومية الأمريكية بالمقاطعة تحدث في أمريكا ذاتها التي تتحرك من خلف الستار لتمد يد العون والمساعدة والتبادل التجاري إلى إيران الحليفة السرية.

لم تكن "إيران خامنئي" ولا "حزب نصر الله" يومًا من الأيام عدوًا للنظام الأمريكي ولن يكونا مادامت التنسيقات والمصالح المشتركة في إطارها الصحيح بالنسبة لهم، ولا بأس ببعض التصريحات الجوفاء من "إغراق إسرائيل في البحر" و"إغلاق مضيق هرمز في وجه النفط الأمريكي"، أو حتى تصريحات الحزب الذي بات مفضوحًا على مستوى عالٍ التي يوجهها للدولة العبرية التي "يجاهد" ليحرر الأسرى المناضلين من بين براثنها.. لا بأس بكل ذلك مادام الحذاء الإيراني متسخًا ومتربًا.. إذن فليتحرك الجميع لتلميع الحذاء الإيراني.

 



مقالات ذات صلة