إيران والصهيونية
تأليف : محمد تقي بور .
مؤسسة الأبحاث والدراسات السياسية ، " مركز مطالعات فلسطين " طهران.
ترجمة : د. أحمد حسين بكر .
قسم اللغات الشرقية وآدابها – كلية الآداب – جامعة القاهرة
قراءة في الكتاب :
إيران والصهيونية عنوان الكتاب الذي بين أيدينا ، بطبعته الأولى سنة 2008 ، لدار طيبة للطباعة – الجيزة – مصر ، والناشر للكتاب مكتبة النافذة – الجيزة – مصر ؛ وهو من القطع المتوسط عدد صفحاته 172 صفحة .
وهو من تأليف الباحث الإيراني محمد تقي بور ؛ باحث في العلوم السياسية ، يعمل في مؤسسة الأبحاث والدراسات السياسية وله العديد من المؤلفات التي تزيد عن عشرة كتب وثمانين ومقالاً في الدوريات والمؤتمرات المختلفة ، أكثرها عن فلسطين وإسرائيل والصهيونية .
أما هذا الكتاب فهو بحث نشره الكاتب ضمن سلسلة الأعمال التي ينشرها مركز دراسات فلسطين " مركز مطالعات فلسطين " وقد نشر لأول مرة في عام 2002 وعنوانه بالفارسية " تكابون صهيوني در إيران معاصر " وترجمته " "النشاط الصهيوني في إيران الحديثة" .
وقد قسم المؤلف مادته إلى مجموعة من العناوين الكبيرة تكلم تحتها عن الخطوات التي اتخذتها المنظمات والدوائر والشخصيات اليهودية والصهيونية في سبيل إعداد يهود إيران وحشدهم خلف المشروع الصهيوني فتكلم عن منظمة التحالف الإسرائيلي العالمي ، ونشاطها في إيران ، ثم انتقل إلى الخطة التي حاول اليهود تطبيقها لتوطين يهود العالم بإيران كأحد المشروعات التوطينية المقترحة من الصهاينة ؛ ودور اليهود في ظهور الدولة البهلوية بقيادة رضا شاه البهلوي والعلاقة بين الأسرة البهلوية واليهود والدور الذي لعبه اليهود في المجالات التشريعية والاقتصادية والمراكز الصناعية والتجارية والفنادق والسينما وتجارة الدواء بإيران.
وانتقل المؤلف بعد ذلك إلى الحديث عن المنظمات الصهيونية المحلية والعالمية ودورها في إيران ، وكان آخر جزء بالكتاب عن إسرائيل وعلاقتها بإيران ، والدور الذي لعبتها داخلها بعد اعتراف النظام البهلوي ها وإقامة علاقات معها وأصداء ذلك الاعتراف ومجالات التعاون بين النظامين وركز المؤلف على المجالين الاقتصادي والأمني "
ودراسة الباحث الإيراني عن الفترة مابين 1948 إلى 1979م ، وعلاقة قيادة شاه إيران بالصهيونية ، وانقلاب الثورة الإيرانية عليها بقيادة الخميني ، حيث أصبحت تلك العلاقة في طي النسيان .
وكشف الباحث الإيراني الوثائق التاريخية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى وصدور التصريح المعروف بـ "وعد بلفور " عام 1917 ، ومسيرة كذلك الجمعيات الصهيونية التي أنشئت في إيران خلال الفترة 1948، ودورها المشبوه في تمكين الكيان اليهودي على أرض فلسطين .
قدم مترجم الكتاب د. أحمد بكر مقدمة ماتعة جمع فيها ودلل على قدم العلاقة التي تربط بين اليهود وإيران ، واستند بذلك على نصوص في التوراة – التذي حرفته أيديهم – وبدأ بدور الملك الإيراني " كوروش " أو قورش ( 546 – 530 ق.م ) حينما انتصر عل البابليين وقضى على ملكهم في عام 538 ق.م ، وخَلص اليهود من السبي البابلي بقيادة الملك البابلي بنوخذ نصر أو بختنصر حينما غزاهم وعرض المدن التي يسكنوها للخراب والدمار .
حيث وصف اليهود "كورش" بـ " المسيح المخلص " ، حيث أذن لهم بالعودة إلى أورشليم لإعادة بناء الهيكل !! فعاد بعضهم وبقي البعض الآخر في بلاد إيران .
فالعلاقة تعود إلى ما يزيد على 2500 عام أو إلى عام 538 ق.م وهو العام الذي انتصر فيه كورش على بابل ، وحرر اليهود من الأسر وأذن لهم بالعودة إلى فلسطين ، أو البقاء في إيران ونواحيها .وعاش اليهود في إيران كأقلية منذ أن خلصهم كورش من السبي البابلي .
