تفسير الذي يجري للفلسطينيين في العراق؟؟

بواسطة أ. عماد صلاح الدين قراءة 2011
تفسير الذي يجري للفلسطينيين في العراق؟؟
تفسير الذي يجري للفلسطينيين في العراق؟؟

تفسير الذي يجري للفلسطينيين في العراق؟؟

أ. عماد صلاح الدين

حذرت في أكثر من مقال ومناسبة ، أن الذي يجري للفلسطينيين في العراق ، أمر خطير للغاية ، وان المقصود من أعمال القتل والاغتيال والاختطاف والملاحقة والتشريد الذي يتعرضون له ، هو حقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجّروا عنها واخرجوا منها جبراً وقسراً ، وكنت قد أشرت في كثير من المرات ،أن هذا الذي يجري بحقهم هو عبارة عن مخطط أمريكي - إسرائيلي ، تنفذه على الأرض مجموعات ميليشياوية طائفية عراقية موالية للحكومة العراقية، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه القوات الأمريكية وفرق الموساد المنتشرة في العراق .

الغرض النهائي لهذا المخطط هو كسر إرادة الفلسطينيين، التي بقيت قوية وصلبة عبر أكثر من نصف قرن بتمسكها بحق العودة ورفض جميع مشاريع التوطين ، التي طرحت كبديل عن حق العودة ، إن المخطط يعمل على قلب حياة الفلسطينيين إلى جحيم في العراق ، وليس فقط في العراق ، بل بعد ما مرحلة العراق ، حيث علوق هؤلاء اللاجئين على الحدود في ظروف حياتية غاية في القسوة والمأساة يندى لها جبين الإنسانية ، وليس أدل على ذلك، ما يعانيه هؤلاء اللاجئون على الطرف الحدودي مع الأردن في مخيم الرويشد الذي يقيمون فيه منذ الغزو الأمريكي للعراق ، يبدو أن المخطط الآنف الذكر، والذي تتواطأ في تنفيذه، عديد من الأطراف في المنطقة ، يعمل على تشتيت شتات اللاجئين الفلسطينيين في المنطقة ، ليصار بعد ذلك وبفعل حالة الإحباط واليأس التي يعانيها فلسطينيو العراق ، والتي خططت لها أمريكا وإسرائيل وأطراف أخرى ، إلى نقل هؤلاء اللاجئين إلى مناطق وبلدان خارج النطاق الإقليمي في دول أوروبا الغربية، وعلى رأسها كندا والنرويج وبعض الدول الاسكندينافية ، ليكون هذا الأمر بمثابة العينة التجريبية، حول إمكانية القضاء على حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم ، بحيث- لا سمح الله- إذا نجح هذا المخطط ، ستعمل الأطراف، التي هي ضد حق العودة ،على تطوير هذا المخطط وتوسيعه مستقبلاً، في إطار المخطط الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة ، حيث الأولى تريد تحويل المنطقة إلى كانتونات طائفية ومذهبية، لتسهل السيطرة على ثرواتها ومقدراتها ، وحيث الثانية ستجد الفرصة مواتية في ظل هذا الموزاييك ، لدفع أطراف مذهبية وطائفية أخرى للعمل على تحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم، ليسهل بالتالي تشتيتهم مرة أخرى، وبالتالي العمل على توطينهم ، بعد القضاء على سيكولوجية الأمل الجمعي لديهم في التمسك بحق العودة ، ولذلك يأتي سؤالنا المتكرر مراراً وتكراراً، لماذا لا تسمح السلطات الأردنية للفلسطينيين في العراق ، وبالأخص العالقين على حدودها في مخيم الرويشد بالدخول إلى أراضيها ، علماً أن عدد فلسطينيي مخيم الرويشد لا يتجاوز بضع مئات قليلة ، في حين أن الأردن يستوعب أكثر من 600 ألف عراقي على أراضيه . ولذلك فإننا ننظر بعين الشك إلى تلك الصفقة التي عقدتها الحكومة الأردنية مع كندا، وتحت إشراف المفوضية السامية للاجئين، بنقلهم إلى الأراضي الكندية.

ما يخفف من المصيبة التي تقع على رأس الفلسطينيين ولاجئيهم بشكل خاص ، أن مواقف سوريا كانت ايجابية إلى حد ما في قضية فلسطينيي العراق ، حيث سمحت لأعداد منهم بالدخول إلى أراضيها ، وبنت لهم مخيمين على أراضيها، وهما مخيم أبو الهول وخالد . لكن في كل الأحوال، يبقى هناك أكثر من 700 فلسطيني في مخيم التنف على الحدود مع سوريا، وهؤلاء يعيشون ظروفاً حياتية ومعيشية وصحية قاسية جداً ، نأمل من الحكومة السورية ، أن تسمح لهم بدخول أراضيها مؤقتاً ، ريثما تسنح الفرصة، في عودتهم إلى ديارهم ، أو إلى الضفة والقطاع، إلى حين تحقق حقهم في العودة إلى أراضيهم وممتلكاتهم .

