بين شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عربي
بقلم الشيخ: عبد الرحمن بن عبد الخالق
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد،،
مدخل:
عمد د. محمد عبد الغفار في مقاله بالقبس عدد 11831 المؤرخ في 12/5/2006 إلى عقد مقارنة جائرة بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وبين ابن عربي قائلاً: (كنا سابقا يخوفوننا من اسم ابن عربي كثيرا، وكنت أتحاشى كتبه، حتى ملكت بعض كتبه فوجدت نفسي أقف أمام طود عظيم، عقلا وثقافة شرعية)، وقال عن ابن تيمية أنه عالم من العلماء، وأن الخلاف حوله أعظم من الخلاف حول ابن عربي.
ولما كان تقديم ابن عربي وهو أكبر زنديق عرفه تاريخ الإسلام بل تاريخ الإنسانية في كل عصورها، على هذا النحو من رجل يحمل درجة في الشريعة، ومن قبل دعا الناس إلى التصوف المعتدل –في زعمه-، وافتخر بأنه يدرس كتاب شرح الحكم العطائية لابن الرندي، ومعلوم أن مؤلف العطائية على خطا ابن عربي.
من أجل ذلك كان لا بد لمن حمله الله أمانة العلم والكتاب أن يذبوا عن الدين وأن يبينوا الحق للناس، وإلا كانوا مسؤولين أمام الله عن السكوت والكتمان، ومن أجل ذلك أقول:
كيف يجمع بين ابن تيمية وابن عربي؟!
هل يصح أن يجمع بين شيخ الإسلام ابن تيمية وبين ابن عربي، فتجعل هذا عالم وهذا عالم، وكلاهما قد اختلف الناس فيه، وخلاف الناس حول ابن تيمية أشد كما يقول د. عبد الغفار؟!
كيف يقرن بين إمام من أئمة الهدى وعلم من أعلامهم الذي لم يترك بدعة في الدين منذ ظهور البدع وإلى زمانه إلا وبينها، ودحضها ومن ذلك بدع الخوارج، والمرجئة، والقدرية، والزنادقة، والجهمية بكل تفريعاتهم وخلوفهم، والمتصوفة، والمشركين من عبدة القبور والأولياء والاتحادية، وأهل الوجود، وكل ذلك في مجلدات ضخمة، حيث لم يجعل لهم حجة إلا ودحضها، ولا شاردة ولا واردة إلا وبينها، ولا شبهة إلا أجاب عنها، وظل يدافع عمره عن دين الإسلام بالقلم واللسان، والسيف والسنان، ولم يترك ديناً من أديان الباطل إلا ورد على أصحابه فرد على النصارى، ورد على الفلاسفة والدهرية ومنكرة الصانع. وأفتى المسلمين في كل مشارق الأرض ومغاربها في نوازلهم وأحداثهم وخلافاتهم وأقضياتهم أعظم فتاوى وجدت في الإسلام إلى يومنا هذا.
وغاية ما نقمه عليه مخالفوه من الفتيا قوله بإيقاع طلاق الثلاث واحدة إن كانت في مجلس واحد، وقوله بمنع شد الرحال إلى قبور الأنبياء والصالحين، وعند التحقيق يتبين أن الحق والصواب معه.
فكيف يقرن من عاش عمره يدافع عن دين الإسلام ويذب عنه كل عقائد الباطل، وبين كافر زنديق لم يترك عقيدة من عقائد الكفر إلا وأدخلها إلى الإسلام، وألبسها من الآيات والأحاديث ما يروجها على عقول أمثاله من أهل الزندقة والنفاق.
فابن عربي جمع كل عقائد المشركين والوثنيين واليهود والنصارى والزنادقة الذين سبقوه استطاع هذا الخبيث أن يجمع هذا كله ويؤلف بينه، ويلبسه لباس الإسلام فيحمل آيات القرآن، وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم في ثعلبية ماكرة، وعبارات ملتوية خبيثة، يعجز عنها كل شياطين الإنس والجن!!
فهل يسوي بين ابن تيمية وابن عربي إلا جاهل بحاله، أو من هو على شاكلة ابن عربي.
ابن عربي أكبر زنديق عرفه تاريخ الإسلام بل تاريخ الإنسانية كلها:
قد كان في تاريخ الإسلام كفار حاربوه كأبي جهل وأبي لهب وكفار الفرس والروم، واليهود، والنصارى، ومن قبلهم قوم نوح، وعاد، وثمود، وفرعون، وقد كان في تاريخ الإسلام زنادقة أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، ونقلوا عقائد الكفار وألبسوها لباس الإسلام كالحلاج، وابن الراوندي، وعبدالكريم الجيلي، وابن الفارض، والتلمساني، وابن سبعين، وعبدالعزيز الدباغ، وابن المبارك السلجماسي وغيرهم وغيرهم، ولكن أحداً من هؤلاء لم يكن كابن عربي قط، ولم يبلغ شأوه ودرجته في الكفر والزندقة والمروق من الدين، فإن الكفار الأصليين وأعظمهم فرعون الذي قال {أنا ربكم الأعلى} لم يجعل رباً للناس جميعهم إلا نفسه، وقال لموسى عليه السلام: {لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين}، وأما ابن عربي فقد جعل كل موجود في الوجود هو الله، يجمع درجات الوجود وحتى الشياطين والنجاسات – تعالى الله سبحانه وتعالى عما يقول هذا الأفاك– ونستغفر الله من حكاية قول هذا المجرم الخبيث، فأين كفر فرعون من كفر هذا الخبيث، وكل الذين أشركوا بالله عبدوا معه إلهاً أو إلهين أو ثلاثة أو مائة من الأصنام والأوثان والكواكب، وأما هذا المجرم فقد جعل كل معبود عبد هو الله لا غير، وأن كل من عبد شيئاً فلم يعبد إلا الله... فأين كفر المشركين من كفر هذا المجرم الخبيث.
