حازم الأمين
من دون أن نستبق النتائج ونحدد وجهة الحدث، ليس من الصعب ملاحظة بداية اضطراب في منظومة «الهلال الشيعي» الذي شهد ذروة صعوده في العام 2016، وشهد شبه اكتمالٍ في العام 2017، أي في أعقاب دحر «داعش» في العراق واستعادة النظام السوري مدينة حلب.
في سورية تتصدر موسكو المشهد الميداني. فهي عقدت صفقة كبرى مع "تل أبيب" قضت بإبعاد طهران والميليشيات الشيعية عن الحدود مع "إسرائيل"، مسافة ربما وصلت إلى مئة كيلومتر. وموسكو أيضاً تتولى التعهد بضبط النظام ومفاوضة أنقرة والأكراد، وتتحدث عن مشاريع إعادة إعمار سورية، وتبع ث برسائل طمأنة في أكثر من اتجاه. ويمكن للمرء أن يفترض أن كل هذا يجري على حساب الموقع الإيراني في سورية.
في العراق من الواضح أن طهران بدأت تفقد ناصية انفرادها بالعلاقة مع الجماعة الشيعية الحاكمة، وإن كان من المبكر الحكم على مسار التخفف من النفوذ الإيراني في عراق ما بعد صدام حسين. ما جرى في مدن الجنوب من تظاهرات غاضبة على أداء السلطة «الشيعية» وعجز طهران عن ضبطه واستدراكه، وعدم مبادرتها إلى استئناف تزويد العراق بالكهرباء، هذه أيضاً مؤشرات، ليس على فقدانها موقعها في العراق، إنما على اهتزاز في هذا الموقع مرشح لأن يتواصل طالما أن فشل «حكوماتها» العراقية مرشح لأن يتواصل. ثم أن طهران فقدت موقعها كمركز ثقة يُشعر الشيعي العراقي بأنه امتداد لقوة إقليمية على المستويات السياسية والمذهبية والاقتصادية. انهيار العملة الإيرانية أصاب المودعين العراقيين في المصارف الإيرانية بكارثة، ولم يعد النظام المصرفي في الجمهورية الإسلامية قاعدة ثقة خلفية للمودعين العراقيين الشيعة ممن فقدوا نصف ثرواتهم بفعل العقوبات الأميركية على طهران وما نجم عنها من كوارث حلت بهم.
لبنان آخر بلد يمكن أن ننتظر فيه مؤشرات من هذا النوع، ذاك أن أداة نفوذ طهران فيه، أي «حزب الله»، هي الأكثر تماسكاً وقدرة على مواجهة الوهن الإيراني المستجد. إلا أن ذلك لا يمنع المرء من مراقبة المشهد اللبناني في ضوء المتغير الإقليمي هذا. فـ «حزب الله» ضاعف من انغماسه في الوضع الداخلي اللبناني في جانبه اليومي. اقترب أكثر من الحصة الشيعية في الجبنة المذهبية. صار أقل «كرماً» مع جماعاته ومع دوائر المسترزقين من حوله. المؤشرات في البقاع توحي بأن "الحزب" أمام مأزق حرمان أهل تلك المنطقة على المستويات الخدمية. وفي جنوب لبنان بوادر ضيق موازٍ جراء احتكار التحالف الشيعي مغانم الحصة الشيعية في الدولة. يجب أن لا ننتظر انتفاضة على "الحزب"، فالأخير ما زال القوة الشيعية الوحيدة تقريباً في لبنان، إلا أن ذلك لا يمنع من أن يمثل التململ مؤشراً على وهنٍ مصدره طهران.
لكن الأهم من بوادر التصدع هذه هو ما يجري في إيران نفسها. فالتظاهرات في المدن مستمرة جراء الانهيار الاقتصادي وتراجع قيمة العملة إلى مستويات غير مسبوقة. الحديث شبه الرسمي عن نحو مليون عاطل جديد من العمل، وعن الارتفاع الهائل بأسعار السلع والمواد الغذائية، وعن انهيار قطاعات اقتصادية بأكملها، كل هذا بفعل رزم العقوبات الأميركية الأولى، والتي من المنتظر أن تتبعها رزم عقوبات أشد قسوة.
يبدو أن طهران هذه المرة أمام استحقاقات داخلية بدأت تخلخل المهمة الإقليمية. لكن، لهذا الصدع، كما لكل صدع، موجات ارتدادية تدفع إلى التروي في المسارعة في الاحتفال باهتزاز منظومة الهلال الإيراني، فعلى جنبات هذا الاهتزاز لن تنجو المجتمعات من تبعات الانهيار، ونحن جاهزون لمزيد من الحروب الأهلية على ضفاف الانهيارات الجديدة.
المصدر : صحيفة الحياة
24/11/1439
6/8/2018