فيلق بدر ومذابح الفلسطينيين في العراق

بواسطة علي باكير قراءة 1992

فيلق بدر ومذابح الفلسطينيين في العراق

  علي باكير

التاريخ29/10/1427هـ

الإسلام اليوم / الفلسطينيون في عين العاصفة من جديد، و كأن القدر أن يلاحقهم الموت حتى في البلدان التي لجؤوا إليها هرباً من المجازر الإسرائيلية حماية لأولادهم و أطفالهم، وبحثاً عن مستقبل لهم يخوّلهم استعادة حقّهم في وطنهم من جديد.

تشير الدراسات المختلفة حول اللاجئين الفلسطينيين في العراق ، إلى رحيل نحو (4000-5000) فلسطيني تحت وطأة المجازر الإسرائيلية عام 1948 معظمهم من قرى قضاء حيفا إلى الجمهوريـة العراقية، و ذلك بوساطة شاحنات الجيش العراقي التي انسحبت من الساحل الفلسطيني إلى جنين حيث تجمعت و انتقلت بعد ذلك إلى بغداد. و تفيد الإحصاءات المتوافرة إلى ارتفاع مجموع اللاجئين الفلسطينيين في العراق نتيجة التكاثر الطبيعي إلى (44000) أو أقل قليلاً في نهاية العام 2003 تاريخ الاحتلال الأمريكي للعراق. تستأثر العاصمة العراقية بغداد بِـ 96.1% من اللاجئين الفلسطينيين في العراق، و2.4% في الموصل، و 1.5% في البصرة.

 لقد أضحى اللاجئون الفلسطينيون في العراق عقب الاحتلال عام 2003 هدفاً للعنف والمضايقات والطرد من المنازل؛ إذ دأبت العصابات على إطلاق أسلحتها الهجومية وقذائف الهاون على أماكن سكن الفلسطينيين، وإلقاء القنابل داخل بيوتهم. و لم يقتصر الأمر على طردهم من منازلهم و تهديدهم و إذلالهم، بل وصل إلى حد سجنهم و قتلهم و تعذيبهم و تشويههم، و لم ينحصر الأمر على حالات فرديّة، بل تعدّاه ليصبح ظاهرة لفتت انتباه المنظمات العالمية.

 

فلسطينيو العراق "وهّابيون" و "إرهابيون"!!

لقد أدّى احتلال العراق إلى انهيار الدولة و المجتمع، و كل ما يتّصل بهما و بدلاً من أن يفترض المنطق قيام الحكومات العراقية التي قدمت مع الاحتلال الأمريكي بتأمين الحماية لهؤلاء اللاجئين نظراً لوضعهم الاستثنائي و لانعدام الخيارات لديهم قامت هذه الحكومات خلال العامين الماضيين بالتعبير عن عدائية طائفية و سياسية معلنة ضدهم من خلال الادعاء بأنهم متورطون في "الإرهاب ويدعمون المتمردين!!" بدءاً بحكومة الجعفري التي عملت على نسْب الإرهاب إليهم من خلال دفع بعضهم بالإدلاء بشهادات متلفزة كاذبة نتيجة التعذيب بالتعاون مع وزير الداخلية الطائفي و الشعوبي و صاحب فضيحة معتقلات التعذيب الشيعية "بيان جبر صولاغ" المنتمي إلى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي يتزعمه عبد العزيز الحكيم. و قام أتباع وزارة الداخلية من "لواء الذئب" و فيلق بدر و باعتراف منظمة (هيومان رايتس ووتش) الأمريكية باعتقال وتعذيب العديد من اللاجئين الفلسطينيين، كما كانوا مسؤولين عن اختفاء الكثير منهم في عدد من الحالات، و ترافق ذلك مع قيام فيلق بدر بتوزيع منشورات على نطاق واسع في كل من بغداد و الحرية و البلديات يهدّد بقتل الفلسطينيين إذا لم يرحلوا عن البلاد بدعوى أنّهم (وهّابيون يساندون الإرهابيين!!).

