المعضلة الإيرانيَّة ـ الأمريكيَّة ودور العلماء!

بواسطة خبَّاب بن مروان الحمد قراءة 2425
المعضلة الإيرانيَّة ـ الأمريكيَّة ودور العلماء!
المعضلة الإيرانيَّة ـ الأمريكيَّة ودور العلماء!

المعضلة الإيرانيَّة ـ الأمريكيَّة ودور العلماء!

 

خبَّاب بن مروان الحمد *

 

في صدى التطورات الهائلة للأحداث التي تخوض غمارها (منطقة الشرق الأوسط)، تعمُّ هذه المنطقة حالة من حبس الأنفاس والترقب الفكري والسياسي لما ستؤول إليه مخاضات المد والجزر في سياق توتر العلاقات بين أمريكا وإيران التي يرتفع طوفانها ويزداد حيناً فحيناً.

 

وهناك عجَاجٌ يلوح في الأفق من خلال تصاعد شدَّة الخلاف بين قادة أمريكا وإيران ، كما نرى ونشهد حشد الأساطيل البحريَّة الخاصَّة بالولايات المتَّحدة قبالة الساحل الإيراني! حيث يذكِّرنا ببدايات الحرب الحقيقيَّة على بلاد الرافدين.

 

كما نجد الوضع في منطقة الخليج العربي ؛ حذراً ومترقباً لكل جديد ، حتى إنَّ هناك تصريحات تصدر من قادة البلاد الخليجيَّة ، بأنَّهم يراقبون الوضع عن كثب ، بل أعلنت الكويت عن استعداداتها لمواجهة مخاطر حرب إيران المقبلة، وكشفت صحيفة (الصنداي تلغراف) البريطانية الصادرة يوم الأحد 11 فبراير، عن وجود صفقات أسلحة بالمليارات، تقوم دول الخليج بإبرامها بهدف شراء أسلحة أمريكية وأوروبية! وكلُّ هذا يدلِّل دلالة واضحة على استعدادات تجري في المنقطة ، حيث سيكون للكل موقف حيال الضربة الأمريكيَّة المتوقَّعة لإيران.

 

أمَّا المفكِّرون والمحللون السياسيون فحالهم تختلف في استقراء الواقع وتتبع الأحداث، والتحليلات السياسيَّة تختلف من رجل إلى آخر ؛ فهناك من يجزم أنَّه ستكون هناك ضربة أمريكيَّة لإيران ، بيد أنَّ هؤلاء ينقسمون إلى :

 

ـ من يرجِّح ضرب المفاعلات النوويَّة الإيرانيَّة ، حيث إنَّ كثيراً منهم يرى أنَّه ستكون نتائج هذا الأمر مخيفة ومروعة من نواحٍ سياسيَّة واقتصاديَّة بل وصحيَّة ؛ حيث الوباء والبلاء الصادر من تلك المفاعلات والأضرار الناجمة على أهل إيران نفسها ودول الجوار.

 

ـ وآخرون يرون أنَّ أمريكا ستضرب أولاً ثمَّ تدخل إيران وسيكون هناك مرج وهرج شديدان ، بين الأمريكان والإيرانيين ، وحركات مقاومة ستظهر على السطح وأمور لا يعلم بها إلا الله!

 

ـ ويرى آخرون أنَّ ما يجري لا يعدو أن يكون نوعاً من الحرب الباردة الأمريكيَّة ـ الإيرانيَّة ، وأنَّ الحرب لن تقوم ، فكيف تقوم الحرب والمصالح الأمريكيَّة / الإيرانيَّة تتقاطع في بلاد الرافدين ، ولهذا فإنَّهم يرون أنَّه سيكون هناك دعم لأطراف وجهات أقرب إلى الاعتدال ـ بحسب الرؤية الأمريكية ـ على حساب خط نجاد وخامنئي!

 

ـ وهناك جهة كامنة لم يظهر رأيها إلى الآن ، وهم علماء أهل السنَّة حيث لم يقولوا كلمتهم ولم يظهروا رأيهم المستقبلي في إدارة الأزمة القادمة ، على أصول فقه السياسة الشرعيَّة ؛ ليكون لهم دور داخل معادلة التحدي ومسرح الأحداث ، فإنَّ دورهم جليل وشريف ، ومن المهم أن يفحصوا ويسبروا الوضع القادم جيداً ، ثمَّ يكون لهم دور واضح وجريء وصادق وموضوعي حيال ما سيجري في حال الضربة الأمريكيَّة لإيران، والعظائم التي ستكون بعدها ، من اختلاط الأقوال ، وتضارب الآراء!

