رياح غزّة اقتلعت أوراق التوت

بواسطة الدكتور محمد بسام يوسف قراءة 1743
رياح غزّة اقتلعت أوراق التوت
رياح غزّة اقتلعت أوراق التوت

 

رياح غزّة اقتلعت أوراق التوت

 

بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف

 

وهل بقيت أوراق توتٍ تستر عوراتهم؟!..

قادة الصهاينة كذّابون مُغَالِطون، زعموا أنّ العدوان الهمجيّ الذي يشنّونه على غزّة، إنما هو بسبب إنهاء حركة حماسٍ لحالة التهدئة، ولقصفها الكيان الصهيونيّ بالصواريخ، وأنهم لا يستهدفون إلا حركة حماسٍ وقادتها ومجاهديها!.. فلماذا إذن، يقصفون المنازل والمساجد والمدارس والجامعات والمشافي والأحياء الشعبية؟!.. ولماذا يقتلون الأطفال والنساء، إلى أن بلغ عدد الشهداء (حتى تاريخ كتابة هذه الأسطر) أكثر من ست مئة، وعدد الجرحى أكثر من ثلاثة آلاف؟!.. إنهم يشنّون حرباً شعواء لكسر إرادة الصمود والتحدّي لدى الشعب الفلسطينيّ، لدفعه إلى الاستسلام والتسليم.. خابوا وخسئوا.

*     *     *

بعض المتحذلقين من أبناء قومنا، يزعمون –كما يزعم الصهاينة- أنّ إطلاق صواريخ المقاومة على الكيان الصهيونيّ هو سبب البلاء، وسبب لجوء قوات الكيان لشنّ هذه الحرب على غزّة.. هؤلاء يردّدون أكذوبة الصهاينة وتضليلهم، والصهاينة كذّابون معتدون!.. وقد نسي القوم أنّ فلسطين محتلّة منذ ستين عاماً، وأنّ غزّة محاصَرَة منذ مدةٍ طويلة، وأنّ العدوان الصهيونيّ لم يتوقف منذ عام 1948م، وأنّ الجهاد لدفع الظلم حق مشروع بشرائع السماء، وأنّ مقاومة المحتل حق مشروع بقوانين الأرض والسماء، وأنّ تحرير الأرض من أول أبجدية حقوق الإنسان في هذا العصر، وأنّ غزّة وفلسطين احتُلَّت بالقوة العسكرية، وأنّ الشعب الفلسطينيّ اقتُلِعَ من أرضه ووطنه بقوّة السلاح، ليحلّ محلّه هؤلاء الصهاينة المستورَدون من كل أصقاع الأرض.. وأنّ هؤلاء المستورَدين هم الذين يمارسون عدوانهم بكل أشكاله على الشعب الفلسطينيّ، وهم الذين يهاجمون غزّة اليوم، ويرتكبون الجرائم بحقها!..

*     *     *

عندما كانت إيران بحاجةٍ لتحقيق بعض أهدافها في خداع العرب والمسلمين، ولاختراق العالَم العربيّ والإسلاميّ بدوافع السيطرة وكسب أوراق النفوذ في منطقتنا.. أمرت حزبها في لبنان، ليفجّر حرباً مع الكيان الصهيونيّ في تموز 2006م، ففجّرها بأسرع مما نتصوّر، وأعلن -بعد تدمير لبنان وتقتيل أبنائه وتهجيرهم- أنه انتصر انتصاراً إلهياً، وكذلك فعل عندما احتلّت عصاباتُه العاصمةَ بيروت، تحت يافطة: المقاومة للكيان الصهيونيّ!.. لكن حين اندلعت الحرب العدوانية على غزّة هاشم.. اكتفى زعيم الحزب المقاوِم الصنديد، بلسانه الطويل، فكان ردّه على العدوان، هو دعوة قومه لإقامة لطميةٍ كربلائيةٍ في ملعبٍ لكرة القدم، ولم ينسَ الزعيم (المنتصِر) التحريضَ على دولةٍ عربيةٍ كبرى بدل التحريض على الكيان الصهيونيّ.. وكفى الله المؤمنين القتال!.. فهل هذا هو سلوك المنتصرين.. أم المهزومين؟!..