وكل الزنادقة الذين كانوا في تاريخ الإسلام أولوا بالتأويل الباطني نصاً أو أكثر من القرآن، وهذا الخبيث لم يترك آية في كتاب الله ولا حديثاًَ من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حملها على عقائد الكفار جميعاً وعقيدة وحدة الوجود على الخصوص (انظر أمثلة ذلك في ثنايا المقال).
وإن كل الزنادقة الذين كذبوا على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم لم يكذبوا كما كذب هذا الأفاك الذي ادعى أنه يتلقى عن الله من اللوح المحفوظ بغير واسطة.
وأما النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتلقى عن الله بواسطة وهو جبريل، وأنه لذلك أفضل من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن محمد خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه، وأما هو فخاتم الأولياء، وجعل خاتم الأولياء يعني نفسه أفضل من خاتم الأنبياء.
والزنادقة الذين كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد افتروا عليه في وضع بعض الأحاديث أو تأويل بعض منها،وأما هذا المجرم الخبيث فقد ادعى بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سلمه كتاب فصوص الحكم يداً بيدـ وهو أعظم كتاب في الكفر والزندقة ظهر في الأرض إلى يومنا هذا...
وعامة الزنادقة الذين مروا في تاريخ الإسلام لاحقتهم اللعنة، وذاقوا حد السيف، ولكن هذا الخبيث بثعلبية ماكرة والتفاف خبيث ومظاهرة مريديه استطاع أن يفلت من القتل على الزندقة، ووجد من المجرمين من يطبل له ويزمر، ويرفعه فوق مصاف الأنبياء والمرسلين، فضلاً عن جميع علماء المسلمين، ولقد وجدت فيه دوائر الكفر ضالتهم المنشودة لهدم الإسلام بل لهدم جميع الأديان، فنشروا تراثه لهدم تراث الإسلام، واعتنوا بكتاباته.. ومن أجل ذلك كانت فتنة ابن عربي من أعظم الفتن التي مرت بالمسلمين.
ولذلك كانت المقارنة بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن عربي هي مقارنة بين الصديق والزنديق، بين إمام من أئمة الهدى والصدق والإيمان، وإمام من أئمة الضلال والكذب والكفر.
أقوال أهل العلم في ابن عربي:
1- قال العز بن عبد السلام: (هو شيخ سوء كذاب، يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا) (سير أعلام النبلاء 23/48)
وقال أيضا: هو شيخ سوء كذاب، فقال له ابن دقيق العيد: وكذاب أيضا؟ قال: نعم. تذاكرنا بدمشق التزويج بالجن، فقال: هذا محال؛ لأن الإنس جسم كثيف والجن روح لطيف، ولن يعلق الجسم الكثيف الروح اللطيف. ثم بعد قليل رأيته وبه شجة، فقال: تزوجتُ جنية فرزقت منها ثلاثة أولاد، فاتفق يوما أني أغضبتها فضربتني بعظم حصلت منه هذه الشجة وانصرفت فلم أرها بعد هذا. اهـ. (ميزان الاعتدال 5/105)
2- قال الحافظ ابن حجر: وقد كنت سألت شيخنا سراج الدين البلقيني عن ابن عربي ؟ فبادر بالجواب: هو كافر. اهـ. (لسان الميزان) 4/318
3- أما الإمام الذهبي فقد قال عن كتاب (فصوص الحكم): (ومن أردأ تواليفه كتاب الفصوص فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر). اهـ. (سير أعلام النبلاء) 23/48
4- قال تقي الدين السبكي كما في (مغني المحتاج) للشربيني 3/61: (ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وغيره فهم ضلال جهال خارجون عن طريقة الإسلام فضلا عن العلماء وقال ابن المقري في روضه إن الشك في كفر طائفة ابن عربي كفر).
5- قال القاضي بدر الدين بن جماعة: (حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأذن في المنام بما يخالف ويعاند الإسلام –يشير إلى زعم ابن عربي أنه تلقى كتاب الفصوص من الرسول مكتوباً-، بل ذلك من وسواس الشيطان ومحنته وتلاعبه برأيه وفتنته.. وقوله في آدم: أنه إنسان العين، تشبيه لله تعالى بخلقه، وكذلك قوله: الحق المنزه، هو الخلق المشبّه إن أراد بالحق رب العالمين، فقد صرّح بالتشبيه وتغالى فيه.. وأما إنكاره ما ورد في الكتاب والسنة من الوعيد: فهو كافر به عند علماء أهل التوحيد.. وكذلك قوله في قوم نوح وهود: قول لغوٍ باطل مردود وإعدام ذلك، وما شابه هذه الأبواب من نسخ هذا الكتاب، من أوضح طرق الصواب، فإنها ألفاظ مزوّقة، وعبارات عن معان غير محققة، وإحداث في الدين ما ليس منه، فحُكمه: رده، والإعراض عنه). عقيدة ابن عربي وحياته لتقي الدين الفاسي. (ص 29، 30).
