أمريكا وإيران سيناريوهات التحالف والصدام

بواسطة د / محمد مورو قراءة 702

أمريكا وإيران سيناريوهات التحالف والصدام

د / محمد مورو

 

مفكرة الإسلام: أمريكا وإيران هل يتم تحالف نهائي بين الطرفين، أم تصل الأمور إلى نوع من الصدام المحدود أو الكبير. وما أثر حدوث أي من هذين السيناريوهين على المنطقة.

بداية فإن المحلل الأمريكي المعروف توماس فريدمان قال في مقال قريب له إن التحالف الأمريكي الإيراني سيكون هو الحدث الأهم في القرن الحالي... أي القرن الواحد والعشرين.. ولكن هل الأمور بتلك البساطة.

في السياسة ليس هناك تحالف مطلق أو صدام مطلق، وحتى في حالة التحالف فإن كل طرف يلعب أوراقه للحصول على أكبر قدر من المكاسب عندما يتفق الطرفان، وفي الصدام دائمًا تكون هناك خطوط وقنوات خلفية للحوار – حتى لا يخرج الصدام عن السيطرة، ومحصلة هذا أو ذاك هو ما نراه الآن في العلاقة الأمريكية الإيرانية.

الخطاب الأمريكي المعلن هو الهجوم على إيران، واعتبارها الرمز الأكبر لمحور الشر، وفي الخطاب الإيراني المعلن فالعكس صحيح على طول الخط. مع الأخذ في الاعتبار هنا أن ما كانت تعلنه الثورة الإيرانية إبان سنواتها الأولى، وما كان يقوله الزعيم الإيراني آية الله الخوميني عن أن أمريكا هي الشيطان الأكبر، وذلك بمناسبة وبدون مناسبة قد ضعف الآن كثيرًا ولكنه لم يتلاش تمامًا، بل إن صعود ما يسمى بالإصلاحيين في إيران لمدة 8 سنوات إبان حكم آية الله خاتمي، كان جزءًا من التكتيك الإيراني لمحاولة جر أمريكا إلى التفاهم، ولكن حال دون ذلك عدد من الموضوعات والقضايا والملفات، المهم أن سبب سقوط الإصلاحيين في إيران يرجع إلى فشلهم في تحقيق هذا الهدف ومن ثم فلا مبرر لاستمرارهم.

بالطبع فإن إيران الثورة فقدت الكثير من مصداقيتها الثورية عندما ظهر أنها تريد التحالف مع أمريكا ولكن بثمن مناسب وقد ظهر هذا جليًا في الدعم الإيراني الكامل للغزو الأمريكي لأفغانستان، بل إنها هي التي قامت بدور هام في تحقيق نوع من التفاهم بين القوى الأفغانية على حساب طالبان، وكذلك ظهر هذا الدور أيضًا في العراق، حيث لعب حلفاء إيران من الأحزاب الشيعية التي طالما احتضنتها إيران ومولتها وخاصة حزب المجلس الأعلى "آل الحكيم" دورًا هامًا في مساعدة الغزو الأمريكي واستمرار الاحتلال على حساب المقاومة العراقية التي كادت تطيح بالمشروع الأمريكي بكامله في المنطقة، ولولا تلك المساعدة الإيرانية الشيعية لتمت هزيمة أمريكا هزيمة ساحقة في العراق والمنطقة.

إيران بالطبع تمسك بالكثير من الأوراق داخل العراق، وتملك أيضًا أوراقًا أخرى بدعمها لحركة حماس والجهاد الفلسطيني، وحزب الله الشيعي اللبناني، وبالتحالف مع سوريا. ويمكنها من ثم أن تحول الجيش الأمريكي في العراق إلى رهائن في يدها في حالة إذا ما تمت لها ضربة أمريكية على نطاق غير محتمل أو مؤثر، وكذلك تستطيع تحريك حزب الله لضرب إسرائيل حليفة أمريكا الرئيسة في المنطقة بالصواريخ. ولذا فإن الولايات المتحدة سوف تفكر عشر مرات قبل أن تقوم بضرب إيران.

ماذا تريد إيران من هذا... إنها تملك أوراقًا هامة، وهي تريد تمديد نفوذها في المنطقة وإقامة مشروع شيعي صفوي على غرار الدولة الصفوية في إيران والعراق وأجزاء من الخليج امتداداً إلى سوريا ولبنان وما أمكن من مناطق آسيا. وهي تريد إطلاق يدها في الخليج مقابل تخليها عن حزب الله في لبنان وتخليها عن التحالف مع سوريا وتخليها عن الملف النووي، وهي لا تمانع في ذلك، بل هي تقبل أن تفعل ما يراد منها أمريكيًا – تحقيق انسحاب أمريكي آمن من العراق وإنهاء ملف لبنان لصالح أمريكا – مقابل ثمن مناسب في الخليج والمنطقة، وكذلك التخلي عن الملف النووي الإيراني، ولكن الأمريكيين لا يريدون حتى الآن دفع هذا الثمن المناسب، والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قال: إن أمريكا تريد التحالف مع إيران مقابل مصاصة فقط وإيران لن تقبل بذلك، والمسئول السابق للملف النووي الإيراني علي لاريجاني قال: إن إيران مستعدة للتفاهم مقابل ثمن مناسب ولكن المشكلة أن الأمريكيين لا يريدون دفع هذا الثمن.