و في أكتوبر 2005، دعت وزيرة الهجرة والمهجرين الحكومة إلى إبعاد جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى غزة متهمةً إياهم بالمشاركة في الأعمال الإرهابية. وقد تلقت منظمات حقوقية دولية إفاداتٍ متطابقة من فلسطينيين وعراقيين تتحدث عن قيام جهات تابعة لوزارة الداخلية بمضايقة اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وممارسة التمييز بحقهم، واستهدافهم بالاعتقال واتهامهم بالإرهاب.

و ينقل الأستاذ عبد الكريم ريحاوي رئيس المنظمة السورية (سواسية لحقوق الإنسان) شهادة أحد الفلسطينيين حول التعذيب الذي تعرض له لمجرد كونه فلسطينياً؛ إذ احتجز ثمانيةً وستين يوماً في قاعدة الكوت العسكرية جنوب بغداد، و يقول: "كان الحرس يدخلون غرفة الاحتجاز ويسألون عن "الفلسطيني"؛ وكانوا يضربونه بانتظام ويعرضونه للصعق الكهربائي. وقد قال محامي مجموعة من الفلسطينيين اعتُقلوا في مايو 2005 بتهمٍ تتعلق بالإرهاب أن موكليه تعرّضوا للضرب بالسلاسل الحديدية وللصدمات الكهربائية ولحرق الوجه بالسجائر، ووُضعوا في غرفةٍ تغمرها مياهٌ مكهربة. كما اعتقلت وحدات الحرس الوطني العراقي في أبريل 2005 فلسطينياً في الخامسة والسبعين من العمر؛ ومازال الرجل "مختفياً"، مع وجود شكوك بقيامهم بقتله أثناء الاحتجاز.

لقد دفعت حالات القتل الفاضحة المفوض السامي للاجئين (أنطونيو غوتيريس) إلى مناشدة الرئيس العراقي جلال الطالباني التدخل لوقف أعمال القتل بحق الفلسطينيين، و عدم التضييق عليهم. فبعد أن كان اللاجئون الفلسطينيون يتمكنون بسهولةٍ من تجديد إقامتهم في العراق فيما مضى، أصدرت وزارة الداخلية تعليماتها لهم بالحصول على تصاريح إقامة قصيرة الأجل معاملةً إياهم بوصفهم أجانب غير مقيمين، بدلاً من معاملتهم كلاجئين معترفٍ بهم. كما أن إجراءات الحصول على الإقامة شاقةٌ ومرهقة؛ إذ تتطلب أن يُحضر اللاجئ الفلسطيني جميع أفراد أسرته إلى مكتب تابع لوزارة الداخلية بغية تجديد تصاريح الإقامة، وهو أمر قد يستغرق أياماً أو أسابيع. كما أن تصاريح الإقامة الجديدة تكون صالحةً لشهرٍ أو شهرين فقط!!

 

فيلق بدر و جيش المهدي يغتالون فلسطينيين على قائمة إسرائيل!!

و في إطار الحملة الإعلامية التحريضية الشعوبية على الوجود العربي بشكل عام والوجود الفلسطيني بشكل خاص في أرض الرافدين؛ تظهر الأحقاد الدفينة (الطائفية والعنصرية) التي تغذّيها أفكار الصفويين في إيران و أموالهم.

