الموانع العشرة من ضرب إيران!
الأحد 17 من رجب1429هـ 20-7-2008م
· قرب انتهاء الولاية وصعود نجم أوباما وعدم رغبة الأمريكيين في الحرب أسباب تدفع بوش للابتعاد عن الخيار العسكري
· إيران ترتبط في الوعي الأمريكي بأنها مصدر للآلام والأزمات النفسية
· بوش لن يغامر بسبب غموض البرنامج النووي الإيراني وعدم كفاية الأدلة الإستخباراتية والفشل في العراق
· عدم الثقة في الموقف الأوروبي والخوف من تداعيات دموية في العالم الإسلامي تجعل الإدارة الأمريكية تفكر ألف مرة
· انهيار الاقتصاد وارتفاع أسعار النفط لأسعار خيالية تضع بوش في مأزق خطير
· "إسرائيل" كانت تتحدث في السابق عن عالمية الأزمة الإيرانية والآن تتحدث عن الحاجة للعمل بشكل منفرد
أحمد الغريب
مفكرة الإسلام: يبدوا أن الكيان الصهيوني بات يوجه مأزق خطير للغاية وصل فيه إلي أنه توصل لقناعة تامة بأن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش تتراجع في طريقها نحو القيام بتوجيه ضربة عسكرية قاسمة لإيران للقضاء على ما تمتلكه من قدرات نووية , وهو الحلم الذي ظل يراود قادة تل أبيب كثيراً , لكن ومع مرور الوقت بدا أن تلك القناعات تزول واحدة تلو الأخرى , وأنه لم يعد هناك حل سوى العمل منفردة ضد إيران , وذلك لشيء واحد ليس أكثر , وهو حتى لا تفقد تل أبيب مصداقيتها أمام الرأي العام الداخلي والخارجي وتظهر وكأنها بطل من ورق.
وحمل تلك الرؤية البروفيسور زاكي شالوم، المحاضر في جامعة بن جوريون في النقب والباحث في معهد دراسات الأمن القومي "الإسرائيلي" , الذي أعد ورقة بحثية عن تزايد الشكوك في إمكانية قيام الإدارة الأمريكية الحالية بتوجيه ضربة عسكرية لإيران خلال الفترة المقبلة , نشرت في دورية "مباط عال" الإستراتيجية , وتحدث شالوم عن أنه كلما مر الوقت كلما بدت علامات وشواهد تؤكد أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش تحيط بها الشكوك والصعوبات في اتخاذ قرار حاسم فيما يتعلق بقدرتها نحو إمكانية توجيه ضربة عسكرية للقضاء على البرنامج النووي الإيراني , مشيراً إلي أن رؤيته تلك تمكن من استخلاصها بعد قراءة مستفيضة لتصريحات كبار مسئولي الإدارة الأمريكية بمن فيمهم الرئيس جورج بوش, وهو ما يمكن من خلاله التأكد أن مستوى الحسم لدى تلك الإدارة واندفاعها بشأن توجيه مثل هذه الضربة تقل شيء فشيء , ويرى أن ذلك يشير وبقوة إلي تراجع الإدارة الأمريكية عن تعاهدانها السابقة بالالتزام التام بمنع إيران من أن تصبح قوة نووية في منطقة الشرق الأوسط.
الأسباب الأمريكية العشر:
يرى الباحث والخبير الصهيونى أن هناك أسباب عشر لعدم إقدام الإدارة الأمريكية الحالية على توجيه ضربة عسكرية لإيران واقتناعها التام بذلك , وتتمثل فيما يلي:
1. أن الرئيس الأمريكي جورج بوش يقترب من نهاية ولايته , وعلى الرغم من أنه سبق وأن أكد في تصريحات له أنه من الناحية الفنية يحق له اتخاذ ما يريد من قرارات حاسمة حتى تنصيب الرئيس المقبل , إلا أن الحقيقية الواقعة هي أن الرئيس الأمريكي في نهاية فترة ولايته يكون مثل البطة العرجاء ، وذلك لأنه من غير المعقول أو المناسب أبداً أن يقوم الرئيس الذي يشرف على مغادرة البيت الأبيض القيام باتخاذ قرارات إستراتيجية حاسمة ذات أثار بعيدة المدى , لا تتكشف نتائجها وسلبياتها إلا بعد انقضاء ولايته ورحيله عن البيت الأبيض, مشيراً إلي انتهاج سياسة من هذا النوع هو أمر غير وارد على الساحة السياسية الأمريكية تماماً.