6- قال نور الدين البكري الشافعي: (وأما تصنيف تذكر فيه هذه الأقوال ويكون المراد بها ظاهرها فصاحبها ألعن وأقبح من أن يتأول له ذلك بل هو كاذب، فاجر كافر في القول والاعتقاد ظاهراً وباطناً وإن كان قائلها لم يرد ظاهرها فهو كافر بقوله ضال بجهله، ولا يعذر بتأويله لتلك الألفاظ إلا أن يكون جاهلاً للأحكام جهلاً تاماً عاماً ولا يعذر بجهله لمعصيته لعدم مراجعة العلماء والتصانيف على الوجه الواجب من المعرفة في حق من يخوض في أمر الرسل، ومتبعيهم أعني معرفة الأدب في التعبيرات على أن في هذه الألفاظ ما يتعذر أو يتعسر تأويله، بل كلها كذلك، وبتقدير التأويل على وجه يصح في المراد فهو كافر بإطلاق اللفظ على الوجه الذي شرحناه) (مصرع التصوف ص/144)
7- قال ابن خلدون: (ومن هؤلاء المتصوفة: ابن عربي، وابن سبعين، وابن برّجان، وأتباعهم، ممن سلك سبيلهم ودان بنحلتهم، ولهم تواليف كثيرة يتداولونها، مشحونة من صريح الكفر، ومستهجن البدع، وتأويل الظواهر لذلك على أبعد الوجوه وأقبحها، مما يستغرب الناظر فيها من نسبتها إلى الملّة أو عدّها في الشريعة، وليس ثناء أحد على هؤلاء حجة ولو بلغ المثني عسى ما يبلغ من الفضل لأن الكتاب والسنة أبلغ فضلاً أو شهادة من كل أحد، وأما حكم هذه الكتب المتضمنة لتلك العقائد المضلة وما يوجد من نسخها في أيدي الناس مثل الفصوص والفتوحات المكية لابن عربي.. فالحكم في هذه الكتب وأمثالها إذهاب أعيانها إذا جدت بالتحريق بالنار والغسل بالماء حتى ينمحي أثر الكتاب). (مصرع التصوف ص/ 150).
8- قال نجم الدين البالسي الشافعي: (من صدق هذه المقالة الباطلة أو رضيها كان كافراً بالله تعالى يراق دمه ولا تنفعه التوبة عند مالك وبعض أصحاب الشافعي، ومن سمع هذه المقالة القبيحة تعين عليه إنكارها) (مصرع التصوف ص/146)
9- قال المفسر أبو حيان الأندلسي عند تفسيره لقول الله (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح): ومن بعض اعتقاد النصارى استنبط من أقر بالإسلام ظاهرا، وانتمى إلى الصوفية حلول الله في الصور الجميلة، ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة: كالحلاج والشعوذي وابن أحلى وابن عربي المقيم في دمشق. اهـ.
10- قال الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف الجزري الشافعي: (الحمد لله، قوله: فإن آدم عليه السلام، إنما سمّي إنساناً: تشبيه وكذب باطل، وحكمه بصحة عبادة قوم نوح للأصنام كفر، لا يقر قائله عليه، وقوله: إن الحق المنزّه: هو الخلق المشبّه، كلام باطل متناقض وهو كفر، وقوله في قوم هود: إنهم حصلوا في عين القرب، افتراء على الله وردّ لقوله فيهم، وقوله: زال البعد، وصيرورية جهنم في حقهم نعيماً: كذب وتكذيب للشرائع، بل الحقّ ما أخبر الله به من بقائهم في العذاب.. وأمّا من يصدقه فيما قاله، لعلمه بما قال: فحكمه كحكمه من التضليل والتكفير إن كان عالماً، فإن كان ممن لا علم له: فإن قال ذلك جهلاً: عُرِّف بحقيقة ذلك، ويجب تعليمه وردعه مهما أمكن.. وإنكاره الوعيد في حق سائر العبيد: كذب وردّ لإجماع المسلمين، وإنجاز من الله عز وجل للعقوبة، فقد دلّت الشريعة دلالة ناطقة، أن لا بدّ من عذاب طائفة من عصاة المؤمنين، ومنكر ذلك يكفر، عصمنا الله من سوء الاعتقاد، وإنكار المعاد). (عقيدة ابن عربي وحياته لتقي الدين الفاسي ص31،32)
11- قال الحافظ العراقي: (وأما قوله فهو عين ما ظهر وعين ما بطن، فهو كلام مسموم ظاهره القول بالوحدة المطلقة، وقائل ذلك والمعتقد له كافر بإجماع العلماء) (مصرع التصوف ص/64).
12- قال أبو زرعة ابن الحافظ العراقي: (لا شك في اشتمال" الفصوص" المشهورة على الكفر الصريح الذي لا شك فيه، وكذلك فتوحاته المكية، فإن صحّ صدور ذلك عنه، واستمر عليه إلى وفاته: فهو كافر مخلد في النار بلا شك). (عقيدة ابن عربي وحياته لتقي الدين الفاسي ص/60).
وممن أفتى بكفره من علماء الإسلام أيضاً: شهاب الدين التلمساني الحنفي، وابن بلبان السعودي، وابن دقيق العيد، وقطب الدين القسطلاني، وعماد الدين الواسطي، وبرهان الدين الجعبري، والقاضي شرف الدين الزواوي المالكي، والمفسر الشافعي ابن النقاش، وابن هشام النحوي وقد كتب على إحدى نسخ الفصوص:
هذا الذي بضلالـه ضلت أوائل مع أواخر
من ظن فيه غير ذا فلينأ عني فهو كافــر
وايضا الشمس العيزري، وابن الخطيب الاندلسي، وشمس الدين الموصلي البساطي المالكي، وبرهان الدين السفاقيني، وابن تيمية، وابن خياط الشافعي، والمقري الشافعي، وعلاء الدين البخاري الحنفي.
