طلعت رميح
4-12-2013
بدأت عملية التغيير في الإقليم العربي مع مطلع الألفية الثانية، بإنفاذ الاستراتيجية الأمريكية المعتمدة لإحداث التغيير باستخدام الجيش الأمريكي وشن الاعتداءات العسكرية وأعمال الاحتلال، وكانت البداية من العراق -التي جاءت تالية لأفغانستان- غير أن المقاومة الوطنية العراقية استطاعت تكسير تلك الاستراتيجية وإنهاكها، بما أدى لسحب القوات الأمريكية من العراق ووقف زحفها إلى دول أخرى.
وبعد عشر سنوات ظهر المكافئ الشعبي للتغيير، فجاء مضادا لنمط الاستراتيجية الأمريكية، إذ اعتمد استراتيجية الفعل الشعبي والنمط اللاعنفي للتغيير من داخل المجتمعات لا من خارجها وعبر الحشود الشعبية في الشوارع لا عبر القوة العسكرية، وكانت البداية من تونس التي زحفت منها فكرة التغيير اللاعنفي إلى مصر واليمن وليبيا وسوريا، وكان ما كان في كل تجربة.
وإذ جرى التركيز على الاستراتيجية الأمريكية ومن بعد على استراتيجية التغيير الشعبي في مرحلة الربيع العربي، لتغيير النظم العربية -التي اعتمدت استراتيجية الصراع من أجل البقاء- فواقع الحال أن ثمة استراتيجية ثالثة كانت تجري وما تزال، هي استراتيجية التغيير التي اعتمدتها إيران، وجوهرها وكلمة السر فيها هي: تشكيل الميليشيات، إذ ما من نقطة وصل إليها النفوذ والدور الإيراني في العالم العربي إلا وكانت القضية المحورية هي تشكيل ميليشيا عسكرية. حدث ذلك في لبنان والعراق وسوريا واليمن، وما خفي كان أخطر.
لم تطرح إيران والجماعات الموالية لها فكرة أو مشروع للتغيير الذي يعيد تشكيل النظم السياسية للدول،بل ظهرت بشكل دائم في وضع الباحث والمدافع عن مصلحة طائفية ومن يجيش نفسه للمواجهة مع الدولة والآخر في المجتمع، وهو وضع يختلف عن الاستراتيجية الأمريكية للتغيير من الخارج وعن استراتيجية التغيير الشعبي اللاعنفي. وإذ لم تكن مصادفة أن تبدأ حركة تصعيد استراتيجية تشكيل ونشر الميليشيات من العراق، بحكم وجود ميليشيات جاهزة للدخول إلى الأراضي العراقية بعد الغزو والاحتلال الأمريكي، غير أن الأمر تخطى الحالة العراقية وظهر كاستراتيجية إيرانية شاملة.
بدأت تجربة حزب الله في حالة ميليشيا طائفية "مغلقة" للقيام بدور استراتيجي لمواجهة "إسرائيل"، إذ لم يطرح حزب الله ولم يشكل اختراقا في الأزمة الوطنية المجتمعية في لبنان، وقد انتهى الأمر به إلى سلوك طائفي، حين ذهب بقواته للقتال في صف حاكم يقتل شعبه الذي ينشد إنهاء حكم ديكتاتوري وطائفي.
لكن الاستراتيجية الإيرانية في نشر الميليشيات، جاءت واضحة أكثر –أو بلا غطاء- انطلاقا من العراق، لتنتشر من هناك باتجاه سوريا في دورها ونشاطها المباشر ولتصبح أداة إيرانية في تهديد الدول الأخرى (الكويت في فترة والسعودية مؤخرا)، كما ظهرت جلية في اليمن، في حالة الحوتيين الذين شكلوا ظاهرة انشقاقية في المجتمع اليمني وباستخدام السلاح..الخ.
لقد أصبح عدد الميليشيات المرتبطة بإيران في العراق نحو 14 ميليشيا، وهي الآن تقاتل علنا في سوريا في صف قوات بشار متساندة مع حزب الله ومجموعات أخرى قادمة من اليمن وبعض دول الخليج، وهو ما يجعل الأحداث الجارية في سوريا نذير خطر كبير على دول كثيرة في الإقليم.
لقد توسعت الاستراتيجية الإيرانية من دولة إلى أخرى حتى أصبحت ظاهرة عامة في الإقليم، ولقد قامت تلك الميلشيات المرتبطة بإيران بارتكاب جرائم وفظائع على نطاق إجرامي خطير في دول متعددة أخطرها العراق وسوريا وهناك تقوم تلك الميلشيات بارتكاب جرائم إبادة وتطهير طائفي وعرقي وديني، لكن أحدا في العالم لم يطالب باعتبار أي منها منظمة إرهابية!
والآن، يبدو أن الطريق صار مفتوحا أكثر لنمو تلك الميليشيات وتمتعها بالحماية أكثر على الصعيد الإقليمي والدولي، بحكم توصل إيران والغرب إلى توافق واتفاق، هو أقرب إلى نمط اتفاقيات سايكس بيكو، تقوم الميلشيات فيه بأكبر دور استراتيجي في تنفيذه!
المصدر : مركز التأصيل للدراسات والبحوث