النظام الإيراني وإسرائيل في عهد الخميني
يقول الدكتور الشيعي موسى الموسوي في كتاب الثورة البائسة
إسرائيل تعرف جيدا أن عدوها الأول والأخير هو العرب ، وأقوى الدول العربية هي أقوى أعدائها ، أما إيران فكانت منذ قيام دولة إسرائيل صديقا حميما سواء في عهد الشاه أو بعد سقوطه ، وإسرائيل على علم ويقين أن تصريحات الخميني وسائر زمرته من احتلال القدس والحرب مع الكيان الصهيوني هي للاستهلاك المحلي ومزايدات سياسية داخلية وخارجية . لقد ثبت هذا عندما زودت إسرائيل إيران بقطع الغيار والأسلحة لاستعمالها في الحرب الإيرانية العراقية ، ولقد حاولت الزمرة الخمينية الحاكمة إخفاء هذه الفضيحة الكبرى وحاول الخميني نفسه أن يدخل الميدان وكذب الخبر مرات وكرات ، إلا أن الفضيحة كانت اكبر من أن تخفى.
إن المخطط المشئوم الذي نفذته إيران بالتعاون مع إسرائيل يعطي مؤشرات خطيرة هي ابعد بكثير من التعاون الاقتصادي والسياسي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني، إن المتتبع لأحداث المنطقة يعرف بوضوح أن إسرائيل لا تستطيع العيش في المنطقة إلا إذا ضعفت الدول العربية التي تهدد كيانها التوسعي ، فقوة الدول العربية تعني ضعف إسرائيل ، وقد جاءت أحداث لبنان الدامية وما استهلكت من أسلحة الدول العربية ، وخروج مصر عن الحظيرة العربية سببا في تضعيف دول المواجهة مع إسرائيل ، وبالطبع مصدر قوة كبيرة لها ، ولكن يبدو أن خروج مصر من الحظيرة العربية وأحداث لبنان التي لازالت تستهلك السلاح والجهد العربي لم يعط البعد اللازم لإقناع العرب بالوصول إلى حل سلمي مع إسرائيل ، وكانت أقوى الدول العربية الرافضة لمعاهدة كامب ديفيد هي العراق الذي قاد الدول العربية في رفض الحلول الاستسلامية ، وبما انه كان أقوى دول المواجهة عسكريا وبشريا والذي كان يقود السياسة العربية الرافضة للحل الاستسلامي الذي اتبعه الرئيس المصري أنور السادات فكان لا بد من تضعيف العراق عسكريا بأي ثمن ومهما كلف الأمر وبدون أن تثير مخاوف دول المجابهة الأخرى ، فلذلك كما قلت في فصل ( رفض الصلح ) من هذا الكتاب أن الحرب الإيرانية العراقية كانت في ضمن التخطيط الأساسي لدعم الكيان الصهيوني ، فتضعف أقوى دول المجابهة عسكريا هو في صالح إسرائيل وفي صالح الحل السلمي ، أي تسليم العرب للأمر الواقع ، إني لا اعتقد أن توقيت ضم الجولان وتعصيم القدس القديمة في هذا الوقت كان أمراً اعتباطيا بل استغلت إسرائيل الحرب الإيرانية العراقية لتتوسع في الأراضي العربية كما تريد وبلا رادع ومانع . إن استمرار إيران في حربها مع العراق ورفضها للصلح هو مخطط صهيوني استعماري أوضح من الشمس في رائعة النهار ، إن في ضعف العراق تكمن قوة إسرائيل ، وضعف العراق ضعف العرب، وضعف العرب قوة إسرائيل أيضاً .
إن العالم يسخر بما يسمع من الخميني والخمينيون حول عدائهم مع إسرائيل ويعتبره نوعا من الهذيان السياسي ، وإسرائيل ترى تعاونها وصداقتها مع النظام الإسلامي في إيران فرصة ذهبية لابد وان تستغلها في سبيل مآربها ولذلك يعتقد الضالعون في شؤون السياسة كما نشرتها بعض الصحف إن الأسلحة وقطع الغيار التي باعتها إسرائيل لإيران تجاوزت مائة مليون دولارا ، كما أن خبراء إسرائيليين وصلوا إيران لتدريب حرس الثورة على استعمال تلك الأسلحة وبعد كل هذا فلتقر عين السيد ياسر عرفات ومنظمة فتح في تعاطفهم مع الزمرة الخمينية في إيران ، صحيح أن شهر العسل بين إيران والفلسطينيين قد انتهى وصحيح أن إيران أغلقت مكتب فتح في خرمشهر ، وصبرت عليه المنظمة على مضض .
