إيران وأمريكا.. تعاون في الخفاء وصراع في العلن
محمد الجوهري
المختصر: 24/12/2007م
المصريون / كان صدمة كبيرة بالنسبة للكثيرين من مسئولي الإدارة الأمريكية، فلم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن تحدث مثل هذه الصدمة، تلك الصدمة أحدثها تقرير وكالة المخابرات الأمريكية حول قيام إيران بوقف أنشطتها النووية العسكرية منذ عام 2003. فهل يكون هذا التقرير مقوضا لإستراتيجية الإدارة الأمريكية للتعامل مع الجمهورية الإسلامية؟ هل يمكن أن يكون عاملا محفزا لإعادة النظر فى هذه الإستراتيجية للتوافق مع هذه المتغيرات الجديدة؟
تقرير الاستخبارات: نصر لإيران أم هزيمة لأمريكا؟
اهتمت وحدة التحقيقات Special Investigation Unit في شبكة CNN هذا الأسبوع بالتقرير الذي نشره مقياس المخابرات القومي National Intelligence Estimate في وكالة المخابرات الأمريكية CIA حول البرنامج النووي الإيراني العسكري منذ عام 2003، واعدت كامبل براون Campbell Brown تقريرا تحت عنوان "إيران: الحقيقة والخيال" (Iran: Fact & Fiction).
في البداية عرضت براون Brown للجدل الذي دار حول هذا التقرير، فبالرغم من أن التقرير أكد أن إيران قد أوقفت أنشطتها النووية العسكرية من عام 2003، إلا أن الرئيس الأمريكي جورج بوش George W. Bush مازال يصر على أن شيئا لم يتغير، وأن إيران مازالت تمثل خطرا كبيرا على السلم العالمي، وان تركها تمتلك التكنولوجيا اللازمة لصنع السلاح النووى سوف يؤدى إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة.
إيران وأمريكا . تعاون في الخفاء وصراع في العلن
على صعيد متصل حاولت براون Brown في هذا التقرير تقديم تحليل واقعي للعلاقة بين واشنطن وطهران خلال الفترة الماضية خصوصا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ووضعها من قبل الرئيس بوش ضمن دول محور الشر التي تدعم الإرهاب في العالم وتهدد الأمن والسلم العالميين.
وطرحت براون Brown وجهة نظر مغايرة لما هو مشاهد الآن لطبيعة العلاقة بين الطرفين المتناحرين (واشنطن وطهران)، وكأن لسان حاله يقول أن سياسة التصعيد التي تتبعها إدارة الرئيس الأمريكي بوش منذ أحداث سبتمبر كانت لها أهداف أخرى غير تلك المعلنة، فالعلاقة بين إيران والولايات المتحدة كان يمكن أن تتخذ منحى آخر اقرب إلى التعاون من هذا المنحى الصراعى الذي يسمها في الوقت الحالي.
فبعد أحداث سبتمبر شهدت العلاقات بين الغريمين تطورا ايجابيا كبيرا توج بالتحالف الذي قام بينهم في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد نظام طالبان في أفغانستان. وفى هذا الإطار عرض التقرير لوجهة النظر التي طرحها جاميس دوبنز James Dobbins المبعوث الخاص لإدارة بوش في أفغانستان، والذي أكد على أن هذه الحرب قد شهدت مستوى عالي من التعاون والتنسيق بين البلدين، ليس فقط في إطار العمليات العسكرية ضد نظام طالبان، بل أيضا في الجهود التي بذلت لإعادة بناء الحياة السياسية وعمليات إعادة الاعمار هناك. بل أن الأمر الأكثر دهشة في هذا التعاون الذي حدث أن إيران نفسها – طبقا لما ذكره دوبنز Dobbins – قد اقترحت أن يتعاون الجيشان الإيراني والأمريكي تحت القيادة الأمريكية في تدريب وإعداد الجيش الأفغاني الجديد. فضلا عن إعلان الإيرانيين عن رغبتهم الملحة في توسيع الحوار والتعاون الذي بدأ مع الولايات المتحدة إلى موضوعات أخرى تشمل عمليات السلام في الشرق الأوسط والدور الإيراني في المنطقة بصفة عامة.
وكشف التقرير النقاب عن أن المبعوث الأمريكي دوبنز Dobbins قد أرسل مذكرة إلى واشنطن بخصوص هذه التطورات الايجابية، فكان الرد الأمريكي بان أعلن الرئيس الأمريكي انه ليس هناك أي نوع من التعاون مع إيران بل ووضعها ضمن دول محور الشر.
أما هيلارى مان Hillary Mann خبيرة الشئون الإيرانية والأفغانية في مجلس الأمن القومي الأمريكي ، فقد عبرت لـ Brown عن دهشتها الشديدة لمحور الشر الذي أعلنه الرئيس بوش، والتي أكدت أن الإيرانيين قد تعاونوا بأمانة وشفافية مع الولايات المتحدة.