قبل أيام قلائل ، قام مبعوث الرئيس محمود عباس اللواء جبريل الرجوب بزيارة إلى العراق، لبحث موضوع الجالية الفلسطينية فيه . أنا شخصياً، كنت أتوقع أن هذا التحرك يأتي في سياق فهم ما يجري للفلسطينيين في العراق ، ومن هي الجهات التي تقف وراء أوضاعهم المأساوية؟؟ وبالتالي كنت أتوقع أن اللواء جبريل الرجوب جاءت زيارته من أجل العمل على إخراج هؤلاء الفلسطينيين من دوامة الذبح التي يتعرضون لها في العراق!! ، ليتم نقلهم إما إلى الدول العربية المجاورة ، أو أن يجري العمل من خلال الطرح، الذي تقدمت به وزارة شؤون اللاجئين، بإدخالهم إلى الضفة والقطاع إلى حين عودتهم الحقيقية إلى مدنهم وقراهم وبلداتهم التي هجروا عنها ، لكن للأسف، ذهب مستشار الرئيس لكي يطلب الأمن من الحكومة العراقية التي هي نفسها ومليشياتها الطائفية تقوم بذبحهم واختطافهم وملاحقتهم ، وحتى وان تعهدت الحكومة العراقية له بذلك ، فالفلسطينيون ملاحقون من المليشيات الدموية، بل إن الخطر يحدق بهم في كل مكان في العراق ، طبقاً للمخطط الذي أظن انه لم يغب عن السيد الرجوب ، ولذلك لاحظنا الاستنكار الشديد من الفلسطينيين في العراق، من موقف اللواء جبريل الرجوب ، اللذين أكدوا بان الرجوب لم يكلف خاطره بزيارة تجمعاتهم والاطلاع على معاناتهم ومطالبهم ، بل اكتفى بلقاء الحكومة العراقية الميليشياوية، ثم ليعلن من على الجزيرة مباشر بأن الفلسطينيين يرغبون في البقاء في العراق ، ولينفي التسريبات التي تحدثت عن إمكانية استقبالهم في كردستان العراق ، ولذلك فهم يطالبون بإخراجهم من العراق ، لأن العراق أصبح ساحة لتجربة ومحاولة القضاء على حق العودة ، من خلال قتل الفلسطينيين وإذلالهم،  وبالتالي العمل على تهجيرهم وتوطينهم خارج حدود المنطقة ، ولهذا اعتبروا ما صرح به الرجوب حول رغبتهم في البقاء في العراق بأنه محض تقول ليس إلا ، وبان السيد الرجوب يريد تحقيق مكاسب إعلامية وسياسية على حساب فلسطيني العراق ، هذا بالإضافة إلا أن هيئة الأمم المتحدة ، وكذلك منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية" human rights watch "، قد أصدرتا تقارير تثبت مدى الخطر الذي يحدق بالفلسطينيين في العراق، وبالتالي حول ضرورة العمل على إخراجهم من هناك .

لتلافي ما يتعرض له الفلسطينيون في العراق، من مخطط للتآمر على حقهم في العودة ، ينبغي إتباع أحد طريقين كعلاج عاجل ومؤقت ، الأول : هو أن يصار إلى العمل على إدخالهم إلى الأراضي المحتلة ، وهذا يحتاج إلى جهد السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وجهد الأطراف الإقليمية والدولية للضغط على إسرائيل بالسماح لهم بالدخول ، والثاني : أو أن يتم إدخالهم إلى أراضي الدول المجاورة وبالتحديد الأردن وسوريا بشكل مؤقت ، إلى حين عودتهم إلى أراضيهم ، علماً أن مجمل عدد الفلسطينيين في العراق يصل إلى 15 ألف شخص. البديل عن ذلك ، هو تنفيذ المخطط الرامي إلى محاولة تكريس سابقة بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات الأوروبي ، بعد أن يتم زرع اليأس والإحباط  في نفوسهم ، من خلال الجرائم والمآسي المختلفة التي ترتكب بحقهم ، سواء في العراق ، أو ما يؤول إليه حالهم على الحدود المجاورة للعراق .

أخيراً، أود الإشارة إلا انه لا يمكن التعويل في تحقيق الأمن لفلسطيني العراق على حكومة مثل حكومة المالكي ، التي تعجز أصلاً عن حماية العراقيين أنفسهم، بل هي متورطة في العديد من الجرائم ، بل إن هذه الحكومة للأسف الشديد، وكما تحدثت مصادر أجنبية وعلى رأسها الاندبندنت أون صنداي" the independent on Sunday  " البريطانية، متواطئة مع الأمريكان وشركائهم في نهب النفط العراقي وسرقته ، من خلال ما يسمى "بقانون النفط" ، وبما يشكل أكثر من 70 % من احتياطي العراق من النفط ، في حين أن العراقيين يقفون في طوابير من اجل الحصول على ليترات من البنزين ، فهل أدرك اللواء الرجوب هذه الحقيقة قبل أن قام بزيارته تلك، و صرح بتصريحاته المباشرة على الجزيرة  ، التي أساءت فلسطينيي العراق وآذت جهودهم وصيحاتهم ومناجاتهم الإعلامية العديدة، التي نادت بإخراجهم من عراق الدم والاغتيال والاختطاف والملاحقات.

 

* كاتب وباحث في مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان – نابلس

 



مقالات ذات صلة