عـصـام زيـدان
مفكرة الإسلام: شهت سوريا خلال السنتين الماضيتين عدة انفجارات غامضة، التزمت خلالها الحكومة الصمت أو حاولت أن تقنع وسائل الإعلام بأنها من قبيل التفجيرات العارضة والحوادث الطارئة التي ليس من ورائها رغبات سياسية أو أية أهداف مذهبية.
كان حادث السيدة زينب آخر هذه الحوادث الغامضة، حيث قتل 5 أشخاص على الأقل في انفجار حافلة بهذه المنطقة المكتظة بالزوار الشيعة بالقرب من ضريح صباح الخميس (3/12).
وقد تواترت وسائل الإعلام على أن الحادث ناجم عن قنبلة استهدفت الحافلة، حيث ذكر شهود عيان لوكالة رويترز أن قنبلة استهدفت حافلة تقل زوارا إيرانيين قرب مزار شيعي في حي السيدة زينب المزدحم في العاصمة السورية دمشق، وسقط في الانفجار عشرات الضحايا.
وقالت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إن الانفجار ناجم عن قنبلة، ووقع قرب مستشفى مرشد الثورة الإيرانية الخميني في المنطقة، مضيفة أن الحافلة كانت تقل ما بين 40 إلى 50 شخصا، وأن المنطقة أغلقت أمنيا عقب الحادث.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن شهود عيان قولهم إن الانفجار وقع جراء قنبلة في مؤخرة الحافلة إيرانية عندما كانت متوقفة بإحدى محطات الوقود في منطقة السيدة زينب، مشيرة إلى أن عددا من الأشخاص لقوا حتفهم في الحادث.
أما الحكومة السورية فكان لها موقفا آخر، حيث ضربت بكل هذه التقارير عرض الحائط، وخرجت ببيان يعارض كل هذه التفاصيل، حيث قال وزير الداخلية السوري اللواء سعيد سمور إنه ليس هناك عمل إرهابي وراء تفجير الحافلة، وأشار إلى أن ما جرى هو انفجار لإطار خلفي في السيارة.
وأضاف قائلا أن "الموضوع يتعلق بإصلاح عجلة أحد الباصات الفارغة فحصل ضغط زائد نتيجة إصلاح الإطار مما أدى إلى الانفجار".
وهكذا من المفترض أن يؤدي إصلاح إطار سيارة إلى انفجار بهذا الحجم وإلى هذا العدد من القتلى! ومن المفترض أن يصدق هذا التبرير وينطلي على المحللين والقراء ووسائل الإعلام المختلفة!
ونحن إذا استرجعنا تاريخيا الحوادث السابقة وخلال العامين الأخيرين، سنجد أقربها مصرع العميد محمد سليمان بمدينة طرطوس الساحلية في أغسطس 2008، وكان مسئولا حينذاك عن الأمن في مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري، كما أنه كان مستشارا للرئيس السوري بشار الأسد ويقوم بدور الربط بين حزب الله وسوريا.
وقبل شهر واحد كان انفجار سيارة مفخخة صبيحة السبت 27 سبتمبر 2008 على طريق مطار دمشق الدولي بالقرب من منشأة أمنية في تقاطع يؤدي إلى ضريح السيدة زينب الذي يرتاده الشيعة من إيران ولبنان، فقتلت 17 شخصا وأصابت 14 آخرين، ولم يعرف على الفور من كان مستهدفا من وراء الانفجار، ولكن التلفزيون السوري أكد حينها أن جميع القتلى من المدنيين.
والحدث الأبرز كان في 12 فبراير 2008، حيث لقي قائد العمليات بحزب الله عماد مغنية مصرعه بحي كفرسوسة بدمشق، وهو حيّ يوجد فيه حضور إيراني غير قليل وأهداف سورية حساسة، ومن المفترض أنه يحظى بحماية من نوع خاص.
والذي يبدو جليا واضحا أن معظم هذه التفجيرات، استهدفت أما زوارا إيرانيين، أو شخصيات محورية ومفصلية لها تشعبات وارتباطات بالملف الإيراني أو حزب الله.
