الطموح الإيراني والخطط الأمريكية وموقف المواطنين الشيعة
الحلقة الأولى
بقلم: أحمد الوكيل.
ثمة ملاحظتان يجب ابداؤهما، قبل الخوض في هذه الدراسة، نظراً لِحساسيتها السياسية، فيما تطرحه من خطط لِلأعداء ومن أوضاع داخلية في الدول العربية ومن انقسام مذهبي، وكذلك نظراً لارتباطها بأحداث ساخنة، أو شديدة الوطأة على الأمة:
الملاحظة الأولى: أن ثمة فارق كبير، بين أن يكون هناك مخطط أو استراتيجية لِفئة أو جماعة أو دولة، تتقاطع فيه هذه الخطة مع خطط الأعداء، وبين أن تكون خطط تلك الفئة، هي خطط من الأصل ومن حيث الأساس، مقصود منها خدمة الأعداء. في الاستراتيجيات السياسية هناك " اتفاق المصالح " وهناك" تقاطع المصالح " والأخيرة هي ما نقصده هنا، وهي تعبير يطلق على استراتيجيات متعارضة، تتقاطع مع بعضها في نقطة أو عدة نقاط في مرحلة [ تكتيكية ] أو في مراحل [ تكتيكية ] رغم أنها قد تكون من حيث الأهداف النهائية استراتيجيات متعارضة أو متضادة.. وبشكل عملي فإن فكرة بناء دولة الشيعة العظمى [ كما سيأتي توضيحه ]، ليست خطة استراتيجية إيرانية مرحلية، بل هي خطة على المدى الطويل، وفي تضاد مع الاستراتيجية الأمريكية القائمة على التفتيت، وعدم قيام أي كيان مركزي في العالم - وليس في العالم الإسلامي فقط - لكنها في المرحلة الراهنة، تتقاطع مع الاستراتيجية الأمريكية التي ترى في ترك هذه الفكرة الاستراتيجية الشيعية تتفاعل وتنمو، خلال هذه المرحلة، لالتقائها مع خطها الاستراتيجية التي تقوم على تفكيك الدول العربية والإسلامية [ العراق - السعودية - الكويت - البحرين... الخ[.
الملاحظة الثانية: أننا لا نتحدث هنا، عن الشيعة كفرقة من الفرق التي ظهرت في مرحلة من تاريخ الإسلام، كفرقة دينية إسلامية، ولا عن المرحلة اللاحقة لِذلك التي جرى فيها اختلاط عقيدي بدخول أفكار ومعتقدات ومؤشرات حضارية عليها عبر التاريخ فصارت تلعب دوراً مخرباً لِلعقيدة والحكم والمجتمع، لا نتحدث هنا بصفة خاصة عن هذا أو ذاك، وأن كان بطبيعة الحال في الأمر شيء من ذلك، أي من زاوية تأثيرات هذه الفرقة على حركة الإسلام، ودولة الإسلام، واستراتيجية عودة الإسلام إلى الحكم وإلى قيادة الأمة. والقصة هنا، تحديداً، هو أننا نرى أن التاريخ يعيد نفسه من محاولة لِلشيعة أن يعيدوا دورهم - ضمن ظروف خاصة بالمرحلة الراهنة - في بناء كيان، كبير، يكون الحكم فيه لأفكارهم، وفي مواجهة حركة الأمة أو كحركة موازية أو بديلة للإسلام السني.
