ايران والإنفصام السياسي

بواسطة زكريا النوايسة قراءة 794
ايران والإنفصام السياسي
ايران والإنفصام السياسي

ايران والإنفصام السياسي

( المقاومة أم المؤامرة )

 

زكريا النوايسة

 

  لا يمكن التغاضـي - بأي حال من الأحـوال - عن حقيقـة أن ايـران دولـة محورية في الإقليم وتلعب دورا كبيرا ومؤثرا في الحدث السياسي ، بل هي صانعة لكثير من جوانبه في العراق ولبنان وفلسطيـن (غزة )،ووفقا لكثيـر من المعطيـات التي نراهـا في الحـراك السياسـي لإيران فـي هذه الدول،لا يمكن وصف السياسة الايرانية إلا بالسياسـة الانتهازيـة الحذرة التـي يكون فيها صياغة القرار مستندا الى مصلحـة ذاتيـة ،ودون أن يكون له هوامش إنسانية حقيقية،إلا بما يخدم ويصب في إتجاه الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه.

 

  إن شعار( الشيطان الأكبر) الذي درج الساسة والمعممين في ايران اطلاقه على أمريكا،يثير عند الباحث في الشأن الايراني شهيـة تتبع والوقوف علـى شكل وماهية العلاقة الايرانية الامريكية،والتناغم الخفي بين الطرفين وجملة المصالـح المشتـركة بينهما فـي المنطقـة العربيـة التي لا تخفى علـى العيـن البصيرة .  

 

   فمنذ اللحظة الأولى التي  أطلق فيها الخميني قائد ومنظر ومرشد الثورة الايرانيـة شعاراتها الكبيـرة بدءا من تصديـرالثــورة مرورا بالطريـق إلـى القدس يمر من بغـداد وصــولا الـى حـرق اسرائيـل ونسخهـا من خارطـة   الواقـع ،بدأت ارهاصـات العلاقــة مـع أمريكـا واستُغلـتْ حادثـة السفــارة الامريكية في طهران لفتح قنوات عديدة من الاتصال الخفية بين الطرفيـن وعلى مختلف المستويات ، وقد كانت على الصعيد العسكري خلال الحرب العراقية الايرانية أكثر نشاطا ،إلى أن تم الكشف عن محطات هذه العلاقـة وهو ما سمي بعد ذلك بفضيحة (ايران جيت )التي تمثل شاهدا كبيرا على  قِدمْ العلاقة بينهما.

 

  ولـم يتوقف الأمـرعنـد الحـدث الايرانـي ليكـون ممهدا لعلاقـة ممتــدة مـع أمريكا،بل سعت الى استغلال الظرف السياسي المتوتر والمشحون في لبنان لاستخدامه ورقة جديدة تُلفتُ فيها الطرف الامريكي،حتى ينظر إليها كدولة صاحبـة دور من الصالـح الامريكي الدخـول معها بتفاهمـات علـى مختلف القضايـا،وقد برزهذا في اللقاء الذي جمع الخامنئي بشمعون بيرز في أروقة الأمم المتحدة، حينها أبـدى الخامنئـي استـعداد بـلاده للإفـراج عـن الرهائـن الأمريكيين في لبنان حينذاك كبادرة حُسن نيـة  تمهد لتحسين العلاقات بيـن الطرفيـن الإيرانـي والإسرائيلي،ولكنهـا كانـت حُسن نيـة مشروطـة بقيـام إسرائيل بتزويد طهران بصفقة أسلحة تتضمن صواريخ أرض ـ جو وقطع غيـار لطائـرات الفانتـوم الأمريكيـة التـي كانـت مستخدمـة فـي حقبة الشاه لتستخدمها في حربها مع العراق.

 

  ويضاف الى ذلك ما ذكرتـه مجلة (ميدل ايست)الشهريـة البريطانية فـي عددها الصادر في (تشرين الثاني ) عام 1982 عن المباحثات التي تجري مابين الطرفين للاتفاق على وضع تصور مناسب لتوريد النفط ايراني الى اسرائيل بأسعار مخفضة في مقابل ان تمد اسرائيل ايران بإسلحة فلسطينية صادرتها بعد اجتياحها للبنان والقضاء على الوجود الفلسطيني المقاوم فيه.

 

  وقـد يكون من المفيـد الإشـارة إلـى اللقاء الذي أجرتــه مجلـة الأسبـوع العربي بتاريخ 24/10/1983 مع أحـد الزعماء البارزين في منظمة أمـل   ( حيدر الدايخ ) والذي قال فيه (كنا نحمل السلاح في وجـه اسرائيل ولكن اسرائيل فتحت ذراعيها لنا وأحبت مساعدتنا ، لقد ساعدتنا اسرائيل علـى اقتلاع الإرهاب الفلسطيني – الوهابي- من الجنوب)، وهو ما أشارت إليه وكالة رويتر بتاريخ 1/7/1982 (بأن القوات الصهيونية لما دخلت بلـدة النبطية لم تسمح إلا لحزب أمل بالاحتفاظ بمواقعه وكامل أسلحته)، ويكفي أن نذكر أن حزب الله قد ولد من رحم منظمة أمل ، التي فضلا عن كونها ربيبة لإيران ، وكذلك علاقاتها المشبوهة مع اسرائيل ،فدورها في الجرائم التي يندى لها جبين الانسان التي طالت الفلسطينيين في لبنان لا يمكن غض الطرف عنها أو شطبها من الذاكرة.