فالحدث الأخير استهدف زوارا إيرانيين، فيما يبدو حتى الآن، وتزامن مع زيارة يقوم بها الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني وكبير مفاوضي الملف النووي سعيد جليلي إلى دمشق، وكان يجري خلالها مباحثات مع الرئيس السوري بشار الأسد وعدد من المسئولين السوريين، بالإضافة إلى عدد من قادة الفصائل الفلسطينية المقيمة في دمشق.
كما أن انفجار سبتمبر 2008 استهدف كذلك طريقا يرتاده الزوار الشيعة والإيرانيين، في طريقهم إلى هذا الضريح المزعوم.
وحادثة مصرع العميد محمد سليمان، مازالت حتى الآن، يكتنفها الغموض الشديد، حيث لم يفصح النظام السوري عن أية تحقيقات داخلية أو خارجية تقود إلى مرتكبي الحادث أو تكشف عن بعض ألغازه التي ما زالت تحيط به.
والعميد سليمان، كما تواترت على ذلك مصادر سورية متعددة، كان الرجل القوي في نظام سوريا، وكان يعد بمثابة الذراع الأيمن للرئيس بشار الأسد، وكما أسلفنا فإن ملف حزب الله وارتباطاته السورية كانت تحت تصرف هذا المسئول الكبير، الذي أضاف اختفائه بهذه الصورة المريبة تساؤلات ما زالت حائرة حول ما يحدث من تفجيرات داخل الأراضي السورية.
أضف إلى ذلك الحدث الجلل الذي راح ضحيته "الثعلب"، كما يلقب زعيم الجناح العسكري لحزب الله عماد مغنية، الذي قضى في حادث تفجير سيارة، وأطلقت حينها سهام متعددة تتهم الموساد الإسرائيلي وغيره بتصفيته ردا على دوره في حرب تموز 2006.
وسواء صدقت هذه التوجهات أم لا، فإن الوصول إلى هذه الرأس الكبيرة التي تشكل رقما ضخما بالنسبة إلى حزب الله وإيران في عمق الأراضي السورية، وعدم جدية السلطات السرية في فتح تحقيق حول الحاث أو كشف أبعاده، يضيف أبعادا شديدة الغموض حيال تفسير ما يحدث من تفجيرات غامضة.
نحن إذن أمام ما يشبه الظاهرة، وليس مجرد حوادث فردية، تتلاقي جوانبها في مفاصل رئيسية لعل أهمها:
ـ الهدف دائما شخصيات أو قيادات من الحجم الكبير لها ارتباط بملفي إيران وحزب الله على وجه التحديد، وتشكل محور ارتكاز وربط بين النظام السوري وهذه الملفات.
ـ الحوادث دائما ما يكتنفها الغموض ولا يتم الكشف عن أبعادها، حتى بعد مرور أشهر وسنوات، فهي دائما ضد مجهول.
ـ السلطات السورية تحاول في كل مرة التغطية على الحادث سواء بالتمويه الإعلامي كما في حادثة السيدة زينب الأخيرة، أو إطلاق حملة إعلامية موجهة لغرض تهدئة الأوضاع وامتصاص الحدث كما في مقتل مغنية، أو تمويت القضية كما في حاث مقتل الرجل القوي العميد محمد سليمان.
وتبقى أمامنا عدة تساؤلات تبحث عن إجابة:
ـ من وراء هذه الحوادث الغامضة في سوريا؟ وهل تقف وراءها جهة واحدة أم جهات متعددة؟ وهل هي جهات خارجية أم تصفيات داخلية؟
ـ ما هدف هذه الجهات على وجه التحديد؟، ولماذا لا تكشف عن أهدافها، وتصر على هذا الغموض الهادف فيما يبدو؟
ـ لماذا يتم غالبا استهداف شخصيات لها علاقة بملفي إيران وحزب الله؟ولماذا الاستهداف دائما على الأراضي السورية؟
ـ لماذا تلجأ سوريا هي الأخرى لهذا الغموض، وتصر على قيد كل هذه الحوادث ضد مجهول، ولا تفصح عن الفاعلين؟
من الصعب حقيقة الوصول إلى إجابة مقنعة عن كل هذه التساؤلات، ولكن المؤكد أن هناك شيئا خفيا يحدث في ملف العلاقات السورية ـ الإيرانية بامتداداته الإقليمية.