ويضيف د. أحمد حسين بكر في مقدمته لترجمة كتاب إيران واليهودية : وفي العصر الحديث عملت الصهيونية العالمية على ربط يهود إيران بمخططها ، فساعدتهم في شتى المجالات ، وأهمها التعليم والتدريب على المهن والحرف المختلفة ، وكان للمنظمات اليهودية والصهيونية العالمية دور كبير في ذلك ، وعن طريق هذه المنظمات هاجر اليهود الإيرانيون إلى فلسطين المحتلة ، وجمعت المساعدات المالية لإسرائيل ووظف الأثرياء من يهود إيران أموالهم لدعم هذا الكيان الغاصب .
ويضيف د. بكر : وبعد الإعلان عن قيام "إسرائيل" حاول الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة إقامة علاقات مع دول المنطقة كمرحلة تالية لمرحلة تأسيس الدولة وسعي في الحصول على الاعتراف الرسمي بوجوده في المنطقة ، وكانت إيران أنسب الدول لإقامة هذه العلاقات لأسباب كثيرة أهمها :
· استغلال الأقلية اليهودية الثرية والنشيطة في إيران في دعم مواقف إسرائيل.
· استغلال الخلاف العربي الفارسي الذي أحياه الصراع القومي بين العرب والفرس .
· الاستفادة من البترول الإيراني في ظل الحصار العربي والإسلامي المفروض على إسرائيل .
· استغلال ضعف الشاه في الفترة الأولى من حكمه واعتماده على أمريكا في تثبيت دعائم عرشه وهو ما ضمنته له إسرائيل .
ويضيف المترجم : " كل هذه الأسباب وغيرها أدت إلى اختيار إسرائيل لإيران لتكوين تحالف استراتيجي يحيط بالدول العربية طبقاً للخطة التي وضعها بين جوريون للتعاون مع تركيا وإيران وأثيوبيا " .
وحول التعاون بين إيران والكيان الصهيوني ما بعد 1948 كتب د. بكر : تشعبت العلاقات بين إيران وإسرائيل ، وشكلت لجان مختلفة لتنظيم التعاون في كل المجالات ففي المجال الاقتصادي أقيمت مشاريع كثيرة مشتركة كان أهمها في مجال البترول ، حيث وفرت إيران لإسرائيل معظم احتياجاتها منه ، وأسهمت في مشاريع مد خطوط البترول بين المدن والموانئ الإسرائيلية ، كما زادت حركة الاستيراد والتصدير بين الجانبين وأقامت إسرائيل مشاريع صناعية وزراعية كبيرة في إيران .
"وفي المجال العسكري قام الجانبان بعقد اتفاقيات كثيرة صدرت بموجبها كميات ضخمة من السلاح إلى إيران ، غير أن المجال الأمني والاستخبارات كان أهم ميادين التعاون بين البلدين فقد ساعدت إسرائيل الشاه في تنظيم جهاز مخابراته ( السافاك ) ودربت أفراده ؛ وتعاون الجانبان في التجسس على الدول العربية والإسلامية المحيطة بإيران" .
ويضيف : " وفي عام 1979 ، غادر الشاه إيران ، وعاد الخميني من منفاه مع انتصار ثورته الإسلامية ، وأعلن النظام الثوري اعتبارا إيران دولة مواجهة مع إسرائيل وأن تحرير القس وفلسطين هو أحد همومه ". أما يهود إيران فإن منهم من هرب إلى الخارج ومنهم من بقي في إيران التي يعيش فيها الآن ما يقرب من ثلاثين ألف يهودي ، ولهم تمثيل في البرلمان ومؤسسات سياسية تحفظ حقوقهم ، ومازال يتمتعون بحقوقهم الثقافية والاقتصادية والاجتماعية .
فلهم مدارسهم الخاصة في الوقت الذي يحق لهم الالتحاق بكل المدارس والجامعات الإيرانية ، كما أن لهم العديد من الجمعيات الثقافية والأندية الرياضية والمؤسسات الطبية ، ولهم أنشطتهم التجارية الخاصة كمحلات بيع اللحوم المذبوحة وفقاً للشريعة اليهودية .
أما من الناحية الدينية وحرية العقيدة وممارسة الشعائر فإنهم يمتلكون عدداً كبيراً من المعابد التي يقيمون فيها وخاصة في طهران .
وفي الفصل الأخير من الكتاب أشار الكاتب إلى الأعياد اليهودية التي كانت تقام أيام الشاه ، وكيف كانت الصهيونية تعمل على دعمها وإقامتها ، وكيف تم تغيير التقويم الهجري الشمسي بإيران إلى التقويم الشاهنشاهي في "الظاهر" وتاريخ يهود إيران وتقويمهم في "الحقيقة" .
طارق حجازي