مصر وإيران واللعبة الخاسرة

بواسطة أحمد محمود عجاج قراءة 450

مصر وإيران واللعبة الخاسرة

 

أحمد محمود عجاج

 

في مقابلة خاصة مع جريدة الحياة الصادرة في لندن، قال وزير الخارجية المصري، احمد ابو الغيط، لدى سؤاله عن ايران وما الجديد في علاقتها مع مصر، قال : هناك بعض المسائل التي ضاقت منها مصر، وفي مقدمتها بعض التصرفات الايرانية، ولكن نتعامل مع ايران بإعتبارها قوة لها تأثيرها في العالم الاسلامي وفي منطقة الخليج وفي الاقليم بصفة عامة. ما قاله الوزير المصري يمكن تصنيفه في خانة الدبلوماسية الزائدة عن الحد، وما قاله لا يختلف كثيرا عما قالته دول عربية اخرى لا تنظر بعين الرضا الى الاداء الايراني في المنطقة. ويبدو ان العرب في اختلافهم مع ايران لا يملكون سوى اداة الدبلوماسية الزائدة عن الحد، ولا يجدون مخرجا سوى عبارات من هذا النوع، بينما تعمل ايران وفق اجندة مدروسة، يؤمن بها صانعوها، وتسير غير عابئة بهذا النوع من الدبلوماسية.

 لا يتطلب الامر جهدا كبيرا، ولا معرفة متميزة في السياسات الخارجية، ولا مقدرة فائفة في التحليل، ليعرف المراقب ان ايران قد استطاعت ان تفرض نفسها قوة كبرى في المنطقة، واستطاعت ان تسحب كثيرا من الشعارات من يد العرب، وان تفرض نفسها على الحكومات العربية لا من خلال اتفاقيات او صفقات او لقاءات جانبية، إنما من خلال امتلاك الشارع واقناعه بأنها هي التي تحمل قناعاته وانها هي التي تواجه الامبريالية والاستكبار، وان الدول العربية يجب ان تقف في صف ايران لا في صف امريكا، وان الشعوب يجب ان تحسم مصيرها. وهذا التوجه الايراني ليس بالجديد بل هو مكرس منذ انتصار الثورة الاسلامية بقيادة الخميني، وقد استعاد زخمه في عهد احمدي نجاد، الذي يعتقد ان ايران تحمل الاسلام الحق، وانها قادرة على نشره ومجابهة الدول الكبرى.

يبدو ان ايران لديها استراتيجة اخرى مقابل الزحف الى صفوف الجماهير وهي احداث شق في الصف العربي ولكن بطريقة ذكية وباهرة جدا، وذلك من خلال عقد صداقات واتفاقيات مع دول عربية ترى ان ايران قد تكون رديفا للعرب او تراها مفيدة لها في مرحلة من المراحل، او ربما تخشاها وترى ان من مصلحتها الامتناع عن معاداة دول كبرى مثلها.

وكمثال فإن سوريا ترى في ايران مدخلا الى الساحة الدولية وعونا في اي صراع عسكري مقبل مع اسرائيل، وقطر ترى ان ايرن دولة صديقة يجب حل الخلافات معها بالحوار، وليس بالمعاداة. هذه السياسة الايرانية ذات الشقين الجماهيري والرسمي تعد نجاحا باهرا للسياسة الايرانية.

بالطبع يدرك الوزير المصري هذا كله ويعرف تماما ان ايران لديها في صفوف الجماهير جماعات مسلحة وشباب مستعد للتضحية لأبعد الحدود، وانها قادرة على تحريك تلك الجماعات والفئات من الشباب ساعة ما ارادت من اجل مواجهة من يتصدى لها او من يحاول الحد من توسعها. إن ايران تفكر بمنطق الدولة الكبرى، وغيرها يتعامل معها بمنطق دولة من دول المنطقة، ويرى انه بالحوار والكلام المعسول يمكن حملها على التفكير وارجاع الجزر الاماراتية وعدم التدخل في لبنان والانسحاب من الساحة الفلسطينية. هذا الكلام المعسول كشف عنه الوزير المصري عندما قال ان مصر " تعترف بأن هناك مصالح واهتمامات ايرانية، إلا ان مصر تصمم وتتمسك بأن هذه المصالح الايرانية يجب ان تأخذ بالحسبان ايضا وبأكبر قدر من الاهتمام بالمصالح العربية". هنا يكمن كما يقول العرب مربط الفرس. كيف يجبر الوزير المصري ايران على ان تأخذ المصالح العربية بالحسبان؟

ثمة نظريتان سائدتان في ممارسات الدول حاليا اولهما نظرية التبشير والتي طبقها الرئيس جورج بوش واحتل العراق تحت شعارها لأنه مع المحافظين الجدد يرى ان نشر الديمقراطية يعزز المصالح الامريكية. كما ان ايران تؤمن بتلك النظرية ولكن على قاعدة ان نشر الفكر الديني الايراني يعزز مصالح ايران ويجعلها دولة كبرى ليس في المنطقة بل في العالم. وثمة نظرية اخرى، تقوم على الواقعية السياسية والتي لا ترى ضرورة استخدام العنف او القوة إلا في حالة الدفاع عن مصالح الدولة، فالمعيار هو المصلحة البحتة ولا مبادئ ولا من يحزنون.

