سنة لبنان .. إلى أين المصير؟
وليد نور
waleed@islammemo.cc
مفكرة الإسلام: في عام 1978، وصف صحفي مصري لبنان فقال: "... إن لبنان يُعد لكي يكون الحفرة التي يساق إليها العرب جميعًا برجالهم أو أموالهم أو بخلافاتهم، إنها الحفرة التي يراد منها أن ينسى العرب ما قبلها، فالإنسان لا ينسى كارثة بكارثة تتلوها يراد بها أن تكون دمارًا يضحى فيها بلبنان، ولكن أيضًا لكي ينسى العرب فلسطين...".
هكذا كانت لبنان في 1978، وفي 2006 عادت لبنان إلى الواجهة من جديد ولكن لا لتكون الحفرة التي يساق إليها العرب، ولكن لتكون نموذجًا مصغرًا لما يجري في المنطقة الأوسع، ولتكون ساحة يعاد فيها رسم المسارات السياسية فيما حولها من دول.
إن ما يجري في لبنان هو التنازع بين المشروع الصليبي الغربي القادم من وراء البحار، والمشروع الشيعي الفارسي القادم من طهران، وما بين المشروعين يقف المشروع السني، إما أن يسقط في يد أحد منهما، أو يسقط صريعًا بينهما، أو تكون الثالثة التي نرجوها أن يستعيد المشروع السني دوره وتاريخه.
ولنزيد الصورة وضوحًا، فنقول: أصبح من نافلة الحديث الإشارة إلى المشروع الأمريكي الغربي الذي يعيث فسادًا في المنطقة العربية والإسلامية، فهو مشروع يجهر أصحابه به ولا يخفوه، أما المشروع الآخر القادم من طهران، فلا ينكر أحد وجوده، وإن كان هناك خلاف حول أهدافه ومراميه، بين من يرى أنه يخدم المشروع الإسلامي، وبين من يرى أن ما حدث في أفغانستان والعراق من تواطؤ مع الاحتلال الأمريكي يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المشروع الإيراني لا يخدم سوى المشروع الصفوي الفارسي.
من هم الأكثرية؟
قبل العدوان الأمريكي على العراق، كثر الحديث وكثرت المزاعم عن أن الأكثرية الشيعية المضطهدة من الأقلية السنية، غير أنه اتضح لاحقًا كذب دعوى الأغلبية الشيعية في العراق، وبان للجميع عبر الدراسات الإحصائية وعبر الواقع أن الأغلبية للسنة وليس للشيعة، والآن مع محاولات تغيير الأوضاع في لبنان عاد الحديث مجددًا عن الأكثرية، وما فتئ حزب الله يشكك في حكومة فؤاد السنيورة بدعوى أنها لا تمثل الأكثرية الحقيقية، حتى ظن كثير من المسلمين أن السنة أقلية في لبنان، بل قدمت إحصاءات تزعم أن الأكثرية للشيعة، غير أن دراسة إحصائية قام بها الباحث "يوسف الدويهي" أثبتت أن الطائفة السنية هي أكثر الطوائف اللبنانية عددًا حيث تمثل (29.6%)، يليها الطائفة الشيعية (29.5%)، ثم الموارنة، وبذلك تكون الغلبة والأكثرية للسنة، وليس كما يظن البعض للموارنة أو للشيعة.
سنة لبنان .. عقود من الاضطهاد:
منذ الحروب الصليبية، وتعد منطقة الشام هدفًا للمشروع الصليبي القديم، ومع عودة المشروع الصليبي في القرن العشرين، كانت منطقة الشام محورًا أساسيًا فيه، وكانت اتفاقية "سايكس – بيكو"، وصارت لبنان من نصيب فرنسا التي لم تخرج منها إلا وقد مكنت للموارنة الحكم، وبعد ضغوط من المسلمين والدول المجاورة، شارك المسلمون في الحكم مناصفة مع الموارنة، لتكون لبنان أول دولة مسلمة تحكم بهذا الشكل، ولم ترضَ الدول الغربية بهذا الوضع، فعملت على إضعاف السنة كلما قويت شوكتهم، فبعد سنوات قليلة من الاستقلال اغتيل رياض الصلح رئيس الوزراء السني في عام 1957 وكان زعيمًا سنيًا قويًا، بعدها بسنوات كان موسى الصدر الشيعي الإيراني قد وصل إلى لبنان وبعد فترة قليلة حصل على الجنسية اللبنانية وبتدخل من الرئاسة المارونية، وقام الصدر بدوره المنوط به؛ حيث دعا إلى إنشاء المجلس الشيعي الأعلى، وبذلك انقسم المسلمون إلى سنة وشيعة، وكان ذلك إضعافًا جديدًا للمسلمين في لبنان أمام الموارنة.
