لقاء مع: صبحي الطفيلي الأمين العام الأسبق لـ حزب الله

بواسطة صحيفة الشرق الأوسط قراءة 2005

لقاء مع: صبحي الطفيلي الأمين العام الأسبق لـ حزب الله

 

صحيفة الشرق الأوسط : 25-9-2003- العدد 9067

صبحي الطفيلي الأمين العام الأسبق لـ"حزب الله" لـ"الشرق الأوسط": إيران خطر على التشيع في العالم ورأس حربة المشروع الأميركي والمقاومة في لبنان "خطفت" وأصبحت حرس حدود لإسرائيل الشيخ الطفيلي في أول حديث صحافي منذ تواريه: أنا مستعد لأكون وزيرا للعدل أو مسئولاً عن القضاء الذي سيتولى محاسبة سارقي المال العام * موضوع التشيع السياسي والتسنن السياسي هو صناعة الأميركي، حتى لو عين شيعيا فهذا الشيعي سيكون خادما له ولا يخدم الإسلام

بيروت: ثائر عباس:

في مبنى "حسينية" قديم في بلدة بريتال (جنوب مدينة بعلبك) كان اللقاء مع الأمين العام السابق لـ"حزب الله" اللبناني الشيخ صبحي الطفيلي الذي غاب عن الأنظار منذ العام 1997 أثر سلسلة إشكالات ومشكلات مع "حزب الله" والدولة اللبنانية، وبعد "اختلاف في وجهات النظر" مع إيران دفع ثمنه خروجه من الحزب الذي كان احد مؤسسيه وأول أمنائه العامين. وقد توجت هذه "الاختلافات" باشتباك قتل فيه احد ضباط الجيش والنائب السابق الشيخ خضر طليس الذي كان يعتصم مع الطفيلي وعدد من أنصاره في حوزة دينية تابعة لـ"حزب الله" ليصبح بعدها الطفيلي مطلوباً للقضاء اللبناني وليشكل خلال ست سنوات قضاها "حاضراً غائباً" حالة غريبة نظرياً، لكنها طبيعية لبنانياً. فهو بقي طوال الفترة معروف المكان من أنصاره وأعدائه. ورغم بعض المضايقات التي تعرض لها، إلا أن أي محاولة لم تجر للقبض عليه. خلال فترة غيابه، كانت للشيخ الطفيلي طلات بين الحين والآخر، فتياره شارك بقوة في انتخابات العام 2000 في البقاع، كما كانت له طلة إعلامية في العام 2002 عبر تلفزيون "ام. تي. في" الذي اقفل لاحقاً. وهو يقول انه اتهم ـ بسبب تلك المقابلة ـ بإنجاح مرشح المعارضة في الانتخابات الفرعية التي أجريت في قضاء المتن الشمالي، غبريال المر، الذي أبطلت نيابته لاحقاً. وقد دفع الطفيلي ثمناً لطلاته هذه متنقلاً في "إقامته الجبرية" من سيء إلى أسوأ لجهة الأوضاع التي يعيشها، حتى انتهى به المطاف في مبنى الحسينية. والشيخ الطفيلي شخصية لها وزنها في الشارع البقاعي كما لها تأثيرها الواضح. وهو المعروف بتشبثه، الذي يقارب العناد، بمواقفه. وهو اقتنع بالإطلالة عبر "الشرق الأوسط" لأن لديه "وجهة نظر" يريد الإدلاء بها بعدما "وصلت الأوضاع في المنطقة إلى ما وصلت إليه من ترد". أما نحن فكنا نسعى للسبق الصحافي مع شخصية تمتلك الكثير من المعلومات عن الكثير من القضايا الشائكة التي عايشها أميناً عاماً لـ "حزب الله" الذي كان رأس الحربة في إخراج إسرائيل من الأراضي اللبنانية. ومع اختلاف "الرغبات" كان التقاء على الحوار الصحافي الذي شارك فيه مراسل "الشرق الأوسط" في البقاع حسين درويش وشمل عناوين محلية وإقليمية، أدلى فيها الشيخ صبحي الطفيلي بدلوه موجهاً انتقادات لاذعة للدور الإيراني الذي اعتبره "خطراً على الشيعة في لبنان والمنطقة".

استقبلنا "الشيخ"، كما يختصر أنصاره حديثهم عنه، في ما وصفه بـ"الصالون" وهو يشبه الغرفة ومساحته تقارب العشرة أمتار مربعة، منتعلاً خفاً بلاستيكياً وفوق رأسه صورة كبيرة لـ"رفيق دربه"، آية الله الخميني، والى جانبه رشاش من طراز كلاشنيكوف.

