عمامة الملالي وطاقية اليهود... وحدة الإستراتيجية واختلاف التكتيك

بواسطة علي الكاش قراءة 2556
عمامة الملالي وطاقية اليهود... وحدة الإستراتيجية واختلاف التكتيك
عمامة الملالي وطاقية اليهود... وحدة الإستراتيجية واختلاف التكتيك

عمامة الملالي وطاقية اليهود... وحدة الإستراتيجية واختلاف التكتيك

 

 

بقلم:  علي الكاش

 

يشترك الفرس واليهود في الكثير من السمات فكلا الشعبين يعيش على أساطير وأمجاد الماضي ويدعيان بأن لهما تأريخا وحضارة قبل العرب وامتلكا الأرض التي يسكنها العرب حاليا ويحلمان بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

 

وكلاهما يتبنى نزعة قومية متطرقة ويتعالى عن بقية البشر، وكلاهما يرفض الاندماج مع بقية شعوب العالم، وكلاهما يمجد مبدأ العنف ويكرس رغبة الانتقام من الآخرين باستلهام الروح العدوانية المستمدة من كتب التراث، وكلاهما  يؤمن بالقوة العسكرية لتنفيذ أهدافهما التوسعية، وكلاهما يتمسك بتعاليم مذهبية متطرفة تجعلهم يحتقرون الآخر، وكلاهما يبخس قيمة الشعوب التي تعيش معه ويتعالى عليهم، وهناك أوجه تشابه كثيرة لسنا بصدد البحث فيها في الوقت الحاضر لكننا سنقتصر على الإشارة إلى أوجه التشابه بين الإستراتيجيتين الإسرائيلية والإيرانية تجاه الدول العربية بشكل خاص! فهما أشبه كأرنبين وجدا نفسيهما في حقل من الجزر غاب عنه حارسه وكل منهما عينه على صاحبه خشية من استئثاره بالحصة الأكبر!

 

من الناحية التاريخية هناك تشابه في الأطروحات فاليهود يدعون بأن وطنهم اورشيليم وهي التسمية التاريخية  الواردة في التوراة وتمتد رقعته ما بين نهري النيل و الفرات وأن نهر الأردن هو ضمن خارطة أحلامهم كنهر ثالث وبنوا دعواتهم على هذا الأساس. وهم يعتقدون بأنهم أول من سكن الجزيرة العربية بعد انتصارهم في زمن النبي موسى على شعب العماليق وحلوا محلهم، وما يزال هدفهم هو توسيع أرضهم ولكن لصعوبة الاستيلاء على مناطق عربية أكثر بما لا يتناسب مع عددهم الضئيل فأنهم اكتفوا في الوقت الحاضر بحدودهم  الحالية بعد أن قضموا أجزاءاً من الدول العربية المحيطة بكيانهم لكن هذا لا يعني تخليهم عن أحلامهم التوسعية الصفراء، من جهة ثانية فإن الدعوات الفارسية بعائدية مساحات هائلة من أرض السواد ودول الخليج العربي هي جزء أيضا من تراث قديم يمتد إلى أول إمبراطورية بنوها وتجلت في غزوات متتالية من قبل الدولة الساسانية لدول الخليج العربي فقاموا بغزو البحرين عام(615) ميلادي بعد أن كانت خاضعة لقبيلة ربيعة العربية، كما احتلوا الأحواز وكانت ملحقة بولاية البصرة وتسمى بوابة الإسلام ومن الغريب أنهم أول من أطلق عليها تسمية (عربستان) اعترفا منهم بعروبتها لكنهم بعد ذلك غيروا التسمية بطريقة خبيثة إلى خوزستان لطمس هويتها العربية! مع أنها تمثل امتداد طبيعي لجنوب العراق عبر سلسلة جبال زاكاروس، ورغم كل المحاولات الآثمة التي مارسها الفرس لزرع هذه الخلية العربية الأصيلة في جسمهم لكن المحاولات باءت بالفشل فقد أثبت الأحواز أنها خلية عربية لا يمكن أن تعيش إلا في الجسد العربي وعاجلا أو آجلاً ستتحرر من القيود الفارسية التي أدمت أيديها.

 

ويلاحظ أن الجغرافية النسبية للأطماع الفارسية في المنطقة العربية تتجاوز جغرافية الكيان الصهيوني فهي لا تنحصر بين النيل والفرات كما يدعي اليهود ووثقوه في علمهم بخطين أزرقين. بل تمتد من البوابة الشرقية إلى البوابة الغربية للوطن العربي فأطماعهم في العراق والأمارات العربية والبحرين معلنة وواضحة وعبر عنها الكثير من المسئولين الإيرانيين صراحة بالكلام ومن المعروف أن الحروب والاحتلال تبدأ بالأقوال وتنتهي بالأفعال أو تبتدئ بالتصريحات وتنتهي بالهجمات. رغم أن الاحتلال بحد ذاته مفردة تزحزحت من مكان لآخر ومن زمن لآخر متلبسة معاني مختلفة تتأطر لاحقا وتعطي أبعاداً جديدة لتكشف حقيقتها.

