بئس الجار
عصام زيدان
الخبر:
احتجت المنامة رسميًا على مقال ورد بصحيفة "كيهان" الإيرانية الرسمية اعتبر فيه حسين شريعتمدارى أن للبحرين حسابًا منفصلاً عن دول مجلس التعاون في الخليج؛ لأنها جزء من الأراضي الإيرانية, وأن المطلب الأساسي للشعب البحريني حاليًا هو إعادة هذه المحافظة إلى الوطن الأم, كما اعتبر الأنظمة الخليجية غير شرعية.
التعليق:
ليست الطائفية التي تكسو التوجهات الإيرانية والفارسية التي تنبعث منها تلك الرائحة الكريهة الكارهة للعرب والسنة بشيء جديد على رجال السياسية والدين في إيران, فهذا ديدنهم ودينهم مع اختلاف فقط في جرعة السمية بين إصلاحيين ومحافظين, وفي درجة التقية التي يداري بها كل منهما توجهاته ورغباته المكنونة.
إذا كان ذلك كله معروفًا من ذي قبل, فالأخطر في هذه المقالة أنها تعدت الرغبات الفكرية المجردة والطموح النفسي المكبوت, وتخلت عن تلك التقية وأظهرت بعضًا مما أضمرته تلك النفوس الممتلئة ببغض العرب عامة والسنة على وجه الخصوص, ولم تنس يومًا مُلك فارس المجوسي الذي ذهب على يد الصحابة الكرام الفاتحين.
ويخطئ من ينظر إلى هذا المقال وما ورد فيه على أنه مجرد رأي أو وجهة نظر منقطعة تمثل فردًا واحدًا, فالمقال لا يمكن أن نعتبره توجهًا شخصيًا من كاتبه حسين شريعتمدارى, لعدة أسباب؛ منها أن الكاتب هو مستشار مرشد الثورة على خامئني, ومن ثم لا يتصور أن يخرج الرجل عن التوجهات المرسومة لها سلفًا, لاسيما وأنه يكتب كذلك في صحيفة رسمية.
كما أن شريعتمدارى شغل من قبل منصب مدير الاستخبارات الإيرانية, فهو يعرف ويقدر معنى تلك الكلمات وصداها على دول الجوار, ولا يمكن بالتالي اعتبارها زلة قلم, فهي في اعتبارنا السطر الأول المعلن في سلسلة مقالات تنتهي بحسب التصور الفارسي في إعادة مُلك فارس, وإيقاد "النيران المقدسة" التي أطفئت مجددًا.
والحكومة الإيرانية فيما يبدو دخلت في "السرداب" لتعيش "غيبة اختيارية", وكذلك الحال بالنسب للرئاسة تجاه تلك التصريحات الاستفزازية المقصودة التي أطلقها شريعتمدارى.
المقالة في طياتها تحمل عدة دلالات, لعل أولها كما سبق وأسلفنا أن لحظة الانطلاق لإعادة المجد الفارسي وإمبراطوريته قد بدأ مجددًا, وأن فريسته الأولى ربما ستكون الدول الخليجية ذات القدرات الدفاعية والقتالية المتواضعة.
الرسالة الثانية: أن إيران ستستغل التنوع المذهبي لدول الخليج, لإشاعة جو من التوتر والقلاقل في تلك الدول يمهد ويسمح لها بممارسة نفوذها وإحكام سيطرتها على الواحدة تلو الأخرى.
فإذا كانت الأوضاع الإقليمية والدولية لا تسمح حاليًا بممارسة القوة العسكرية, فإن "القوة الطائفية" ستكون كلمة السر الإيرانية لمحاولة إسقاط الأنظمة في هذه الدول وإعادتها للفلك الفارسي.
الرسالة الثالثة: أن دول الخليج كلها في المنظور الإيراني فاقدة للشرعية, ومن ثم فإن محاولة إعادة الشرعية إلى نصابها سيكون من وجه النظر الإيرانية أمرًا مشروعًا, وهو ما يعنى أن الخليج كله يتعين إعادة هيكلته لتصبح السلطة فيه شرعية, وهي بالضرورة, من وجهة النظر الإيرانية, إما أن تكون سلطة تابعة مباشرة للتاج الفارسي أو على الأقل تدور في فلكه.
من الواضح إذن أن إيران ستتخذ سياسات أكثر تشددًا في علاقاتها مع دول الخليج مستغلة الفراغ الذي أحدثه سقوط النظام العراقي, وغياب المنظومة العربية الفاعلة حتى في حدها الأدنى الذي يضمن استقرار الأوضاع الحالية في مقابلة الخطر الزاحف.
وإذا كانت المحاولات الإيرانية دءوبة ومستمرة ودونها عقبات ومصاعب جمة, إلا أنها في الأخير تكشف عن النوايا الإيرانية تجاه دول الخليج العربي, التي يتوجب أن تلتفت إلى الخطر الذي يطرق بابها وتتناسى في الظرف الراهن أية خلافات جانبية, وتعيد النظر مجددًا إلى عمقها العربي المهدد.