ميليشيا "حزب الله".. سقوط قناع "المقاومة" في حلب

بواسطة تركي مصطفى قراءة 1368
ميليشيا "حزب الله".. سقوط قناع "المقاومة" في حلب
ميليشيا "حزب الله".. سقوط قناع "المقاومة" في حلب

تركي مصطفى

1438-2-16

2016-11-16

 

توطئة

تناقش هذه الورقة الحرب في سوريا ضمن إطار مشاركة ميليشيا "حزب الله" اللبناني المساند لقوات نظام الأسد ضمن الحشد العسكري الإيراني ضد فصائل الثورة السورية، في محاولة إجهاض تلك الثورة وتمكين الأسد من الاستمرار في السلطة الذي يدور نظامه في فلك السياسة الإيرانية التي تهيمن على قرار هذا النظام
ونوطئ لهذا النقاش باستعراض تحليلي موجز لتدخل ميليشيا "حزب الله" اللبناني في سوريا ببعدها العسكري ذي الصلة بنتائج المعركة وأهداف الحرب، ثم نتناول بالتحليل قدرات الحزب القتالية في معركة حلب وتفاعلات ونتائج وأسباب طول هذه المعركة اعتمادا على محركات عجلة الحرب.
مقدمة

مضى أكثر من خمس سنوات على دخول ميليشيا "حزب الله" اللبناني الحرب إلى جانب نظام الأسد في كل المناطق السورية الثائرة. ولا تزال معركة حلب في تمدد مستمر على خريطة المحافظة سواء في مركزها الإداري, أو ريفها الجنوبي والغربي, حيث خسرت هذه الميليشيا  العديد من المناطق التي احتلتها في ريف حلب الجنوبي على الرغم من كثافة الطيران الروسي وذاك التابع لنظام الأسد ضمن إستراتيجية الأرض المحروقة أمام الحشد الإيراني
والمتابع لخسائر ميليشيا "حزب الله" في معركة حلب يلاحظ التغيير في نمط قتاله وخططه من خلال انسحابه من خطوط المواجهة ليزج مكانه بقايا قوات نظام الأسد أو ميليشيات شيعية أرخص من "حزب الله" في التقدير الإيراني.
وبدا الخلل على إمكانيات ميليشيا "حزب الله" ظاهرا من خلال معركة حلب التي خسر فيها المئات من عناصره وجرح الآلاف. فالحزب يقاتل في بيئة معادية له, ويفتقر إلى أطراف داعمة سوى إيران, وإيديولوجية ملخصها تسعير الحرب المذهبية بين السنة والشيعة.
أمام معركة حلب المفتوحة منذ التدخل الروسي العسكري المباشر قبل عام ونيف, وميليشيا "حزب الله" تواجه منعطفا تاريخيا يحدد مصير الميليشيا من خلال محاور قدرتها على تحمل كلفة الحرب واستنزاف نخبتها, ومقتل المئات من العناصر , وأسر البعض منهم , وتداعيات ذلك على بيئتها الحاضنة التي بمقدورها الاستمرار بدفع فاتورة الدم مقابل تنفيذ الأجندة الإيرانية.
-
خطط المواجهة في حلب بين ميليشيا "حزب الله" وفصائل الثورة
تبسط فصائل الثورة السورية السيطرة على القسم الأكبر من حلب المدينة وعلى أجزاء واسعة من الريف الجنوبي وعلى كامل الريف الغربي، بينما تتداخل السيطرة على الريف الشمالي بين الجيش الحر و"قوات الحماية الكردية" وميليشيات نظام الأسد بما فيها ميليشيا "حزب الله". وجاء التدخل الروسي في أيلول عام 2015م ليفرض واقعا جديدا على الخارطة العسكرية في حلب من خلال القصف الجوي المكثف مما مكن الميليشيات الشيعية من إطباق الحصار الكامل على القسم المحرر من المدينة, فسارعت فصائل الثورة إلى تجميع قواها, وفتح ثغرة الراموسة وفك الحصار عن المدينة المحاصرة في عمل غير ناجز لعدم تمكنها من توسعة الثغرة لتجنب نيران العدو الذي يستهدف الفتحة بشكل مكثف من خلال الطيران الذي لا يفارق الأجواء وعبر الرمايات الأرضية. وتلك الخطة