من ناحية الولايات المتحدة، وأيًا كانت حساباتها، فإنها قد حولت بيدها إيران إلى دولة إقليمية عظمى، حين أسقطت من على حدودها شرقاً وغرباً قطاعان قويان معاديان لإيران والمشروع الإيراني هما نظام طالبان في أفغانستان، ونظام صدام حسين في العراق. ثم إنها حين عاملت روسيا بقسوة إبان سقوط الاتحاد السوفيتي ومعاناة روسيا الاقتصادية، دفعت في اتجاه دعم روسي لإيران عندما بدأت روسيا تشم أنفاسها وتحل أزماتها.

والولايات المتحدة تحمل في داخلها تياران متعارضان حتى الآن تيار يقول بضرورة التحالف مع إيران لإنهاء المأزق الأمريكي في العراق، والقضاء على بؤر الإرهاب السني كالقاعدة ومن ثم حسم الحرب ضد الإرهاب لحساب الولايات المتحدة الأمريكية وهؤلاء يمثلون الأجهزة السيادية الأمريكية كأجهزة المخابرات والبنتاجون، وقام هؤلاء بتسريب تقرير استخباراتي شارك فيه 16 جهازًا استخباراتيًا أمريكيًاً يقول: إن إيران أوقفت مشروعها النووي العسكري منذ عام 2003 ومن ثم فلا مبرر لضربها، ومن ثم وضعت الرئيس الأمريكي ذاته في حرج وجعلت حلفاءه الأوربيين يعارضونه علنًا بشأن ضرب إيران أو تغليظ العقوبات عليها. وعمليًا منعته من ضرب إيران ضربة رمزية أو شاملة لأن ذلك يعد نوعًا من الحماقة من وجهة نظر هذه الأجهزة.

في المقابل نرى أن هناك اليمين الأمريكي الأصولي الذي لا يزال يمتلك نفوذًا واسعًا داخل البيت الأبيض والحزب الجمهوري، بالإضافة إلى اللوبي الصهيوني المؤثر داخل أمريكا يصرون على ضرورة ضرب إيران لأن عدم ضربها يسقط هيبة الولايات المتحدة، ويضع إسرائيل في حرج وخوف، فضلاً عن أن التركيبة الفعلية والدينية لليمين الأمريكي المحافظ تقود إلى هذا الطريق. وبالطبع فإن هؤلاء يمتلكون نفوذًا واسعًا في الإعلام الأمريكي والعالمي ومن ثم فهم وراء الحملة الإعلامية على إيران. ويرى هؤلاء أن تسريب تقرير الاستخبارات الأمريكية حول وقف إيران لمشروعها النووي العسكري منذ عام 2003 هو نوع من التآمر والتمرد بل والانقلاب على الرئيس بوش شخصيًا على حد قول جون بولتون أحد أهم رموز اليمين الأمريكي المحافظ، والمندوب الأمريكي السابق في الأمم المتحدة. أعتقد أن القرار الأمريكي في النهاية سيصل إلى عدم ضرب إيران، على الأقل في المرحلة القليلة المتبقية من حكم بوش، ولكن اللوبي الصهيوني واليمين الأمريكي المحافظ سيعاودون الضغط في هذا الاتجاه.

ماذا لو حدث التحالف...؟! هذا هو السؤال الهم والمرجح جداً لأن مراكز الأبحاث الإسرائيلية التابعة للجيش الصهيوني طرحت هذا السؤال ووضعت سيناريوهات لمنعه، وقالت إنه لو حدث فسيكون سيناريو ضد إسرائيل، وأن إسرائيل ستفكر في ضرب إيران منفردة لجر أمريكا إلى خندق الصدام ولو الشكلي مع إيران... من ناحيتنا فإنه لو حدث هذا التحالف فسيكون على حساب الأمة الإسلامية التي يشكل السنة منها 90 % من تعدادها، وسوف يعني خطرًا كبيرًا على دول مجلس التعاون الخليجي، وخطرًا على العراق، وفتنة بين السنة والشيعة، وإعادة شباب المشروع الإمبراطوري الأمريكي، الذي سيعاود نشاطه بعد فترة من 10 – 20 عامًا، وسوف يستهدف العودة من جديد بقوة إلى المنطقة بعد أن تكون الفتنة قد حولتها إلى حالة مزرية من الضعف بل وأيضًا سيكون على حساب وجود إيران ذاتها، لأن عودة هذا المشروع سوف يستهدف تقسيم المنطقة بقسوة إلى كيانات نوعية وعرقية ودينية وطائفية، لن تُستثنى منها إيران ذاتها. وهذا هو جوهر الوثيقة الأمريكية المنشودة في مجلة الجيش الأمريكي تحت عنوان " حدود الدم ".

 



مقالات ذات صلة