2. ثاني الأسباب التي أوردها الباحث زاكي شالوم فتتمثل في صعود المرشح الديمقراطي باراك أوباما , وهو الأمر الذي دل على أن الرأي العام الأمريكي لديه الرغبة في التغيير وأن الجمهور الأمريكي يريد أن يرى على أرض الواقع سياسة جديدة غير تلك السياسة المتشددة التي أنتهجاها الرئيس بوش خلال ولايته , الأمر الذي يعني أن قيام الإدارة الأمريكية الحالية بتوجيه ضربة لإيران وخوض غمار الحرب معها في هذا الوقت بذات إنما يعني تجاهلاً صريحاً وواضحاً للرأي العام الأمريكي, وهو ما يؤكد معه أن الرئيس بوش وبلا شك لن يغامر في القيام بمثل هذه الخطوة.
3. ثم تطرق باحث مركز الأمن القومي الصهيونى إلي السبب الثالث الذي من شأنه أن يمنع الإدارة الأمريكية عن توجيه ضربة لطهران , وهو أنه دوماً كانت إيران في الوعي الأمريكي كلمة ترتبط بكل ما تحمله الكلمة من معاني الإخفاق في الأحداث الدامية بين طهران وواشنطن , بدء من المحاولة الفاشلة لتحرير رهائن السفارة الأمريكية في طهران والذي أستمر احتجازهم طيلة عام داخل مقر السفارة , وما تبعها من آلام عميقة في نفسية الأمريكيين جميعاً , الأمر الذي يحتم على الإدارة الأمريكية السعي من أجل تجنب أي خيار عسكري يعيد تلك الذكريات , ولهذا فأنه من المشكوك فيه أن الرئيس الأمريكي الحالي يريد أن يضيف إيران إلي قائمة الإخفاقات المتعددة التي بدأها منذ ولايته بدء من أفغانستان ووصولاً بالعراق , ولا سيما في نهاية فترة ولايته.
4. وفي معرض حديثه عن السبب الرابع , قال شالوم أن التقرير الصادر مؤخراً عن أجهزة الاستخبارات الأمريكية بشأن قدرة إيران على الوصول لقوة عسكرية نووية وتأكيده على أن طهران لا تقوم بارتكاب أشياء تدعو للشك والريبة , بالإضافة إلي النتائج الخطيرة التي تم التوصل إليها بشأن عدم وجود أي نشاطات نووية لدى النظام العراقي السابق صدام حسين , يزيد من الحاجز النفسي أمام إمكانية القيام بأي نشاط عسكري أمريكي ضد إيران , ولهذا فأن أي رئيس أمريكي لن يغامر في الإقدام على عملية من هذا النوع دون التأكد من صحة المعلومات الخاصة بتقييم أنشطة إيران النووية والتوصل إلي نتائج وأدلة قاطعة قبل التفكير في اتخاذ خطوة واحدة نحو ضرب إيران.
5. وقال خبير مركز دراسات الأمن القومي الصهيونى أن السبب الخامس , يتمثل في أن فرص نجاح مثل هذا العمل مشكوك فيها , خاصة وأن الجانب الإيراني استعد جيداً لمثل هذه الضربة وجهز نفسه لكافة السيناريوهات , بل ومن المؤكد كذلك أنه قام بالاستعداد لكافة الأطر الزمنية التي من المحتمل أن تقع خلالها مثل هذه الضربة , ومن الممكن الافتراض في هذا التوقيت أن عناصر أجهزة الأمن الإيرانية اتخذت ما تيسر لها من خطوات وقائية لإحباط الأضرار الهائلة وسيبذلون قصارى جهدهم لإحباط أي عمليات قد تطال منشآتهم النووية المنتشرة في سائر أنحاء الأراضي الإيرانية , ومن الممكن كذلك الافتراض أن أجهزة الأمن الإيرانية سيقومون كذلك بتشديد وزيادة عمليات التمويه والإخفاء لتلك المنشآت وسيضاعفون كذلك من وسائل الحماية والدفاع عنها , ويرى شالوم أنه وحتى في أفضل الظروف وأحسنها فأنه من غير الممكن التنبؤ بالنتائج الفعلية للهجوم عسكري على إيران.