الإمام ابن حجر يباهل على ضلال ابن عربي فيهلك مباهله:
قال السخاوي في ترجمة شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني: ومع وفور علمه (يعني شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني) وعدم سرعة غضبه، فكان سريع الغضب في الله ورسوله صلى الله عليه وسلم... إلى أن قال: واتفق كما سمعته منه مراراًً أنه جرى بينه وبين بعض المحبين لابن عربي منازعة كثيرة في أمر ابن عربي، أدت إلى أن نال شيخنا من ابن عربي لسوء مقالته. فلم يسهل بالرجل المنازع له في أمره، وهدَّده بأن يغري به الشيخ صفاء الذي كان الظاهر برقوق يعتقده، ليذكر للسلطان أن جماعة بمصر منهم فلان يذكرون الصالحين بالسوء ونحو ذلك. فقال له شيخنا: ما للسلطان في هذا مدخل، لكن تعالَ نتباهل؛ فقلما تباهل اثنان، فكان أحدهما كاذباً إلا وأصيب. فأجاب لذلك، وعلَّمه شيخنا أن يقول: اللهم إن كان ابن عربي على ضلال، فالعَنِّي بلعنتك، فقال ذلك. وقال شيخنا: اللهم إن كان ابن عربي على هدى فالعنِّي بلعنتك. وافترقا. قال: وكان المعاند يسكن الروضة (وسط القاهرة)، فاستضافه شخص من أبناء الجند جميل الصورة، ثم بدا له أن يتركهم، وخرج في أول الليل مصمماً على عدم المبيت، فخرجوا يشيعونه إلى الشختور(قارب)، فلما رجع أحسَّ بشيءٍ مرَّ على رجله، فقال لأصحابه: مرَّ على رجلي شيء ناعم فانظروا، فنظروا فلم يروا شيئاً. وما رجع إلى منزله إلا وقد عمي، وما أصبح إلا ميتاً. وكان ذلك في ذي القعدة سنة سبع وتسعين وسبع مئة، وكانت المباهلة في رمضان منها. وكان شيخنا عند وقوع المباهلة عرَّف من حضر أن من كان مبطلاً في المباهلة لا تمضي عليه سنة. (الجواهر والدرر 3/1001-1002) وكذلك نقل قصة المباهلة صاحب العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين (2-198).
محمد الغزالي: الفتوحات المكية ينبغي أن تسمى الفتوحات الرومية:
قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: (إنني ألفت النظر إلى أن المواريث الشائعة بيننا تتضمن أموراً هي الكفر بعينه. لقد اطلعت على مقتطفات من الفتوحات المكية لابن عربي فقلت: كان ينبغي أن تسمى الفتوحات الرومية! فإن الفاتيكان لا يطمع أن يدسَّ بيننا أكثر شراً من هذا اللغو.. يقول ابن عربي في الباب ((333)) بعد تمهيد طويل: إن الأصل الساري في بروز أعيان الممكنات هو التثليث! والأحد لا يكون عنه شيء البتة! وأول الأعداد الاثنان، ولا يكون عن الاثنين شيء أصلاً، ما لم يكن ثالث يربط بعضها ببعض فحينئذ يتكون عنها ما يتكّون، فالإيجاد عن الثلاثة والثلاثة أول الأفراد).. لم أقرأ في حياتي أقبح من هذا السخف، ولا ريب أن الكلام تسويغ ممجوج لفكرة الثالوث المسيحي، وابن عربي مع عصابات الباطنية والحشاشين الذين بذرتهم أوربا في دار الإسلام أيام الحروب الصليبية الأولى؛ كانوا طلائع هذا الغزو الخسيس، ولكن ابن عربي يمضى في سخافاته فيقول –عن عقيدة التثليث-: من العابدين من يجمع هذا كله في صورة عبادته وصورة عمله، فيسرى التثليث في جميع الأمور لوجوده في الأصل!! ويبلغ ابن عربي قمة التغفيل عندما يقول: إن الله سمى القائل بالتثليث كافراً أي ساتراً بيان حقيقة الأمر فقال: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة" فالقائل بالتثليث ستر ما ينبغي أن يكشف صورته، ولو بيّن لقال هذا الذي قلناه!! واكتفى الأحمق بذكر الجملة الأولى من الآية، ولم يُردفْها بالجملة الثانية: "وما من إله إلا إله واحد" وذلك للتلبيس المقصود!. هذا الكلام المقبوح موجود فيما يسمَّى بالتصوف الإسلامي! وعوام المسلمين وخواصهم يشعرون بالمصدر النصراني الواضح لهذا الكلام). (تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل ص 60–61)
والعجب بعد ذلك أن د. محمد عبد الغفار لما سئل عمن يكفرون ابن عربي قال (هذا هو التطرف وبذور الإرهاب) الأنباء 18/3/2006
نماذج من كفر ابن عربي:
وحدة الوجود أعظم عقيدة في الكفر وهذه العقيدة التي لم تعرف الأرض أكفر ولا أفجر منها والتي فصلها هذا الخبيث في كتابه الفصوص، قد نثرها وفرقها في موسوعته الكبيرة الفتوحات المكية والتي تقع في أربع مجلدات كبار كبار.
