داود البصري جريدة السياسة
لعل العبارة البليغة التي أطلقها الرئيس الكردي السيد مسعود بارزاني بحق رئيس حكومة المنطقة البغدادية الخضراء نوري المالكي والتي اختتمها بالقول "لاخير في بطون جاعت ثم شبعت"! تلخص بشكل ذكي حقيقة الواقع السلطوي السائد في عراق التحاصص والتناطح والنفاق والذي تديره أحزاب طائفية سوداء خرجت من كهوف التاريخ ورعتها الأروقة الصفوية السوداء التي شيدت مشروعها التخريبي منذ عقود ثم استغلت الظروف الإقليمية وحماقات وجرائم الفاشية البعثية البائدة في العراق لتنفخ الروح في ذلك المشروع الذي تمدد بعد فشل وعاش بعد موت سريري طال طويلا وهو اليوم يمارس التخريب القيمي والوطني بكل نشاط وفاعلية, هذه العبارة تذكرني بمثل مغربي شعبي شهير يسير في نفس الرؤية ويقول : "الله ينجيك من المشتاق إذا ذاق. أي أنه يحذر من محدثي النعمة ومن الذين لم تكن طموحاتهم القيادية تتعدى امنية وعتبة منصب " مدير عام" ! فإذا به في غفلة من التاريخ وفي مهزلة سوداء من مهازله الثقيلة يتحول بقوة الدفع الطائفي وبزخم الصدفة لديكتاتور مستبد جديد ولرئيس حكومة في واحد من أهم بلدان الشرق الأوسط ويجلس على عرش ثروة نفطية هائلة ولكن منهوبة! , بينما صبي الحلاق والميكانيكي والمهرب و"بتاع الثلاث ورقات" كل هؤلاء يتحولون قادة وحكاما ومستشارين لا يفقهون شيئا لا من علم الإدارة ولا من علوم السياسة والثقافة أوفنون إدارة الأزمات الصغرى أو الكبرى فضلا عن إدارة ملفات الحرب والسلام وإدارة الأزمات , وذلك ليس بسبب نقص في ذواتهم المريضة أصلا بل بسبب طبيعتهم المتأزمة وتاريخهم الانعزالي ورؤاهم الطائفية الضيقة المنحدرة من أعماق كهوف وسراديب التاريخ المظلمة العمياء
, في كلمة الرئيس الكردي البليغة والتي قالها بلسان عربي مبين تحديد ذكي لكل مسارب الأزمة الوطنية في العراق وإشكالاتها وتفرعاتها الرهيبة والتي توشك ان تجهز على الوحدة الوطنية وعلى مقومات السلم الأهلي في بلد قدر له أن يمتلك موازنة خرافية باتت تتبدد في مشاريع فساد وإفساد هائلة وفي صفقات تسلح مشبوهة يديرها ويعقدها العيارون والشطار ومن لف لفهم فيما تتدهور أوضاع البلاد والعباد ويساق البلد نحوأزمة بنيوية طاحنة وحالة تمزق داخلي رهيبة تنذر بجولات دموية بائسة وعودة للمربع الأول في تاريخ العراق الدموي المعاصر من خلال التلويح الحكومي بورقة الحرب مع التحالف الكردي وبما سيؤدي بالضرورة الى عملية تقسيم فج للعراق وخلط خطير للملفات الإقليمية وبما قد يشكل غطاء على فشل حكومة التحالف الطائفي العراقي في إدارة البلد وتوجيه مسارات الأزمات المحتقنة فيه ,
من الواضح إن نوري المالكي وفريقه قد قررا المضي بعيدا في استفزاز الجانب الكردي وفي محاولة كسب مواقف ومشاعر شعبوية عبر التلميح والإيحاء بأن الأكراد هم سبب معاناة العراق وهم العقبة الكأداء في طريق تطوره! وهي محاولة مفضوحة للهروب للأمام , فالمالكي يعلم علم اليقين بأن أي إعتداء عسكري حكومي على كردستان سيكون كارثة حقيقية على العراق بأسره , ونهر الدم إن جرى فلن يستطيع أحد إيقافه أومنع تداعياته الإقليمية الخطيرة , ثم أن وضع الجيش العراقي بشكله الحالي لايمكنه أبدا من إدارة أي معركة داخلية لأسباب ذاتية وموضوعية عديدة , كل مافي الموضوع هو أن حزب الدعوة وشركاه قد أفلس بالكامل ولم يعد لديه ما يقدمه بعد سبع عجاف من الأعوام لم تزد العراق إلا ارهاقا وتعبا وتراجعا في مختلف المجالات, نعم صحيح وألف صحيح إن البطون التي جاعت ثم شبعت قد قادت العراق لطريق الشقاء ولسكة الندامة وللخسران المبين, وتلك هي المعضلة.