الأحباش... من الحبشة إلى أحضان المخابرات السورية

بواسطة ريتا فرج قراءة 5937

الأحباش... من الحبشة إلى أحضان المخابرات السورية

ريتا فرج – الرأي الكويتية 27/8/2010

 

من هي جمعية «المشاريع الخيرية الإسلامية» او ما يُعرف بـ«الأحباش»؟ سؤال قد يبدو ملتبساً للعديد من اللبنانيين أو المختصين في الحركات الإسلامية. ورغم أن هذه الحركة تقدّم نفسها على أنها من أهل السُنّة، الا انها تخالفهم في العديد من المسائل الفقهية.

يعتبر عبدالله الهرري المعروف بالحبشي، المولود عام 1910 في مدينة «هرر حبشة» في الحبشة، المؤسس لحركة الأحباش. درس أصول الفقه أصول وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنوات، استقر في مكة المكرمة لفترة زمنية قصيرة، وتعرّف هناك على عدد من رجال الدين، ودرس في المسجد الأموي في دمشق علوم الحديث، وانتقل في الخمسينات إلى لبنان، مؤسساً جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية التي أُثير حولها الكثير من علامات الاستفهام حول إذا كانت تياراً سياسياً، أو حركة إسلامية، مماثلة لحركة الاخوان المسلمين على سبيل المثال، والتي قيل انه تمّ تكفيرها من الهرري، وأنه كفر أيضاً الاتجاه السلفي وعدداً من علماء أهل  السنّة.

نشاط «الأحباش» في بيروت بدأ مطلع الثمانينات إثر تنافسهم مع الرجبيين، وهم أنصار الشيخ رجب ديب الذي تتلمذ على يد مفتي سورية السابق الشيخ أحمد كفتارو. وأسس الرجبيون جمعية الفتوة الاسلامية، وهي موجودة حتى اليوم ويرأسها الشيخ زياد الصاحب، غير أن الصراع بين «الاحباش» والرجبيين حسم لمصلحة جمعية «المشاريع» التي تعزز موقعها لاحقاً مع تعزيز سورية لنفوذها العسكري والسياسي في لبنان.

شارك «الأحباش» في الحياة السياسية اللبنانية، وفازت «المشاريع» في مقعد واحد في مجلس النواب لدورة 1992 (عبر عدنان طرابلسي)، وهي الانتخابات البرلمانية الاولى بعد انتهاء الحرب الأهلية، ولكنها في دورة 1996 لم تفز بأي مقعد نيابي.

لـ «الاحباش» دور في المجالس البلدية والاختيارية خصوصاً في مناطق تواجد السنّة المنتشرة بين بيروت وطرابلس. وكبقية التيارات الدينية الإسلامية، أسست جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية مراكز صحية وإعلامية ودعوية وتربوية، مع العلم أن للأحباش حضوراً ليس في لبنان فقط بل في الاردن أيضاً.

شكل عام 2005 منعطفاً جذرياً في مسيرة «الاحباش»، لا سيما بعدما تم ربطها بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في فبراير من العام نفسه. آنذاك وردت أسماء بعض أعضائها في التقرير الاول للمحقق الدولي السابق ديتيلف ميليس، وكان بين هذه الأسماء أحمد عبد العال مسؤول العلاقات العامة والعسكرية والاستخباراتية في الجمعية ومحمود، شقيق أحمد، الذي ورد انه اتصل قبل دقائق من اغتيال الحريري بهاتف الرئيس في حينه اميل لحود ومدير مخابرات الجيش آنذاك العميد ريمون عازار.

ووُصف احمد عبد العال في تقرير ميليس بأنه «شخصية مهمة في ضوء ارتباطاته باوجه عدة من هذا التحقيق»، وان ما كشفه هو هاتفه الخلوي الذي قام باتصالات عدة مع الشخصيات المهمة كافة في هذا التحقيق، وانه «لم يظهر ان هناك اي شخصية اخرى على اتصال باوجه التحقيق المختلفة، مثل عبد العال».

