علي حميدي
في لبنان ليس غريبا أن تعلو صور الشخصيات السياسية أو الدينية شرفات المباني في الأحياء والأسواق والساحات، وكأنها جزء من هوية المكان وساكنيه، نظرة بانورامية سريعة على أي شارع أو حي تعرفك على الانتماء الديني والسياسي والحزبي للمكان وأهله .. لكن ماذا لو تصدرت واجهات المباني صور للرئيس الفنزويلي السابق هوغو تشافيز أو الرئيس الحالي (المُنقلب على حكمه حديثا) نيكولاس مادورو، في مناطق محسوبة على شيعة لبنان وبالأخص مناطق نفوذ لـ"حزب الله" .. ما الذي يجمع هؤلاء بأولئك الغرباء .. حيث تسقط كل القواسم المشتركة على الصعيدين الأيديولوجي والعقائدي فضلا عن غياب تام للجغرافيا المشتركة أو التاريخ المشترك، بالإضافة إلى التباين في "البعد النضالي" المزعوم بين أقصى "اليسار الاشتراكي" وأقصى "اليمين الديني المذهبي" والذي يعوضه جامع مزعوم ومعلن هو "محور المقاومة" .. لكن غير المعلن هو تاريخ طويل من الحضور والأعمال المشبوهة في فنزويلا وأميركا الجنوبية من قبل "الحزب" وقبله إيران راعيته، تبدأ بتجارة المخدرات وتمتد لغسيل الأموال وتهريب البشر وتأسيس الشبكات الإجرامية وتنتهي بتحول جزيرة مارغريتال على الساحل الفنزويلي لقاعدة خاصة ومركز لنشاط "الحزب" برعاية حكومية فنزويلية وفرها الرئيس السابق هوغو تشافيز
نشاطات "حزب الله" في القارة البعيدة ليست جديدة إطلاقا ولا مكتشفة حديثا
حسب تحقيقات نشرتها مجلة فورين بوليسي الأميركية، قالت فيها أيضا إن نصيب "الحزب" من عائدات هذه الأنشطة يتراوح بين 8 و14 في المئة وهذه أرقام كبيرة بل وكبيرة جدا بالقياس مع عائدات هذه الأعمال في أميركا اللاتينية.
نشاطات "حزب الله" في القارة البعيدة ليست جديدة إطلاقا ولا مكتشفة حديثا إذ خصص له ولأعماله مشروع تحقيق استقصائي أطلقته إدارة مكافحة المخدرات الأميركية في العام 2008 للتحقيق في تمويلاته من تجارة المخدرات وتتبع الأموال التي تمر من أمريكا الجنوبية عبر أفريقيا وصولاً إلى لبنان وخلص التحقيق وقتذاك إلى أن نشاطات إيران و"حزب الله" في أميركيا الجنوبية "ستفتعل مخاطر تفوق التصور بل ستصل إلى حد المأساة"، وسبق ذلك دراسات أعدتها كلية الحرب البحرية الأميركية في عام 2004 عن حجم نشاط "الحزب" المرعب في في منطقة الحدود الثلاثية (الأرجنتين والبرازيل والبارغواي)، والآن أخيرا في ظل الانقلاب غير المكتمل في فنزويلا صدرت تصريحات من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن خلايا ناشطة لـ"الحزب" في فنزويلا قال "إن وجودها هناك يؤثر على الشعب الفنزويلي".
إذاً هذا الحزب اللبناني وبكل هذه التجاوزات التي يرتكبها في أميركا الجنوبية، مرة لصالحه مباشرة ومرة كذراع لإيران يمكن تصنيفه في خانة المفسدين المأجورين العالميين الذين تتم الاستفادة من خدماتهم مقابل المال أو الدعم أو التقوية على الشركاء في لبنان وهذا بالضبط ما حصل من خلال تدخله السلبي الإجرامي في سوريا إذ أصبح أداة قتل بيد إيران ونظام الأسد والحجة "طريق القدس" الذي يمر من كل المدن السورية ولا يصل بنا إلى القدس بل إلى الدمار هذه المدن واحتلالها.
أما في لبنان المنكوب بـ"حزب الله" وحلفائه فالأمر مختلف إذ أصبحت كل القرارات والإجراءات لا بد أن تمر بولادة قيصيرية حتى ترى النور ولتكون دائما في صالح مشروع "الحزب" وهواه.. وما هو هذا المشروع ولماذا يحتاج "حزب" يصر على لبنانيته ومحليته ويمثل في أفضل تقدير قرابة 15% من الشعب اللبناني (الذي يبلغ تعداده قرابة ستة ملايين لا أكثر) كل هذا التمويل والدعم خاصة وأن مشروعه في تحرير الأرض اللبنانية المحتلة من قبل "إسرائيل" أصبح مشروعا مؤجلا.
لبنان غدا لا يشبه لبنان الذي نعرفه وإن كنا لا نثق بكل ما تعلن عنه المخابرات أو الدوائر الغربية
إلى أجل غير مسمى، مؤجلا لصالح مشاريع أهم في سوريا واليمن والبحرين وأميركا الجنوبية وأفريقيا، مشاريع لا تؤمن له فقط العدة والعتاد والتمويل للقتال المباشر في ميادين سوريا فقط، بل تجعله أقرب وأقوى لابتلاع الدولة اللبنانية التي تحكمها التوازنات الحساسة والتي تميل يوما بعد يوم لصالحه بقوة سلاحه وستشهد للأسف في السنوات القريبة المقبلة سقوطا مدويا بيد "حزب الله" وهذا ما لا نتمناه ولا نبشر به لكننا نلمسه واقعا على الأرض وإلا كيف يفسر هذا الجموح والتوحش والبحث عن أساليب قذرة أخرى للتمويل والدعم من قبل "الحزب" بينما منافسوه "سياسيا" في لبنان لاهُون بفتات ما يتركه لهم في "المجلس النيابي" أو مجلس الوزراء وفي هذه الإدارة أو تلك.. لبنان غدا لا يشبه لبنان الذي نعرفه وإن كنا لا نثق بكل ما تعلن عنه المخابرات أو الدوائر الغربية لكن بعضا مما يأتي منها يشعل ضوءا أحمر حول خطورة مشروع هذا "الحزب" الذي يصل تمدده حتى فنزويلا، ووصل الأمر به ليقيم قواعد راسخة هناك وسيأتي يوم ويعيد استخدامها لكن في الساحات القريبة في لبنان أو في سوريا كما يفعل الآن.
المصدر : تلفزيون سوريا
10/6/1440
15/2/2019