وبالتالي تصل براون Brownإلى نتيجة في غاية من الأهمية تشير إلى انه في الوقت الذي كانت فيه مظاهر التعاون بين الغريمين شديدة الوضوح على ارض الواقع ، كان هناك نقص وسوء إدراك على مستوى مسئولي الإدارة الأمريكية، فلم يستطيعوا أن يدركوا هذه المتغيرات الجديدة ويستغلوها أفضل استغلال.
على الجانب الآخر اعتبر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد التقرير نصرا كبيرا لإيران، وحاولت براون Brown معرفة رد فعل الشعب الإيراني على هذا التقرير، حيث أشار إلى انقسام الشارع الإيراني على نفسه ، فنجد أن المؤيدين لسياسات الرئيس الإيراني نزلوا إلى الشارع في مسيرات حاشدة تندد بالسياسات الغربية تجاه بلادهم. فى حين أعلن قطاع آخر من الشعب الإيراني السخط على الأوضاع السيئة التي آلت إليها بلادهم منذ قدوم نجاد إلى السلطة، حيث ارتفعت نسبة التضخم وزاد عدد العاطلين عن العمل.
أما عن مدى التأثير الذي يمكن أن يحدثه هذا التقرير على العلاقات الإيرانية الأمريكية، لفت التقرير الانتباه إلى أن هناك العديد من الشواهد الايجابية التي شهدها الشارع الإيراني، فالتيار الاصلاحى والمعتدلين الإيرانيين بدأوا في توجيه انتقادات علنية لسياسات الرئيس الإيراني فيما يتعلق بسياساته تجاه البرنامج النووي الإيراني، وبالرغم من أن الجميع يتفق على حق إيران في امتلاك إيران للتكنولوجيا النووية، إلا أنهم اعتبروا أن التصريحات المتشددة التي أطلقها نجاد تجاه إسرائيل قد أججت المخاوف الغربية من النوايا الإيرانية.
ولكن في نفس الوقت يشير براون Brown إلى أن موقف الرئيس الأمريكي لن يساعد سوى أحمدى نجاد ويمكنه من تعبئة الشعب الإيراني خلف سياساته.
الولايات المتحدة: هل فوتت الفرصة؟
مرة أخرى تشير براون إلى احد التطورات الايجابية التي أبدتها طهران للتعاون مع الولايات المتحدة، ولكن الولايات المتحدة مرة أخرى فوتت هذه الفرصة لتحقيق أهداف تريدها غير تلك إلى تعلنها في خصوص تعاملها مع إيران. ففي عام 2003 أرسل مجموعة من المسئولين الإيرانيين مذكرة بدون توقيع – نوع من المراسلات يطلق عليه في عالم الدبلوماسية nonpaper – من خلال وساطة سويسرية، في هذه المذكرة أبدت إيران التزاما نحو المساعدة في إقامة حكومة ديمقراطية في العراق، والحصول عن التكنولوجيا النووية السلمية ، وإيقاف محاولاتها لتطوير تكنولوجيا نووية عسكرية، في مقابل ذلك تتوقف الولايات المتحدة عن سلوكها العدائي تجاهها، وذلك على طبقا لما ذكره لارى ولكيرسون Larry Wilkerson مدير مكتب وزير الخارجية السابق كولين باول Colin Powell ، والذي أكد وصول هذه المذكرة إلى الإدارة الأمريكية. وأشار ولكيرسون Wilkerson إلى انه بالنظر إلى الأهداف التي كانت الولايات الأمريكية تريدها من إيران (من قبيل الشفافية الكاملة بخصوص برنامجها النووي ووقف الدعم الذي تقدمه إيران للجماعات الإرهابية) ، فان هذا العرض كان يمثل فرصة كبيرة كان لا يجب أن يتم تفويتها وكان لابد من استغلاله، ولكن هذا لم يحدث واعتبرت الولايات المتحدة أن هذا العرض غير جاد ، وانه مجرد مراوغة من النظام الإيراني، الأمر الذي اعتبره ولكيرسون Wilkerson غباء من الإدارة.
على جانب آخر لفت التقرير الانتباه إلى تصريحات نيكولاس بيرن Nicholas Burns نائب وزيرة الخارجية الأمريكية، والتي أكد فيها انه في عام 2003 لم تكن له أي علاقة بالملف الإيراني، وبالتالي فانه لو كانت هناك مذكرة من هذا القبيل فانه لم يسمع بها، ولكنه في نفس الوقت أكد على ضرورة الحديث مع الإيرانيين، ولكن بشرط أن يعلقوا أنشطة تخصيب اليورانيوم وهذا ما ترفضه القيادة الإيرانية تماما، بل إنها سعت إلى مزيدا من التطوير لبرنامجها النووي.