الا ان الأخوين عبد العال أطلقا من القضاء في 25 فبراير 2009 بعد توقيفهما لمدة ثلاث سنوات وستة اشهر ابتداء من 28 اكتوبر 2005 وذلك لقاء كفالة مالية قدرها 500 الف ليرة لبنانية (نحو 330 دولاراً) لكل منهما.

على ان التطور الأبرز الذي رسّخ صورة «الأحباش» في أذهان اللبنانيين كان «تظاهرة السواطير»، التي اعتُبرت من أبرز مؤشرات علاقة «المشاريع» المتينة بالمخابرات السورية.

ففي ابريل من العام 2001 احتج «الأحباش» بالاسلحة البيضاء، على دعوة مجلس المطارنة الموارنة الى انسحاب الجيش السوري من لبنان وفق ما نص عليه اتفاق الطائف، مهددين بـ «البلطات» معارضي الوجود السوري في البلاد.

بعد الانسحاب السوري في 26 ابريل 2005 انكفأ الاحباش سياسياً، من دون أن يمنعهم ذلك من بناء نفوذهم الديني والاجتماعي، تحديداً في منطقة برج أبو حيدر، حيث تمّ تدشين المركز الرئيس لجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية. ومثل الكثير من التيارات الإسلامية يجذب الأحباش اليهم، الفئات الاجتماعية الأشد فقراً. وتؤكد بعض التقارير أن القسم الأكبر من الموالين لهم من الشباب، إما العاطلين عن العمل، أو من تركوا مدارسهم وجامعاتهم، بمعنى أن الجميعة تضم في صفوفها فئات عمرية شابة، لم تكوّن نفسها علمياً ووظيفياً.

العلاقة بين الأحباش وسورية، ليس لها أي طابع ديني حركي، وإنما هي علاقة سياسية بحتة، وهامش تحركهم خلال الوجود العسكري السوري في لبنان كان أوسع، ولكنه تراجع بعد الانسحاب. كما أن علاقتهم بالمرجعية السنية الرسمية توترت منذ أن استولوا على عدد من المساجد التابعة لدار الافتاء، وطردوا الموظفين منها. ويذكر أن مفتي لبنان الشيخ رشيد قباني طالب باستعادة هذه المساجد في اكتوبر 2005.

على أشلاء التنظيمات المسلحة السُنية ومن بينها «المرابطون» التي قامت خلال الحرب الأهلية، أسس «الأحباش» نفوذهم السياسي والأمني، وتعزز هذا النفوذ بدعم سوري، ودخلوا في صراع مع دار الافتاء وجمعية المقاصد، بعد سيطرتهم على بعض المراكز التابعة لدار الفتوى، وطموحهم لرئاستها. ويعتبر المختلفون عقائدياً وسياسياً مع حركة «الاحباش»، أن غالبية أعضائها كانوا قد انتسبوا سابقاً الى حركة «المرابطون».

ويذكر ان الجمعية تولى رئاستها على مدار الأعوام الشيخ مصطفى غلاييني والحاج حسين العويني (أحد رؤساء وزراء لبنان السابقين) والشيخ أحمد العجوز والشيخ نزار الحلبي الذي اغتيل في 31 اغسطس 1995 في محلة الطريق الجديدة في بيروت والتي تم اتهام «عصبة الأنصار» وأميرها احمد عبد الكريم السعدي الملقب بـ «ابومحجن» بارتكابها.

وبعد اغتيال الحلبي، تولى رئاسة الجمعية الشيخ حسام قراقيرة الذي ولد في بيروت في العام 1960 في كنف أسرة بيروتية، وتعرّف إلى الهرري سنة 1976 منذ صغره وتربّى على يديه، وتلقى منه الدروس والمعارف والعلوم. وبعد وفاة مرشد الجمعية العلامة الشيخ عبد الله الهرري في 2 سبتمبر 2008 بايعه طلابه ومريدوه خليفةً له.

 



مقالات ذات صلة