*     *     *

عندما فجّر الفرس وحزب ولاية الفقيه اللبنانيّ حرب تموز 2006م، طلع علينا بشار بن حافظ أسد، معلناً انتصاره في تلك الحرب، واصفاً بعض الحكام العرب بأنصاف الرجال.. لكنّ حقيقةً انكشفت بعد ذلك، هي أنّ نظامه كان يعقد جولاتٍ تفاوضيةٍ سرّيةٍ مع الكيان الصهيونيّ أثناء اندلاع حرب تموز تلك!.. ثم ظهرت حقيقة ممانعته ورجولته ورجولة نظامه، حين سرحت الطائرات الحربية الصهيونية ومرحت، في أجواء كل أنحاء سورية، ولم يجرؤ على إطلاق قذيفةٍ واحدةٍ تجاهها، من مثل تلك القذائف التي قتل بها العشرات من سجناء الرأي في (سجن صيدنايا) في الصيف الفائت (2008م)، أو من مثل تلك التي دمّر بها أبوه مدينة حماة، فقتل أكثر من أربعين ألفاً من سكانها، ودمّر ثمانين مسجداً وأكثر من نصف أحيائها، وشرّد البقية الباقية من أهلها!.. واليوم، ينشط نظام بشار في تسيير المظاهرات وإطلاق حناجر الهتّافين (الممانِعين)، لشتم الدول العربية (لا الصهاينة) ومحاصرة السفارة المصرية (لا الصهيونية، ولا الأميركية)، علماً بأنه قبل ستة أيامٍ من العدوان على غزّة، أعلن أنه في صدد ترقية مفاوضاته (غير المباشرة) مع العدوّ الصهيونيّ إلى مفاوضاتٍ (مباشرة)، لتحقيق (السلام المنشود)!..

*     *     *

الرئيس الإيرانيّ (أحمدي نجاد)، بطل (الممانعة!..)، وقدوة (الممانِعين!..)، الذي وعد أكثر من مرّةٍ بإزالة دولة العدوّ الصهيونيّ عن وجه الأرض.. أصيب هذه الأيام بالخرس والطرش والعمى، فأصبح من الصُمّ البُكم العمي..، وكل ما قام به من (ممانعةٍ) إزاء العدوان الصهيونيّ على غزّة، هو حشد ألفٍ وخمس مئة متظاهرٍ من عملائه.. فحسب، لشتم مصر عند أبواب السفارة المصرية في طهران!.. أما وليّه خامنئي، فقد هدّد بفتح جبهة الجولان، ليحارب الكيان الصهيونيّ (حتى آخر جنديٍ سوريّ).. وكأنّ سورية هي إحدى مقاطعات إيران التابعة لولاية الفقيه!..

*     *     *

وزراء الخارجية العرب، الذين اجتمعوا في مقرّ الجامعة العربية في القاهرة مؤخّراً، لم يخطر في بالهم –رداً على العدوان الصهيونيّ- الدعوة لقطع علاقات بعض الدول العربية مع الكيان، بأشكالها المختلفة، وهو أضعف الإيمان.. ولا حشد بعض القوّة الحقيقية التي تقف بوجه الصهاينة المعتدين.. بل لجأوا إلى ما يُسمى بمجلس الأمن الدوليّ، وهم يعلمون تماماً، أنه مجلس متصهين أكثر من الصهاينة، وأنه بمنـزلة غرفةٍ من غرف وزارة الخارجية الأميركية، الشريك الكامل للكيان الصهيونيّ، في العدوان على العرب والمسلمين والفلسطينيين!.. واكتفوا (أي الوزراء) بتلاوة الفاتحة على أرواح شهداء غزّة (السابقين واللاحقين)، وإقامة مراسم العزاء!..