* بدأها في مقدمته بقوله "ولما حيرتني هذه الحقيقة أنشدت على حكم الطريقة للحقيقة:
الرب حق والعبد حـق يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك ميت وإن قلت رب أنى يكلف
فهو يطيع نفسه إذا شاء بخلقه..." الخ.
* ثم فرق هذه العقيدة الكفرية في كتابه هذا قائلاً: "وأما عقيدة خاصة الخاصة في الله تعالى... جعلناه مبدداً في هذا الكتاب لكون أكثر العقول المحجوبة تقصر..." (الفتوحات/47).
* وقال هذا الأفاك فيما قال: إن الله لا ينزه عن شيء، لأن كل شيء هو عينه وذاته، وأن من نزهه عن الموجودات قد جهل الله ولم يعرفه، أي جهل ذاته ونفسه... قال: "اعلم أن التنزيه عن أهل الحقائق في الجانب الإلهي عين التحديد والتقييد فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب" (الفصوص/86).
* وقال في وصف نوح صلى الله عليه وسلم: ")ومكروا مكراً كباراً( لأن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو، فأجابوه مكراً كما دعاهم فقالوا في مكرهم: لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً. فإنهم لو تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء. فإن للحق في كل معبود وجهاً يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله. وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه( أي حكم فالعالم يعلم من عَبَد وفي أي صورة ظهر حتى عُبِد، وإن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة والقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود" (الفصوص/72).
* ولما جعل هذا الخبيث قوم نوح الذين عبدوا الأصنام لم يعبدوا إلا الله وإنهم بذلك موحدون حقاً فلذلك كافأهم الله الذي هم نفسه وذاته بأن أغرقهم في بحار العلم في الله. قال: ")مما خطيئاتهم( فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، )فأدخلوا ناراً( في عين الماء )وإذا البحار سجرت فلم يجدوا من دون الله أنصاراً فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد" (الفصوص/73).
* وقال أيضاً: "ومن أسمائه العلي: على من، وما ثم إلا هو، فهو العلي لذاته أو عن ماذا؟ وما هو إلا هو، فعلوه لنفسه، ومن حيث الوجود فهو عين الموجودات فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليس إلا هو" (الفصوص/76).
* وقال: ومن عرف ما قررناه في الأعداد، وأن نفيها عين إثباتها، علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه، وإن كان قد تميز الخلق من الخالق. فالأمر الخالق المخلوق، والأمر المخلوق الخالق. كل ذلك من عين واحدة، لا، بل هو العين الواحدة وهو العيون الكثيرة. فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر؛ والولد عين أبيه. فما رأى يذبح سوى نفسه. وفداه بذبح عظيم، فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان. وظهر بصورة ولد: لا، بل بحكم ولد من هو عين الوالد. )وخلق منها زوجها: فما نكح سوى نفْسِهِ. اهـ (الفصوص/78).
* وقال أيضاً: "فالعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية والنسب العدمية بحيث لا يمكن أن يفوته نعت منها، وسواء كانت محمودة عرفاً وعقلاً وشرعاً أو مذمومة عرفاً وعقلاً وشرعاً. وليس ذلك إلا لمسمى الله تعالى خاصة" (الفصوص/79).
* وهذا الخبيث لا يكذب الرسل فقط في إخبارهم عن الله والغيب، بل يكذب ويكابر في المحسوس فإنه بما زعم في وحدة الوجود وأنه ليس إلا الله، مدعياً أنه هو عين المخلوقات، وبذلك لا يكون هناك فارق بين الملك والشيطان والمؤمن والكافر، والحلال والحرام، ومن عبد الشمس والقمر، ومن كفر بعبادة الشمس والقمر... بل ادعى كذلك أن الجنة والنار كليهما للنعيم، وأن أهل النار منعمون كما أهل الجنة، قال:
وإن دخلـوا دار الشقــاء فإنهم على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد، فالأمر واحد وبينهما عند التجـلي تبـاين
يسمى عذاباً من عذوبة طعمه وذاك له كالقشر والقشر صاينُ
ولا يخجل هذا الأفاك من وصف الرب الإله سبحانه وتعالى بكل صفات الذم تصريحا لا إجمالا وتلميحا وفحوى... فهو يصف الجماع بل الوقاع نفسه أنه دليل هذه الوحدة، فالله عنده هو الطيب والخبيث -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- فيقول والعالم على صورة الحق والإنسان على الصورتين.
* وقال: "ولما أحب الرجل المرأة طلب الوصلة أي غاية الوصلة التي تكون في المحبة، فلم يكن في صورة النشأة العنصرية أعظم وصلة من النكاح، ولهذا تعم الشهوة أجزاءه كلها، ولذلك أُمِرَ بالاغتسال منه، فعمت الطهارة كما عم الفناء فيها عند حصول الشهوة. فإن الحق غيور على عبده أن يعتقد أنه يلتذ بغيره، فطهره بالغسل ليرجع بالنظر إليه فيمن فني فيه، إذ لا يكون إلا ذلك. فإذا شاهد الرجل الحق في المرأة كان شهوداً في منفعل، وإذا شاهده في نفسه -من حيث ظهور المرأة عنه- شاهده في فاعل، وإذا شاهده في نفسه من غير استحضار صورة ما تكوَّن عنه كان شهوده في منفعل عن الحق بلا واسطة. فشهوده للحق في المرأة أتم وأكمل، لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل، ومن نفسه من حيث هو منفعل خاصة. فلهذا أحب صلى الله عليه وسلم النساء لكمال شهود الحق فيهن، إذ لا يشاهد الحق مجرداً عن المواد أبداً، فإن الله بالذت غني عن العالمين، وإذا كان الأمر من هذا الوجه ممتنعاً، ولم تكن الشهادة إلا في مادة، فشهود الحق في النساء أعظم الشهود وأكمله" (الفصوص/217).