المتمثلة في حصار البلدات والمدن تكتيك عسكري تتبعه ميليشيا "حزب الله" وحلفاؤها لإسقاط المناطق عسكريا أو عزلها وتجويعها كما تفعل في منطقة القلمون الغربي, وبالمقابل دخلت ميليشيا "حزب الله" في حرب استنزاف طويلة كلفتها مقتل المئات من قادتها وقوات النخبة لذلك تراجعت عن مواجهة فصائل الثورة في ريف حلب, وزجت بميليشيا "حركة النجباء" إلى الصفوف الأمامية واكتفت بالقصف البعيد المدى والتموضع في مناطق بعيدة عن الاشتباكات سواء داخل المدينة أو في منطقة جبل عزان في ريف حلب الجنوبي.
-
معركة حلب وكلفتها على ميليشيا "حزب الله"
كشفت مجريات المعارك في حلب وريفها الكلفة العسكرية والسياسية لميليشيا "حزب الله" اللبناني.
عسكريا: بحسب تقدير الخبراء عن عدد عناصرها في حلب والذي يتراوح بين (1500-2000) مقاتل من قوات النخبة والقوات الخاصة, في الوقت الذي تشير تقديرات أخرى أن عدد ميليشيا "حزب الله" في سوريا يصل إلى 10 آلاف مقاتل، وهو مجموع عناصر الميليشيا المتناوبة على العمل داخل سوريا, الذين زج بهم "حسن نصر الله" في معركة حلب تزامنا مع التدخل الروسي العسكري, التي تمكنت من احتلال مناطق واسعة في ريف حلب الجنوبي ابتداء من جبل عزان وصولا إلى تلة العيس وخان طومان وخلصة بالاشتراك مع ميليشيات شيعية عراقية وأفغانية إضافة إلى الحرس الثوري الإيراني, ووجدت نفسها في مواجهة جيش الفتح الذي استطاع تحرير بلدة العيس وتلتها في شهر نيسان من العام 2014م, وأعقبها انهيارات متتالية للحشود الشيعية في ريف حلب الجنوبي, ويقدر عدد القتلى في تلك المعارك بالمئات بينهم قياديون، فضلا عن مئات الجرحى وبعض الأسرى, وبالأخص انكسار ميليشيا "حزب الله" وهزيمته في مثلث (تلة العيس - خان طومان - خلصة) إذ لقي القيادي في الميليشيا "مصطفى بدر الدين" مصرعه في معركة خان طومان بحسب بعض المصادر المقربة من الميليشيا المذكورة، فيما ادعى زعيم الميليشيا أن "بدر الدين" قتل في ضواحي العاصمة دمشق. وبغض النظر عن الجهة التي استهدفت "بدر الدين"، فإن مصرعه هو مؤشّر على أن انخراط الحزب في الحرب السورية بلغ أقصى مداه وكل إمكانياته.
والخسائر التي لحقت بميليشيا "حزب الله" تعود لعوامل عدة, فهم يقاتلون في بيئة معادية لهم, يجهلون تضاريسها, علاوة على أساليب قتالية شرسة لجيش الفتح لم تألفها ميليشيا الحزب من قبل. وشكلت هذه الهزيمة صدمة كبيرة لقيادة ميليشيا "حزب الله" في ضاحية بيروت.
سياسيا: تحولت ميليشيا "حزب الله" اللبناني في المشهد السوري إلى قوة احتلال لابد من محاربتها, فكثرت المشاهد الجنائزية لقادتها ونخبة قواتها وهي تصل تباعا إلى  ضاحية بيروت الجنوبية وقرى الجنوب والبقاع اللبناني, ما يشير إلى ارتفاع كلفة حرب "نصر الله" ضد السوريين وانعكاساتها على حاضنته في استنزاف عسكري مستمر، مما حدا بالميليشيا اللبنانية إلى الزج بعناصر جديدة لا تملك الخبرة العسكرية المطلوبة في معارك حلب المحتدمة.
عربيا: انتهى زمن مقاومة "حزب الله" عمليا قبل 16 عاما، صرّف في غضونها طاقته في القوة والعنف، في الصراعات الداخلية على السلطة في لبنان، وفي تدعيم محور إقليمي بعينه تأسّس على التحالف بين سوريا وإيران. ثم كان سقوطه كحزب مقاوم حيث تغيرت صورته في إدراكات الحواضن الشعبية العربية, على امتداد الساحة بعد دخوله سوريا تحت شعار الدفاع عن المراقد الدينية، ومع طول الحرب,  بات يبرر ذلك بقتال الإرهابيين، لتغطية وضعيته كعصا إقليمية لإيران.
