المشروع الطائفي الشيعي إلى أين ؟
د. طه الدليمي
التاريخ: 29/4/1431 الموافق 14-04-2010
تمر بنا هذا اليوم الذكرى السابعة لاحتلال العراق العظيم، ووصول الأمريكان ساحة الفردوس في وسط العاصمة الحبيبة بغداد المجد والعطر والتاريخ، تحيط بهم شراذم الشيعة يحيونهم بالأهازيج والهتافات وإشارات الود وتعبيرات الفرح وعبارات التشجيع.
كان ذلك في يوم لا ينمحي من الذاكرة. إنه يوم الأربعاء 9/4/2003 !بين 9/4 و 4/9
عندما تتبادل الأرقام المواقع فيما بينها نجد أن 9/4 هي البديل المناظر لـ 4/9 يوم الاعتداء الإيراني على بلدنا سنة 1980. وحين نخرج من أضوية الخيال إلى شواخص الميدان نجد الحقائق في الحالتين واحدة. وإذا ربطنا العلاقة بالزمن نجد أن الأولى صدى للثانية. وبالاستعانة بشواهد التاريخ، تتضح الصورة، ويظهر لنا تلاقي المشروعين واتفاقهما في مفاصل حيوية خطيرة عديدة، سيما ما تعلق منها بدائرة الصراع الأكثر سخونة وتأثيراً في الأحداث الإقليمية، بل والعالمية: العراق.
كان الاحتلال الأمريكي مظلة تمدد تحتها المشروع الإيراني، وانتعشت في ظلها آمال الشيعة بتأسيس دولة طائفية لهم في العراق، لا يتركون فيها لأهل السنة موطئاً يستقرون فيه. وانطلقت تجمعاتهم في دول المنطقة في سكرة هذا الشعور تزعج المواطنين، وتهدد الأنظمة، طامعة في استنساخ التجربة العراقية، ونثر بذورها هنا وهناك.
تمكنت المقاومة الجهادية في بلاد الرافدين خلال عملياتها القتالية الأسطورية في هذه السبع العجاف من تركيع المحتل الغربي، وإجباره على إعلان جدولة انسحابه مثخناً بالجراح، وملطخاً بالفضائح، ومثقلاً بالتهم، ومتبوعاً باللعنات. كما تمكن أبطال أهل السنة من الدفاع عن بغداد والحفاظ على طوقها الأمني، وإفشال محاولات الحكومات الشيعية الطائفية المتعاقبة لكسر هذا الطوق وفتح الطريق واسعاً أمام موجة (شروكية) جديدة لإغراق بغداد بشراذمها وصولاً إلى تغيير هويتها، بعد تهجير أغلب أهل السنة وسكنتها الأصليين منها.
إضافة إلى تحقيق نجاحات لا تنكر في حماية المدن الأخرى من التمدد الطائفي.
وهذه نتائج عظيمة تمثل بعض مفردات النصر الذي تحقق على يد المجاهدين، رغم انحياز الظروف كلها: الداخلية والخارجية إلى غير جانبهم!
هل من بشارة ؟
سبع سنين عجاف مرت، ونحن اليوم نترقب العام الذي فيه يغاث الناس وفيه يعصرون. فمتى يطل علينا؟ وهل من دلائل وإشارات في الأفق القريب أو البعيد؟ وهل من بشارة يمكن أن نزف أطراف أخبارها إلى أهلنا في هذه المناسبة الكئيبة؟
لا بد أولاً أن نضع في بالنا أن التحدي الأكبر في بلدنا هو المحتل الإيراني وأذنابه. وهذا شيء قلناه من قبل الاحتلال وأثناءه، وما زلنا نقوله. ونعلن أن قضيتنا شرقية لا غربية.
وعند التفصيل يعرف القارئ بادي الرأي أن هذا ليس معناه إلغاء الخطر الغربي، وإنما هو إعادة تشكيل للعقل السياسي في العراق – وكل البلدان المشابهة – طبقاً للأولويات.