أسلوب ابن عربي في كتاباته:
وبنى ابن عربي كتاباته كلها على الثعلبية والمكر والخداع وذلك بتحريف الكلم عن مواضعه تحريفاً معنوياً للقرآن الكريم والحديث الشريف، والكذب وادعاء العلم الإلهي، والرؤى، والاطلاع على مالم يطلع عليه أحد من الخلق سواه، مع ادعائه بالعلم والدين والتقوى والصدق، وقد لا يوجد على البسيطة كلها من هو أكذب منه. ووالله إني عندما أقرأ كتابه وأقارن بين ما قاله إبليس في أول أمره عندما امتنع عن السجود لآدم، واستكبر وأبى فلعنه الله إلى يوم القيامة )وإن عليك لعنتي إلى يوم يبعثون( وبين هذا الكذاب الأفاك الذي قال عن الله وفي الله ما لم تقله اليهود والنصارى ولا مشركو العرب والعجم فأرى أن إبليس في وقت لعن الله له، كان أخف ذنباً وجرماً، وإن كان قد أصبح بعد ذلك هو محرك الشرك كله وباعثه، وابن عربي وأمثاله وإن كانوا غرساً من غراس إبليس اللعين فإنهم قد فاقوا بكفرهم وعنادهم وعتوهم وقولهم العظيم على الله ما لم يقله إبليس، فإن إبليس كان يفرق بين الخالق والمخلوق، وبين الرب الإله القوي القاهر، وبين المخلوق الضعيف الفقير المحتاج إلى إلهه ومولاه، وأما ابن عربي هذا ومن على شاكلته فقد جعلوا إبليس وجبريل والأنبياء والكفار والأشقياء، وكل هذه المخلوقات هي عين الخالق وأنه ليس في الوجود غيره، يخلق بنفسه لنفسه، وأنه ليس معه غيره، وأن الكفر والإيمان، والحلال والحرام، والأخت والأجنبية، واتيان النساء، واتيان الذكور شيء واحد، وكل هذا عين الرب وحقيقته وأفعاله -فتعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- ونستغفره سبحانه وتعالى من ذكر أقوالهم ونقل كفرهم، ولكننا نفعل ذلك لأن هؤلاء المجرمين هم عند كثير من الحمقى المغفلين، والزنادقة المخادعين هم عندهم أولياء الله الصالحين. وقد قام علماء المسلمين الصادقين في كل وقت يردون إفك هؤلاء المجرمين.
ابن تيمية يرد على إفك ابن عربي وعقيدته وحدة الوجود:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- فيهم: "حتى يبلغ الأمر بأحدهم إلى أن يهوى المردان، ويزعم أن الرب تعالى تجلى في أحدهم، ويقولون: هو الراهب في الصومعة؛ وهذه مظاهر الجمال؛ ويقبل أحدهم الأمرد، ويقول: أنت الله. ويذكر عن بعضهم أنه كان يأتي ابنه، ويدعي أنه الله رب العالمين، أو أنه خلق السماوات والأرض، ويقول أحدهم لجليسه: أنت خلقت هذا، وأنت هو، وأمثال ذلك.
فقبح الله طائفة يكون إلهها الذي تعبده هو موطؤها الذي تفترشه؛ وعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً.
ومن قال: إن لقول هؤلاء سراً خفياً وباطن حق، وأنه من الحقائق التي لا يطلع عليها إلا خواص خواص الخلق: فهو أحد رجلين – إما أن يكون من كبار الزنادقة أهل الإلحاد والمحال، وإما أن يكون من كبار أهل الجهل والضلال. فالزنديق يجب قتله، والجاهل يعرف حقيقة الأمر، فإن أصر على هذا الاعتقاد الباطل بعد قيام الحجة عليه وجب قتله.
ولكن لقولهم سر خفي وحقيقة باطنة لا يعرفها إلا خواص الخلق. وهذا السر هو أشد كفراً وإلحاداً من ظاهره؛ فإن مذهبهم فيه دقة وغموض وخفاء قد لا يفهمه كثير من الناس" (الفتاوى 2/378-379).
ويقول أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: "وأقوال هؤلاء شر من أقوال اليهود والنصارى، فيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى ولهذا يقولون بالحلول تارة، وبالاتحاد أخرى، وبالوحدة تارة، فهو مذهب متناقض في نفسه، ولهذا يلبسون على من لم يفهمه. فهذا كله كفر باطناً وظاهراً بإجماع كل مسلم، ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر كمن يشك في كفر اليهود والنصارى" (الفتاوى 2/368).
وقال أيضاً: "ولا يتصور أن يثني على هؤلاء إلا كافر ملحد، أو جاهل ضال" (الفتاوى 2/367).