واندلعت حرب لبنان بين السنة من جهة والموارنة من جهة، وتدخلت القوات السورية لما رأت الكفة تميل لصالح السنة ووقفت بجوار الموارنة وقامت حركة أمل بزعامة نبيه بري، وكان من بين أعضائها حسن نصر الله، بدورها في إيقاع أبشع المجازر باللاجئين الفلسطينيين.
وانتهت حرب لبنان على عدة حقائق تمثلت فيما يلي:
1 ـ إضعاف السنة، وتم ذلك عبر العديد من الأمور نجملها في النقاط الآتية:
ـ إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وتحجيم دور اللاجئين الفلسطينيين داخل مخيماتهم.
ـ القضاء على حركة "المرابطون"، وكانت حركة سنية مسلحة، كما قامت قوات الفجر التابعة للإخوان المسلمين بتسليم أسلحتها، وبذلك نزع سلاح الطائفة السنية.
ـ اغتيال زعماء السنة البارزين، حيث اغتيل في تلك الحرب، الشيخان صبحي الصالح وحسن خالد مفتي لبنان، واغتيل رشيد كرامي رئيس الوزراء السني.
وبذلك أضعفت الطائفة السنية، إضافة إلى الدور الذي قامت به القوات السورية في مطاردة أي نشاط سني والعمل على تحجيم قدرات السنة.
2 ـ بروز "حزب الله" كقوة مقاومة في الجنوب اللبناني، وصاحب ذلك فتور في شهرة حركة أمل، وكان خروج "حزب الله" من رحم حركة "أمل" محاولة للابتعاد عن المجازر التي ارتكبتها أمل بحق الفلسطينيين، وقام "حزب الله" باحتكار الجنوب اللبناني ومنع أية حركة سنية مقاومة من العمل هناك، وساعده في ذلك الوجود السوري.
وبعد سنين من التدخل السوري في لبنان، أرادت أمريكا إعادة رسم الأوضاع من جديد، فكان اغتيال الحريري وما تبعه، وعادت لبنان إلى الواجهة، وتأزم الوضع حتى كثر الحديث عن إمكانية اندلاع حرب أهلية، ولكنها هذه المرة ستكون ـ إذا شبت، وهو أمر مستبعد ـ بين السنة من جهة وبين الشيعة من جهة، وعلى الجهتين تنقسم الطائفة المسيحية، وبذلك يكون السنة هي الطائفة المستباحة في لبنان، ففي القديم يشتبك معها النصارى، وفي الحديث يشتبك معها الشيعة، فكل من أراد أن يزيد من نفوذه لم يجد إلا السنة.
مشاكل السنة السياسية:
قبل الحديث عن مشاكل السنة في لبنان، نستعرض القوى السنية اللبنانية، والتي نستطيع تقسيمها إلى ثلاثة تيارات كبيرة، يندرج تحتها عدد من الفاعلين السياسيين:
1- العائلات السياسية:
تتميز الساحة السياسية اللبنانية بالتأثير القوي للعائلات، حيث تورث العائلات لأبنائها العمل السياسي والأتباع، ويوجد بين السنة عدد من تلك العائلات، من أبرزها آل الصلح وسلام وكرامي، وانضم إليها مؤخرًا عائلة الحريري، وتحتكر هذه العائلات في الغالب العمل السياسي.
2- الحركات الإسلامية:
والمقصود بها التيارات الإسلامية المستقلة، ويأتي على رأسها "الإخوان المسلمون" المتمثلة في الجماعة الإسلامية بلبنان، ثم التيارات السلفية، وهناك بعض المتأثرين بفكر تنظيم القاعدة، ويتباين موقف هذه الحركات من الأوضاع السياسية في لبنان بشكل لافت.
3- دار الإفتاء:
في المجتمعات الطائفية، يكون لعلماء الدين دور بارز في توجيه أبناء الطائفة، ومثل بقية الطوائف، تحتل دار الإفتاء موقعًا هامًا عند السنة، ويتميز علماء الدين اللبنانيون بدرجة عالية من الوعي، كما أخرجت دار الإفتاء عددًا من الزعماء البارزين مثل الشيخ صبحي الصالح، والمفتي حسن خالد، إلا إنه تم إضعاف دورها عقب الحرب الأهلية.
هذه أهم القوى السنية الفاعلة في الساحة اللبنانية.