شيء آخر نحتاج إلى استحضاره، يتبين من خلال نظرنا إلى أن المشروع الإيراني وإن تطابق مع المشروع الشيعي في جل مبادئه وأهدافه، لكنه يفترق عنه في مفصل مهم، ألا وهو أن إيران تستخدم الشيعة لتنفيذ غاياتها القومية الفارسية، وكثيراً ما تضحي بهم متى ما اقتضى مسار المشروع ذلك، بل هي تتعمد أحياناً تقديمهم قرابين: إما مباشرة من قبل عناصرها، أو تسخر من يفعل ذلك من الجهلة أو الخونة من غيرها. وبهذا تظل عجلة (المظلومية) تدور محركاتها باستمرار. وإذا عرفنا أن الشعور بـ(المظلومية) لدى الشيعة، وتصورهم أن إيران هي الحامي لهم من الظلم والاضطهاد، هو أحد الأسس التي تستند عليها إيران لاحتياز الشيعة، وتسخيرهم في مشروعها.. إذا عرفنا ذلك تبين كيف أن إيران كثيراً ما تتعمد صنع مجازر للشيعة، وأنها هي وراء الكثير مما يحصل لهم من ذلك في العراق وغيره، تماماً كما فعل قادة اليهود بجمهورهم نهاية الأربعينيات من القرن الماضي من أجل تهجيرهم وتحقيق حلمهم في فلسطين.
إنه أحد أسرار سعي إيران إلى إثارة الشيعة – وإن قلوا وكانوا أضعف من مستوى التحدي القريب أو البعيد – ضد دولهم، دون أن تأبه لما يحصل لهم من أذى قد يصل إلى حد الكوارث كردة فعل ضد تصرفاتهم.
هذا هو الخط الاستراتيجي الذي تسير عليه عربة السياسة الإيرانية مع جيرانها العرب المباشرين وغير المباشرين. وحين نمد من هذا الخط بضع سنين إلى الأمام نجد الشيعة سيتمددون أفقياً لكنهم في آخر المطاف سيسقطون عمودياً؛ لسبب بسيط وواضح، هو أن الشيعة لا فكرة ولا عدداً ولا إمكانية بمستوى التحدي الذي يواجههم من المحيط السني الذي لا يشكلون بالنسبة له سوى جزرة صغيرة في محيط كبير.
وهنا أقول للشيعة: لقد ذهب زمانكم وجاء زماننا.
من معالم البشائر
وأقول للسنة ما يلي:
1- انتهى ذلك الزمان الذي كان فيه مثل الشيخ إحسان إلهي ظهير، والشيخ محمد سرور، وبعض من هو على شاكلتهم يعملون كظاهرة فردية ضد المشروع الشيعي. نحن اليوم في زمن المحاور والكتل التي تجاوزت العمل الفردي، وبدأت تنظم نفسها في تجمعات تمتلك خبرة وتنظيماً وتكاملاً، حتى وإن لم يكن اليوم بالمستوى المطلوب، لكن الأيام القادمة حبلى بما هو خير. وسيأتي بإذن الله زمان ليس بالبعيد تتجمع فيه هذه الكتل في منظومة واحدة كبيرة، أو مجموعة منظومات أكبر تنسق الجهود فيما بينها ضمن مشروع فاعل ومؤثر وكبير.
2- لقد أيقظ الشيعة بحمقهم جمهور السنة فبدأ الوعي والتحصين ينتشر في أوساطهم. وهذا أول الطريق، وقد ابتدأ أهل السنة سلوكه من عدة سنوات.
3- من أثر هذا الوعي بروز منظمات سنية تعمل ضد المشروع الإيراني العامل على تشييع المسلمين وتلاحقه في إفريقيا، وفي شرق آسيا وغيرها. وهذه المنظمات لم تكن قبل خمس سنوات فقط من هذا التاريخ.
4- ومن أثره ظهور قنوات فضائية هزت أركان الشيعة والتشيع ودخلت كل بيت شيعي، والأهم منه دخولها بيوت السنة لبث الوعي وغرس التحصين الداخلي، مثل قناة (صفا والوصال والخليجية والمستقلة والأماكن) وغيرها. وأغلبها لم يكن لها من وجود قبل سنتين فقط، والقادم أقوى وأكثر بإذن الله. دعك من سيل المؤلفات الكبيرة والصغيرة والرسائل الجامعية والمجلات والمطويات والأشرطة والأقراص والمواقع الألكترونية ومراكز البحوث، وما شابهها.