 

موقفهم من العرب وفق الموروثين الفارسي واليهودي يحمل الكثير من الضغينة والكراهية لتشويه صورة العرب من خلال البدع والخرافات والتضليل الإعلامي والحرب النفسية، فكلاهما يؤمن بأنه شعب الله المختار فاليهود غالبا ما يصرحون بأن الله اصطفاهم دون غيرهم من العباد، وهم يحملون الضغينة للعرب ولا ينسون نبوخذ نصر الذي عصف بملكهم ومجدهم السابق وجعلهم أسرى وسبايا في بابل ومن الطريف أن ملك الفرس (كورش) هو الذي أعادهم بعد احتلاله لبيت المقدس. ونجد في وصاياهم ما يشير إلى ازدرائهم لبقية شعوب العالم " إن الأرض التي تدخلون لتمتلكونها هي أرض متنجسة بنجاسة شعوب الأراضي برجاساتهم التي ملئوها بها من جهة إلى جهة بنجاستهم" وتخلص إلى" فلا تعطوا بناتكم لبنيهم ولا تأخذوا بناتهم لبنيكم ولا تطلبوا سلامتهم وخيرهم إلى الأبد" ويردد اليهود عبارات أرض الميعاد وإسرائيل الكبرى والعظمى لتوكيد أحلامهم التوسعية.

 

والفرس أيضا لا يقلون غطرسة فهم يدعون بأنهم شعب الله المختار والفرقة الناجية وقد عجت الكثير من كتبهم بهذه الأساطير وكان الفارسي صدر الدين القبنجي ممثل المرجعية في النجف قد كرر هذه الأسطورة قبل أشهر! والفرس لا ينسون الإسلام الذي أطفأ نار المجوس وعصف بإمبراطوريتهم الواسعة ومرغها بالتراب، ولا يبارح مخيلتهم قول النبي محمد(ص) بعد انتصار العرب في معركة ذي قار" هذا يوم انتصف فيه العرب من العجم"؟ وقد طافت كتبهم بالكثير من الافتراءات ضد العرب وتحقيرهم فكتاب الشاهنامة الذي يسمى( قرآن الفرس) للفردوسي الذي احتفلوا في الأول من شباط الماضي بالذكرى المئوية بعد الألف لميلاده تضمن الكثير من الإساءات واصفا العرب بأنهم آكلة الضب والجراد في الصحاري في حين أن كلب أصفهان أفضل منهم لأنه يشرب الماء البارد، بل أنه يلعن ذلك اليوم الذي بسط المسلمون نفوذهم على فارس وطهروهم من رجس المجوسية بقوله" بلغ الأمر بالعرب مبلغا أن يطمحــــوا فـي تــاج ملك الفرس فتبا لك أيها الزمان وسحقا "وهناك المئات من الكتب التي تسهب في وصف مثالب العرب منها مثالب العرب لابن الكلبي ولصوص العرب لابن المثنى وغيرها إضافة إلى إساءة شعرائهم للعرب كمهيار الديلمي وبشار بن برد وأمية بن الصلت المعروف بشعره:

من مثل كسرى وسابور الجنود له   أو مثل وهرز يوم الجيش إذ صالا

ومازال الإيرانيون يدرسون هذه الكتب والمناهج لأبنائهم ويحفظونهم الأشعار المسيئة للعرب لزرع بذور الفتنة والنزعة القومية العنصرية والكراهية، وكذلك اليهود حيث تتضمن مناهجهم الدراسية منذ الدراسة الابتدائية الكثير من هذه الإساءات، وقد جاء في أحد مناهجهم عن جندي إسرائيلي" أي نوع من الرجال هؤلاء العرب؟ لا يقتلون إلا العزل من الأطفال والنساء والشيوخ! لماذا لا يقتلوننا نحن الجنود"!