جيتس يرفض التقرير ويصعد ضد إيران
أما شبكة NPR فقد اهتمت برد فعل وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس Robert Gates على تقرير المخابرات الأمريكية، واعد جاى راز Guy Raz تقريرا في هذا الصدد ، حيث كان وزير الدفاع يحضر مؤتمر وزراء الدفاع العرب في البحرين، والذي أكد على الرغم مما ذكره التقرير فان إيران مازالت تمثل خطرا كبيرا، ورصد التقرير محاولات وزير الدفاع الأمريكي من التخفيف وطأة التقرير خصوصا على حلفاء الولايات المتحدة الذين كانوا يتوقعون أن يأتي على عكس ما جاء به، حيث اعتبر جيتس Gates التقرير بأنه مغضبا للعديد من أصدقاء الولايات المتحدة.
ولفت راز Raz الانتباه إلى انه بالرغم من النزاهة والشفافية التي تمتع بها التقرير فان الوزير لم يتخل عن الموقف المتشدد الذي تتخذه الإدارة الأمريكية تجاه إيران، حيث مازالت إيران من وجهة النظر الأمريكية عامل مؤدى للفوضى في منطقة الشرق الأوسط .
لغة تقديرية وليس حقائق جازمة
وفى تقريرا آخر أعده كورى فلينتوف Corey Flintoff للـ NPR تناول فيه بالتحليل اللغة التي آتى بها التقرير، حيث وصف فلينتوف Flintoff لغة التقرير بأنها تقديرية "Estimative" ، فلم يتضمن التقرير حقائق أو أدلة معينة ومؤكدة، بل كانت اللغة التي كتب بها التقرير تشير إلى التقدير أو التقييم، لذلك ركز معدي التقرير على استخدام عدد من المصطلحات من قبيل "من المحتمل" و"غالبا" عند الحديث عن احتمال حدوث بعض الأشياء، في حين كانوا يستخدموا مصطلحات مثل "من غير المحتمل" و"من المستبعد" عند الحديث عن احتمال عدم حدوث أشياء معينة. هذه المصطلحات تشير إلى قدر كبير من المصداقية والثقة في صحتها، وفى نفس الوقت استخدم معدي التقرير مصطلحات مثل "ربما" عندما لم يكن لديهم معلومات كافية ويمكن الوثوق فيها.
أما إلى مدى يمكن الوثوق في المعلومات التي وردت في التقرير، أشار الكاتب إلى أن الإجابة على هذا السؤل تعتمد على مدى جودة المعلومات والمصادر التي تم استقائها منها ، وفى هذا الإطار قسم التقرير الأحكام التي أطلقها إلى ثلاث مستويات، الأولى عالية الثقة أي انه اعتمدت على معلومات عالية الجودة وموثوق في صحتها ، أما الثاني متوسط أي أن المعلومات ذات قدر معقول من المصداقية، أما المستوى الثالث فمنخفض المصداقية أي أن المعلومات التي اعتمدت عليها هذا النوع من الأحكام مشكوك إلى حد كبير في مصداقيتها ومصدرها. وبالرغم من هذا التصنيف إلا أن Brown رصد موقف مسئولي المخابرات من هذا التقرير ، فعلى الرغم من ثقتهم فيما احتواه التقرير من معلومات، إلا أنهم أكدوا أن ما جاء في التقرير ليس أحكاما جازمة ونهائية.
السى اى إيه CIA في إيران
أما صحيفة لوس انجلوس تايمز Los Angeles Times فقد كشفت النقاب عن أن وكالة المخابرات الأمريكية الـ CIA قد أطلقت برنامجا سريا في عام 2005 للتجسس ضد إيران، وأكد جريج ميلر Greg Miller – الذي أعد التقرير – أن وكالة المخابرات قد هدفت من هذا البرنامج إلى إجهاض البرنامج النووي الإيراني من خلال تجنيد بعض المسئولين الإيرانيين الذين لهم علاقة بالبرنامج النووي.
وأكد ميلر Miller أن هذا البرنامج كان أحد الأسس الهامة التي اعتمد عليها مسئولو المخابرات الأمريكية في إعداد التقرير حول توقف أنشطة إيران النووية العسكرية في عام 2003
ولفت التقرير الانتباه إلى أن البرنامج سعى إلى تجنيد عدد من العلماء والمسئولين والضباط الإيرانيين من اجل جمع المعلومات اللازمة عن الأنشطة الإيرانية، وبالرغم من ذلك يشير ميلر Miller إلى أن مسئولي المخابرات أكدوا عدم تحقيق هذا البرنامج لجزء كبير من الأهداف إلى ابتغى مسئولو الإدارة الأمريكية تحقيقه منه، فلم يستطع أحد من الذين تم تجنيدهم من إعطاء صورة كاملة وشاملة عن البرنامج النووي العسكري.