5- ليس هذا فحسب، بل إن الحكومات العربية تنبهت لخطر المشروع الإيراني، وعلمت أن الشيعة في كل بلد هم مطايا هذا المشروع الخطير، فأخذت بمتابعتهم ومعالجة خطرهم. بل خطت خطوات ضد المشروع الإيراني ومتابعة نشاطاته. جمهورية مصر أحد الأمثلة على ذلك، وكذلك المملكة المغربية التي قطعت علاقتها مع إيران لهذا السبب. وثمة دول أخرى تسلك المسلك نفسه.
6- هذا كله يصب ضمن قاعدة (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً) (الإسراء). فالقطار السني ضد التشيع انطلق منذ فترة، وهو يواصل تلمس الطريق الصحيح للوصول إلى الهدف، ويتخلص شيئاً فشيئاً من (الترضوية) التي كان عليها.
7- الشيعي ذو شخصية مزدوجة؛ بسبب من (عقدة النقص( التي تطبع الشخصية الجمعية الشيعية بطابعها. فهو إن وجد مداراة وضعفاً تفرعن واستشرى، وإن واجه تحدياً وقوة تطأطأ واستخذى. فالشيخ الشهال – مثلاً – عندما اجتاح "حزب الله" العاصمة بيروت، دعا إلى تنظيم السنة وتسليحهم وهدد بشن حرب ضد الحزب؛ فسحب قواته من بيروت. والمحامي المصري الأستاذ ممدوح إسماعيل رفع قضية ضد الرئيس الإيراني محمود نجاد تتعلق بالطعن بالصحابة الكرام؛ فلم يجرؤ على دخول مصر لحضور أحد المؤتمرات في العام الماضي. مجمل القول: لقد أدرك الكثير من أهل السنة أن الشيعة يعتاشون على ضعفنا، وليس على قوة ذاتية لهم؛ فصارت (ثقافة المواجهة) تحل محل (ثقافة الترضية). وفي هذا يكمن انحسار ظاهرة التشيع.
8- التشيع دين باطني. وفي نشوة الشعور الزائف بالنصر صار الشيعة يكشفون أوراقهم، وينشرون غسيلهم في وسائل الإعلام. وهم الآن في طور الفضيحة. يدرك ذلك كل متابع لشبكة المعلومات مثلاً، وما ينشر عليها من مخازٍ وطامات تجعل السنة – بل وبعض الشيعة أيضاً– يتعوذون مما يرون ويسمعون.
9- الشيعة اليوم صاروا يخرجون من دائرة الهجوم، ويجنحون إلى الدفاع، وتقديم التنازلات، ورفع شعارات التقريب. وفي هذا مقتلهم. كما بينت ذلك في الفصل الأخير من كتابي (لا بد من لعن الظلام).
10- تسرب اليأس إلى قلوب جماهير الشيعة من إيران، وتشككهم في مصداقيتها، وانكشاف نواياها لدى الكثيرين منهم. والعراق شاهد على هذه الحقيقة.
11- وصول نظام ولاية الفقيه إلى طريق شائك، ودهليز يضيق باستمرار في علاقتها بالقاعدة الجماهيرية، بل والنخبة السياسية، في إيران، ربما لا ينتهي إلا بزوال هذا النظام الخبيث خلال عشر سنوات أو أقل. وهذا إن تحقق فسيصيب الشيعة بخيبة أمل ونكسة كارثية لن يفيقوا منها قبل مرور نصف قرن من الزمان. وستشهد المنطقة انحساراً لموجة التشيع كالانحسار الذي أصاب الشيوعية بعد شهودها مداً طاغياً في الأربعينيات إلى نهاية الستينيات.
على أننا في العراق نعيش وضعاً له خصوصيته. نعم تشهد الساحة انكماشاً سياسياً شيعياً وتمدداً سنياً مقارنة بالفترة السابقة، وهو يتماشى مع الخط العام لمسار التشيع. ولكن ما أخشاه أن يتصاحب هذا الانكماش الشيعي السياسي مع تمدد ديني طائفي في المناطق السنية. وهو واقع نلمس بداياته في المرحلة الحاضرة. إن هذا الوضع يتطلب منا عملاً حثيثاً مركّزاً أكثر من بقية البلدان، وتضافر جهود في مشروع تحصيني قوي وكبير، إذا يسر الله سبحانه أمره على العاملين به فستشهد المنطقة في المستقبل القريب واقعاً جديداً، (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم).
المصدر:القادسية