لطمية قناة "العالم".. أكثر من طبلة حرب

بواسطة المسلم قراءة 2090

لطمية قناة "العالم".. أكثر من طبلة حرب

 أمير سعيد

كان مفيداً للمتابعين رصد التداعي البارز للحركات والقوى والشخصيات والهيئات والمؤسسات الدائرة في فلك طهران، والتي ترتبط بها طائفياً أو مالياً حول العالم من خلال الاطلاع عما يتدفق عبر الانترنت عن الجهات المنددة بإغلاق بث قناة العالم الإيرانية؛ فمثل هذه الأحداث تكون عادة كاشفة للطائفيين والمرتزقة الذين يتنادون لعمل لطمية حديثة عن كربلائية العالم، وكل ساعٍ طائفي في مؤسسة صار عليه واجب التنديد بإغلاق القناة، التي صارت بين ليلة وضحاها نصيرة فلسطين وقضايا العالم العربي والإسلامي.

حرية الرأي أولى مبررات هؤلاء للإبقاء على قناة تمارس دعاية حربية ضد السعودية واليمن ومصر، وهي تلك الحرية عينها المذبوحة في وسائل الإعلام الإيرانية داخل ما يُسمى بالجمهورية الإسلامية، فمن بين قضبان تلك الدولة الثيوقراطية الحديدية يتسلل إلى مسامعنا كل حين نبأ جديد عن إغلاق صحيفة، أو اعتقال صحفيين، أو منع مواقع معارضة. وفي شهر أكتوبر الأخير أمرت لجنة مراقبة حكومية على الصحف بإغلاق ثلاث صحف إيرانية، وهي صحف فرهنق اشدي (ثقافة ومصالحة) (وهي للمفارقة لم تصدر إلا منذ ثلاثة أشهر فقط) وأرمن (مثل) ـ بحسب وكالة الأنباء الإيرانية ـ بينما أكدت وكالة ايرنا إغلاق صحيفة تحليل روز (تحليل اليوم) [الفرنسية 6/10/2009]، وفي منتصف شهر أكتوبر الماضي دانت منظمة "صحافيون بلا حدود" أكبر هجرة منذ قيام الثورة الإيرانية قبل ثلاثين عاماً، حيث غادر نحو أربعين صحفياً البلاد بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وقبل عامين كان بيان صادر عن نقابة الصحافيين الإيرانيين يتحدث عن العامين الأولين من حكم الرئيس نجاد التي شهدت إغلاق 20 صحيفة واعتقال العشرات من الصحفيين، وهذه النقابة بالمناسبة أغلقت بعد ذلك بأوامر حكومية، ولم تزل المنظمات الحقوقية الصحفية في العالم حتى الشهر الماضي تطالب برفع الحظر المفروض عليها، وآخر تلك المطالبات هي التي تضمنها البيان الختامي للاجتماع الإقليمي لاتحادات الصحفيين في الشرق الأوسط والوطن العربي، والذي دعا السلطات الإيرانية رفع الحظر الذي ضربته على نقابة الصحفيين الإيرانيين وإطلاق سراح كافة الصحفيين المعتقلين ووقف المضايقات ضدهم.

والعام الماضي أغلقت السلطات الإيرانية صحيفة لنقدها الرئيس الإيراني نجاد، أما انتقاد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي فهو جريمة لا تستوجب إيقاف المطبوعة فحسب، وإنما سجن صاحبها..  فانتقاد خامنئي حرام على "العالم" وانتقاد الحكام العرب وتخوينهم حلال في دين "العالم"!!

واللطمية الدولية للبكاء على حرية الإعلام التي تنظمها العالم لا تطال تلك الاعتداءات المتكررة على حرية الإعلام في إيران، وهذا الذي ذكرناه لا يتعلق بالتأكيد بالتضييق على الأقليات السنية والقومية داخل سياج "إيران" فتلك أصلاً لا تحظى بإعلام حتى يتم التضييق عليه أو مصادرة بعض أدواته، وإنما هي بالأساس تتحدث عن معارضات من داخل النظام نفسه بل أحياناً من داخل من يُسمون بالمحافظين فكيف بغيرها؟!