 

نعم ! قد يكون لبعض العلماء رؤية محترمة بأنَّ ما بين أمريكا وإيران لا يعدو أن يكون تهارش خفيف، وأنَّه لن تكون هناك ضربة قادمة لإيران ، وهذا رأي محترم ، والرأي مشترك في تقدير الأحداث قبل وقوعها ، والكل يدلي بدلوه ، ولا بأس ولا غضاضة في ذلك ، فإنَّ تغاير الآراء في تقدير الظروف السياسيَّة والمستقبليَّة المحتملة ، له نتائج جيِّدة ، ولو لم يكن من ذلك إلاَّ الإنضاج العقلي لكيفيَّة تقدير الأمور وتحليلها.

 

ولكن لنفترض أن الضربة حدثت ! أليس كان من المهم أن يكون لأهل العلم رأي مبني على فقه السياسة الشرعيَّة ، وكيفيَّة التعامل مع حدث خطير كهذا؟ إنَّ من يقرأ في متون العلماء السابقين وكتبهم وشروحاتهم ، سيجد عجباً من التَّحدث عن قضايا فقهيَّة لم تقع ، ومن ثمَّ إطلاق الأحكام المناسبة عليها ، ـ وإن كان بعض أولئك الفقهاء يتكلَّفون في إيراد تلك المسائل ولا شك ـ بيد أنَّ العلماء كانوا يرون في ذلك جدة في الطرح الفقهي الذي يفتِّق الأذهان ، ويعطون فيها رأيهم المستقبلي، وتكون هذه المسألة متداولة النقاش في موائد العلماء، فما المانع إذاً أن يكون لأهل العلم دور في صناعة القرار ، وإدارة دفَّة الأزمة ، حتَّى لا تتفاقم المشكلات ولا يتَّسع الخرق على الراقع ، فإنَّ تأريخنا الحاضر أبدي عيوباً كبيرة في تناولنا للأزمات وكيفيَّة التعامل معها ، فخرجنا ـ وللأسف ـ من تلك الأزمات بأزمات أخرى!

 

وفيما يبدو فإنَّ منطقتنا مقبلة على طوام ودواهٍ الله أعلم بها ، وسيكون لعملاء أمريكا دور فيها، وسيكون للمنافقين وغيرهم ، رأي وعمل ومنهجيَّة ، كلٌ حسب منطلقاته أو أهوائه !

 

كما أنَّه من المتوقع أنَّه سيكون شيء من الاختلاف بين الإسلاميين في تقدير ذلك الحدث ، والرؤية الشرعيَّة له، كما حصل سابقاً خلاف في الرأي حين قامت الحرب بين منظمة (حزب الله) والعدو الصهيوني ، وكيف كانت مواقف الإسلاميين مختلفة في تقدير الحدث والتعامل معه.

 

ومن هنا فإنَّ الأعناق مشرئبَّة لموقف علماء السنَّة ؛ فإنَّه ينبغي أن يدرسوا القضيَّة بكلِّ أبعادها الشرعيَّة والسياسيَّة والإستراتيجية، وتكون لهم نظرة إسلاميَّة ناضجة قبل هذا الحدث ، وينظروا في غور أعماقه، ويستشعروا خطورة المسألة ، ويُفْتَرَض أن يستبق العلماء الأحداث ببيان دور الأمَّة ، وفرض الاحتمالات عند وقوع المتوقَّع.

 

إن التفكير المستقبلي للأحداث ليس رجماً بالغيب ، ولكنَّه بعد النظر ، وعمق الرؤية ، وفقه للمآلات قبل أن تقع الأحداث ، ولهذا كان من المهم أن يكون للعلماء الربَّانيين ، في المرحلة القادمة دور واضح يجمعون به بين الرأي الشرعي والسياسي ، وأمام هذه المسألة المهمَّة يجد المرء نفسه إزاء أسئلة ملحَّة:

 

• ما دور العلماء في إدارة هذه الأزمة ، وصناعة القرار الحكيم فيها؟

• ماذا يمكن أن نفعل لوقف الحرب أو الاصطفاف مع المحق في ذلك ، وتحديد الظالم من المظلوم، أو على الأقل تحديد موقف مختلف عن الطرفين وليس الحياد؟

• ما الموقف الشرعي في حال ضرب أمريكا لإيران؟

• ما الموقف الشرعي في حال ردَّت إيران الضربة على بعض دول الخليج؟

• كيف سيكون موقف الشعوب في هذه الأحوال المتلاطمة؟

• ما دور الملايين من أهل السنَّة في إيران تجاه هذه الحرب؟ والذين يقدَّر عددهم حسب الإحصاءات شبه الرسميَّة ، حيث يتراوح عددهم بين 14 إلى 19 مليون سني يشكِّلون نسبة تتراوح بين 20ـ 28% من الشعب الإيراني.