 

سياسة قضم الأرض من السمات المشتركة بين الإستراتيجيتين الإسرائيلية والفارسية فالكيان الصهيوني بدأ بأجزاء من فلسطين ثم بدا كفأر يقضم الجبنة الفلسطينية قطعة بعد أخرى حتى تمكن من ابتلاعها كلها ثم بدا يقضم الأرض العربية القريبة جزء من سيناء وآخر من لبنان وسوريا والأردن ودواليك، وكل الدول لعربية المحيطة بالكيان الصهيوني خسرت أجزاء من أرضها. والفرس اتبعوا نفس السياسة فقد احتلوا الأحواز التي فتحها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) وألحق بالبصرة إداريا وكانت تسمى(بوابة الإسلام) بمعنى البوابة الشرقية للأمة الإسلامية. وخضعت إلى عدة غزوات حتى أسس بنو أسد إمارتهم وخلفهم  أمير المشعشين فلاح هبة الله وانتهت الأمر بتحريرها من الفرس وتأسيس إمارة بني كعب سنة 1690 وبدأت إيران تقضم المزيد من الأراضي حسب اتفاقيات أرضروم الأولى والثانية ومنذ عام 1925 استعمرت الأحواز وما تزال تجاهد لتحقيق الاستقلال رغم أنها تقف وحيدة في الميدان دون دعم عربي بل من المؤسف أن الجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة وبقية المنظمات العربية والدولية تجاهلت قضية عربستان ويتعاملون مع هذه القضية كأنها لا تخصهم وإنما تخص الهنود الحمر، وقد ساعدت المواقف العربية المحفوظة في مجمدة العمالة على تمادي الفرس في عدوانهم وأطماعهم ويوم بعد آخر يمد الفرس بساطهم على أرض جديدة ويسحب العرب بساطهم إلى الخلف! الأحواز عربية وستبقى عربية ولا بد أن تتيقظ جذوتها ثانية عند العرب بعد أن أدركوا مغبة تناسيها فقد أرعدت السماء في الأحواز ومطرت في العراق، وأرعدت في العراق فمطرت في لبنان وفلسطين واليمن ومصر والمغرب ستستمر السماء هكذا ترعد حتى تشمل الوطن العربي كله. ويمكن معرفة الخسارة المادية للعرب من اغتصاب الأحواز إضافة إلى الخسارة المعنوية إذا عرفنا بأن شعب الأحواز أكثر من (10) مليون نسمة، وتنتج المنطقة 90% من البترول الإيراني وأن الاحتياطي النفطي يقدر بحوالي(133) بليون برميل وأن مساحة الأرض التي استولت عليها إيران تزيد عن(65) ألف كم2 وأن 99% من ثروة إيران تأتي من هذه المنطقة التي يعاني أهلها من التخلف وشظف العيش والتهجير القسري إلى خارج منطقتهم واستبدالهم بعناصر فارسية إضافة إلى الاضطهاد والقمع والتفريس حيث يمنع السكان من الدراسة باللغة العربية رغم أن الدستور الإيراني سمح بتلك الفقرة ولكنها ركنت جنبا كما تركن عمامات الملالي جنبا وهم يمارسون المتعة بل وصل فكر الملالي لمنع السكان من لبس الشماغ العربي بل واعتقاله لمخالفته تعليمات العمامة، مع كل هذا فأن للتأريخ لسان وسيأتي اليوم الذي تنطلق فيه شرارة الثورة في الأحواز وانتفاضة عام 2005 كانت علامة الدخان المتطاير من البركان الحوزي الذي سبنفجر لتصب حممه على عمامات الشيطان بإذن الله. وليكن شعار كل عربي ( لا تنسوا الأحواز المغتصبة فهي لا تفرق شيئا عن فلسطين) . كما يتوجب على العشائر العراقية بشكل خاص أن تديم علاقتها مع عشائر الأحواز وتمدها بكل العون ولا سيما عشائر الأوس والخزرج وبني كعب وربيعة وطي وتميم وأسد وبني لام وبني مرة وبني سعيد وآل نعمة والزرقان وبقية العشائر التي لها امتدادات في الأحواز.

 