والنظام الذي يضيق ذرعاً بحرية الإعلام، لا يحق له أن يطالب بها لأدواته الموجهة إلى الناطقين باللغة العربية التي يبغضها وناطقيها بالأساس، ولا ينبغي لتلك الأدوات أن تبكيها إذ كانت في الأصل لا توقر تلك الحرية في إعلامها الموجه إلى الخارج الغافل حتى العمى عن المشكلات الداخلية الرهيبة والتي لا يقوى على مناقشتها.

لا أحد بطبيعة الحال، يرضى بأن تصادر الآراء المخالفة ما دامت في حيز الثوابت والقيم، ولا تتعارض مع الأمن القومي للدول المتحكمة في بث تلك القنوات، ولا أحد يسعد بإغلاق قناة إخبارية لكن الأمر في الحقيقة تجاوز مهمة نقل الحقيقة إلى الدعم الدعائي لمجموعة إرهابية متمردة تعبث في الحديقة الخلفية لبلاد الحرمين الشريفين.

وإن على الإيرانيين أن يتذكروا بالتأكيد أن لهم نحو 33 قناة فضائية، تابعة لهم بشكل أو بآخر، تبث ما يجاوز المعقول والمشروع في ديننا الإسلامي، وبعضها يتعرض لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وكثير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تزل موجودة على قمري نايل سات وعرب سات، على كراهية من كثير من المسلمين المتدينين، الذين يأملون أن تغادر تلك الملوثات سماءهم.. عليهم أن يتذكروا أن أي من تلك القنوات لم تزل تبث سمومها وأراجيفها وأكاذيبها وتتمتع برحابة صدر من إدارة القمرين الاصطناعيين، بل إن قناة العالم المحظورة في القمرين هي ذاتها لم يطالها الإغلاق إذ كانت تحرض ضد السعودية ومصر واليمن، ولم يمسها ذلك إلا حينما باشرت في تغطية عملية عدوان عسكرية مباشرة من المتمردين داخل الأراضي السعودية، أي أنها لم تتوقف إلا حينما مثلت طبلة حرب، وبوق يدعو لسفك دماء المسلمين، لا بل إن الأمر قد يجاوز ذلك إن حمل إلى إرهابيي الحوثيين عبارات مشفرة عبر القناة، وجاوز حدود المتعارف عليه في العلاقات بين الدول والتعامل مع شؤونها الداخلية عبر وسائل الإعلام؛ فيما تتجاهل شؤونها الداخلية وتعدياتها على حقوق الإنسان والأقليات وتضرب الذكر صفحاً عن مشكلات الداخل الأخلاقية والسلوكية الرهيبة.

لم يكن إغلاق العالم مزعجاً لمن يعي أهداف القناة التي ما فتئت تنفق ببذخ على ضيوفها وتحرض على الاضطرابات إن في البقيع، أو في الجنوب السعودي على تخوم اليمن، وتسرف في قلب الحقيقة في أكثر من ملف، ليس أهمها فقط خلية "حزب الله" التي غطت القناة مخططها وشرعت في تبرير تهديد الأمن القومي لمصر.. إنها حزمة من الممارسات تكافئ في مضمونها العمل الحربي، لم تصدر ممن يجهل تأثير الإعلام وأهميته، فهو ذاته الذي يحرم الأحوازيين والبلوش والأكراد حرية إصدار الصحف والمطبوعات لأنه لا يريد أن يسمع للمعارضة الداخلية صوتاً، فيما يتطلع للسماح لإعلامه العسكري أن يجلل في سماء الخصم، ويسمعه الجنود على جبل الدخان.. ولا غرابة، إنها إحدى متناقضات إيران الثورة!!

 

المصدر: المسلم

 



مقالات ذات صلة