القمر الإيراني في سماوات العرب

بواسطة محمد المختار الفال قراءة 555

القمر الإيراني في سماوات العرب

 محمد المختار الفال

التاريخ: 19/4/1431 الموافق 04-04-2010

 

تطلق إيران، بالتعاون مع قطر، قمرين صناعيين للبث التلفزيوني في الأسابيع القليلة المقبلة حسب مصادر صحفية.. وسيسبح القمران في الفلك الذي يسير في مداره القمر المصري "نايل سات".. ويتوقع أن يشكل دخول القمر الإيراني الخدمة منعطفاً جديداً في "التنافس" على المشاهد في المنطقة العربية والإفريقية، وهو التنافس الذي يتخذ أشكالاً عديدة ويحمل رسائل مختلفة ويتذرع بصيغ متباينة لكن هدف جميع المتنافسين هو عقل المشاهد وتفهمه، والجائزة الكبرى هي مشاعره وتعاطفه.

وهذا القمر يثير قضية الرقيب، "البطل الوهمي"، الذي ما يزال غارقا في أوهامه ويعتقد أنه يستطيع أن "يحتكر" عقول الناس ويحميهم مما لا يريد أن يعرفوا.. هذا "البطل الوهمي" تتساقط، يوما بعد يوم، أوراق التوت التي كانت تستر عورته عن أعين الجمهور المتلقي، وسيدرك المؤمنون بنظرية "السدود والقيود" أنه طوال السنوات الماضية – رغم حرصه وهيمنته وسطوته – لم يستطع أن يحصن عقلاً أو يزرع ثقة أو يوفر اطمئناناً في نفوس الناس بل العكس هو الصحيح فقد أورث في العقول شكوكاً وريباً في كل جديد وأنبت في المشاعر كراهية متوحشة ترى في كل طارئ رعباً وخطرا يستهدف سلامتها ويقوض بنيانها.

ومما يزيد من "وهن" الرقابة ويفتح الباب على المصير المجهول الذي ينتظرها، في هذه المنطقة، أن القمر الإيراني ستكون من مهامه إيصال "رسالة" دولة لديها "مشروع" لا تقف حساباته عند الربح والخسارة التجارية بل يتجاوزها إلى كسب تعاطف الناس، أو على الأقل، مواجهة الخطاب المضاد. ومعروف أن الدول والمؤسسات صاحبة "الرسالة"، أيا تكن هذه الرسالة، ومهما كان مضمونها، تدخل سوق المنافسة لكسب تعاطف طالبي خدمتها بروح "الدعوة" التي تبذل كل ما تستطيع في سبيل تحقيق أهدافها. أي أن الربح المادي ليس هو كل ما يغذي دوران هذا القمر الذي يرجح أن يلقى إقبالاً كبيراً إذا تبنى سياسة تخفيض الأسعار عما تعرضه الأقمار المنافسة، فهذه السياسة "التسويقية" ستوسع دائرة عملائه التجاريين الباحثين عن الربح المادي وستمكنه من احتكار خدمة "التيارات" التي تلتقي مع "المشروع الإيراني"، مذهبياً وسياسياً واقتصادياً، لأن هذه التيارات ستجد في القمر ناقلاً يمكنها من بث رسائلها بعد أن كانت تواجه ما تسميه "مضايقات" من الناقلين الآخرين الذين يخشون مضامين "الرسالة الإيرانية" أو لا يرحبون بها..

ولعله من المفيد التذكير بأن إطلاق هذا المشروع يأتي بعد موافقة الكونجرس الأمريكي على قانون ملاحقة وسائل الإعلام التي تقف في وجه النفوذ الأمريكي في العالم تحت غطاء محاربة الإرهاب ومحاكمة الشركات التي تفسح المجال أمام القنوات الفضائية والكتاب والمعلقين الذين يبثون "الكراهية" ضد الولايات المتحدة.. ولأن العين الأمريكية "طويلة" يمكنها الإطلاع على خبايا الشركات ومحاصرة حساباتهم والتضييق على نشاطهم بحجة محاربة الإرهاب فقد اتخذ المسؤولون عن الإعلام العربي تدابير تقلل الأضرار المحتملة وتحقق أهدافا ذاتية لبعض الذين تلتقي رؤاهم ومصالحهم مع قانون الملاحقة.. في هذا التوقيت وفي ظل هذه الملابسات يأتي إطلاق القمر الإيراني في سماوات العرب ليشكل تحدياً حقيقياً للمسؤولين عن سياسة الإعلام في المنطقة العربية ويضعهم أمام معضلتين: معضلة التفاعل مع القرار الأمريكي والتحرك لتقليل أضراره باستباقه ووضع ضوابط وقواعد تمكنهم من إحكام السيطرة على ما يبث على الأقمار المملوكة لشركات عربية، ومعضلة التفاعل مع مستلزمات ومصاحبات إطلاق القمر الإيراني الذي سيفتح السماوات لكل من يحرث في تربة السياسة الإيرانية.. وسيجد كل الرافضين والناقمين على السياسية الأمريكية – وما أكثرهم – وسيلة تحمل أفكارهم إلى الأثير وتعبر عن مشاعرهم لتصل إلى كل من يريد أن يسمع رأياً مخالفاً.. وهذا القمر يدخل الإعلام العربي بصفة عامة والرسمي بصفة خاصة مرحلة جديدة من التحدي يصعب أن يحقق فيها النجاح والانتصار إذا ظل تحكمه "عقلية المنع" و"فلسفة الحظر" و"رتابة الوظيفة" بكل عيوبها وعقدها من هيمنة المحاباة على الاختيار وتقديم "النسيب" على الأريب ووضع الرجل "المناسب" في المكان "غير المناسب".

سيدخل القمر الإيراني المعركة مزودا بفاعلية تختصر له زمن الانتشار أبرزها أن خطاب الذين "يصعدون" عليه منسجم مع سياسة دولة فاعلة في المنطقة هي إيران، تتمدد أذرعها ويتسع نفوذها في جغرافيا العرب من خلال "وكلاء" بعضهم ظاهر يفاخر بهذه الوكالة ويعد نفسه امتداداً روحياً وفكرياً وسياسياً لها وبعضهم متخفٍ يرى أن "التقية" تمنحه فرصة تأجيل إعلان وكالته ليظل يبث أفكاره ونشر تأثيره دون أن يضطر إلى الإعلان عن نفسه لأسباب.

وسيصعد على موجات هذا القمر الذين ضاقوا بأوضاع تحاصرهم في أوطانهم وهربوا إلى أوروبا وسيجدون فيه متسعاً وفرصة تمكنهم من العودة إلى (أحلامهم)..

قد يرى البعض في ما سبق "مبالغة" في تقدير ما يمكن أن يحدثه القمر الإيراني من تغيير على خريطة البث التلفزيوني وربما يرى فيه آخرون "تضخيما" لفاعلية "المشروع" الإيراني في المنطقة. لن أدخل في نفي أو إثبات لا طائل من ورائهما وأقول، باختصار: إن الهدف من هذه السطور هو الدعوة إلى التخلي عن "فلسفة" المنع و"التمترس" خلف الحظر والانحياز إلى ساحة العقل وتغذيته بالمعرفة الصحيحة وتمرينه على التأمل في مقاصد الشرع وإطلاق قدراته للحكم على الأشياء.. حينها تطمئن الأجيال إلى ما لديها، وتدفع عنها الشبهات وتنبذ الأفكار الشاذة عن قناعة وإيمان.

 

المصدر: الوطن السعودية

 



مقالات ذات صلة