ولما سئل شيخ الإسلام عن كتاب فصوص الحكم قال: "ما تضمنه كتاب (فصوص الحكم) وما شاكله من الكلام: فإنه كفر باطناً وظاهراً؛ وباطنه أقبح من ظاهره. وهذا يسمى مذهب أهل الوحدة، وأهل الحلول، وأهل الاتحاد. وهم يسمون أنفسهم المحققين. وهؤلاء نوعان: نوع يقول بذلك مطلقاً، كما هو مذهب صاحب الفصوص ابن عربي وأمثاله: مثل ابن سبعين، وابن الفارض، والقونوي والششتري والتلمساني وأمثالهم ممن يقول: إن الوجود واحد، ويقولون: إن وجود المخلوق هو وجود الخالق، لا يثبتون موجودين خلق أحدهما الآخر، بل يقولون: الخالق هو المخلوق، والمخلوق هو الخالق. ويقولون: إن وجود الأصنام هو وجود الله، وإن عبّاد الأصنام ما عبدوا شيئاً إلا الله. ويقولون: إن الحق يوصف بجميع ما يوصف به المخلوق من صفات النقص والذم.
ويقولون: إن عبّاد العجل ما عبدوا إلا الله، وإن موسى أنكر على هارون لكون هارون أنكر عليهم عبادة العجل، وإن موسى كان بزعمهم من العارفين الذين يرون الحق في كل شيء، بل يرونه عين كل شيء، وأن فرعون كان صادقاً في قوله: أنا )ربكم الأعلى بل هو عين الحق، ونحو ذلك مما يقوله صاحب الفصوص. ويقول أعظم محققيهم: إن القرآن كله شرك، لأنه فرق بين الرب والعبد؛ وليس التوحيد إلا في كلامنا.
فقيل له: فإذا كان الوجود واحداً، فلم كانت الزوجة حلالاً والأم حراماً ؟ فقال: الكل عندنا واحد، ولكن هؤلاء المحجوبون قالوا: حرام. فقلنا: حرام عليكم" (الفتاوى 2/364-365).
وقال ابن تيمية أيضاً: "وقد صرح ابن عربي وغيره من شيوخهم بأنه هو الذي يجوع ويعطش، ويمرض ويبول ويَنكح ويُنكح، وأنه موصوف بكل عيب ونقص لأن ذلك هو الكمال عندهم، كما قال في الفصوص؛ فالعلي بنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستقصى به جميع الأمور الوجودية، والنسب العدمية: سواء كانت ممدوحة عرفاً وعقلاً وشرعاً، أو مذمومة عرفاً وعقلاً وشرعاً وليس ذلك إلا لمسمى الله خاصة" (الفتاوى 2/265).
ويعتذر شيخ الإسلام عن الإفاضة في بيان عقيدة هؤلاء القوم والتحذير منهم قائلاً: "ولولا أن أصحاب هذا القول كثروا وظهروا وانتشروا، وهم عند كثير من الناس سادات الأنام، ومشايخ الإسلام، وأهل التوحيد والتحقيق. وأفضل أهل الطريق، حتى فضلوهم على الأنبياء والمرسلين، وأكابر مشايخ الدين: لم يكن بنا حاجة إلى بيان فساد هذه الأقوال، وإيضاح هذا الضلال.
ولكن يعلم أن الضلال لا حد له، وأن العقول إذا فسدت: لم يبق لضلالها حد معقول، فسبحان من فرق بين نوع الإنسان؛ فجعل منه من هو أفضل العالمين، وجعل منه من هو شر من الشياطين، ولكن تشبيه هؤلاء بالأنبياء والأولياء، كتشبيه مسيلمة الكذاب بسيد أولي الألباب، وهو الذي يوجب جهاد هؤلاء الملحدين، الذين يفسدون الدنيا والدين" (الفتاوى 2/357-358).
وقال في وجوب إنكار هذه المقالات الكفرية، وفضح أهلها: "فهذه المقالات وأمثالها من أعظم الباطل، وقد نبهنا على بعض ما به يعرف معناها وأنه باطل، والواجب إنكارها؛ فإن إنكار هذا المنكر الساري في كثير من المسلمين أولى من إنكار دين اليهود والنصارى، الذي لا يضل به المسلمون، لا سيما وأقوال هؤلاء شر من أقوال اليهود والنصارى وفرعون، ومن عرف معناها واعتقدها كان من المنافقين، الذين أمـر الله بجهادهم بقوله تعالى: )جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم (والنفاق إذا عظم كان صاحبه شراً من كفار أهل الكتاب، وكان في الدرك الأسفل من النار.
وليس لهذه المقالات وجه سائغ، ولو قدر أن بعضها يحتمل في اللغة معنى صحيحاً فإنما يحمل عليها إذا لم يعرف مقصود صاحبها، وهؤلاء قد عرف مقصودهم، كما عرف دين اليهود والنصارى والرافضة، ولهم في ذلك كتب مصنفة، وأشعار مؤلفة، وكلام يفسر بعضه بعضاً.
وقد علم مقصودهم بالضرورة، فلا ينازع في ذلك إلا جاهل لا يلتفت إليه، ويجب بيان معناها وكشف مغزاها لمن أحسن الظن بها، وخيف عليه أن يحسن الظن بها أو أن يضل، فإن ضررها على المسلمين أعظم من ضرر السموم التي يأكلونها ولا يعرفون أنها سموم، وأعظم من ضرر السراق والخونة، الذين لا يعرفون أنهم سراق وخونة.
فإن هؤلاء: غاية ضررهم موت الإنسان أو ذهاب ماله، وهذه مصيبة في دنياه قد تكون سبباً لرحمته في الآخرة، وأما هؤلاء: فيسقون الناس شراب الكفر والإلحاد في آنية أنبياء الله وأوليائه، ويلبسون ثياب المجاهدين في سبيل الله، وهم في الباطن من المحاربين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويظهرون كلام الكفار والمنافقين، في قوالب ألفاظ أولياء الله المحققين، فيدخل الرجل معهم على أن يصير مؤمناً ولياً لله، فيصير منافقاً عدواً لله" (الفتاوى 2/359).