-
حقيقة ميليشيا "حزب الله" 
ظهرت ميليشيا "حزب الله" على حقيقتها من خلال:
-
الطابع المذهبي للحزب: حيث تأسس على العصبية المذهبية، واستمر على هذا النحو منذ تأسيسه في أوائل ثمانينات القرن الماضي، ظهر ذلك من خلال سلوكه السياسي المذهبي الذي نفى عنه الصفة الوطنية اللبنانية
-
تبعيته الأجنبية: أعلن "حسن نصر الله" أمين عام الحزب, في أكثر من مناسبة تبعية حزبه إيديولوجيا وسياسيا وعسكريا ومذهبيا لإيران, واعتبر ذاته امتدادا لها في لبنان، علما أنه هو من أدخل الاعتقاد بمبدأ "ولاية الفقيه" في المذهب الشيعي اللبناني، وهو الأمر الذي عارضه الكثير من شيعة لبنان.
-
يصنف "حزب الله" ضمن الأحزاب الدينية التي لعبت دورا خطيرا في تأجيج الصراع المذهبي في المنطقة, فهو يعتمد مبدأ التقية والمظلومية، ويعمل على حرق المدن والبلدات السورية ذات الأغلبية السنية بدءا من القصير بحجة الدفاع عن المقامات ثم إلى القلمون لوقف زحف "الارهابيين" وصولا لمطاردتهم في حلب في محاولة لإقناع حاضنته بشرعية مشاركته  إلى جانب نظام الأسد في الحرب الدائرة في سوريا.
خلاصة 
إن المتابع للعمليات العسكرية في حلب وريفها يدرك الانكسارات الواضحة والخسائر البشريّة التي منيت بها ميليشيا "حزب الله" اللبناني والتي تخطّت المعقول، ولم يعد يُمكن التعويض عن القيادات وعناصر النخبة بأي شكل من الأشكال في معركة مدينة حلب، التي تحوّلت إلى محرقة اكتوت بنارها حاضنة الحزب في ضاحية بيروت والجنوب ومنطقة بعلبك التي حولها الحزب إلى بيئات سرطانية مليئة بالحقد المذهبي وسموم التعصب, وصور لهم هذه المعركة على أنها حرب مصيرية سوف يتحدد من خلالها الزمن الذي يظهر فيه المهدي المنتظر. في استغباء حاضنته ليحافظ على توازنها بعد خيباته وانتكاساته في حلب, وتعالي أصوات شيعية لبنانية تدين تدخل الحزب في سوري، كالشيخ "صبحي الطفيلي" أول أمين عام للحزب, وغيره من الأصوات الشيعية اللبنانية.
وبالنتيجة, فإن التطورات الميدانية الأخيرة تشير إلى أنه لا الحرس الثوري الإيراني ولا "حزب الله" ولا قوات نظام الأسد يمكنهما كسب الحرب لمصلحة الأسد، أو حسم معركة حلب. لذلك تتركّز عمليات ميليشيا "حزب الله" وتحركاته على جانب تكتيكي واضح نظراً لطبيعة المنطقة. فهو يحاول التقدم البطيء، وتثبيت نقاط على الأرض وفي المقابل فإنه يتلقى ضربات موجعة من فصائل الثورة.  
في هذا الإطار لن تكون عمليات ميليشيا الحزب مجدية في تغيير موازين القوى على جبهات حلب سواء  في الريف الجنوبي أو الأحياء الداخلية في القسم المحرر من المدينة، لأن ميليشيا "حزب الله" وحواشيها لا تملك إرادة القتال، وإن شعارات "حماية المراقد" أو "قتال الإرهابيين" و"يا حسين".. لم تعد صالحة للمقاتلين على الأرض بعد أن اقتنع مقاتلوهم أنهم جزء من قوة عسكرية تقاتل لصالح أهداف روسية وأنهم مجرد مرتزقة, بينما فصائل الثورة المسلحة تقاتل انطلاقا من الواجب الديني والوطني في الدفاع عن العرض والأرض ضد ميليشيات تعمل على الاغتصاب والاحتلال ونهب الثروات الخاصة والعامة

 

 

المصدر: شبكة بلدي الإعلامية



مقالات ذات صلة