لكن السؤال الأساسي هو كيف تصبر منظمة فتح على تعاون إيران مع إسرائيل عسكريا والذي أدى ويؤدي إلى تضعيف العراق عسكريا ، أي تضعيف المقاومة وتضعيف جبهة الصمود وتضعيف العرب في آخر المطاف ، إذا كانت الكلمات فقط تقنع منظمة فتح فنحن لا نلومهم لأن الكلام المعسول الذي أطلقه الخميني وزمرته ضد إسرائيل قد يضمن النصر للعرب وهنيئا لهم ، وأما إذا كانت هناك من سياسة حكيمة لتفريق الصديق من العدو فان إيران الخميني تلعب اليوم أعظم الأدوار الهدامة في مأساة العرب الكبرى فلسطين .
إن الجسور الممدودة بين ياسر عرفات والزمرة الخمينية الحاكمة في إيران حتى إذا قطعت فان إيران تستمر في طريقها لتدمير العرب وإضعافهم ، ولكن لصاحب الحق أن يقول كلمته . أما الدول العربية التي تواكب النظام الإيراني في مسيرته الشائنة فإنما تشارك في هدم نفسها وكيانها وشعوبها بعمد أو جهل ، ولأول مرة يحدث مثل هذا الخطأ الجسيم في تقييم العلاقات العربية الخمينية . إن تأييد حافظ الأسد للزمرة الخمينية الحاكمة في إيران إنما هو تأييد لبيغن وإسرائيل ، وفي الحقيقة والواقع هدم لسوريا وأمة العرب جميعا والإسلام .
كما إن الأموال التي ينفقها الأخ القذافي على النظام الحاكم في إيران فإنما تضاف إلى أرصدة إسرائيل بعد تحوير صغير .
وإذا كانت الدول الاستعمارية الكبرى تساعد إسرائيل ضد العرب بالمال والسلاح ، فان الجمهورية الإسلامية الخمينية تساعد إسرائيل بالمال والسلاح والدم ، إن قتل كل جندي في جبهة الحرب الإيرانية العراقية حياة لجندي إسرائيلي واقف في الجبهة العربية بالمرصاد .
لقد ثبت لإسرائيل أن إيران في ظل التاج والعمامة سوق رائج له وصديق لا غنى عنه ، فالبضائع الاستهلاكية التي تستورده إيران في عهد الشاه ، والنفط الذي تستورده إسرائيل من إيران أضعاف ما كانت تستورده في عهد الشاه ، والتعاون الإيراني في ظل الخميني وزمرته يتجاوز تعاون الصديق مع صديقه ، بل أصبح تعاون الحليف مع حليفه ، فمتى كان الشاه يشترى الأسلحة ويستورد قطع الغيار من إسرائيل كما فعلت الدولة الخمينية ، غير أن الشاه كان شجاعا في التصريح بعلاقته مع إسرائيل ، والخميني وزمرته الحاكمة جبناء أذلاء ، (وَمِنْ وَرائِهِم قَوم اشتَروا الضَّلالة بِالهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارتَهُم وَكانوا مِن الخَاسِرين) "1"
"1" كتبنا هذا الفصل قبل احتلال إسرائيل للبنان بنصف عام . الاحتلال الذي راح ضحيته عشرين ألف قتيل من المدنيين وأسفر عن مذبحة صبرا وشاتيلا وإرغام المقاومة الفلسطينية على مغادرة الأراضي اللبنانية ، الأمر الذي يثبت ما أسلفناه في هذا الفصل أن الشعب الإيراني عندما أراد الوقوف بجانب اللبنانيين والفلسطينيين في محنتهم لدرء الهجمات الإسرائيلية وظهرت تساؤلات كثيرة عن السبب في رفض الخميني اقتراح العراق بوقف الحرب الدائرة بينهما حتى يتسنى للعراق مساعدة لبنان . وجه الخميني نداء إلى الشعب الإيراني يقول فيه : لا تلهيكم الحرب الصغيرة عن الحرب الكبيرة فمحاربة العراق أهم لنا بكثير من محاربة إسرائيل .