شبهات المدافعين عنه:
والمدافعون عن ابن عربي إما أن يكونوا جاهلين بحاله، أو هم على شاكلته في الكفر والزندقة ومما دافعوا به عن قولهم إن كلماته وعباراته جاءت على وجه الشطح والسكر وغلبة الوجد، أو أنها عبارات دقيقة ومعاني عميقة لا يعلمها إلا المتخصصون الراسخون في العلم أو أنها مدسوسة عليه وكل هذه الأقوال من الكذب والتلبيس، أما أنها شطح وغلبة سكر، وكتبها في غير صحو ووعي فكذب فإنها كتب مدونة، مقسمة الأبواب منسقة الفصول، مسبوكة العبارة، ومن طالعها لم يشك في مكر وخبث مصنفها وقد ملأ كل صفحة فيها بكفره.
وأما قولهم كتب بلغة لا يفهمها إلا أهلها فكذب مبين، فإنها مكتوبة شعراً ونثراً بعربية فصيحة بمعاني محددة ومفصلة ظاهرها وباطنها الكفر والزندقة، ولا يخفى معناها إلا على جاهل لا علم له بلغة العرب، وقد علم ما فيها علماء الإسلام ممن قرأوها، وخبروها، وعلموا مراد صاحبها على الحقيقة.
ورحم الله نور الدين البكري الشافعي إذ يجيب على هذه الشبهة بقوله: (وإن كان قائلها لم يرد ظاهرها فهو كافر بقوله ضال بجهله، ولا يعذر بتأويله لتلك الألفاظ إلا أن يكون جاهلاً للأحكام جهلاً تاماً عاماً ولا يعذر بجهله لمعصيته لعدم مراجعة العلماء والتصانيف على الوجه الواجب من المعرفة في حق من يخوض في أمر الرسل، ومتبعيهم أعني معرفة الأدب في التعبيرات على أن في هذه الألفاظ ما يتعذر أو يتعسر تأويله، بل كلها كذلك، وبتقدير التأويل على وجه يصح في المراد فهو كافر بإطلاق اللفظ على الوجه الذي شرحناه) (مصرع التصوف ص/144)
وقال أبو حامد الغزالي: (فإن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام فيه بنقل عن صاحب الشرع ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل العقل اقتضى ذلك بطلان الثقة بالألفاظ وسقط به منفعة كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم) (إحياء علوم الدين ج1/ص37)
وأما أنها مدسوسة عليه فكذب، وقد شهد معاصروه عليه بها، وما زال المدافعون عنه يفخرون بنسبة الفتوحات والفصوص إليه ويمتدحونه بها.
وقد ذكر الشيخ الأديب علي الطنطاوي -رحمه الله- حادثة طريفة في معرض رده على من أنكروا عليه بأنه يقول بكفر الكلام الموجود في كتب ابن عربي ما نصه: (أما قوله في أنني لا أعرف شيئاً عن ابن عربي وعن عقيدة وحدة الوجود فأخبره ولا فخر في ذلك أن الذي جلب كتاب الفتوحات من قونيا ونقله من النسخة المكتوبة بخط ابن عربي نفسه والمخطوطة الآن في قونيا هو: جدنا الذي قدم من طنطا إلى دمشق سنة 1250هـ فإن كان أخطأ فإني أسأل له المغفرة وإنني قابلت مع عمي الشيخ عبد القادر الطنطاوي نسخة الفتوحات المطبوعة على هذا الأصل المنقول صفحة صفحة.. وأنا أستغفر الله على ما أنفقت من عمري في قراءة مثل هذه الضلالات.) منقول من كتاب فتاوى علي الطنطاوي.
ما وراء إحياء أفكار ابن عربي:
قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: (وفي هذه الأيام يوجد تعاون بين قسم الدراسات الإسلامية في السوربون وبين المسؤولين عن العلوم والآداب والفنون عندنا على إخراج كتاب الفتوحات المكية في بضعة وثلاثين سفراً، في نسخ أنيقة فاخرة لتيسير تداولها بين الناس، ولنشر فكر ابن عربي الذي تحتاج إليه أوروبا في هذه الأيام...
والسعي لإحياء أفكار ابن عربي جزء من تضليل أمتنا وتعتيم الرؤية أمامها أو هو عرض لدين مائع يسوي بين المتناقضات إذ قلب ابن عربي –كما وصف نفسه- دير لرهبان وبيت لنيران وكعبة أوثان، إنه تثليث وتوحيد ونفي وإثبات.. هذا الكلام الغث هو قرة عين الصليبين وأمثالهم وهو ما يراد الآن نشره على أوسع نطاق...
إن علماء الأزهر في العصر الأيوبي أنكروا تفكير هذا الرجل وحكموا بكفره وأودع السجن ليلقى جزاءه لكن أصدقاءه نجحوا في تهريبه) (تراثنا الفكري ص/72-74)
وقال الباحث الموسوعي الدكتور عبد الوهاب المسيري: (العالم الغربي الذي يحارب الإسلام، يشجع الحركات الصوفية. ومن أكثر الكتب انتشاراً الآن في الغرب مؤلفات محيي الدين بن عربي وأشعار جلال الدين الرومي. وقد أوصت لجنة الكونغرس الخاصة بالحريات الدينية بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية). http://www.elmessiri.com/ar
وفي الختام نسأل الله أن يرينا الحق حقاًُ ويرزقنا إتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.