إذ لم تكتف فرق الموت الإيرانية و جماعات التكفير الشيعية في قتل العلماء و الأساتذة والعسكريين السابقين الذين شاركوا في الحرب العراقية-الإيرانية، و في اغتيال العقول العلمية و الدينية و الكفاءات و المجاهدين (و هذا موضوع يحتاج إلى بحث كامل) بل تعدّته إلى سفك دماء الفلسطيني في العراق مقدّمة بذلك خدمات جليلة، و هديّة عظيمة إلى الموساد الإسرائيلي و الدولة الصهيونية. الحقائق بطبيعة الحال تتكلم عن نفسها، فمن أبرز الاغتيالات التي قام بها كل من فيلق بدر بقيادة عبد العزيز الحكيم و جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر المدعومين مباشرة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المال و التدريب و التسليح اغتيال ثلاثة من أشهر القادة الفلسطينيين الواردة أسماؤهم على لائحة الاغتيالات الإسرائيلية منذ العام 2000، عُرف من بينهم و من أشهرهم الشيخ أحمد فرج أحد قادة حماس السابقين، والذي يُعدّ على رأس قائمة الاغتيالات الصهيونية؛ الأمر الذي دفع محمود أحمد فتحي عضو جمعية شؤون الفلسطينيين في العراق إلى أن يقول في تصريح صحفي: "إن العصابات الشيعية التي يقودها السيستاني والحكيم والصدر قد نفّذت وبجدارة أجندة إسرائيل تجاه الفلسطينيين المطلوبين لديها، والذين قام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بإيوائهم في العراق.

كما اتهم رئيس كتلة فتح بالمجلس التشريعي السفير الفلسطيني السابق بالعراق عزام الأحمد هذه العصابات الشيعية باستهداف الفلسطينيين بالقتل لأسباب عرقية وطائفية، قائلاً: "إن القوى العراقية القادمة من إيران وتحديداً المجلس الأعلى للثورة الإسلامية قد ارتكبت أكبر أعمال قتل ضد الفلسطينيين بالعراق لأسباب عرقية طائفية، و إن سبب القتل ليس سياسياً بل معظمهم قُتل نتيجة التعصب من قِبل قوى طائفية ضد الفلسطينيين والعرب عموماً".

 

قتلى الفلسطينيين في العراق يفوق عدد قتلاهم في إسرائيل!!

على ذمة "مفكرة الإسلام" فإن السيد قاسم محمد مدير مركز حقوق الإنسان والدراسات الديمقراطية قال إن "عدد مَن قُتل من الفلسطينيين في العراق على يد جيش المهدي وفيلق بدر خلال العام المنصرم، والحالي يفوق عدد قتلاهم على يد اليهود في فلسطين خلال الفترة نفسها". و على الرغم من أنّه لا إحصاء رسمياً بخصوص عدد القتلى الفلسطينيين على أيدي العصابات الشيعية المدعومة إيرانياً فإنّ التقديرات تتفاوت وصولاً إلى الرقم (900)، وبعض المصادر تضيف عدد المهجّرين و المعذّبين و المعتقلين فيصبح العدد عندها بالآلاف.

 لكنّ الأكيد في جميع الأحوال أن العدد كبير، و أن الأمر خرج عن كونه عملاً فردياً ليصبح ظاهرة جذبت اهتمام المنظمات الإقليمية و الدولية المهتمّة بحقوق الإنسان و اللاجئين. فقد توعدت لجنة الدفاع عن حق العودة في الأردن بأنها ستلاحق المجموعات المسلحة التي تستهدف اللاجئين الفلسطينيين في العراق بكل الملفات والوثائق لتقديمهم للعدالة الدولية وكل من يقف وراءهم كمجرمي حرب ارتكبوا العديد من أعمال القتل والتنكيل بحق المدنيين الأبرياء، وخاصة اللاجئين الفلسطينيين في العراق. وأعلنت اللجنة في بيان أصدرته أنها بصدد العمل على تقديم دعوى رسمية للمحكمة الجنائية الدولية ضد هذه المجموعات بالتعاون مع لجان الدفاع عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين في العالم ومنظمات حقوق الإنسان والجمعيات الحقوقية والإنسانية.

و كانت منظّمة (هيومان رايتس ووتش) قد ذكرت الشهر الفائت أنها حصلت على منشور وزّعه جيش المهدي في بغداد و يحمل اسم "وحدات الرد السريع لكتيبة ثأر آل البيت" جاء فيه: "لا مكان للفلسطينيين في عراق علي والحسن والحسين. سيوفنا يمكن أن تصل إلى الرقاب"، وحث الفلسطينيين على مغادرة العراق و الذهاب "لمقاتلة الاحتلال في بلدكم"!!

 



مقالات ذات صلة