 هاتان النظريتان لا يطبقهما العرب، ولا مصر بالذات كما يتبين من الممارسة ومن حديث وزير الخارجية. ثمة حالة من التخبط في الصف العربي، تستدعي الرثاء والحزن ليس فقط فيما يتعلق في مواجهة ايران بل في ملفات وقضايا اخرى بدءا بالوجود الامريكي في المنطقة والصراع مع العدو الاسرائيلي.

فمع اسرائيل قبل العرب بأن يتخلوا عن حقهم ويعطوا دولة مغتصبة ما هو ليس ملكا لها، ومع امريكا وقفوا صامتين شامتين وهم يرون نظاما عربيا مثل انظمتهم يتهاوى ويُهان رئيسه، ومع ايران لا يزالون يؤمنون بأنه تجمعهم مصالح معها، وانها يجب ان تتحول عن سياسات العداء وترد لهم الجزر الاماراتية، بعدما نسوا الاراضي العربية في عربستان، وترتد عن الزحف الى داخل الجماهير العربية. يرى العرب ومصر معهم بالذات ان هذا ما يجب على ايران أن تفعله، ولكن لا يملكون من الامر شيئا، لأنهم اعجز من ان يقفوا في وجه ايران، ولأنهم لا يحملون فكرا في مواجهتها ولا ارادة صلبة في تحديها. لقد استطاعت ايران ان تبني دولة عسكرية قوية نرى يوما بعد يوم تزايد قوتها، ومعرفتها بالتكنولوجيا، ونشاهد الغرب يستجديها ويقدم لها الحوافز، بينما العرب تتراجع قدرات جيوشهم، ولا نسمع بإبداعاتهم التكنولوجية، ولا يعاملهم العالم والغرب إلا بدونية، وإن كانوا احيانا لا يشعرون بها.

عندما قامت دولة اسرائيل كان يؤمن مفكروها ان العرب لا يمكن التساوم معهم على الاطلاق ولا التفاوض بل يجب ان ترفع العصا دوما بوجههم لأنهم لا يفهمون إلا لغة القوة. رئيسة وزراء اسرائيل، غولدمائير كانت تؤمن بذلك، وكان قبلها من المؤسسين من ينظر الى العرب بنظرة اسوأ منها، ولكنها على ما يبدو كانت محقة، لان العرب الذين هددوا بأن يرموا اسرائيل في البحر، يموتوا اولادهم فيه هربا وسعيا وراء لقمة العيش، وتخلوا عن الارض وقبلوا باسرائيل ولم تقبل اسرائيل بعد!! كذلك الايرانيون فإنهم ينظرون للعرب نظرة دونية ( انظر كتاب تحالف الغدر، للمؤلف تريشا بارتي) ويرون انهم الاحق بالقيادة، وانهم قادرون على اعادة مجدهم. هم ايضا على ما يبدو صادقين، فقد احتلوا اراض عربية وجعلوها ايرانية، وسيطروا في الزمن القريب على الجزر الاماراتية، ولم يستطع العرب ان يصدوهم ولا ان يقنعوهم، بل رضوا بالواقع عمليا واستمروا بالكلام ظاهريا، على امل ان يهدي الله القادة الايرانيين.

إن كلام وزير الخارجية يعبر أجلِّ تعبير عن هذا الواقع المؤلم، ويعبر عن حالة من التفتت العربي لم يسبق لها مثيل. إن الامم جميعا تدافع عن نفسها وتقف ولو وحيدة من اجل اثبات هويتها وذاتها؛ عندما اجتاح هتلر اوروبا، ووهدد بريطانيا، كان رد تشرشل، الذي يحكم جزيرة صغيرة بالمقارنة مع اوروبا، بأن البريطانيين سيقاتلون في الوديان والجبال والسهول ولكن يقدموا على شيئ واحد هو القاء السلاح. وعندما احتلت الارجنتين تحت القيادة العسكرية، جزر الفكلاند، كان رد مارغريت تاتشر، ارسال بوارج وعسكر الالاف الكيلومترات من اجل استرجاع جزيرة صغيرة جدا يسكنها الفان او ثلاثة على اكثر تقدير.

 وعندما احتل الاسرائيليون ارض العرب، واستولى الايرانيون على جزرهم وارضهم، ماذا كان رد اكبر، وأقدر دولة عربية على لسان وزيرها ابو الغيط عندما سئل عما يزعجه في التصرفات الايراينة: " الاعلام والمظاهرات والافلام والتلفزيون الايراني، والعدوانية المتزايدة من بعض الدوائر على المسرح الايراني، وعدم تجاوب ايران للكثير من المطالب المصرية، خاصة فيما يتعلق بأداء ايران في المنطقة""!!!

 



مقالات ذات صلة