وكما  مرت قضية الأحواز كزوبعة في فنجان في الذاكرة العربية مرت قضية الجزر العربية الثلاث بنفس السهولة ففي الثلاثين من شهر تشرين الثاني عام 1971 استيقظ العرب بكابوس جديد تمثل في احتلال ثلاث جزر عربية هي طنب الصغرى وطنب الكبرى العائدتين لرأس الخيمة وجزيرة أبو موسى العائدة للشارقة ومن المؤسف أن تلحق هذه الجزر في نفس ملف الأحواز ليتراكم الغبار عليها بعد أن تعاملت إيران مع الإرادة العربية بكل احتقار واستهانة، وتأمل العرب خيرا في مجيء نظام الملالي كعادتهم في تبرير تقاعسهم وكسلهم إلى أن تبين لهم أن النظام الشاهنشاهي ونظام الملالي هما وجهان لعملة واحدة فقد تغير جلد الأفعى لكنها بقيت نفس الأفعى! فقد تبين إن شعار الثورة الإسلامية بالتخلص من أرث الشاه لم تكن سوى أشهب خف وميضها واختفت مع تسلم مقاليد الحكم! وقد وصلت صلافة الفرس إلى حد التباهي بفحولتهم لاغتصاب الأمة العربية فعضو اللجنة البرلمانية لشئون السياسة الخارجية والأمن القومي(عوض حيدر بور) حذر دولة الإمارات من مغبة المطالبة بعودة سباياها المغتصبات الثلاث إلى حضنها بل انه صرح بأن" الإمارات العربية نفسها كانت جزءا من السيادة الإيرانية" بل إن زميله البرلماني (داريوش قنبري) وداريوش - أسم بولندي ربما جاء من زواج متعة بين الملة قنبري وإحدى البولنديات- حذر الأمارات بأن مطالبة الإمارات بالجزر يعني اندلاع حرب بين الطرفين منوها بأن الحرب مع العراق كانت بسبب التنازع الحدودي! ومن المعروف أن حكومتي الشاه والملالي رفضت عرض القضية على محكمة العدل الدولية حسب تعبير البرلماني " من غير المنطقي أن تقوم إيران بوضع أراضيها تحت اختيار هذه المحاكم" ورفض أي دولة من دول النزاع الموافقة على عرض القضية على المحكمة يعني استحالة مناقشتها في محكمة لاهاي حسب اللوائح القانونية الخاصة بالمحكمة. 

 

 ومن المعروف أن احتلال هذه الجزر يكمن لأهميتها الإستراتيجية عند مضيق هرمز حيث يمر من خلاله 75% من النفط العالمي.

 

ولم تتوقف شهية الفرس عند هذا الحد فقد كان الخليج العربي مآلهم ليهيمنوا على بحر العرب كاملا فمن المعروف تاريخياً أن الخليج العربي كان بضفتيه الشرقية والغربية للعراق ومن خلال نقض الاتفاقيات التي سنناقشها لاحقا بدأوا بإرواء ضمأهم المصطنع من الخليج حتى أطلقوا عليه تسمية الخليج الفارسي، ومنذ اتفاقية عام 1975 تغير مجرى شط العرب عن خط التالوك الوهمي الذي يمثل الحدود المائية بين البلدان لصالح الجانب الإيراني حيث حصلت على مساحات جديدة من الأرض في الوقت الذي فقد العراق أراضي زراعية خصبة حتى أن جزيرة أم الرصاص أمست في منتصف النهر وأقرب للجانب الإيراني وهذا الأمر الذي دفع الإيرانيين إلى احتلالها تزامنا مع زيارة رفسنجاني إلى العراق.

 

ولم يكتفوا بقضم الأراضي العراقية في مناطق سيف سعد والشلامجة وزين القوس وغيرها بل تمادوا في غيهم بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، فقد أعترف وزير الدفاع العراقي السابق حازم الشعلان بأن الفوضى غير الخلاقة  التي خلفها الغزو أدت إلى توغل إيران في الأراضي العراقية بعمق 5-10  كم جنوب ووسط العراق، بل أنهم عام 2008 استولوا على مناطق حدودية في منطقة مجنون حيث أبار النفط العراقية وتزامنا مع زيارة رفسنجاني الأخيرة للعراق احتلوا جزيرة أم الرصاص العراقية ومع هذا فأن رئيس العراق المنصب الطالباني وصف الزيارة بالمباركة!

 

وهنا من حقنا أن نتساءل هل هناك فرق بين احتلال الصهاينة لفلسطين وأراضي من لبنان والأردن ومصر وسوريا وما بين الاحتلال الفارسي للأحواز والجزر العربية الثلاث والمناطق الحدودية في العراق؟ أليس الاحتلال واحد مع تغير صفة المحتل من الطاقية اليهودية إلى العمامة الفارسية؟

 

عندما ضمت الكويت إلى العراق أقام الغرب والعرب الدنيا ولم يقعدوها وتوحدوا جميعا ضد العراق وكبلوه بحصار اقتصادي لم يشهد العالم له من مثيل، لكنهم لم ينبسوا بكلمة إزاء الاحتلال الفارسي للأراضي العربية؟

 

إن تكون الكويت المحافظة العراقية(19) رغم الحقوق التاريخية فتلك جريمة لا تغتفر! ولكن أن تعلن إيران بأن البحرين المحافظة رقم(14) لها فتلك مسألة فيها نظر؟ أي ازدواجية تحكم العقلين الغربي و العربي؟

 



مقالات ذات صلة