5-6-2014
"إيران أكذوبة كبرها، صنعتها الدولة الغربية، وساهمت في بقائها- إلى اللحظة التي نحياها- لأجل مصالحها في المنطقة العربية والإسلامية، لهذا نجحت ثورة الخميني واستمرت".
الكلام السابق ليس كلاماً مرسلاً، من قبيل نفثات الكارهين وأمانيهم، بل عليه دلائل وبراهين لا حصر لها، ويكيفك أيها القارئ الكريم في ذلك مطالعة ما كتب وقيل عن الدور الغربي في الثورة الإيرانية، وكيف تحمس الغرب لمقدم الخميني الذي رفع شعار تحرير النجف وكربلاء من يد النواصب أعداء آل البيت، وقتل علماء أهل السنة. وكيف اطمئن الغرب على إسرائيل في ظل دولة الخميني الجديدة. وكيف استمر هذا الاطمئنان وهذا الارتياح إلى اللحظة التي نحياها.
المقدمة السابقة ضرورية لقراءة خطاب المرشد الحالي الأخير قراءة صحيحة، حيث ورد كثير من الأفكار والعبارات في خطاب خامنئي الذي ألقاه عند مرقد الخميني في الذكرى الخامسة والعشرين لرحيله، وبثتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية.
وسنعرض لما ورد في هذا الخطاب- مع بيان ما فيه من تزوير وتزييف- في ثلاث وقفات، وهي التالي:
الوقفة الأولى: العداء الإيراني للوهابية والسلفية (أهل السنة):
جاء في خطاب خامنئي قوله: "البعض يحاول اليوم وفي مختلف أنحاء العالم، وتحت مسميات المجموعات التكفيرية والوهابية والسلفية أن يعمل ضد إيران وضد الشيعة وضد التشيع، لكن هؤلاء ليسوا بالأعداء الأصليين، فالعدو هو من يثير ويجند ويمول تلك المجموعات". ووصف تلك المجموعات بأنها "مجموعات جاهلة مغرر بها، ولكن نرى من الضروري الدفاع عن نفسنا أمامها انطلاقا من إيماننا بضرورة الرد علي أي معتد".
ففي هذه الكلمة اعتبر خامنئي الوهابية والسلفية (التي لا تعني في أدبيات القوم إلا أهل السنة) اعتبرها أعداء لإيران وللمشروع الإيراني الشيعي، وذلك لوقوفها في وجه المد الشيعي. فكل ما يقف أمام الشيعية ومشروعهم، هو تكفيري سلفي وهابي، وقل ما شئت من ألفاظ طالما غضب عليك السيد المعمم!!
ثم يتلطف خامنئي بعد ذلك ليقول أن هذه المجموعات (السلفية الوهابية التكفيرية) مغرر بها، وكأنه يشير بطرف خفي، إلى أن وراء هذا العداء قوى خارجية تؤزهم أزاً لمواجهة إيران، وكأنه يشير إلى الدور الغربي في ذلك، وهو إسقاط عجيب؛ لأن الواقع يخالف ذلك، فما نراه الآن تعاون غربي شيعي ضد أهل السنة، وإليك دليل ذلك؛ ما يحدث في العراق وسوريا، وما حدث من قبل في أفغانستان، إلى غير ذلك من الدلائل.
الوقفة الثانية: العلاقة الإيرانية الغربية: عداء، أم وفاق، أم مصالح:
قسم خامنئي دول العالم- في خطابه- من حيث علاقتها بأمريكا إلى ثلاث مجموعات:
- المجموعة الأولى: تضم تلك الدول التي تذعن لأوامر أمريكا... ومثَّل لذلك بصدام حسين!!
- المجموعة الثانية: فتضم تلك الدول التي تحاول أمريكا أن تطابق سياساتها ومخططاتها معها، ولكن حين تتوفر الأرضية، وتقضي الحاجة قد تطعنها من الخلف... ومثَّل لذلك بما يحدث ما بين أمريكا والدول الأوروبية.