 

  إن من المضحك المبكـي أن البعض ما زال يصدق وتنطلـي عليـه الحيـلة بأن ايران تحـرص علـى دعـم المقاومـة فـي فلسطين والعــراق لتصل إلـى أهدافهـا المشروعـة،ففـي فلسطين استطـاعت بكل خبث ودهـاء زرع بـذور الفتنة في المجتمع الفلسطيني ، بل وفي العائلة الواحدة ، ونتيجـة لتدخلاتهـا في النسيج السياسي ومنظومات العمل الوطني ،فقد عمقت من شقة الخـلاف الى درجـة أصبـح فيهـا تضميـد الجـرح الفلسطينـي النازف ورتــق الشرخ الذي أحدثتـه ضربـا من المستحيل ، وقد يسأل أحدهم ماذا ستجني ايران من ذلك ؟ والاجابـة على هذا التساؤل يتضح من عدة أهداف نلمحها بعد دراسة متأنية للسياسة الايرانية وبالذات التي لها مساس بالقضايا العربية :

1-  نقل معركتها مع الـدول التـي تعتـرض دورها الاقليمـي الى مناطـق بعيدة عن أراضيها .

2-  التذكيـر بقدرتها علـى التأثيـر في الحـدث الاقليمـي والعالمي سلبـا أو إيجابا ، وبالتالي طرح نفسها كدولة صاحبة دور يمكن التفاوض معها لضمـان مصالـح الـدول الكبـرى،علــى أن يتـم الاعتــراف بـدورهـا ومصالحهـا الاقليميـة،ويتضـح هذا الطـرح في مباحثاتهـا مع أمريكـا حول مصيـر العراق والمصالـح والمغانـم التـي سيحصـل عليهـا كـل طرف.

3- بناء دولة ايران الكبـرى ذات الصبغة الشيعيـة،ويبـان ذلك في الهوس المذهبـي الذي يشكل عمـاد السياسة الايرانيـة،ويمكـن تتبـع ذلك فـي العمــل الدؤوب للممثليـات الدبلوماسيـة الايـرانيـة في الدول العربيـة والاسلاميــة للتبشيــربالمذهب الشيعـي،الأمــرالذي دفــع الكثيـرمـن أصحاب الفكر الوسطي الى مراجعة مواقفهم من هذه القضية،وهو ما رأينـاه في تحذيـر الشيخ يوسف القرضاوي مؤخرا، والذي يعتبر من زعماء مدرسة التقريب بين المذاهب.

4-  استنزاف الجانب الأهـم على الخارطـة الاسلاميـة ( الاتجاه السني) والذي ترى فيه الخطـر الحقيقيــي لمخططاتهـا،فبنـاء أذرع لهـا فـي المنطقــة العربيـة،وتــزويدهــم بكـل أسبـاب البقاء وتلقينهـم الهــدف الايراني،سيجعل هذه المنطقة في دائرة الخلاف الدائم وما نراه اليوم أكبـر دليـل علـى المسعـى الايرانـي لتأجيـج النار،والإيحـاء الـى أن التخـاذل عن الوقوف مـع الفلسطنييـن ليس إلا نكوصـا مـن الجانـب السنـي،تمهيـدا لطـرح البديـل الشيعـي وهـو ما لمحنـاه فـي مقدمات خطابات حسن نصرالله هذه الأيـام ،التي قصـد أن يبدأها بإشــارات مذهبية ، وكأنه يخاطب جمهورا من اللاطمين في طقوس الشعـوذة التي أصبحت تلوث فضاءنا.

   

   أما في العـراق فهي ذاتها من سهل الوجود الامريكي،بل هي من استدعاه الـى العراق،وإذا ما عدنـا بالذاكـرة الـى اللقاءات والاجتماعــات التـي كانت تديـرها ايران مـع وكالـة الاستخبـارات الامريكيــة والبنتاجون والخارجيـة الامريكية من خلال فصائلها المذهبية التي تحكم العراق حاليا وهي اللقاءت التــي نسجت فيهــا خيــوط المؤامــرة للإطاحـة بالعــراق العربـي وقيادتــه الشرعيـة،عندها سنجــد أن إيران مـارست -ومـا زالـت- التقيــة السياسيــة في علاقاتها مع العالم العربي ،وبالذات في قضيتي العراق وفلسطين.

 



مقالات ذات صلة