لقد كان وقع جريمة اغتيال القائد القسامي محمود المبحوح رحمه الله في دبي – ونسأل الله أن يكتب له الشهادة ويرفع درجته في عليين – لها كبير الأثر على نفوس كل محب لفلسطين وهو يسمع هول هذا الخبر، فها هي فلسطين تقدم أحد أبنائها المخلصين – والله حسيبه – على درب الجهاد، وترفع في سجلها رجلاً جديداً ممن ارتضوا أن يقدموا أرواحهم رخيصة من أجل فلسطين.
ولا شك أن ما وقع هو من قضاء الله وقدره، وهذا مصير كل حي، فلأن يقدم الإنسان نفسه من أجل الله وفي الله خير من أن يموت موتة الأشقياء:
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره *** تعددت الأسباب والموت واحد!
وليس لنا هنا إلا أن نرفع أكف الضراعة لله تعالى أن يحمي قادتنا، ويتولاهم بحفظه ورعايته، وأن يجعل من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً...
ولا شك أن علينا التنبه جداً أن هنالك خرقاً في أمن المقاومة ينبغي للمقاومة التيقظ الفوري له، والمبادرة إلى التصدي الواجب بما يسد الثغرة التي نَفَذَ منها القتلة.
والمقاومون بشر يستحيل عليهم التحوط التام والدائم، فليس الاختراق عيباً في ذاته، لكن العيب في إهماله وعدم الاستفادة مما وقع منعاً لتكراره مستقبلاً لا قدّر الله.
وأظن أنه يجوز لنا هنا أن نقف وقفات متأنية مع بعض التقارير التي وردت بصدد هذا الخبر، ونحن نرى أيدي كثيرة مشبوهة تعبث بوطننا وأمننا، وتحاول أن تبتلع المقاومة الإسلامية الفلسطينية وتطويها تحت جنباتها.!!
فقد أورد موقع سوريون نت عن مصادر مطلعة قوله: "كشفت مصادر وثيقة الصلة فضلت حجب هويتها لـ سوريون نت في كل من العاصمتين السورية دمشق واللبنانية بيروت عن تورط واضح للنظامين السوري والإيراني في جريمة اغتيال أحد مؤسسي عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس والذي جرى صعقه بالكهرباء ثم خنقه في دبي في العشرين من الشهر الماضي، وقالت المصادر إن محمود المبحوح البالغ من العمر خمسين عاماً كان في طريقه من دمشق إلى طهران حيث توقف لزيارة نجله لساعات في مطار دبي ليتوجه بعدها إلى إيران وأن معلومات وردت للموساد الصهيوني من دمشق أو طهران ليتولى جريمة اغتيال القائد القسامي، ولم تستبعد المصادر أن يكون النظام السوري قبض الثمن سياسياً بتعيين السفير الأميركي الجديد في دمشق ..
وتخوفت المصادر أن يتم بيع قادة المقاومة الإسلامية من قبل النظامين الإيراني والسوري واحدا تلو الآخر ضمن صفقات سياسية تُكسب النظامين بعض المواقع الداخلية والإقليمية والدولية.."
وأضاف الموقع قائلاً: " وبالتأكيد فإنه لولا المعلومات اليقينية التي حصل عليها الموساد الصهيوني من النظامين السوري والإيراني لما كان باستطاعته أن يصل إلى هدفه......
النظام السوري المعروف بصفقات البيع والشراء .. لا يمكن أن يغيب عنه بيع مثل هذا الصيد مقابل التخفيف عنه في ملفات أخرى، وإلى من يظن أن عملاء أمثال كوهين موجودون في دمشق يقومون بذلك بعيداً عن النظام، نقول لهم: أمثال كوهين كانوا موجودين حين لم يكن كوهين كبير مثل حافظ أسد وبشار أسد يتربعون على عرش دمشق، حين كان أمثال أمين الحافظ وغيره حكاماً لدمشق فكان الموساد والصهاينة بحاجة إلى زرع كوهينات في دمشق أما الآن فليسوا بحاجة أولاً ، وثانياً لا يوجد هناك من يجرؤ من قادة ومخابرات النظام السوري على اقتحام ملف بهذا الحجم دون موافقة النظام السوري القائم أصلاً على الاستخبارات والتجسس والقمع..
ما على المقاومتين العراقية والفلسطينية إلا أن تتحسس رؤوسها الآن وتعرف تماماً أن الدور قد يأتي على أي واحد من قادتها وعناصرها، وأن النظام السوري الذي لديه سجل خطير في البيع والشراء وفي الاغتيالات وفي التصفيات، فكما نقل عن حافظ أسد أنه مات وفي قلبه حسرة من عدم نجاحه في تصفية عرفات، وما يبث هنا وهناك ندرك تماماً أن ما تخفي صدورهم أكبر ...!!" انتهى.
وإذا ما ربطنا هذه الحادثة بما حدث قبل أسابيع من محاولة اغتيال أسامة حمدان بزرع متفجرات في سيارته وسط المربع الأمني لحزب الله في لبنان!! حيث لا يستطيع أي مراقب أن يشرح هذا الاختراق الأمني، سوى أنها رسائل تواجه لقادة المقاومة الإسلامية بعدم الخروج عما يطلب منها؟!!
وهناك غيرها مما لم يكشف عنه، وتعرفه حماس جيداً، فضلاً عن الجهاد.
ثم يأتي بعد ذلك الكشف عن اتفاق سري للتعاون العسكري والأمني بين حزب الله من جهة والفصائل الفلسطينية المقاومة من جهة!!
فإذا ما خلت الساحة من القادة العسكريين والأمنيين أصحاب الخبرة في صفوف المقاومة الفلسطينية، كان طبيعياً أن يتم ملؤها من طرف إيران ومن يدور في فلكها، وعندها يسهل الصيد وتحلو الفريسة، وتصبح فلسطين، كل فلسطين ألعوبة بين فكي كماشة، فإما علمانيين مرتزقة انبطحوا في أحضان اليهود والصليبيين، وإما إسلاميون غافلون وقعوا في فخ مصيدة الرافضة وأصبحوا بلا حول ولا قوة!!
إن مثل هذه الحوادث تحتاج منا إلى طول تأمل... وبعد نظر، حتى لا نستيقظ على يوم يكون فيه شعار تكفير ولعن الصحابة رضوان الله عليهم شعار أهل فلسطين!!
منذر النابلسي
1/2/2010م