- المجموعة الثالثة: وهي تلك التي لا ترضخ لمطالب أمريكا؛ لذلك نراها تستخدم جميع الظروف وشتى الوسائل ضدها، في محاولة لثنيها عن مواقفها إما بهجوم عسكري أو انقلاب أو أساليب أخرى... وأوضح خامنئي أن إيران تمثل هذا النوع من الدول!!
وفيما قاله خامنئي تزوير وتدليس؛ لأن ما نراه واقعا يشهد، بانسجام العلاقة ما بين أمريكا وإيران، ويكفيك أن تعرف أيها القارئ الكريم أن إيران وأمريكا اشتركا في ثلاثة حروب متتالية، وإلى الآن ينعمان بما حصداه من غنائم في هذه الحروب، فلإيران اليد الطولى في الغزو الأمريكي لأفغانستان، وهي الآن تحكم العراق جنباً إلى جنب أمريكا، وتتأهب لنفس الدور في سوريا، فهل بعد ذلك يحق لخامنئي شيئا مما يقول.
ثم لماذا غزت أمريكا العراق مع وجود إذعان من قبل رئيسها كما يزعم خامنئي؟!!
ولماذا يقف الغرب -لا أمريكا وحدها- إلى جانب نظام الأسد؛ رغم أنه حليف لإيران، ورغم معرفة الجميع أن إيران هي من تحارب الآن في سوريا لا الأسد؟!!
حقيقة الأمر أن إيران يصدق عليها ما قاله خامنئي في المجموعة الثانية، فهي دولة تسعى أمريكا إلى تطابق سياساتها ومخططاتها معها، لأجل مصالحها، وهكذا تفعل إيران.
الوقفة الثالثة: إيران وإسرائيل:
جاء في خطاب خامنئي قوله: "للجمهورية الإسلامية الإيرانية كلمة الفصل في سياسات المنطقة، بعد أن استطاعت أن تقف وبكل اقتدار بوجه الكيان المحتل، الذي تدعمه القوى المتغطرسة وأن تدافع عن المظلوم أمام الظالم".
وهو كلام عنتري، لا هدف منه إلا تزييف الوعي وخداع الناس داخل إيران وخارجها، وإلا فالجميع يعلم أن الدولة الإيرانية أحد أكبر العوامل التي ساعدت- ولا تزال- على بقاء الكيان الصهيوني إلى هذا الوقت؟
ثم متى وقفت إيران إلى جانب مظلوم؟ هل بشار الذي يسفك في دماء أهل السنة ليل نهار مظلوم؟ وهل المالكي الذي يتعاون مع أمريكا لإفراغ العراق من أهل السنة ويقتل في شعبه ليل نهار مظلوم؟ لماذا تقف إيران إلى جانبهما؟
ولأن الغرب يعلم هذه السياسية أبقى علي إيران، وساعد في إنجاح ثروتها، وإلى الآن لم يغزها بحجة امتلاكها للنووي، كما فعل مع العراق، لوجود شبهة امتلاكه للسلاح الكيماوي.
ثم إن ما يحدث بين إسرائيل وإيران في الظاهر من بروباجندا إعلامية عدائية، يختلف تمام الاختلاف عما يحدث في الغرف المغلقة والاتفاقات السرية المبرمة بين الجانبين، فالعلاقة الأمريكية مع إيران هي الضابطة للأمور بين إيران وإسرائيل.
خلاصة الأمر أن خطاب خامنئي جاء خطاباً تزويراً، زيَّف فيه الكثير من الحقائق، وهي عادة إيرانية شيعية، ليست بجديدة لا على خامنئي، أو على من سبقه، أو على من سيأتي بعده من حاملي ذات الأفكار.
المصدر : مركز التأصيل للدراسات والبحوث