*     *     *

من الواضح أنّ القيادة الصهيونية قد خطّطت، لإيقاع أكبر دولةٍ عربيةٍ في فخ التواطؤ مع العدوّ، وكانت زيارة وزيرة خارجية الصهاينة إلى مصر وتصريحاتها في القاهرة قبل العدوان بيومين، أول وسيلةٍ لنصب ذلك الفخ، وقد بلعت القيادة المصرية الطُعم، وعقّدت ذلك الفخ على نفسها، بإصرارها على إغلاق معبر رفح!.. فماذا يضير مصر، الدولة العربية الشقيقة الكبرى، لو استجابت لدواعي الأخوّة والمروءة والنخوة العربية الأصيلة، فسدّدت بعض حق فلسطين عليها، وفتحت معبر رفح أمام المنكوبين والمظلومين والمعتدى عليهم من أبناء الشقيقة فلسطين، والجريحة غزّة.. غزّة التي كانت بالأمس البعيد تحت حماية الشقيقة الكبرى؟!..

بعض، ونشدّد على كلمة (بعض) قادة حركة حماسٍ والمقاومة الفلسطينية وكُتّابها وأنصارها وصحفيّيها، استهوتهم حكاية معبر رفح، فوقعوا في فخ الفرس والنظام السوريّ وحزب خامنئي اللبنانيّ، وانشغلوا بمعركةٍ هامشية في غير وقتها مع مصر، وبخلافٍ مفتَعَلٍ حول معبر رفح، وكأنّ هذا المعبر، أصبح جوهر القضية الفلسطينية، في الوقت الذي يمنحون فيه النظامَيْن السوريّ والإيرانيّ شرف ممانعة العدوّ الصهيونيّ، على الرغم من ست جولاتٍ تفاوضية للنظام الأسديّ مع العدوّ، عدا الجولات السرّية، بمباركة النظام الإيرانيّ، وعلى الرغم من انكشاف تاريخ العلاقات السرّية الصهيونية الإيرانية، وعلى الرغم من التصريحات العلنية لقادة الصهاينة، بأنّ النظام السوريّ هو خيار صهيونيّ يجب المحافظة عليه حاكماً لسورية، لأنه يلتزم (بدقةٍ) بالمحافظة على أمن الكيان!.. نسأل الله عز وجل للمقاومة ولأهل غزّة السداد والرشاد، والفرج والنصر على عدوّهم وعدوّنا وعدوّ العرب والمسلمين.

*     *     *

أثناء حرب الفرس في لبنان (تموز 2006م)، سمعنا من (الشيخ مهدي عاكف) عن مددٍ طليعته عشرة آلاف مقاتلٍ مجاهد، لدعم الفرس وحزب ولاية الفقيه ضدّ العدوّ الصهيونيّ.. لكننا لم نسمع مثل هذا التصريح إزاء عمليات إبادة أهل السنّة في العراق، المحتلّ أميركياً وإيرانياً.. وحتى الآن (اليوم العاشر من العدوان على غزّة)، لم نسمع عن مثل هذا الاستعداد والكرم غير المحدود، مع أنّ غزّة أقرب إلى مصر من لبنان، وحماس هي حركة إسلامية إخوانية شقيقة، فما الحكاية يا أهل الرواية؟!..

*     *     *

لن ينتصر الصهاينة على غزّة، مهما اشتدّت وطأة عدوانهم، بل ستكون حرب غزّة مفتاحاً من مفاتيح تحرير فلسطين.. ومن لم يصدّق، فليرجع إلى ما قاله (إسحق رابين) سابقاً عن غزّة، وليسأل (آرئيل شارون) عن سبب هربه منها في عام 2005م، ولينظر في وجوه أعدائها اليوم، المصابين بالفزع والهلع، الذين يشنّون عدوانهم عليها، في طليعتهم: أولمرت وباراك وليفني، فحتماً سيصل إلى الجواب الشافي الأكيد، فغزّة التي هزمتهم سابقاً، ستهزمهم اليوم، وستسري عدوى انتصارها في فلسطين، كل فلسطين.. بإذن الله العزيز، جبّار السماوات والأرضين!..

*     *     *



مقالات ذات صلة