6. وعن السبب السادس الذي من شأنه أن يدفع إدارة الرئيس بوش في التريث قبل اتخاذ قرار بشن هجوم على إيران , قال شالوم "أن عملية أمريكية إذا ما نفذت سواء بشكل مستقل أو عبر التعاون مع إسرائيل , فأنها من المؤكد ستجلب معها رداً إيرانياً ضد إسرائيل , وهو رد سيكون من الصعب في حينه توقعه أو معرفة نتائجه مسبقاً وتقديرها بشكل جيد وصحيح , لكن إذا ما أقدمت طهران على تنفيذ عمليات انتقامية ضد إسرائيل فإنها من المؤكد ستتسم بالانتقام الشديد وستتسبب فى وقوع العديد من الإصابات داخل إسرائيل , الأمر الذي سيتبعه حاجة ملحة في تدخل أمريكي سريع وطويل المدى في حرب تطال سائر بلدان الشرق الأوسط , ولهذا فأنه من المشكوك فيه أن الرئيس الأمريكي بوش في مثل هذا الموقف من الممكن أن يقوم باتخاذ قرار حاسم من شأنه أن يورط أمريكا مرة أخرى خاصة في ظل تورطها التام في العراق.
7. وأرجع الخبير الصهيونى السبب السابع إلي أن الولايات المتحدة عليها أن تضع في اعتبارها أن عملية عسكرية أمريكية ضد إيران من شأنها أن تكون بداية لعملية سفك دماء لا حد لها طويلة المدى مع سائر دول العالم الإسلامي وستخلق حالة من العداء لا مثيل لها , حتى هؤلاء الذين لا يحصون أنفسهم في صف المؤيدين لإيران أو المناصرين لها , لأنهم سيعتبرون هذه الضربة عمل عدواني من قبل القوة الأمريكية العظمي ضد دولة إسلامية والهدف منه إراقة دماء المسلمين وهو ما يجب معه أن تزيد توقعات الولايات المتحدة الأمريكية بزيادة وطأة الهجمات ضد أهداف أمريكية ، بما فيها على الاراضى الأمريكية.
8. وتناول زاكي شالوم في حديثه عن السبب الثامن , مسألة أن توجيه ضربة ضد إيران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية من شأنها أن يصاحبها ارتفاع جنوني في أسعار النفط في جميع أنحاء العالم , وتوقع أن تصل أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها مما سيؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي على نطاق واسع , ومؤكداً على أنه لو حدث هذا الأمر فأنه سيتبعه أزمات اقتصادية عالمية ذات تداعيات خطيرة للغاية.
9. وتابع الباحث شالوم عرض ورقته البحثية بالإشارة إلي أن السبب التاسع يرجع إلي أنه وعلى الرغم من وجود حالة من التوافق في الآراء على نطاق واسع في دول الغرب , بشأن حتمية منع إيران من الوصول إلي القدرات العسكرية النووية , لكن كذلك فأنه يجب على الإدارة الأمريكية أن تتوقع أن العديد من الدول سيعتبرون العمل العسكري ضد إيران تعبير واضح علن رغبة إدارة بوش في إخفاء كافة الإخفاقات السياسية والإستراتيجية التي رافقت فترة ولايته , وكذلك وسط جدال صخب يدور داخل الإدارة الأمريكية بشأن الحاجة لشن هجوم عسكري على إيران في هذا التوقيت , ولهذا فأنه من غير المرجح تماماً أن يقوم الرئيس بوش بالالتفاف على إدارته ومسئوليه في القيام بمثل هذه الخطوة ويتخذ قرره ببدء الهجوم رغماً عن إرادة الجميع , كما أنه من غير المعقول أن يقوم بوش بالقيام بهذا العمل الخطير دون توافق يجمعه هو ومسئولي إدارته بل وخارجها كذلك.
