ماهر أبو طير
علينا أن نتمنى أن تهاجم الولايات المتحدة الأميركية، إيران، وان نحضها على ذلك بكل الوسائل، وان ندعمها في هجومها هذا عسكريا وماليا ومعنويا.
السبب في هذا بسيط، إذ إن كل المسؤولين الإيرانيين، يردون دوما على التهديدات الأميركية لبلادهم، بتهديدات لإسرائيل، وبكون طهران قادرة على شطب "إسرائيل" من الخريطة، وآخر هذه التصريحات ما قاله رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في "البرلمان" الإيراني الذي قال قبل يومين إنه إذا هوجمت إيران من الولايات المتحدة، فلن يتبقى من عمر "إسرائيل" سوى نصف ساعة فقط.
هذا كلام جميل سمعناه آلاف المرات، وبتعبيرات مختلفة، وعلى ما يبدو أن لا حل للعرب في قضية فلسطين، سوى تمني توجيه ضربة أميركية ضد إيران، وانتظار الرد الإيراني ضد "إسرائيل"، الذي سيحل مشكلتنا، ويزيلها عن الخريطة تماما، ومن الممكن هنا، ان نصدق التهديدات الإيرانية، وان نصبح انتهازيين، بحيث يحتمل الشعب الإيراني هذه الضربة الدموية، كونها ستؤدي نهاية المطاف إلى الانتقام من "إسرائيل"، وتحرير الشعب الفلسطيني.
لكن للمفارقة، يمكن عكس معنى الكلام، إذ إن كل التهديدات الإيرانية ضد "إسرائيل"، عبر إيران، أو من يتبع لها في المنطقة، مربوطة فقط، بحالة الاعتداء عليها من جانب الولايات المتحدة، وهذا يعني أن واشنطن إذا لم توجه ضربة لإيران، فإن الانتقام الإيراني من "إسرائيل"، مؤجل، أو غير وارد، ابدا.
مسكينة هي فلسطين، التي استغلتها أنظمة ظالمة لقمع شعوبها، بذريعة معركة تحرير فلسطين، وتاجر بها سياسيون ورجال اعمال، و"رجال دين"، وقام بتوظيفها كل من يبحث عن شعبية، وبحيث باتت كل مصيبة في العالم العربي، يتم التجهيز لها، يتم مسبقا ربطها بفلسطين، أو تبريرها لاحقا، بكونها وقعت بسبب فلسطين.
تبدو نقطة الضعف الأخلاقية في التهديدات الإيرانية المتواصلة ضد "إسرائيل"، كامنة بربط الانتقام من "إسرائيل"، في حال إيذاء الشعب الإيراني، فقط، فماذا يمكن ان يقال اذا لم تقم الولايات المتحدة الأميركية بتوجيه أي ضربة، واذا ما كان ممكنا، لحظتها، القول لـ"إسرائيل" ان بإمكانها العيش بسلام وامان .
ربما يخرج علينا من يقول إن هذا تحريف في المعنى، وإن قصد الإيرانيين إثارة ذعر الولايات المتحدة الأميركية عبر الضغط على "إسرائيل"، كل فترة، وبحيث يهرع "الإسرائيليون" ويرجون واشنطن ألا توجه أي ضربات، إذ قد يكون لدى الإيرانيين أسلحة غير معروفة، يتم استعمالها ضد الاحتلال الذي لا يحتمل اي ضربات، أو احتمالات، لا تعرف كلفتها النهائية، مهما بلغت قدرات "تل أبيب".
هذا الكلام، غير مقنع، لأن التهديد الإيراني، بشكل واضح، يتكرر منذ أربعين عاما، وهم في هذه الحالة، قد لا يختلفون عن عواصم عربية، و"تنظيمات"، و"أحزاب دينية وقومية"، وشخصيات معروفة أمضت عمرها، وهي تهدد "إسرائيل"، فإما تعرضت إلى نكسات ونكبات، واما تبين أن كل هذا الكلام، مجرد دعاية.
كل هذا يأخذنا إلى السؤال الأهم، حول المشروع الإيراني، واذا ما كان هذا المشروع موجها ضد "إسرائيل"، في أهدافه وغاياته، حقا، أم ان فلسطين هنا، مجرد حبة الكرز على قالب الحلوى الإيرانية، التي يتم تزيين المشروع بها، لاعتبارات كثيرة، بالإضافة إلى أن اتهام "إسرائيل" يبدو يوميا، في هذه الحروب التي تشن ضد إيران، وسلسلة تحالفاتها في العراق وسورية ولبنان، وبكون الاحتلال يدرك خطورة إيران على وجوده، فيستبق هذه الخطورة بكل هذه الحروب، لإنهاك الإيرانيين ومن معهم، في العالم العربي.
ثم إن علينا أن نسأل السؤال الثاني من باطن السؤال الأول، ماذا لو توصل الإيرانيون والأميركيون إلى صفقة كبرى، وتوقفت طبول الحرب، ولحظتها نسأل أيضا عن فلسطين في المشروع الإيراني، وعن مصير "إسرائيل" في هذا المشروع، وهي لحظة صعبة ربما يصعب على الإيرانيين مواجهتها.
الذين يؤيدون إيران أو توابعها في المنطقة يتحسسون من هذا الكلام، ويريدون فقط، ان نصدق هذه التصريحات ضد الاحتلال "الإسرائيلي"، مثلما صدقنا تصريحات سابقة من أنظمة "قومية عربية"، ضد الاحتلال، فلم نخرج إلا بخيبات الأمل، وهم يصرون على أن الحرب الحقيقية ضد إيران، ومن معها، مصدرها "تل ابيب"، ونريد ان نصدقهم اليوم، ونطلب منهم، أن ينصحوا اصدقاءهم في طهران، ان يتوقفوا عن التهديد المشروط لواشنطن، اذا تعرضوا لضربات فقط، وكأنهم يقولون لا تضربونا ولا نضربكم.
المصدر : جريدة الغد الأردنية
30/10/1440
3/7/2019