سألناه: ما الذي جعلك تختفي عن الساحة ولماذا قرار العودة الآن؟ وما هو وضعك القانوني؟

فأجاب: "إذا كان لا بد من تكريم أحد في لبنان، فهو أنا. فقد أسست المقاومة التي أخرجت العدو الإسرائيلي من أرضنا المحتلة، ووقفت إلى جانب قضايا الناس وما زلت". لقد بدأت حركتي التي سميت "ثورة الجياع" عام 1997 بعدما رأيت أن الوضع الاقتصادي ينذر بأكبر الأخطار والناس لم تعد قادرة على الاحتمال. وقد حاولت القيام بتحرك لإجبار الدولة على النظر إلى قضايا البقاعيين واللبنانيين عموماً، ودعوت الجميع إلى مؤازرتي أو على الأقل الحياد، لكني فوجئت بورثة الخميني (حزب الله) يقفون إلى جانب سارقي المال العام وناهبي ثروات الدولة والمعتدين على الشعب ضد شعبنا وأمهات الشهداء والفقراء. وذلك بذريعة أن دعم المقاومة لا يجعلهم قادرين على الخوض في المواضيع الاقتصادية والحياتية. وهذا منطق سخيف، والاسخف منه أن لا مقاومة الآن. فأين نصرة الضعيف والمسحوق؟ وللمفارقة أن بعض المسئولين الإيرانيين - في مواجهة حركتي - وعدوا بأن لديهم مشاريع ستنفذ خلال ستة أشهر وستغير أوضاع المنطقة بشكل كبير، لكن السنوات مرت وهذه المشاريع لم تبصر النور.

إذاً، تعتبر أن المقاومة انتهت؟

وهل ذلك موضع نقاش؟ لقد بدأت نهاية هذه المقاومة مذ دخلت قيادتها في صفقات كتفاهم يوليو (تموز) 1994 وتفاهم ابريل (نيسان) 1996الذي أسبغ حماية على المستوطنات الإسرائيلية وذلك بموافقة وزير خارجية إيران. لكن هذا التفاهم اعتبر انتصاراً للبنان لأنه حيد المدنيين اللبنانيين أيضاً واعترف بشرعية المقاومة، مع أن عمليات للمقاومة تحصل في مزارع شبعا بين الحين والآخر هذا التفاهم الهدف الأساسي منه تحييد المقاومة وإدخالها في اتفاقات مع الإسرائيليين، كما أن العمليات الفولكلورية التي تحصل بين حين وآخر لا جدوى منها لأن الإسرائيلي مرتاح، وهل هناك فرق بين الإسرائيلي في مزارع شبعا والإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ هذا اعتراف بالاحتلال، أنا أرى أن الخيام (بلدة حدودية لبنانية) هي مثل عكا وحيفا. وما يؤلمني أن المقاومة التي عاهدني شبابها على الموت في سبيل تحرير الأراضي العربية المحتلة، تقف الآن حارس حدود للمستوطنات الإسرائيلية، ومن يحاول القيام بأي عمل ضد الإسرائيليين يلقون القبض عليه ويسام أنواع التعذيب في السجون.

أي سجون؟

لقد حدثت أكثر من حالة، وقد سلم الذين قاموا بمحاولاتهم إلى السلطات اللبنانية التي أخضعتهم للتحقيق والتصنيف.

ألا توافق التفسيرات القائلة بأن المقاومة تتخذ هذا الإجراء لامتصاص الضغوط التي تواجه لبنان وسورية إقليمياً ودولياً من اجل وقف عملياتها؟

أنا لست ضد تحين الفرص، فهذا من الحكمة. لكن ما يحصل هو غير ذلك. أنت تقول بانتظار الفرصة. وأنا أقول أن انتظار وضع دولي مؤات ليس من الحكمة بشيء لأن هذه الضغوط لن تتوقف ولن يأتينا أي وقت مؤات. وأنا أوجه كلامي إلى أبنائي في المقاومة لأقول لهم أن ما تفعلونه حرام وخدمة للعدو وخيانة للقضية. القوا سلاحكم وارحلوا أو تمردوا وأطلقوا النار على عدوكم ولا تجعلوا أحداً يخدعكم تحت عنوان أي فتوى أو ولاية فقيه، فلا فقيه في الدنيا يأمرني بأن اخدم عدوي. أنا آسف كيف أن المقاومة التي صنعناها بدماء شهدائنا تختطف وتحول إلى خدمة أعدائنا.

متى كانت لحظة التحول في الموقف الإيراني حيالك، وهل كان لإيران دور في إبعادك عن مركز القرار في الحزب؟

رغم كل ما حصل معي، كنت حريصاً على إبعاد وضعي الشخصي عن الوضع العام، كما لم أتناول إيران وشخصياتها القيادية رغم كل الأحداث الماضية والحالة الشخصية. كنت حريصاً على أن لا ادخل أي قضية عامة في إطار وضعي الشخصي. لكن بعد التحول الذي حصل في الموقف من المقاومة وتحول إيران إلى منسق للشؤون الأميركية في المنطقة رأيت أن اخرج عن صمتي.

