غزّةُ تنتصر .. أمّةٌ تنتصر

بواسطة الدكتور محمد بسام يوسف قراءة 1789
غزّةُ تنتصر .. أمّةٌ تنتصر
غزّةُ تنتصر .. أمّةٌ تنتصر

 

غزّةُ تنتصر .. أمّةٌ تنتصر

 

بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف

 

غزّة الصمود.. تلك البقعة من الأرض الفلسطينية المباركة.. كم تمنّى رئيس الوزراء الأسبق للكيان الصهيونيّ (إسحق رابين)، أن يبتلعَهَا البحر، لأنّ الصهاينة المحتلّين لم يتمكّنوا من ابتلاعها!..

غزّة!.. تلك الشوكة، بل الخنجر، الذي أدمى –وما يزال يُدمي- الوجهَ البشعَ للإرهاب الصهيونيّ، أدخلت الهيستريا إلى قلوب قادة الإجرام وعقولهم، فلم يجد حكيمهم رابين وسيلةً للخلاص منها، إلا تمنيّاته الخائبة بأن يبتلعَهَا البحر!.. لكنّ البحر كان يعرف أنّ غزّة هي التوأم الذي خُلِقَ معه، فكان يحتضنها كالأم الرؤوم، وكانت تغفو على شواطئه كالطفلة المدلّلة!.. إلى أن ابتلع الحقدُ الصهيونيّ السفّاحَ رابين.. وبقيت غزّة الصمود توأماً للبحر، تمدّه بالثبات والإيمان بعدالة قضيّتها.. ويمدّها بهديره الذي يُرعب رابين وكلَّ أترابه وأحبابه.. وحلفائه!..

غزّة.. التي لا تعادل قطرةً من محيطها العربيّ والإسلاميّ، أقلقت السفّاح (شارون)، ودحرته، واقتلعته مع دباباته وطائراته وصواريخه في عام 2005م، ولقّنته الدرس البليغ، الذي نعتقد، أنه لا يتذكّر غيره حتى هذه اللحظة وهو (الميت الحيّ)، بل الحيّ الذي أصبح الموت أسمى أمنياته العصيّة عليه!..

غزّة الصمود.. كبرت.. وكبرت.. حتى صارت ركناً في كل حيٍ وشارعٍ وزاويةٍ وبيتٍ وقريةٍ من عالمنا العربيّ والإسلاميّ.. تمنحنا العزّة والشموخ، وتمدّنا –بإذن الله عز وجل- بالأمل والثبات وإرادة الجهاد والصمود والمقاومة، وتحفظ لنا كرامتنا التي أهدرها كلُ المتاجرين بمستقبلنا ودمائنا ودماء أهلنا في فلسطين!..

غزّة الصمود.. ترسم اليوم بالدم وصرخات: الله أكبر.. مستقبَلَنا، ومستقبلَ أمّة!.. وتنظر من عَليائها إلى هذه الأمة، المنشغلة بالخطابات والمتاجرات والشعارات والفضائيات والخلافات وإحصاء المليارات والدولارات، لتخاطبنا: لَكُم ما أنتم فيه، ولي ما أنا عليه.. لَكُم الصيحات والكلام والكاميرات ومكبّرات الصوت.. ولي بَذل الروح والدم والشهادة.. وسوح البطولة وجنّة الخلد.. والانتصار والتحرير!.. لَكُم الصغائر والفتات.. ولي عظائم الأمور واجتراح المستحيل من دُجى الظلمات!..

غزّة الصمود.. ما تزال تُطلّ علينا من عَليائها، فيسيل دمعها مع دمها، حسرةً على أمةٍ ضائعة.. فتسخر من أولئك (الأشاوس) تجّار الكلام والشعارات الخادعة، وتتساءل: أما كان الأجدى لهؤلاء (الممانعين)، أن يوفّروا كل مظاهر عنترياتهم التلفزيونية الكاذبة، بطلقةٍ يطلقونها عبر أنين الجولان الجريح، المحتلّ منذ أربعين عاماً؟!.. أما كان أصدق لأولئك المتاجرين بكربلاء، أن يكفّوا عن محاولات تمزيق الأمة ببهلوانياتهم وخرافاتهم، ظانّين أنهم يملكون القدرة على احتلال القاهرة، خدمةً لمشروع ولاية الفقيه، كما احتلوا بيروت وقتّلوا أهلها وأحرقوا مساجدها ودمّروا مؤسّساتها الوطنية تحت شعار: التصدّي للمحتلّ الصهيونيّ؟!.. أما كان الأطهر لأرباب مَعبر رفح، أن يُحَوِّلوه إلى مثالٍ للنصرة والتآزر والتعاضد مع الثكالى والأطفال والجرحى والجوعى المظلومين.. ضد السفّاحين المحتلّين؟!.. لكي لا يَدَعوا أصحابَ العقول المريضة، والانتهازيين، والصيّادين في الماء الآسن، أن يُقزِّموا قضية العرب والمسلمين الأولى.. إلى مجرّد مَعبرٍ يعبر منه كل الخلاف والشقاق والجدال العقيم.. والمهاترات؟!..

غزّة الصمود.. تتساءل: لماذا أعيش محاصَرةً.. وإلى جواري ثلاث مئة مليونٍ من العرب، ومليارَيْن من المسلمين؟!.. لماذا أُحرَق بنيران خمسين طائرةٍ معتدية، ومخازنكم تفيض بآلاف الطائرات الحربية؟!.. لماذا تَحصد صواريخُ العدوّ نسائي وأطفالي، ولدى جيوشكم الجرّارة صواريخ قادرة على تحويل تل أبيب إلى ركام؟!.. لماذا يجوع أطفالي، ولديكم مؤونة كافية لإطعام كل أهل الأرض؟!.. لماذا يلفظ جَرْحَايَ أنفاسَهم بانتظار حبة دواءٍ أو حفنة عقار، ومستودعات العرب والمسلمين تنوء بكل أنواع الأدوية والأدوات الطبية؟!.. لماذا أعيش البرد القارس، بينما يعيش المواطن الأميركيّ أو الأوروبيّ الدفء الرغيد المستَوْلَد من نفطكم.. نفطكم الذي يتنعّم به حليف العدوّ الصهيونيّ المحتلّ من غير حساب؟!..

غزّة الصمود.. لم يبتلعْها البحر، ولن يبتلعَهَا، كما أمِلَ السفّاح (رابين).. بل ستنتصر، لأنها سدّدت  ضريبة الانتصار، وحقّقت كلّ شروطه.. وبها ستنتصر أمّة، فهل سنشاركها بعضاً من حق الانتصار، بالقدْر الذي أعرضنا فيه عن نصرتها؟!.. هل نفعل يا أمة العرب والمسلمين؟!..

 

30 من كانون الأول 2008م.



مقالات ذات صلة