بو محمد الغزي
12-3-2012
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
الكثير من المثقفين وحملة الشهادات العلمية وممن ينتسبون لأهل السنة والجماعة يعوزهم التحقيق العلمي في المسائل التاريخية والفقهية, ويخرجون كثيرا بأذهانهم عن الحق ظانين أنهم على سواء السبيل, ومبعث هذا الأمر أن نهاية معرفتهم وعلومهم هو وقوفهم على كتب المتأخرين وطرح التثريب عنها ويبدو جليا تخبط أولئك القوم في النقليات والعقليات، فحالهم الأول كحاطب ليل لا يكترث بما يمسكه ويظفر به، وحالهم الثاني كالذي يتخبطه الشيطان من المس، والغريب أنهم يتحدثون بإعجاب بأنفسهم ويحسبون أنهم يحسنون صنعا، وسوف أعرض نموذج من هؤلاء الأشخاص وهو الدكتور (عماد حمتو) حتى يتبين للقارئ مدى الإسفاف والتردي الذي وصل إليه في علوم الشريعة وأحكام الملة.
ومنهجي في هذه السلسلة بعيد عن التهجمات الشخصية والتخرصات الظنية، وإنما أحاكم القائل بما تكلم به وأضعه في ميزان العلم والحق إن شاء الله تعالى.
وقبل البدء في النقد أود أن أنبه بأن الدكتور (عماد حمتو) ممن ينادي دائما بضرورة التقريب بين السنة والشيعة، ويرى أن الخلاف بينهما هين ، ولكنه يتذبذب كثيرا ولربما قال بأن الخلاف جوهري, ولقد سمعه الثقات غير مرة يقول لا فرق بين السنة والشيعة في أصلين عظيمين الكتاب والسنة، وكأني به لم يقرأ كلام أئمة الرافضة في هذه المسألة ومنهم نعمة الله الجزائري الذي يقول «بأننا لا نتفق مع أهل السنة في إله ولا كتاب ولا رسول».
وقد نصح الدكتور أكثر من مرة وبين له خطؤه ولكنه إستمر على منهجه الفاسد الذي يضلل به أبناء أهل السنة والجماعة إلى اعتقاد ملوث مشبوه.
ويظهر هذا جليا في الخطبة التي عنون لها (بثورة الحسين والربيع العربي)، وهو يريد من خلال تلك الخطبة أن يظهر أنهما سواء ولو من وجه، وحقيقة الأمر أنهما مختلفان من حيث الدوافع والأهداف:
فأما الدوافع فإن خروج الحسين بن علي رضي الله عنهما إلى الكوفة إنما كان بناء على الرسل والكتب التي وصلت إليه والتي مفادها مبايعته لأن يكون إمام المسلمين، ولو أنه كان يعلم غدرهم وخيانتهم لما قدم إليهم، فإنه أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل ليطالع أخبار القوم فأرسل إليه أنهم بايعوه، فلما وثق الحسين تحرك إليهم.
وإذا نظرنا إلى الدوافع التي أفرزت الثورات العربية فإننا نجد بأن أصل ذلك الظلم المستشري الذي ربي عليه الصغير وهرم فيه الكبير بحيث إنه تغلغل في أحشاء كل إنسان وتأثرت به الحياة البشرية كلها فانتفض الناس على هذا الظلم.
والفارق هنا أن الظلم في زمن بني أمية كان منحصرا في مسألة الحكم بالتوريث، وبقية الأنظمة في الدولة كانت تسير على نسق من العدل، وكان اجتهاد الحسين أنه الأصلح لأمر هذه الأمة إذا توفرت له العصبة والقوة التي تبايعه وتدافع عنه.
وأما الأهداف : فإن الغاية من خروج الحسين العودة إلى قانون الخلافة الراشدة في الحكم وإصلاح الجور الذي وقع من بني أمية، وهو مغاير تماما للثورات العربية التي تختلف أهدافها من تكتل إلى آخر فالهدف ربما يكون الحرية أو سيادة الديمقراطية أو العدالة الاجتماعية أو تطبيق الشريعة الإسلامية في كل مناحي الحياة على حسب النزعات والفرق.
ولم يشر إلى شيء من هذا صاحب الخطبة لأنه يريد التسوية بين الأمرين وهو ما لا يستريب عاقل في إبطاله ورده.
وقد ذكر حمتو في مطلع خطبته الهدف منها فقال:« ما يجري من احتفالات وحسينيات في يوم عاشوراء عند الشيعة الرافضة ليثير أسئلة في قلوب أهل السنة ما هو التصور الحقيقي عند أهل السنة عن ثورة الحسين ولماذا خرج الحسين؟؟» والغريب أنه لم يجب عن شيء من ذلك، وكان الأصل أن يبين الحكم الشرعي الصحيح في هذه الاحتفالات كما يسميها، إذ تكرر لفظ الاحتفال هذا دون تعليق وتعقيب، وهذا ينافي الأسلوب العلمي بله حكمة الداعية وفطنته.
وقال حمتو: «نشأ عند أبنائنا شيء من التوجس والتخوف لأي إنسان يتحدث في موضوع آل البيت والحسين أو خلاف علي ومعاوية ومباشرة تصم الآذان عن هذه المسألة».
أقول: لم ينشأ هذا التوجس عند أبناء أهل السنة إلا بعدما علموا حقيقة ما يراد للأمة الإسلامية عامة وللقضية الفلسطينية خصوصا، ومن المعلوم أن الرافضة قبحهم الله يستغلون حبهم الكاذب لآل البيت والحديث عن مناقبهم، وعندئذ ينبغي أخذ الحذر من هؤلاء لأنهم يستخدمون هذه الحادثة كجسر للوصول الى مآربهم الخبيثة في نشر الرفض والطعن بالصحابة رضي الله عنهم ...