نعود إلى لحظة التحول في ما يتعلق بالمشروع الذي كنتم تمثلونه في "حزب الله" والذي يحمل عناوين عدة منها عدم المهادنة والمواقف الحادة، بالإضافة إلى ارتباط اسم الحزب في تلك الفترة بملفات خطيرة مثل خطف الرهائن وغيرها.

ـ الحديث عن ملف الرهائن الغربيين له وقته. ونحن نؤكد أن لا علاقة لنا به. أما في شأن التحول الذي تتحدث عنه فهو يتلخص بأمرين، الأول أن هناك سياسة في إيران بدأت تبرز بعد رحيل الإمام الخميني، وكان واضحاً أن هذه السياسة ستصطدم بفهمنا للإسلام. والأمر الثاني أن هناك أشخاصاً بطبيعتهم لا يحبون التزلف.

تقصد أنت؟

ـ قلت مراراً للإيرانيين انه عندما تصطدم مصلحتهم مع قناعتي سأغلب الأخيرة، ولن أكون أبداً عميلاً لإيران ولسياستها، أنا أخوكم وشريككم لا أكثر ولا اقل. لكن في كل العالم، الأقوياء لا يرغبون بالشركاء، بل يفضلون الضعفاء الذين يدينون لهم بالولاء الأعمى. أنا لا أحب أن يداس على قدمي لأتحرك في أي اتجاه. وهل من بين فقهاء المسلمين من يقول بجواز نصر وتأييد الظلم على الفقراء والمسلمين؟ ولهذا عندما لا تستطيع أن تتماشى مع النظام يصار إلى إبادتك بالقوة وبالوسائل المتاحة.

لكن الحزب تميز بعدك بنغمة لبنانية.

من يقول في لبنان أن إيران لا تتدخل كاذب. القرار ليس في بيروت وإنما في طهران.

حتى خلال ولايتك؟

نعم، حتى خلال ولايتي كان لـ(القيادة) المركزية في إيران موقعها في القرار. لكن حينها كان هناك انسجام في المواقف والقرارات. ولم نكن نعتبر أن القرارات تملى علينا، بل هي قناعاتنا. وحين يأتي أمر من الإمام الخميني أو غيره ممن يعينهم يقول لنا قاتلوا إسرائيل، فنحن لا نعتبره أمراً بل هو من قناعاتنا.

هل كان رحيل الخميني بداية الفراق مع إيران؟

لنقل: بداية التباين.

وأين كان الموقف السوري حينها؟

عندما وجد السوري أن إسرائيل غارقة في المستنقع اللبناني، أراد أن يحشرها، فمنع السلطة اللبنانية من إرسال الجيش إلى منطقة جزين التي انسحبت منها. وعندما انسحبت من الجنوب أبقى مزارع شبعا نقطة ضغط عليها، وكأن السوري يريد أن يلتف، ولو بطريقة متواضعة، على تفاهم ابريل (نيسان)، لكن الإيراني كانت له حسابات أخرى، واذكر في حينه أن وزير الخارجية الإيراني أطلق تصريحات منسجمة مع الرغبة الأميركية بتهدئة الجبهة واضطر لاحقاً إلى سحبها.

قلت انك تشعر بالخطر إزاء الوضع الداخلي العراقي، فما السبب؟

بعد مصرع الأخ آية الله محمد باقر الحكيم، لفتني وجود توجه لدى الإعلام العربي للحديث عن دور طائفي في اغتياله وقبل رفع الأنقاض، وكأنما هناك محاولة لإفهام الناس أن عدوهم ليس الأميركي، بل السني عموماً. وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق. وأنا من موقعي الديني أقول إن موضوع التشيع السياسي والتسنن السياسي هو صناعة السلاطين والدول. الأميركي حتى لو عين شيعياً فهذا الشيعي سيكون خادماً له ولا يخدم الإسلام. والإسلام ليس عشائر سنية وشيعية، بل دين وحدة وهو يتعرض الآن للخطر ولا يجوز لأي امرئ أن يفكر بمصالحه الضيقة.