10. وأختتم زاكي شالوم عرض أسبابه بشرح تفاصيل السبب العاشر الذي من شأنه أن يمنع بوش عن قرار الهجوم على إيران , وقال "أن قررت الأمم المتحدة بشأن توقيع سلسلة من العقوبات الاقتصادية ضد إيران , ومن خلال معلومات جرى تسريبها لوسائل الإعلام فأن تلك العقوبات سيكون لديها بالفعل بالغ الأثر على تدهور الاقتصاد الإيراني واستقرار نظام آيات الله , كما أن هناك حديث عن الاتصالات غير المباشرة بين العناصر الايرانيه والأمريكية , والمؤكد أن الرئيس الأمريكي جورج بوش لن يتخذ قراره بشن هجوم إلا بعد أن يتأكد تماماً أن كافة الطرق الدبلوماسية والاقتصادية قد أغلقت أمامه وفشلت ولم تنجح, وأن الحسم العسكري هو الحل الوحيد لمنع إيران من الوصول إلي قدرات عسكرية نووية , ومن المؤكد كذلك أن الطرق الأخرى لن تظهر نتائجها حتى نهاية ولاية بوش.
وبعد الانتهاء من شرح أسبابه أشار شالوم إلي أنه وفي حالة التأكد من أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش لا تميل لمسألة شن عمل عسكري ضد إيران فإن إسرائيل ستجد نفسها في حينه مضطرة للقيام باتخاذ قرار هو الأخطر من نوعه وأكثرها صعوبة في تاريخ الدولة وهو إعطاء أوامر للجيش الصهيونى بشأن هجوم عسكري فوري ضد إيران , لكن يبدوا أن هناك تغير كبير قد طرأ في موقف كبار المسئولين الصهاينة بالنسبة للأزمة مع إيران , فخلال السنوات السابقة كانت "إسرائيل" تسعي دوماً للتأكيد على أن مشكلة إيران مشكلة عالمية , وأن قرار ضربها بشكل منفرد أمر سيكون له تداعيات بعيدة وواسعة المدى مع العربي والإسلامي ومع المجتمع الدول ككل , وكذلك على الأوضاع الاقتصادية "لإسرائيل".
وتابع حديثه قائلاً:لكن يبدوا الآن الانطباع مختلف تماماً , ففي التصريحات الخاصة من قبل المسئولين "الإسرائيليين" عن الأزمة الإيرانية خلال السنوات الماضية كان التأكيد على عالمية الأزمة , لكن تصريحات المسئولين الأخيرة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الأوضاع الراهنة وضعت إسرائيل في مأزق وهو الأمر الذي يلزمها بالعمل بمفردها ضد إيران ,حتى دون مشاركة من الولايات المتحدة الأمريكية.
وأختتم الباحث الصهيونى تقريره بالإشارة إلي أن هذا التغير في المواقف من قبل المسئولين الصهاينة بشأن الأزمة الإيرانية وعالميتها , وتلك التداعيات والظروف المحيطة من شأنها أن تدفع إسرائيل نحو مواجهة معضلة صعبة للغاية , وأنها تسير في الطريق بمفردها نحو إيران وأن إمكانيات التعاون الدولي من أجل القضاء على تلك الأزمة وإنهاءها قد ولت , وهو ما سيدفع القيادة "الإسرائيلية" لاتخاذ قرار خلال الأشهر القادمة لحل تلك المعضلة , وذلك من خلال أفترض نهائي بأن الرئيس بوش لن يقرر نهائياً دخول الحرب مع إيران وشن هجوم عسكري عليها , وعليها أن تقرر في حينه وتحسم أمرها من مسائلة الهجوم بمفردها على إيران.
كما أنه يجب على "إسرائيل" ويتعين عليها أن تواجه مسألة الحفاظ على مصداقيتها , لأن عدم اتخاذ إجراءات ضد إيران سيكون أمر من شأنه أن يعرض مصداقية "إسرائيل" للخطر وسيظهرها على أنها ليست سوى نمر من ورق وأنها غير قادرة على انتهاج خطوات جادة في تطبيقها لنظرية الردع التي تتبنها منذ قيامها .
وإذا لم تقم "إسرائيل" بخطوات ملموسة وحقيقية لحل الأزمة الإيرانية فأن ذلك من شأنه أن يعرضها لسلسلة طويلة من الأخطار , ولهذا فأن التوقعات تشير إلي أن القيادة "الإسرائيلية" ستحتاج إلي البحث عن أفضل الطرق التي تمكنها من تقليل الأضرار الناتجة عن توجيه ضربة منفردة لإيران , بغض النظر عن ماهية القرار الذي سيتخذ في نهاية المطاف