وهؤلاء الذين يتوجس منهم أبناؤنا لهم علامات معروفة فإنهم في الوقت الذي يتشدقون فيه بحب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبسون ببنت شفة في ذكر مناقب الصحابة رضي الله عنهم، والغالب من أمرهم تهوين الخلاف بين السنة والشيعة والدعوة إلى التقريب وذكر الشيعة بألقاب المودة والأخوة والحديث المتكرر عما وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهم أجمعين.
مثل هؤلاء من يتوجس منهم أبناء أهل السنة والجماعة!
ويضيف الخطيب قائلا: « وكأنه لا علاقة لنا بأهل البيت»
أقول هذا افتراء على أهل السنة، فهم أكثر الناس تعظيما لآل البيت وحبا صادقا لهم وتلك مسألة مفروغ منها وهي مسلمة, ومن المعضلات توضيح الواضحات وتكثير الخطب والدروس في أمر مسلم لا ينازع فيه أحد ممن يقطن غزة أو غيرها من الأقطار المسلمة.
وعلى الداعية أن يكون أكثر وعيا فتكون خطبه مناسبة للمقام فلا يسرد ما قد تقرر عند العامة والخاصة ليثير الريب والشكوك، ولكنه يوضح ما اشتبه على الناس علمه وهذه وظيفة العالم، ومن ذلك بيان فضل الصحابة ومناقبهم في الوقت الذي تثار فيه ثائرة الشبه عليهم ويسبون ويلعنون جهرة .
الواجب بيان حكم ساب الصحابة ولاعنهم وحكم الله فيهم وتحذير المسلمين من بدعهم وشرورهم
ثم قال:« ويستأثر إخواننا الشيعة بهذه المسألة ويسموننا نحن أهل السنة النواصب ..»
أقول: لست أدري أهم إخواننا أم أعداؤنا؟ فالواقع يصدق هذا ويكذبه
عن أي أخوة يتحدث هذا الرجل وأيدي هؤلاء الخونة تقطر من دماء أهل السنة والجماعة في العراق واليمن ولبنان وأخيرا في سوريا، فتالله لهم أشد علينا من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا، فمثل هذا اللين والترقيع مع الرافضة قبحهم الله هو الذي يثير شكوك أهل السنة يا دكتور!
فإنك أنت من يوقع نفسه في محطة الشبهة والريبة!
وليس صحيحا البتة أن أهل السنة لا يتحدثون عن آل البيت ومناقبهم وعقيدتهم، وقد سرد هو نفسه أقوال الصحابة والتابعين والعلماء من أهل السنة في آل البيت، أليس هذا هو التناقض بعينه؟
أما طالع فضيلته أقوال المفسرين عند قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا }( )
ولا يخلو مصنف في العقيدة وأصول الدين والفقه والحديث إلا وفيه بيان شاف لهذه الأصل العظيم، بل أصل كبير من أصول أهل السنة والجماعة( ).
فكيف يسوغ له بعد ذلك أن يقول بأن الشيعة يستأثرون بهذه المسألة ويتخلى عنها أهل السنة!
ولكن الحق الذي أخفاه هذا الرجل أن الشيعة إنما يستأثرون بالقدر الباطل فيما يتعلق بآل البيت، وكان الواجب عليه أن يبين حقيقة معتقدهم الفاسد في آل البيت فهم يعتبرونهم معصومون ويؤلهونهم ويستغيثون بهم بل وصل الحال بهم أن قالوا بأنهم يعلمون الغيب وعلم ما كان وما هو كائن إلى غير ذلك من ترهاتهم وكفرياتهم..
فهلا أوضح فضيلته حقيقة هذه الاستئثار الشيعي بمسألة آل البيت؟!
ثم قال حمتو: « بيننا – يعني أهل السنة- وبين آل البيت خطوة، ولكن بينهم – يعني الرافضة- وبين الصحابة عشرات الخطوات».
أقول: إما أن هذا الرجل لا يدري بما يخرج من رأسه، أو أنه يريد مآرب أخرى الله أعلم بها، فما هي حقيقة الخطوة التي بيننا وبين آل البيت.
يقصد هذا الرجل بأن هناك جفاء من قبل أهل السنة لآل البيت، ولا أدري ما مستنده وما دليله على ما يرمي به عموم أهل السنة والجماعة، وشر الناس من يفتري على الخلق ويتبجح بطلب الحق ومعرفة الصواب، فمتى سمعت أيها الواعظ للناس (وهو غافل عن نفسه) أحدا من أهل السنة يجافي آل بيت رسول صلى الله عليه وسلم؟
وما هو حقيقة الولاء الذي تريده وما هي المحبة التي تنظر إليها، فإن اتهام أهل السنة بأنهم لم يحققوا الولاء الحقيقي لآل البيت كفيل بكشف دخيلة نفسك وحقيقة أمرك.
والعجيب أن الرجل لم يفتأ يذكر أقوال أئمة أهل السنة والجماعة في تعظيم أهل البيت فذكر قول أبي بكر(رضي الله عنه ) وعمر بن الخطاب(رضي الله عنه ) وعمر بن عبد العزيز الأموي(رحمه الله ) ، ومعلوم أن الرافضة من أشد الناس بغضا لهؤلاء وحقدا عليهم، فلست أدري أهو الكيل بمكيالين أو مجاراة هؤلاء ومداراة أولئك والله المستعان.
يتبع إن شاء الله..