دولة الشيعة العظمى : شهد التاريخ الإسلامي، عبر مراحله المتعددة والمختلفة، محاولات من الشيعة " لِحكم " دول ومجتمعات إسلامية، وقامت بالفعل دول تحت حكم الشيعة كان أشهرها الدولة الفاطمية في مصر، وجرت ضمن هذا الإطار محاولات " تشييع الأمة كلها " والسيطرة على دولة الخلافة، أو أجزاء منها، وسط حالات من التحركات الدعوية والبنائية في أرجاء أو أجزاء أخرى منها، وذلك في مواجهة السنة، غير أنها جميعاً انتهت إلى الفشل. شهد التاريخ الإسلامي ذلك، فما الذي نقصده هنا بدولة الشيعة العظمى اليوم ؟! ثمة ملامح يمكن قراءتها، من أحداث المرحلة السياسية الأخيرة، تؤكد في مجموعها، أن ثمة خطة لِبناء هذه الدولة، وأيضاً في مواجهة الإسلام السني، بلا خطة أو قيادة موازية ومكافئة حتى الآن. المؤشر الأول عن خطة بناء الدولة الشيعية الكبرى: حينما قامت الثورة الشيعية في إيران، بقيادة الخميني، طرحت الثورة فكرة التصدير للخارج " تصدير الفكر والنمط والأسلوب "، وإذا كان الكثيرين - بما فيهم أصحاب الثورة نفسها وقادتها - قد تصوروا أن تصدير الثورة، يأتي بإثارة الاضطراب داخل الدول الأخرى، عن طريق دعم الجماعات الشيعية فيها، فإن الذي استقر بعدما هدأت أحداث الثورة، وتحولت الثورة إلى دولة، هو أن فكرة تصدير الثورة باتت فكرة استراتيجية وليست فكرة تكتيكية مباشرة. ويمكن القول أن فكرة الدولة الشيعية الكبرى، باتت هي الاستراتيجية السياسة الخارجية الإيرانية وأن السياسة الخارجية الإيرانية باتت ضوابطها ومحدداتها، مؤسسة على فكرة قيام هذه الدولة. لقد احتار الكثيرون في الموقف الإيراني، من الولايات المتحدة، وكانت القراءة المقدمة داخل المجتمع والمصدرة لِلخارج، هي أن ثمة معتدلين [ إصلاحيين ]، وثمة متشددين، في الموقف من أمريكا. لكن الفهم الحقيقي، هو في فهم فكرة " الدولة الشيعية الكبرى "، حيث جوهر موقف الاتجاه الإصلاحي، ليس إلا، عدم الدخول في مواجهة حالة مع الولايات المتحدة، لا من خلفية أن ذلك يخدم الإسلام والمسلمين، ولكن من زاوية أن ذلك يمكن إيران من تحقيق ظروف أفضل تمكنها من بناء الدولة الشيعية " على نار هادئة " إلى أن تأتي مرحلة تقف فيها على أقدامها، وينتهي التقاطع فيها مع الاستراتيجية الأمريكية.
ومن خلال هذا المؤشر يمكن تفسير مواقف الدولة الإيرانية في التعامل مع العدوان على أفغانستان وعلى العراق... وفي التعامل مع روسيا، وتركيا والسودان وغيرها.
]أ] - الموقف من أفغانستان: حينما بدأ التحضير لِلعدوان الأمريكي على أفغانستان، كان التصور المتوقع لِرد الفعل الإيراني، في ضوء أن احتلال أفغانستان إنما هو احتلال لِدولة إسلامية، وأن الاحتلال سيكون معناه حصار إيران.. الخ، كان التصور هو أن ترفض إيران العدوان، وأن تفتح حدودها أمام المجاهدين الإسلاميين لِتكون إيران القاعدة الخلفية لِلجهاد داخل أفغانستان وأن تفتح أراضيها لِلقادمين من الخارج لِلذهاب إلى أفغانستان... الخ، لكن ما حدث بالدقة هو أن إيران، حددت سياستها حيال هذا العدوان من زاوية رئيسية هي، ما هو نصيب الشيعة في الحكم بعد توجيه الضربة الأمريكية إلى حركة طالبان [ السنة ] والقاعدة بقيادة الشيخ أسامة بن لادن، وقد كان لإيران موقف واضح قبل الغزو الأمريكي من حركة طالبان والقاعدة، وصل إلى حد التهديد بالحرب. لقد كرست إيران كل سياستها في أفغانستان خلال عدوان 2001 من منظور مصلحة الشيعة داخل أفغانستان، وهذا هو ما يفسر الموقف الأمريكي بدوره من الشيعة في أفغانستان، حيث لم نسمع عن قتال ضد الشيعة، وبطبيعة الحال لم نسمع عن قتال من الشيعة ضد القوات الأمريكية التي شنت العدوان على أرض أفغانستان.
]