• هل للمشروع الرافضي الإيراني دور توسُّعي يهدد المنطقة عموماً والخليج خصوصاً ، وإذا كان لهم دور توسعي ، فما الموقف المناسب تجاه ذلك ، وحينها فأيُّهما الأخطر والأسوأ في هذه المرحلة المشروع الأمريكي أم الإيراني ؟

• لو رأينا ـ مثلاً ـ أنَّ كلا المشروعين خطران فهل الحياد هو الموقف الصحيح؟ وما إيجابيَّاته وسلبيَّاته؟

• هل من الشريعة والواقعيَّة المنطلقة من ثوابت الشريعة أن يكون حالنا مع أمريكا وإيران كما يقال: اللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرج المسلمين من بينهم سالمين غانمين؟

• وهل ستكون المسألة بهذا البعد الاستراتيجي؟

• في حال انتصار أي من الدولتين على الأخرى ، ما الموقف الذي سيكون لأهل السنَّة حيال ذلك؟

• ما نصيحة العلماء لحكَّام المنطقة وخصوصاً حكَّام الخليج؟ وهل الحل موافقة حكَّام الخليج بحجَّة الإكراه من قبل أمريكا على أن تكون ممرَّاتها الجويَّة وقواعدها العسكريَّة لضرب إيران؟

• ما الأبعاد المترتِّبة في حال نشوب الحرب بين إيران ودول الخليج ـ لا قدَّر الله ـ ، حين تخرج أمريكا من دول الخليج لتجعلها مشبَّ حروب وتشتعل فيها الفتن الملتهبة؟

 

الحقيقة أنَّ إثارة هذه التساؤلات والإجابة عنها في ندوات متتابعة ، من خلال الاتِّصال بين علماء الإسلام في الشرق والغرب ، من القضايا الجديرة بالاهتمام في جدول أعمالهم، وكم نتمنَّى أن تكون أجواء اللقاءات مفعمة بالعلم والدراسة والتحقيق لحادثة معضلة يخشى أن تقوم على ساقها مستقبلاً ، وتكمن في تلك اللقاءات روح الاستقلاليَّة والموضوعيَّة ، وهذا كله سيخلق جوَّاً من التفاهم بين العلماء، وكلّ منهم يفهم وجهة نظر أخيه الشرعيَّة ومنطلقاته.

 

كما أنَّه من المهم استفادة العلماء من خبراء التخطيط الاستراتيجي ، وقراءة تحليلات وآراء المهرة في التحليل السياسي والاستماع والتدقيق في آرائهم ، ومعرفة الأهداف من هذه الضربة، ومعرفة وجهة النظر الإيرانيَّة بإصرارها على خيارها.

 

ومن الجيد كذلك الاستعانة بعلماء ودعاة ومفكري السنَّة الإيرانيِّين، ومعرفة حال أهل السنَّة هناك ونظر الحكومة الإيرانيَّة إليهم ، وكيف سيكون موقفهم مع سكَّانها من أهل السنَّة ، ومعرفة آرائهم فيما يجري ؛ فأهل إيران في كثير من الأمور سيكونون أدرى وأخبر بحقائق الصراع ، ومآلات نشوب العداوات ، وإن كان الأمر ليس على إطلاقه.

 

وعليه : فإنَّ من المتوقَّع أنَّ موقف العلماء سيكون مختلفاً في تقدير الأحداث والتعامل مع الوضع القادم ، بيد أنَّه من المهم أن يتَّفق العلماء على قواسم مشتركة مهمَّة ، كما أنَّه من المهم جداً أن يهتم العلماء بأن يلتقي كل طرف منهم له رؤية مغايرة بالطرف الآخر الذي يغايره؛ ويسأل كل منهم عن السبب في الاختلاف في ذلك ويفحص ويمحِّص في تلك العلل والمناطات التي انطلقت رؤية ذلك العالم منها ، فإنَّ هذا سيعطي للقضيَّة بعداً وموقفاً أظن أنَّه سيكون أقرب إلى الموضوعيَّة والإنصاف والتعاذر إذا كانت المسألة محتملة بناء على فقه السياسة الشرعيَّة ، والله أعلم وأحكم.

 

* باحث وداعية فلسطيني.

 



مقالات ذات صلة