أما المشاكل التي يعاني منها السنة في لبنان، وتسببت في ضعفهم وقلة فاعليتهم فتتمثل في النقاط التالية:
ـ تمزق السنة: يعاني السنة من تمزق واضح في المواقف السياسية، فالجماعة الإسلامية تميل لموقف حزب الله، وأغلب العائلات السياسية ترفض ما تقوم به عائلة الحريري، وهكذا، فإن طائفة السنة لم تستطع تشكيل موقف سياسي موحد لها، وذلك مقارنة بالطائفة الشيعية والتي نحت خلافاتها جانبًا وقام حزب الله وأمل بتشكيل غرفة عمليات مشتركة منذ الحرب، وانضم نبيه بري إلى المعارضة رغم موقعه كرئيس للبرلمان، فهذا التوحد في الموقف الشيعي، لا نجد مثيله في الموقف السني.
ـ ضعف القيادة الدينية: منذ استشهاد المفتي حسن خالد، وهناك إصرار على إضعاف دور القيادة الدينية السنية في لبنان، وقد تحقق ذلك عبر جعل مفتي الجمهورية اللبنانية موظفًا لدى الدولة اللبنانية، ورفض الدعوات التي طالبت بتأمين وضع مالي مستقل للقيادة الدينية الرسمية يكفل لها الاستقلال السياسي والشرعي، ولعل من دلائل ذلك الضعف أن منصب مفتي طرابلس شمال لبنان لا يزال شاغرًا منذ سنتين.
ـ إضعاف الزعامات السنية: عمل الوجود السوري على إضعاف الزعامات السنية، غير أن نظام العائلات السياسية تسبب كذلك في ضعف الزعامات السنية، حيث عملت كل عائلة على تحقيق مصالحها وأهدافها بالدرجة الأولى واحتكار العمل السياسي، وأقرب الأمثلة على ذلك ما تفعله عائلة الحريري مع بقية زعماء السنة أمثال سليم الحص وعمر كرامي وتمام سلام، فهم وإن كانوا على خلاف مع عائلة الحريري إلا إن من أكبر الخطأ إقصاءهم عن العمل السياسي، بل وتقديم "سمير جعجع" قاتل رشيد كرامي عليهم، مما يسبب تمزق الطائفة السنية.
ـ الفشل في صياغة موقف مستقل: ومن أكبر مشاكل السنة فشلهم في صياغة موقف مستقل، فهم ما بين الميل لحزب الله تحت شعار تحرير فلسطين (الجماعة الإسلامية)، وما بين الميل للمشروع الأمريكي تحت شعار تحرير لبنان من الوجود السوري (عائلة الحريري)، ولا سبيل للخروج من هذه المعضلة سوى بصياغة مشروع سني مستقل يجمع بين مقاومة الاحتلال الصهيوني، ومقاومة الغزو الفارسي الشيعي.
لا تنتظروا أحدًا:
أما السبيل للخروج من المأزق الذي يعيشه السنة في لبنان، فإننا نقول لهم ونقول لكل السنة في العالم المسلم: "لا تنتظروا أحدًا، فلن يأتي أحد".
نعم لا تنتظروا حزب الله فلحزب الله أجندته وأهدافه، وها هو يصرح بعداوته لكم وينقل معاركه من الجنوب إلى بيروت، ويرسل مقاتليه إلى العراق لقتل إخوانكم السنة هناك.
لا تنتظروا إيران فأهدافها صارت واضحة لكل ذي عينيين، وها هي بعد أن ساعدت الأمريكيين على احتلال أفغانستان والعراق، وارتكب أتباعها أبشع المجازر بحق أهل السنة، ها هي تتحرك استجابة لتوصية لجنة بيكر لمناقشة الوضع في العراق.
ولا تنتظروا سوريا فجرائمها في حقكم معروفة مشهورة.
وبالطبع لا تنتظروا أمريكا أو إسرائيل، فأهدافهما معروفة وجرائمهما مشهودة.
وليكن كلامنا مفيدًا، نقول: إن على سنة لبنان تأسيس مجلس إسلامي أعلى يضم علماء الدين وقادة السياسة من أجل بناء موقف سياسي موحد، ولا يحق لأحد الخروج عن مرجعيته، ويكون هذا المجلس شاملاً لكافة التيارات السنية حتى يكون قراره موحدًا ومستقلاً، ولمن يرى في كلامنا هذا خيالاً نذكره بأن الشيعة في لبنان لم تصل إلى ما فيها من قوة إلا ببداية مثل تلك عندما أنشئ المجلس الشيعي الأعلى، فيجب على أهل السنة توحيد موقفهم وصياغة موقف مستقل موحد.