نلاحظ لديك عدم رضى عن الموقف الشيعي العراقي، فإلى ماذا ترد هذا الموقف؟

الشارع الشيعي في العراق، مثل أي شارع آخر تتحكم به عوامل كثيرة قبل أن يتحكم به عقله. القرى والمدن الشيعية في جنوب لبنان استقبلت الإسرائيلي بالورود والأرز جراء بعض الممارسات التي قامت بها فصائل فلسطينية، لكن هذه القرى نفسها بعد سنتين كانت في طليعة المقاومة. ولهذا اعتقد أن الوضع في الساحة الشيعية سيتحول بعد أمد غير طويل. لكن المشكلة في السياسيين، ذلك أن معظم التيارات الدينية السياسية منضوية تحت راية التيار الإيراني المتواطئ مع الأميركيين. وهو الذي يأمر القيادات السياسية الشيعية بقبول مجلس الحكم وان تكون أعضاء فيه.

ألا ترى تعارضاً في ما تتحدث به عن التواطؤ الإيراني وبين الضغوط التي تمارس أميركياً وغربيا على إيران؟

حتى لا نخدع أنفسنا، أقول لا شك في أن هناك حواراً أميركياً ـ إيرانياً بدأ قبل غزو العراق. وان وفداً من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية المؤيد لإيران زار واشنطن لهذه الغاية. والتيارات الإيرانية في العراق هي جزء من التركيبة التي تضعها الولايات المتحدة في العراق. حتى أن أحد كبار خطباء الجمعة في العاصمة الإيرانية قال في خطبة صلاة الجمعة انه لولا إيران لغرقت أميركا في وحل أفغانستان. فالإيرانيون سهلوا للأميركيين دخول أفغانستان ويسهلون بقاءهم الآن. أما القول عن اعتقال سفير سابق هنا أو حديث عن سلاح نووي هناك فهو يدخل من باب السعي الأميركي لتحسين شروط التعاون الإيراني. التشيع يستخدم الآن في إيران لدعم المشروع الأميركي في أفغانستان. ومن هنا أقول لكل الشيعة في العالم إن ما يجري باسمهم لا علاقة له بهم. وهذه أعمال المتضرر الأكبر منها الإسلام والتشيع.

أتقول إن هناك خطراً على التشيع من إيران؟

نعم، لأنه يمكن أن بعض القوى تريد أن تثبت سلطانها. وأنا مطمئن إلى انه سيأتي اليوم الذي يهزم فيه الأميركي، وعندها سيكون هناك غضب على كل من سار في مشروعه. وقد تجري انتقامات وتصفيات يذهب ضحيتها شيعة الأقليات لأن إيران دولة قوية تستطيع أن تحمي نفسها. نحن بما نمثل من تشيع حقيقي نعلن صراحة وبوضوح إننا نرفض أي سياسة من إيران وغيرها بدعم الغزو الكافر لبلادنا. ونعتبر هذا الفعل عملاً عدوانياً على امتنا. ولا يجوز لهذا الشعب الطيب الذي أتى بالإمام الخميني أن يكبل ويمنع من القيام بواجباته. وأتوجه إلى كل المسلمين في العالم لأقول لهم أن أي عمل يدفعكم للتناحر يخدم العدو.

نلاحظ أن حركتكم "ثورة الجياع" انكفأت بعد ملاحقتكم قضائياً، فهل انتهت؟

في البداية حاولت السلطة إظهار حركتنا على أنها خلاف داخلي في "حزب الله"، ثم ظنوا أنهم يستطيعون استيعابنا، لكنهم شعروا بجدية المشكلة وفتشوا عن وسائل لإحباطنا، إلى أن جاء الضوء الأخضر الإيراني فقمعت الحركة وضربت. نحن كنا نقصد من حركتنا حماية الفقراء وإنقاذهم ولهذا حين استخدمت السلطة السلاح، وجدت أن لا فائدة من الاستمرار في المواجهة. أما العودة إلى التحرك فهي لا تعني شيئاً الآن لأن الدين العام أصبح مشكلة بلا حل، بينما في حينها كان الإنقاذ ممكناً. الحل الآن هو واحد أن يُجمع (بضم الياء) الذين نهبوا أموال الدولة وتسترد منهم أو يرموا في السجن. وأنا مستعد لأكون وزيراً للعدل أو مسئولاً عن القضاء الذي سيقوم بهذه الحملة. وأنا اعرف أن الأموال المنهوبة اكبر بكثير من الدين العام فهي تبلغ نحو 60 ملياراً من الدولارات.

وفي نهاية الحديث سألنا الشيخ صبحي الطفيلي عما يتوقعه لوضعه بعد خروجه إلى العلن مجدداً.

فقال ضاحكاً: "ربما اذهب إلى الجرود. ثم استدرك: عندما تزوجت قبل نحو 35 عاماً قلت لزوجتي إني لن أقدم لها عشاً زوجياًً هانئاً، بل ربما أقدم لها حياة شقاء وتشرد. وأنا اقلق، أكثر ما اقلق، من الموت على فراشي وأن يحرمني الله من الاستشهاد في سبيله".

 



مقالات ذات صلة